السعي للفوز بقلب عبادي
التاريخ: 2011-08-12

السعي للفوز بقلب عبادي

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • خلق التغيير الداخلي في أنفسنا والتمسك بأوامر الله عز و جل
  • الالتزام الكامل بالأوامر الإلهية والدعاء والتضرع لله وحده
  • الجماعة الأحمدية هي الجماعة الوحيدة الساعية للحفاظ على دين محمد المصطفى
  • إن حصول كل فرد من أفراد الجماعة على لقب عبادي يجعل الدين ثابتا في وجه كل المفاسد وإغراءات الشيطان

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة:187)

بقدر ما تحتاج الدنيا للخضوع أمام الله تعالى في هذه الأيام بقدر ما هي بعيدة عنه ؛ أي أن الإنسان الذي هو أشرف المخلوقات هناك ضعف وفتور في علاقته بالله بقدر ما هو بحاجة إلى توطيدها معه لاجتناب مفاسد الدنيا وابتلاءاتها ولتحسين عاقبته. والذين يدّعون توطيد العلاقة معه أيضا ليسوا منتبهين إلى هذا الأمر أو لا يسعون للانتباه إليه. ولا يدركون أن الإيمان الظاهري والعبادة الظاهرية لا تكفي لتوطيد العلاقة بالله تعالى، بل لا بد من البحث عن تلك الروح التي تبلِّغ المرء إلى مغزى الإيمان والعبادات. هذا هو حال الذين يدّعون الإيمان والعلاقة بالله عزّ وجل. وثلاثة أرباع سكان العالم تقريبا إما جعلوا لله شركاء أو هم متورطون في الشرك بوجه أو بآخر، أو لا يؤمنون بالله أصلا بل ينكرون وجوده. ثم لم يقتصروا على إنكار الله بأنفسهم بل لم يدّخروا جهدا في سبيل إضلال الآخرين أيضا. وفي خضمّ هذه الأحداث والظروف هناك جماعة صغيرة للذين يؤمنون بالله تعالى ويصدّقون تحقّق وعود الله تعالى ونبوءات رسوله   . والذين يوقنون أنه حين نسيت الدنيا خالقها وخالق السماوات والأرض أو ليست لديها معرفة كاملة وإدراك كامل بوجوده فإن الله تعالى إظهارا لربوبيته ولإخراج العالَم من حالة الفساد وتقريبه العبد إليه سبحانه قد بعث في هذا العصر إمام الزمان. وهذا الحزب هو نحن الأحمديون بفضل الله تعالى ورحمته. ولكن هل يكفينا مجرد الإيمان واليقين بأن الله تعالى قد بعث هذا الإمام، وأن هذا المبعوث وبعض حوارييه سيقومون بتوطيد العلاقة بين الخالق والمخلوق ويسعون لرفع الفساد من العالم؟

ثلاثة أرباع سكان العالم تقريبا إما جعلوا لله شركاء أو هم متورطون في الشرك بوجه أو بآخر، أو لا يؤمنون بالله أصلا بل ينكرون وجوده. ثم لم يقتصروا على إنكار الله بأنفسهم بل لم يدّخروا جهدا في سبيل إضلال الآخرين أيضا.

إذا كنا نحن الأحمديين متمسكين بهذه الأفكار فإن أفكارنا أقرب من الذين يدّعون الإيمان بلسانهم ويدّعون بالقيام بالعبادات ولكنهم بعيدون من العمل كل البُعد. فإذا كنا لا نحاسب أنفسنا ولا نوطد علاقتنا مع الله تعالى ولا نرسّخ هذه الدعوة في أذهان أجيالنا ولا نبلّغها إلى مجتمع نعيش فيه فهذا يعني أننا فقدناها وإن كنا قد وجدناها ظاهريا. وكأننا قبِلنا عداوة الدنيا ومع ذلك ما وجدنا الله . إذًا، فلا بد أن نخلق في أنفسنا بعد الانضمام إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية وبيعة المسيح الموعود روحا يجب أن يتحلّى بها كل عبد من عباد الرحمن. وهناك حاجة للوصول إلى المعايير التي جاء سيدنا رسول الله   لترسيخها. وحين أخبره اللهُ تعالى أن الأمة تتخلى عنها يوما قلق   من أجلها بشدة. وحين وجده الله تعالى حزينا قلقا أجاب أدعيته في حق أمته وبشّره قائلا:

  وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الجمعة: 4)

فقد أزال الله تعالى اضطرابه   قائلا: يا محمدُ، كما حوَّلتَ أنت قوما مشركين وجاهلين إلى أهل الله، وكما أن المشغوفين في اللهو واللعب وغير العارفين بوجود الله صاروا حائزين على مستويات عليا من العبادات ببركتك أنت، كذلك سأبعث في الآخرين من أمتك – على الرغم من فسادها – شخصا محبا صادقا لك، وبواسطته سأجعلهم عباد الرحمن مرة أخرى فسيؤدون حق عبادتي كما يجب.

فيا محمد ( ) ستواجه أمتك انحطاطا مؤقتا، ولكن الله العزيز الحكيم قد قدّر أن دين محمد   هو الدين الوحيد الذي تكمن فيه الآن نجاة البشر أجمعين. وفي دين محمد   وحده توجد بارقة الأمل، وهو العلاج الوحيد لدرء المفاسد من العالم كله. وهذا هو الدين الوحيد الذي سيغلب على العالم كله مُظهرا حُسنه وجماله. وإن المؤمنين بالمسيح المحمدي هم الذين سيؤدون دورهم لتوطيد العلاقة بالله تعالى. فهذا ما قدّره الله تعالى ربُّ العالمين لينقذ أشرف المخلوقات من الضياع ويعيد لخير الأمة مجدها الغابر. وسيقدر ذلك في المستقبل أيضا. فقد طمأن الله تعالى النبيَّ   أنه سيأتي محبك الصادق ويقيم الدين في الدنيا من جديد. ولكن هذا المسيح الموعود الآتي سيأتي ببركة النبي   فقط. يقول سيدنا المسيح الموعود في ذكر ربوبية الله تعالى:

«وأشار الله سبحانه في قوله: رَبِّ الْعَالَمِينَ إلى أنه هو خالقُ كل شيء ومنه كلُّ ما في السماوات والأرضين. ومِن العالَمين ما يوجد في الأرضين مِن زُمر المهتدين وطوائف الغاوين والضالين، فقد يزيد عالَمُ الضلال والكفر والفسق وتركِ الاعتدال، حتى يُملأ الأرضُ ظلمًا وجورًا ويترُك الناس طرقَ اللهِ ذي الجلال، لا يفهمون حقيقة العبودية، ولا يؤدّون حقّ الربوبية. فيصير الزمان كالليلة الليلاء، ويُداسُ الدين تحت هذه اللأواء. ثم يأتي الله بعالَمٍ آخر فتُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض وينْزل القضاء مُبدَّلاً من السماء، ويُعطَى للناس قلبٌ عارفٌ ولسانٌ ناطقٌ لشكر النعماء، فيجعلون نفوسهم كمَوْرٍ مُعبَّد لحضرة الكبرياء، ويأتونه خوفًا ورجاء بطرفٍ مغضوض من الحياء، ووجهٍ مُقبِل نحو قبلة الاستجداء، وهمّةٍ في العبودية قارعةٍ ذُروةَ العلاء. ويشتدّ الحاجة إليهم إذا انتهى الأمر إلى كمال الضلالة، وصار الناس كسباعٍ أو نَعَمٍ من تغيُّرِ الحالة، فعند ذلك تقتضي الرحمة الإلهية والعناية الأزلية أن يُخلَق في السماء ما يدفع الظلام، ويهدم ما عمر إبليسُ وما أقام، من الأبنية والخيام. فينْزل إمامٌ من الرحمن، ليذُبّ جنودَ الشيطان. ولم يزل هذه الجنود وتلك الجنود يتحاربان، ولا يراهم إلا من أُعطِيَ له عينان، حتى غُلَّ أعناقُ الأباطيل، وانعدمَ ما يُرى لها نوعُ سرابٍ من الدليل. فما زال الإمام ظاهرًا على العِدا، ناصرًا لمن اهتدى، مُعْلِيًا معالمَ الهدى، مُحيِيًا مواسمَ التُّقَى، حتى يعلم الناس أنه أَسَرَ طواغيتَ الكفر وشدَّ وِثاقَها، وأخَذ سباع الأكاذيب وغلَّ أعناقَها، وهدَم عمارةَ البدعات وقوّض قِبابَها.»

فإذا دعوت الله تعالى فلا تكتفي بترديد بعض الكلمات بلسانك بعض الوقت ثم تفرغ من الصلاة أو الدعاء، بل ينبغي أن تستولي عليك الرقة واللوعة حتى يذوب قلبك وتفيض عينك بالدموع، موقنًا بأن الله تعالى هو سندك الأخير الذي يجيب دعاءك.

فيقول بأن هذا الانقلاب العظيم قد حدث بواسطة النبي   . فهل كان هذا الانقلاب مؤقتا فقط؟ وهل العالم الذي بُعث النبي   فيه كان عالما مؤقتا فحسب؟ كلا، بل كان النبي   خاتم الأنبياء وإن زمنه ممتدّ إلى يوم القيامة. وإن أمته سوف تبقى غالبة إلى يوم القيامة بإذن الله وهو   نبي الأمة المسلمة. فكما قلتُ بأنه   كان قد أُخبِر بانقلاب سيظل جاريا وأخبره الله تعالى بأنه سيُبعَث شخص في المستقبل. يقول المسيح الموعود شارحا هذا الموضوع:

«ثم هو سبحانه أشار في قوله: رَبِّ الْعَالَمِينَ إلى أنه خالقُ كل شيء وأنه يُحمَد في السماء والأرضين، وأن الحامدين كانوا على حمده دائمين، وعلى ذكرهم عاكفين، وإنْ مِن شيء إلا يسبِّحه ويحمَده في كل حين. وإن العبد إذا انسلخ عن إرادته، وتجرّدَ عن جذباته، وفنى في الله وفي طرقه وعباداته، وعرف ربَّه الذي ربّاه بعناياته، حمِده في سائر أوقاته، وأحبَّه بجميع قلبه بل بجميع ذرّاته، فعند ذلك هو عالَمٌ من العالَمين، ولذلك سُمّي إبراهيم أُمّةً في كتابِ أعلَمِ العالِمين.

ومن العالَمين زمانٌ أُرسِلَ فيه خاتم النبيين، وعالَمٌ آخر فيه يأتي الله بآخرين من المؤمنين في آخر الزمان رحمةً على الطالبين، وإليه أشار في قوله تعالى:

لَهُ الْحَمْدُ فيِ الأُولَى وَالآخِرَة (القصص:71)

فأومأ فيه إلى أحمدَين وجعَلهما مِن نعمائه الكاثرة. فالأول منهما أحمدُ المصطفى ورسولنا المجتبى، والثاني أحمدُ آخرِ الزمان، الذي سُمّي مسيحًا ومهديًّا من الله المنّان. وقد استنبطتُ هذه النكتة من قوله:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

فليتدبّرْ من كان من المتدبّرين.»

لقد اقتبستُ هذين المقتبسين من كتاب  «إعجاز المسيح» الذي ألّفه المسيح الموعود بالعربية.

فبسبب طاعة المسيح الموعود الكاملة للعبد الكامل   وبلوغه الذروة في حبه وإخلاصه له   ونتيجه خلعه لباس أهوائه، وبسبب فنائه في الله تعالى قد بعثه الله في هذا الزمن الأخير، فعلّمنا بدوره طرق الحب والإخلاص لله وسبل عبوديته . فكما ذكرت أن الله تعالى ببعثة النبي   قد أحدث إنقلابا عظيمًا بحيث تحول المنكرون والمشركون إلى عباد ربانيين، ثم أوصل هؤلاء العبادُ رسالةَ محمد   إلى مختلف الشعوب والبلاد وجعلوا منهم عبادًا يعبدون الله الواحد. ولكنهم لما نسوا الله ومالوا على الدنيا ونسوا الهدف من خلقهم مع مرور الوقت فقد حرموا من أفضال الله تعالى. لا شك أنه حفاظًا على استمرارية النظام الروحاني ظلّ الله تعالى يقيم عباده الصالحين هنا وهناك في ذلك العصر المظلم أيضا، ولكن تلاشى ذلك العز والشرف الذي حظي به المسلمون الأوائل ولم تعد لهم العلاقة مع الله التي أحرزوها في صدر الإسلام. أما الآن فقد أعلن الله رب العالمين في هذا العصر عن إحداث إنقلاب عظيم ببعثة أحمد الثاني وسيواصل متبعوه هذه المسيرة الآن، بل لا يؤمن به حقيقة إلا من يساهم في استمرار هذا الانقلاب. فعليكم أن تصبحوا عباد الرحمن واجعلوا الآخرين عباد الرحمن مستعينين بالله تعالى. فلو فعلنا ذلك أمكننا القول بأننا نختلف عن المسلمين الآخرين وإلا فإن مجرد ادعاء الإيمان ليس بشيء يميزنا عن الآخرين. لقد بُعث المسيح الموعود وأنجز مهمة عظيمة لإحياء الإسلام، فكان من بين أصحابه عباد الرحمن الذين كانوا أصحاب كشوف ورؤى، والذين أدوا حق كونهم عباد الله تعالى. لقد تحققت نبوءة وآخرين منهم ببعثة المسيح الموعود ، وحاز صحابته تلك المرتبة السامية التي أوصلتهم مع الأولين، والآن فإن نبوءات رقي هذا النظام والجماعة مستمرة إلى يوم القيامة. لا يليق بنا أن نكتفي بذكر هذا الرقي بكل تفاخر بل ينبغي أن ندرك مسؤولياتنا تجاه المساهمة في هذا الرقي ولنصبح جزءا منه. لا يسعنا أن نفرح بما فعله آباؤنا بل لا بد من مواصلة ذلك الانقلاب الذي نلحظه في حياة صحابة المسيح الموعود . تقع اليوم على عاتق الأحمدي مسؤولية إنقاذ العالم من الآفات وإنشاء علاقته مع الله. فلا نستطيع أن نُعَدَّ من أتباع أحمد الثاني الحقيقيين ما لم نبذل جهودنا فردًا وجماعة وما لم يدرك كلّ منا واجباته ومسؤولياته تجاه هذا الأمر، ولا يسعنا أداء هذه المسؤولية ما لم نصبح عباد الله تعالى الذين يصيرون صورة متجسدة لقوله تعالى: فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي . وهذه منة من الله تعالى إذ أتاح لنا – لتحسين حالاتنا الروحانية – فرصةً أخرى للمرور من شهر رمضان الذي تفتح فيه أبواب وسبل لتلبية أوامر الله تعالى وإحراز الرقي في الإيمان ونيل قرب الله تعالى. فالسعداء هم الذين ينالون شرف خطاب الله تعالى عبادي في هذا الشهر. وفقنا الله تعالى في هذا الشهر لنيل قرب الله تعالى بكل حرص والتياع.

قال المسيح الموعود وهو يذكر أهمية هذا الشهر الفضيل:

“إن هذا الشهر صالح جدًّا لتنوير القلب… تؤدي فيه الصلاة إلى تزكية النفس، أما الصوم فيحظى به القلب بالتجلّي”..  أي أن هذا الشهر صالح لتنوير القلب. ولكن لماذا هذا الشهر بالذات؛ فهو أيضا يحتوي على تسع وعشرين يوما أو ثلاثين كالشهور الأخرى؟ إنه صالح لذلك لأنه قد جمعت فيه عبادتان اثنتان بشكل خاص وأتاح الله تعالى لعباده فرصةً للقيام بهما أو وفقهم لأدائهما.

يقول حضرته : “والمراد من تزكية النفس أن يصير العبد في معزل عن شهوات النفس الأمارة، وأما التجلّي على القلب فيعني أن يُفتح عليه باب الكشف بحيث يرى الله عز وجل”. (تفسير المسيح الموعود  ، تفسير قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ).

فحري بنا بذل السعي لتحقيق هذا الهدف العظيم. لقد اجتمعت في رمضان عبادتان وهما الصلاة والصوم. إذن فلا بد لنا أن نتمتع في صلواتنا أثناء رمضان بحالة روحانية خاصة تؤدي بنا إلى الوصول إلى تزكية النفس التي تبعدنا عن السيئات والشهوات حتى نسمع بأنفسنا نداء الله تعالى: فإني قريب . يجب ألا تكون صلاتنا هذه أو صومنا مقصورة على شهر رمضان فقط بل يجب أن نؤديها بهذا الحماس والعزيمة بحيث نجعل كل التغييرات الحاصلة فينا في هذا الشهر الفضيل جزءا من حياتنا، وأننا سنظل ملبين أوامر الله تعالى، ونزداد إيمانًا مع إيماننا. نؤدي هذه العبادات بهذا التفكير أن بقاءنا يكمن في كوننا عبادًا حقيقيين لله تعالى وإن بقاء العالم منوط بنا. فأنى لنا هداية العالم إذا كنا في الظلمات، وكيف لنا إرشاد الآخرين ليصبحوا عباد الله تعالى إذا كنا لا ندرك المعاني العميقة لقوله تعالى: عبادي ؟

لقد بعث الله تعالى المسيح الموعود في هذا العصر لمواصلة المهمة التي بُعث لأجلها النبي   ، وسُئل بنفس هذا السؤال الذي سئل به رسول الله   من الذين يريدون لقاء الله تعالى. فقد دلّهم هذا المحب الصادق للنبي   على طريق إصلاحهم وسبل التقرب إلى الله تعالى وكوّن جماعة من المؤمنين به. واليوم يطرح العالم كله هذا السؤال نفسه على جماعة المؤمنين. ولا يسع جماعة المؤمنين الرد الصحيح عليه ما لم يحرز كل فرد منها تلك المستويات الخاصة بالذين يستجيبون لله تعالى ويؤمنون به ثم يزدادون إيمانًا. ولا يتأتى ذلك إلا إذا أجاب الله تعالى دعواتنا واستوعَبْنا معاني نداء الله تعالى: فإني قريب .

إن الفساد والقلق والاضطراب محيط بالعالم سواء في بلاد الشرق أو الغرب، وبلاد المسلمين أو بلاد المسيحيين المتقدمة. لقد أقضّتْ أعمالُ التخريب والفساد والقلق التي وقعت في الأيام الماضية في هذا البلد مضاجعَ أهله، إذ أدركوا أنه ليست البلاد الفقيرة فقط في خطر بل إن أمن هذه البلاد المتقدمة أيضًا مهدد. والحق أن علاج هذا القلق ليس إلا أن يُجعَل الناسُ عبادًا لله تعالى. إننا لا نملك أية قوة، وكما لا تقدر أية قوة مادية على أن تمكِّن العبادَ من معرفة الخالق. هناك سبيل واحد لإصلاح العالم قد دلّنا عليه إمامُ هذا الزمان ، ألا وهو الاستعانة بالله تعالى والتركيز على الدعاء أكثر مع القيام بنشر رسالة السلام هذه، وبذل الجهود ولكن الاعتماد على الدعاء أكثر. وكما ذكرت آنفًا- فإنه لا يلقى عونَ الله تعالى ولا يُوفَّق للدعاء المجاب إلا الذين يعلمون بأحكام الله تعالى ويزدادون به إيمانًا.

أقرأ على مسامعكم الآن بعضَ أقوال المسيح الموعود بإيجاز، حيث بيّن فيها الطرق التي تساعد على استجابة الدعاء، والشروط التي لا بد من الوفاء بها لكي يسمع الله دعاءنا ويستجيبه، ونوعية الإيمان الذي يرشد إلى سبل الهدى ويقوّي العلاقة بين الله والعبد.

وأحد الشروط التي ذكرها المسيح الموعود بهذا الصدد هو أن يتحلى المرء بالتقوى.. أي أن تستولي عليه مخافة الله وخشيته في كل حين وآن، مدركًا أن الله تعالى يراه كل لحظة وأنه يراقب كل حركة له وسكون، لذا فعليه ألا يتصرف تصرفًا يُسخِط الله تعالى، وإنما يجب أن تكون أعضاؤه كلها خاضعة لأوامر الله تعالى، وتكون أخلاقه ومعاملاته مع الخَلْق كلها تابعةً لأحكام الله تعالى، وأن تتحرك أعضاؤه كلها من عينٍ وأذنٍ ولسانٍ ويدٍ وقدمٍ بحسب مرضاة الله.

وهذا مستحيل إلا إذا تيسّرَ للمرء يقين كامل بذات الله تعالى، ولذلك قد نبّهنا المسيح الموعود إلى أمر هام جدًّا يؤدي إلى استجابة دعواتنا، فقال: عليكم أن تتحلّوا باليقين الكامل بأن الله حق، وأنه خالقُ السماوات والأرض وهذا العالمِ وغيرِه من العوالم وكلِّ ما نعلمه وما لا نعلمه، وأنه ليس بخالقها فقط، بل يملك القوة كلها ومنبع القدرات كلها. إنه قادر على أن يُفني ما خلق، وأن يخلق ما يشاء، وأنه هو المحيي والمميت، فيحيي الموتى ويميت الأحياء، وأنه يُحدِث نتيجةَ الدعاء انقلابا ينفخ الروح في الأموات. وإذا تيسر لنا هذا اليقين تيسر لنا الإيمان بأنه تعالى قادر تماما على استجابة دعواتنا، وهو بالفعل يستجيب منها ما يراها خيرًا لنا.

ويضيف حضرته ويقول: ومن شروط الدعاء أن يكون مصحوبًا بالرقة والالتياع. فإذا دعوت الله تعالى فلا تكتفي بترديد بعض الكلمات بلسانك بعض الوقت ثم تفرغ من الصلاة أو الدعاء، بل ينبغي أن تستولي عليك الرقة واللوعة حتى يذوب قلبك وتفيض عينك بالدموع، موقنًا بأن الله تعالى هو سندك الأخير الذي يجيب دعاءك. يجب أن يستولي عليك اضطراب وقلق بأن الله تعالى هو سندك الأخير الذي إذا فقدتَه خسرتَ الدنيا والآخرة. يقول المسيح الموعود : هكذا يجب أن تكون حالتكم أثناء الدعاء.

إذا بلغتَ منتهى التواضع واعتبرتَ نفسك أحقرَ العباد، وطهَّرتَ نفسك من الكبر بجميع أنواعه وأشكاله، عندها فقط تكون هناك إمكانية لوصالك بالله تعالى، لأن فوز المتكبر بقرب الله تعالى محال، ومَن حُرم قربَ الله ووصاله حُرم استجابة الدعاء أيضًا.

ومن شروط قبول الدعاء التواضعُ. إن التواضع هو ما يقرّب الإنسان من الله تعالى، ولذلك قال المسيح الموعود في بيت شعر له بالأردية ما معناه:

فكِّر أنك أسوأ الناس، فعسى أن يُدخِلك هذا التفكير في دار الوصال الإلهي.

يعني أنك إذا بلغتَ منتهى التواضع واعتبرتَ نفسك أحقرَ العباد، وطهَّرتَ نفسك من الكبر بجميع أنواعه وأشكاله، عندها فقط تكون هناك إمكانية لوصالك بالله تعالى، لأن فوز المتكبر بقرب الله تعالى محال، ومَن حُرم قربَ الله ووصاله حُرم استجابة الدعاء أيضًا.

يقول المسيح الموعود : إن الدعاء الذي يكون مليئًا بالتواضع والاضطراب وانكسار القلب يجذب فضل الله تعالى ويجاب ويحقّق المراد، ولكن هذا أيضًا لا يتيسر إلا بفضل الله وتوفيقه.

يعني أن القيام بهذا الدعاء الحقيقي أيضًا بحاجة إلى الاستمرار في الدعاء والابتهال، لذا فعلى العبد أن يواظب على الدعاء بأن يوفقه الله تعالى للدعاء، أعني أنه بحاجة إلى الدعاء ليوفَّق للدعاء المستجاب أيضًا. فإذا استولى عليه هذا التفكير فمن المحال أن يغفل عن القيام بالدعاء والأعمال التي أمر الله بها والتي تقرّبه إلى الله تعالى.

لقد قال المسيح الموعود : إن الباب الذي فتحه الله تعالى لفلاح خَلْقه إنما هو باب واحد وهو الدعاء. عندما يدخل العبد هذا الباب باكيًا مبتهلاً فإن مولاه الكريم يخلع عليه رداء الطهارة والقداسة، ويجعل عظمته مستوليةً على قلبه استيلاءً يجنّبه السيئات ويُبعده عن التصرفات الخاطئة بُعْدًا عظيمًا. فطوبى للذين يطهّرون قلوبهم بالبكاء والابتهال، معرضين عن لغو الدنيا وعبثها، فيدخلون في المقربين عند الله حيث يجعل عظمته تستولي عليهم، ويباعد بينهم وبين السيئات. ولكن لا بد للمرء من بذل الجهود والإنابة إلى الله تعالى أولاً للفوز بهذا المقام. هذا هو القانون الطبيعي والقانون الإلهي والقانون الشرعي، وهذا ما صرح الله به.

ومن أهم شروط استجابة الدعاء هو ما قد ذكرتُه بإيجاز قبلَ قليل ألا وهو أداء حقوق الله وحقوق العباد. لقد قال المسيح الموعود بهذا الصدد: يجب أن تعيشوا بحيث لا يبقى عليكم شيء من حقوق العباد ولا حقوق الله. اعلموا أن من يهضم حق المخلوق لا يستجاب دعاؤه لأنه ظالم.

ويضيف : إن الذي يخشى الله تعالى في حالة الأمن كخشيته عند حلول المصيبة به، فإن الله تعالى يرحمه عند الكربة. إن الذي لا ينسى الله تعالى في حالة الأمن فإنه تعالى لا ينساه وقت الشدة، أما الذي يعيش وقت الأمن غافلاً ويدعو الله تعالى وقت المصائب، فلا يجاب دعاؤه أيضًا.

فعلى المرء أن يتوجه إلى الله تعالى ويواظب على الدعاء وقت الأمن أيضًا، وهذا هو سرُّ قبولية الدعاء. لقد قال الله تعالى فليستجيبوا لي ، والدعاء في كل حالة هو من الأمور التي أمرنا الله تعالى بها وعلينا أن نستجيب له فيها. فيجب ألا ندعوه في شهر رمضان أو عند نزول بليّة أو في ساعة عسرة فحسب، بل لا بد لنا من الإنابة إليه تعالى في الظروف العادية وفي حالة الأمن والسلام أيضًا.

ثم يقول : لا بد للمرء من أن يغيّر نفسه تغييرًا طيّبًا لكي يستجاب دعاؤه. أما إذا لم يتجنب السيئات وتعدّى حدود الله تعالى فستخلوا أدعيته من أي تأثير.

فما دام الله تعالى قد قال آمرًا: فليستجيبوا لي ، فعلى المرء أن يفكر ويبحث عن كل ما أمر الله بفعله حتى يفعله فينال قربه تعالى، وأن يفكر ويبحث عن كل ما نهى الله عنه حتى يسعى للانتهاء منه. وهذه الأوامر والنواهي مذكورة في القرآن الكريم وتبلغ المئات. لقد قال المسيح الموعود ‏ :

اجعلوا عظمة الله تعالى مستولية على قلوبكم، واجعلوا جلاله نصب أعينكم دومًا، واعلموا أن في القرآن الكريم قرابة خمسمئة حكم، وأنه قد دعاكم إلى وليمة نورانية بالنظر إلى كل عضو من أعضائكم  ولكل قوةٍ ووضعٍ وحالةٍ وعمرٍ وسنٍّ ودرجةِ فهمٍ وفطرةٍ وسلوكٍ وحالةِ انفراد وحالةِ اجتماع، فلُبُّوا دعوتَه هذه شاكرين وكلوا من كل الأطعمة التي أعدها لكم واستمتعِوا بها. أقول، والحق أقول، إن الذي لا يعمل بحكم واحد من هذه الأحكام كلها سيؤاخَذ يوم الحساب. إذا أردتم النجاة فعليكم أن تدينوا دينَ العجائز، وتضعوا أعناقكم تحت نير القرآن طائعين كالمساكين.

والمراد من التديّن بدين العجائز أن يسعى المرء للعمل بهذه الأحكام بكل ما أعطي من قوة. عندما يرتقي ويتطور يجد أمامه المزيد من طرق السلوك، ولكن الأساس هو أن يسعى جاهدا للعمل بأحكام الله تعالى.

قال حضرته : « يحب أن تحملوا نير طاعة القرآن الكريم على رقابكم. إن الشرير سيُهلك، والمتمرد سيُلقى في جهنم. والذي يُخضع رقبته بالمسكنة يُنقذ من الموت. لا تعبدوا الله بشرط بحبوحة الدنيا لأن هذه الأفكار مآلها الحضيضُ. بل يجب أن تعبدوا الله واضعين في الاعتبار أن العبادة حق الله عليكم. يجب أن تكون العبادة حياتكم. وألا يكون هناك هدف من أعمالكم الصالحة إلا أن يرضى بكم ذلك الحبيب الحقيقي والمحسن الحقيقي. فإن الفكرة الأدنى من ذلك مدعاة للعثار.»

ندعو الله تعالى أن ندرك هذه النقطة في هذا الشهر الفضيل ونُرضي ذلك المحسن الحقيقي. فقد ربط الله تعالى استجابة الدعاء والعملَ بأوامر الله تعالى وتقويةَ الإيمان ونوالَ الهداية بشهر رمضان ووجّه أنظارنا إلى أنني جاهز لإيصال الخير إلى العباد وإنقاذهم من الآفات والمصائب والعذاب دائما، ولكن يجب على العباد أيضا أن يؤدوا حق العبودية. وعليهم أن ينفذوا كل هذه الأمور بعد ادّعائهم أنهم عبادي الخواص. ويجب أن يعملوا – بعد انتمائهم إلى عبادي الخواص – بالتعليم الذي جاء به لخلق الله عبادُه الخواص هؤلاء حتى يكثر في العالم عدد عباد الرحمن. ولكي يصبح العالم مكان أمن وسلام وحُبٍّ بسبب عباد الرحمن هؤلاء لنرى مشهد الجنة في هذه الدنيا.

لذا إن ادّعاءنا لتقوية الإيمان، وإيمانَنا بإمام الزمان وواجبنا المهم لمواساة خلق الله الذي تُكلَّف به الجماعات الربانية يقتضي منا أن نكون من عباد الله المخلصين الذين يجيب الله تعالى أدعيتهم. ونكون من العباد الذين يُحدثون انقلابا في حالتهم، ونكون من العباد الذين يسعَوْن – بدافع مواساة خلق الله – لإنقاذ الناس من السيئات ومن عذاب الله تعالى.

إذًا، فقد جاء شهر رمضان ليدرّبنا على هذه الأعمال الحسنة ولكي نصل إلى مستوى عباد الله الحقيقيين، ولتقوية إيماننا وتوطيده. فلو استفدنا من هذا الشهر الفضيل حق الاستفادة لكنا من السعداء حقا. ندعو الله تعالى أن يوفقنا لذلك.

ندعو الله تعالى أن ندرك هذه النقطة في هذا الشهر الفضيل ونُرضي ذلك المحسن الحقيقي. فقد ربط الله تعالى استجابة الدعاء والعملَ بأوامر الله تعالى وتقويةَ الإيمان ونوالَ الهداية بشهر رمضان…

لا حاجة لعُدة الدنيا وعتادها لإنقاذ العالم من المفاسد وإنقاذه من الوقوع في حفرة من النار ولا ينفع شيء من هذا القبيل. بل هناك حاجة لسلاح وحيد هو سلاح الدعاء. فحين تدعون لأنفسكم في شهر رمضان يجب أن تدعوا لتقوية إيمان أولادكم أيضا توطيد علاقتهم بالله تعالى. وكذلك يجب أن تدعوا لإنقاذ العالم من الدمار. يقول سيدنا المسيح الموعود :

«من أكبر سعادة المسلمين أن إلههم هو مجيب الدعوات.» ولكن لا يُدرك هذه الحقيقة اليوم إلا الأحمديون وحدهم. فلا داعي لليأس لأن إلهنا مجيب الدعوات، بل نحن على يقين تام بأنه لا بد أن تتحقق – بإذن الله تعالى – تلك الأمور التي أخبرنا عنها المسيح الموعود بخصوص رقي الجماعة. ولا بد أن تأتي تلك الأيام التي ترفرف فيها راية النبي   على العالم كله. ويكثر عدد عباد الله الذين ينالون الرشد والهداية. وأذكركم مرة أخرى ألا تنسوا هذا الدعاء أن يدخلنا الله تعالى في عباده الخالصين المهتدين، وأن يوفقنا لننتفع من بركات رمضان حق الانتفاع. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك