مسجد "خديجة" ببرلين.. صرح إيماني عظيم
التاريخ: 2008-10-17

مسجد “خديجة” ببرلين.. صرح إيماني عظيم

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • من تاريخ الأحمدية في ألمانيا
  • بناء مسجد خديجة
  • الحرب تعرقل البناء
  • المبشرون الأوائل في ألمانيا
  • تضحيات السيدات الأحمديات (ضمن لجنة إماء الله)
  • معلومات حول مسجد خديجة (برلين)
  • بعد بناء المسجد، ما هو الإيمان؟
  • الأخلاق، الصلاة، الزكاة شروط إيمانية

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله وَالْيَوْم الآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (التوبة 18) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة 71)

لقد أنزل الله على الجماعة الإسلامية الأحمدية قطرة أخرى من وابل رحمته وفضله بصورة هذا المسجد. إنه مسجدنا الأول في الجزء الشرقي من هذه البلاد. إن مدينة برلين- التي هي عاصمة البلاد أيضا – ذات أهمية كبيرة. وتعلمون أن تاريخ نشر الإسلام الحقيقي بواسطة الأحمدية في ألمانيا عمومًا وفي هذه المدينة خصوصًا يعود إلى 86 سنة، إذ وفد الدعاة الأحمديون إلى هذه البلاد في عهد الخليفة الثاني للمسيح الموعود . ويتضح من تقاريرهم أن الشعب الألماني في تلك الفترة كان يتسم بطيب وكان على استعداد لفهم الإسلام الصحيح. وأذكر بعض الجهود التي بذلها هؤلاء الدعاة الرُوّاد الذين توافدوا إلى هذه المدينة وهذه البلاد، حيث إن بعض ذكرياتهم ترتبط بإنشاء هذا المسجد. وتقاريرهم هذه توضح لنا مدى ثقتهم العظيمة وأملهم الكبير في ازدهار الأحمدية في هذه البلاد. سوف أذكر هذا الأمر ليعرف شبابنا وأطفالنا والأحمديون الجدد – القاطنون في هذه البلاد أو في أي بلد من بلاد العالم – تاريخ جماعتنا، ليحفزهم هذا الذكر على الدعاء للدعاة الأوائل، سواء منهم الذين أتوا إلى هذه البلاد أو الذين وفدوا إلى بلاد أخرى، فقد قدّموا تضحية كبيرة بخروجهم من أوطانهم وإقامتهم في بلاد أخرى. إن الظروف المالية للجماعة قد تحسنت في هذه الأيام، ولكنها لم تكن جيدة في ذلك العصر، ومع ذلك كان حماسهم للخدمة الطوعية ولبذل الجهود المضنية في سبيل الجماعة كبيرا، مما أدى إلى تعرُّف الناس عليهم في كل مكان. وفوق كل ذلك كانوا يركزون كثيرا على الدعاء، الأمر الذي جعلهم يعقدون آمالا كبيرة لازدهار الجماعة في تلك البلاد.

لقد قرر الخليفة الثاني في 1922م إنشاء مركز الجماعة في ألمانيا. فتقرر أن يسافر لفتح المركز هنا المولوي مبارك علي البنغالي، الذي كان يعمل داعية للجماعة في لندن منذ عام 1920م، فجاء إلى برلين عام 1922م بأمر من الخليفة الثاني . ثم اختار حضرته فيما بعد السيد مَلِك غلام فريد لمساعدة المولوي مبارك علي، فتوجه في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 1923م من قاديان ووصل إلى ألمانيا صباح يوم 18 ديسمبر/كانون الأول عام 1923م.

لقد تحدث الخليفة الثاني في خطبة الجمعة التي ألقاها في 2 فبراير / شباط 1923م عن مدى النجاح الذي أحرزته الجهود المبدئية التي بذلها المولوي مبارك علي في ألمانيا، فقال: إن تقاريره التي رفعها إلي مشجّعة جدًا، بل إنه متأكد من نجاح جماعتنا في هذه البلاد بحيث إنه يكتب إلي باستمرار بضرورة تشييد مسجد ومركز أيضا هناك، ويقول: إن إنجاز هذا العمل ممكن إذا ذهبتُ أنا إلى هناك لستة أشهر – أي كان يقترح  على الخليفة الثاني أن يسافر حضرته إلى ألمانيا- ولو تم ذلك فإنه متفائل جدا لحدوث تغييرات هامة في العالم خلال فترة قليلة.

لم يتشجع الخليفة الثاني للسفر إلى ألمانيا غير أنه قال معلقًا على الاقتراح الثاني:

إن تجاهُل طلبه – أي لو أُقيمَ هناك مسجد ومركز للجماعة فورًا فهناك أمل كبير أن هذا سيؤدي إلى رقي الجماعة في هذه المنطقة – كان سيضرّ بمصالح الجماعة، فأكدتُ له بشراء قطعة أرض فورًا.

فلما استلم المولوي مبارك علي تعليماتِ حضرته بذل كل ما كان في وسعه واشترى في مدينة برلين قطعة أرض مساحتها فدّانان.

إن المؤمن الحقيقي لا يدَع هذه الروح تموت، كما لا يفتخر بها. إنها لمنّةٌ ربانية عليكم، وينبغي أن تخضعوا أمامه تعالى دائمًا من أجل الشكر عليها، وأن تؤدوا حق هذا المسجد، وتربُّوا أولادكم أيضا حتى يؤدوا حق المساجد أيضا.

بعد أن تأمنت قطعة أرض في برلين لبناء المسجد، قدّم الخليفة الثاني في 2 فبراير/شباط 1923م مشروعًا بأنه يجب أن يُبنى مسجد برلين بتبرعات السيدات الأحمديات، وأعلن بجمع 50 ألف روبية خلال ثلاثة أشهر. هذا المشروع المالي كان الأول من نوعه بعد تأسيس منظمة “لجنة إماء الله”، وكان يتعلق بالسيدات فقط. ولقد رفع هذا المشروع طموحات السيدات الأحمديات دفعة واحدة، فتحلين بحماس خارق للإخلاص والتضحية والفداء والروحانية. كانت الهند وباكستان دولة واحدة في تلك الأيام، وضربت أحمديات تلك المنطقة ولا سيما أحمديات قاديان مثالاً رائعا للإخلاص والتضحية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ المنطقة كلها. فإن الانقلاب الذي حصل في تلك الفترة في نشاطات “لجنة إماء الله” ولا سيما في مجال التضحية المالية المتعلقة بهذا المشروع لا نجد له نظيرًا إلا في المسلمات من القرون الأولى للإسلام. ذلك الحماس لا يزال مستمرا منذ تلك القرون، ولا نزال نلاحظ – بفضل الله تعالى – أمثلة على ذلك في هذه الأيام أيضا. لقد قدمت السيدات الأحمديات في ذلك العصر أموالهن وحليَّهن الذهبية إلى الخليفة الثاني ، حتى قدمت أحمدياتُ قاديان وحدها وفي اليوم الأول من هذا المشروع أموالاً ووعودًا لدفعِ مبلغٍ قدرُه 8000 روبية. وخلال فترةٍ قصيرة لا تتجاوز الشهرين فقط بلغتْ وعودُ الأحمدياتِ في الهند 45000 روبية، كما وصل حجمُ المبالغ المدفوعة في الفترة نفسها إلى 20000 روبية. ثم قُدِّر بعد ذلك أن كلفة بناء المسجد ستزداد أكثر، فمدد الخليفة الثاني في مدة الدفع لهذا المشروع كما زاد في المبلغ المطلوب ليصل في النهاية إلى 70000 روبية. ولكن النساء الأحمديات في ذلك الوقت قدّمن بحمد الله تعالى 72700 روبية.

فهذان هما الداعيتان الأولان اللذان جاءا إلى هنا. وقد أخبرتكم عن سعة نطاق علاقاتهما رغم قلة الوسائل المتاحة لهما. يجب على الدعاة والمبلغين اليوم أيضا أن يقرؤوا – لمحاسبة أنفسهم – أحداث وتقارير الدعاة القدامى.

على أية حال، لقد وُضع حجر أساس مسجد برلين في 5 أغسطس/ آب عام 1923م، وحضر هذه المناسبة وزير داخلية ألمانيا ووزير المرافق العامة، وسفيرا تركيا وأفغانستان، وعدد من الصحفيين ووجهاء المدينة. كان عدد الضيوف حوالي 400، بينما كان عدد الأحمديين في ذلك الوقت 4 فقط. لاحِظوا أن الجماعة كانت صغيرة جدا في تلك الأيام، ولكن انظروا إلى سعة علاقات الأحمديين. لقد قام دُعاتُنا في ذلك العصر بهذه المساعي العظيمة، وكان نطاق علاقاتهم مع كبار الشخصيات واسعًا بحيث حضر هؤلاء الرجالات الكبار في مناسبة وضع حجر أساس المسجد.

على أية حال، وُضع حجر أساس المسجد ولكن بسبب الحرب العالمية تردّت الظروف الاقتصادية فيما بعد حتى قُدّرت تكاليف بناء المسجد بمليون ونصف مليون روبيةً، بدلاً من التقدير الأول البالغ خمسين أو ستين ألف روبية. وكان من المستحيل للجماعة – نظرًا إلى قلة مواردها – تأمين هذا المبلغ الكبير، لذلك أعلن الخليفة الثاني أن من الصعب علينا حاليًا إدارة المركزيْنِ في وقت واحد أحدهما في لندن والآخر في برلين، لذلك تقرر في عام 1924م إغلاق المركز في برلين نظرًا إلى الظروف الحرجة السائدة هناك وإلى قلة الموارد المالية للجماعة وعدم قدرتها على تأمين النفقات اللازمة للمركز. فحَوّل الخليفة الثاني الأموال التي جمعتها السيدات الأحمديات لبناء مسجد برلين إلى لندن حيث بُنيَ مسجد “الفضل” بحمد الله.

ثم في عام 1948 وفد إلى هنا “شيخ ناصر أحمد” الذي أنشأ مركز الجماعة في مدينة “همبورغ”.

وكما قلت سابقا لقد تيسرت اليوم وسائل السفر بفضل الله تعالى، وتحسنت الظروف المالية للجماعة كثيرا، أما في ذلك العصر فكان دعاتنا يسافرون عبر البحر فقط، فقد استغرقت رحلة حضرة ملك غلام فريد إلى هنا 22 يومًا. وهو مَن ترجم القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية وكتب بهامشها تفسيرا موجزا معتمدًا على الملاحظات التي كان قد سجلها الخليفة الثاني . كما أعدّ تفـسير القرآن الكـريم باللغة الإنجلـيزيـة في خمس مجـلـدات (FIVE VOLUME COMMENTRY).

لا شك أن لجنة كانت تعمل على إعداد هذا التفسير، إلا أن حضرته أنجز معظم أعمالها. كان حضرته مثقفًا يملك ناصية اللغة الإنكليزية، فأعدَّ معجمًا لمعاني ألفاظ القرآن الكريم باللغة الإنكليزية، وكان لم يُنشر فيما سبق، فنشرناه في العام الماضي بعد إكماله. كان صحابيا للمسيح الموعود .

كذلك أودّ أن أقدّم لكم نبذة موجزة عن المولوي مبارك علي المحترم، وهو أيضا من الدعاة الروّاد الموفدين إلى هذه البلاد. كان من سكان منطقة “البنغال”، وبايع على يد الخليفة الأول عام 1909م. ولما قدّم الخليفة الثاني مشروعا لنذر الحياة لخدمة الإسلام عام 1917م، كان المولوي مبارك على أحد الثلاثة والستين شابا الذين تقدّموا لهذه الخدمة. تُوفي عام 1969م ودُفن بمدينة “بوغره” في “بنغلادش”.

فهذان هما الداعيتان الأولان اللذان جاءا إلى هنا. وقد أخبرتكم عن سعة نطاق علاقاتهما رغم قلة الوسائل المتاحة لهما. يجب على الدعاة والمبلغين اليوم أيضا أن يقرؤوا – لمحاسبة أنفسهم – أحداث وتقارير الدعاة القدامى.

على أية حال، لقد بذل هؤلاء الأساتذة الأفاضل ما كان في وسعهم دون كلل وملل. ولكن لم يُشيَّد المسجد هنا في  ذلك الوقت بسبب الظروف غير المواتية. ولكن تضحيات سيدات قاديان والهند لم تذهب هدرًا، إذ شُيّدَ بتلك المبالغ المالية مسجد “الفضل” بلندن، ولا يخفى على أحد أهميته التاريخية. وأرى أن تضحيات أحمديات ذلك العصر كانت خالصة صادقة، ولعلّهن دعون بكل حرقة والتياع لتُقبَل منهن تلك التضحية المخلصة، فنجحن في بناء مسجد في حياتهن، ولعل ذريتهن اليوم شاركتْ في إنشاء مسجد ثان.

على أية حال، إن الحماس الذي تحلَّتْ به السيدات الأحمديات في ذلك الزمن للتضحية في سبيل الدين.. نلاحظه – إلى حد ما – في أعضاء “لجنة إماء الله” اليوم أيضا. وأرى أن أدعية تلك الأحمديات الأوائل هي السبب وراء بقاء هذا الحماس في حياة ذرياتهن اليوم. كانت كلفة بناء هذا المسجد 1700000 يورو، وقد تبرعت السيدات الأحمديات في ألمانيا بـ 1300000 يورو من هذه الكُلفة الإجمالية، أما بقية المبلغ فقد دفعتْ الجزءَ الأكبر منه عضواتُ “لجنة إماء الله” في بريطانيا. ولو حوَّلنا هذا المبلغ الإجمالي أي 1700000 يورو إلى العُملة الباكستانية لكان المبلغ 19000000 روبية تقريبا. والأخوات اللواتي قمن بهذه التضحية مهما شكرنا الله تعالى على توفيقه لهن لبناء هذا المسجد فلن يستطعن أداء حق شكره .

أقدّم لكم الآن بعض البيانات حول هذا المسجد. كانت مساحة قطعة أرض التي اشترتها الجماعة يومئذ (في العشرينيات) فدّانين، وأما المساحة التي بُني عليها المسجد الآن فهو 4790 مترا مربعا.. أي تزيد على فدان واحد بقليل. والجزء المسقوف منه هو 1008 مترًا مربعا. ورغم بعض القيود، قد سُمح لنا برفع المنارة إلى 13 مترا. وللمسجد قاعتان سعة كل واحدة منهما 168 مترا مربعا.. أي مساحتهما الإجمالية تصل إلى 336 مترا مربعا. وعلاوة على ذلك هناك شقة بأربع غرف، وشقةٌ أخرى بغرفتين، وبيتُ الضيافة الصغير المحتوي على غرفة واحدة، وأربعةُ مكاتب، ومكتبةٌ، وقاعةُ المؤتمرات، وموقفٌ لسيارات معدودة، وكذلك ينوون بناء حديقة أطفال على مساحة صغيرة.

وكما تعلمون أننا قد تعرّضْنا لمعارضة شديدة في البداية، ولكنها بدأتْ تخمد شيئًا فشيئا، وستزول نهائيا بإذن الله حين تنتشر رسالة الأمن والسلام والحب من هنا إلى مختلف أنحاء العالم.

والغريب في الأمر أن العالم اليوم معرَّض للكساد مرة أخرى، والغلاء في تصاعُدٍ في أوروبا أيضا، ومع كل ذلك قد وفّق الله عضوات “لجنة إماء الله” لتقديم التضحية لبناء هذا المسجد وأثمرها بثمرات طيبة، فنرى اليوم نتيجة تضحياتهن. ندعو الله تعالى أن يجزي كل هؤلاء اللواتي قدّمن هذه التضحية، ويبارك في أموالهن ونفوسهن، آمين.

والحق أننا نرى مشاهد التضحية في كل حدب وصوب في العالم، إذ يقدم المسلمون الأحمديون – رجالا ونساء وصغارا وكبارا – تضحيات مذهلة.

ومن المصادفات العجيبة أننا بدأنا بناء المسجد في برلين في عام 1923م، ولكن لم نتمكّن من إكماله بسبب أزمة اقتصادية هائلة أحاطت بالعالم كله عندها، أما الآن فقد قضى الله تعالى أن يُنعِم على جماعة المسيح الموعود بهذا الإنعام، فوفّقها لإكمال المسجد قبل أن تبدأ الأزمة الاقتصادية هذه المرة. ورغم الظروف الاقتصادية السيئة السائدة في هذه الأيام آملُ أن الله تعالى سيبارك في أموال الأحمديين على الدوام نظرًا إلى الحماس الذي يقدمون به أموالهم في سبيل الله تعالى. لقد أخبرني أحد الإخوة أنه حين ملأ استمارة الضريبة وقدّمها للدوائر الحكومية تحير الموظفون من محتوياتها وقالوا: كيف يمكن أن تكون تبرعاتك أكثر من نفقات بيتك؟ إذن فمن المسلمين الأحمديين مَن تكون نفقات بيوتهم أقل من تبرعاتهم. هذا الحماس يجذب فضل الله تعالى بلا شك في كل مكان وحين، إذ يقلل هؤلاء نفقاتهم ليقدموا أموالهم في سبيل الله تعالى. فمن واجب كل مسلم أحمدي أن يحافظ على هذه الروح، ويشكر الله تعالى أنه قد وفّقه لتقديم هذه التضحيات. إن المؤمن الحقيقي لا يدَع هذه الروح تموت، كما لا يفتخر بها. إنها لمنّةٌ ربانية عليكم، وينبغي أن تخضعوا أمامه تعالى دائمًا من أجل الشكر عليها، وأن تؤدوا حق هذا المسجد، وتربُّوا أولادكم أيضا حتى يؤدوا حق المساجد أيضا. يجب على السيدات الأحمديات أن يتذكرن جيدا أن التضحية التي قدّمنها الآن لن تنفعهن إلا إذا حاولن الانتفاع منها دائما، ولن تنجح محاولتهن هذه إلا إذا قمن بتربية أولادهن كما علّمنا الله تعالى، وجعلن علاقتهم بالمسجد قوية. كذلك يجب أن يتذكر الرجال أن النساء قد أسدين إليهم معروفًا ببناء هذا المسجد – سيقول بعض الرجال إن النسوة قد أخذن هذه الأموال منهم، ولكني أقول لهم: وإذا كن قد أخذن هذه الأموال منهم فإن التبرع بها في سبيل الله تضحية كبيرة – إنما يمكنكم أن تعيدوا هذا الجميل إليهن إذا أديتم حق المسجد. إن تشييد النساء مسجدَ برلين قد أعطاكم درسًا آخر، وهو أنهن يتمنّين أن يكون أزواجهن عابدين لله تعالى. والحق أنه لو كان بوسعهن لَبنَينَ لكم مسجدا في كل مكان. لقد سبق أن سافرت إلى كندا، وتعرفون أن عضوات “لجنة إماء الله” هناك قد تبرعن بـ 1800000 دولار لبناء المسجد في كندا، ووعدن بدفع المزيد من المال إذا اقتضت الحاجة. إذًا، فهذه التضحيات ملحوظة في كل مكان بإذن الله. من واجب الرجال أن يحضروا المساجد لأداء الصلاة، أما النساء فالأمر يتوقف على رغبتهن فقط، فلو شئن حضرن المسجد لصلاة الجمعة وإلا فلا، أو يحضرنه لبعض المناسبات الدينية الخاصة بهن على فترات متباعدة. فالتضحية المالية التي تقدّمها النساء لبناء المساجد دليلٌ على أنهن يقدمنها خالصةً لوجه الله تعالى، وآمل أن تفكيري هذا ليس من قبيل حسن الظن بهن فقط، بل إن التضحيات التي يقدّمنها من أجل الحفاظ على أولادهن ولتقوية علاقة أزواجهن مع الله تعالى إنما يقدّمنها بهذه النية نفسها، وإذ كان الأمر كذلك فلا شك أن هذا سيجلب لهن رضا الله حتمًا.

يقول الله تعالى في الآيات التي تلوتها في مستهلّ الخطبة:

  إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (التوبة 18) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة 71).

والآن، وبعد بناء هذا المسجد على الرجال والنساء أيضا أن يتوجهوا إلى هذا العمل الهام المذكور في هذه الآيات. عليهم أن يوطّدوا علاقتهم وعلاقة أولادهم بالمسجد، لأنها هي علامة أولئك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر.

وما هو الإيمان؟ ومن هو المؤمن الحقيقي؟ عندما نفكّر في هذا الموضوع بتعمّقٍ تقشعرّ جلودنا حين نسائل أنفسنا فيما إذا كان إيماننا يصلح لأن يُعدَّ إيمانا كاملا عند الله؟ وما إذا كنا نُعَدّ من زمرة المؤمنين الحقيقيين؟ إنها لمنّة الله علينا أنه وفّقنا للانضمام إلى جماعة المسيح الموعود ، الذي أرشدنا في كل خطوة، وهدانا في مناسبات مختلفة وطرق شتى كيف نبقى على الصراط المستقيم وكيف نكون من المؤمنين الحقيقيين. يقول في أحد المواضع:

“المؤمنون هم أولئك الذين تشهد أعمالهم على إيمانهم، ويُكتب الإيمانُ في قلوبهم، ويقدِّمون ربهم ورضاه على كل شيء, ويختارون أدقَّ سبل التقوى من أجل الله تعالى، ويفنون في حبه ، ويتجنبون كل ما يمنع من الله تعالى كالوثن.. مِن سوء خُلقٍ أو فسق أو غفلة أو كسل.”

إذًا، فهذا هو الإيمان الذي سيجعلنا كاملين في الإيمان. من المحال أن يخطر ببالنا أن أحدا من الأحمديين يمكن أن يتورط في أعمال الفسق، ولكن إذا كان في أخلاقنا أدنى ضعف فلا بد أن نصاب بالقلق بأنفسنا، كما قال المسيح الموعود .. ونفكر أن هذا قد يؤدي إلى الضعف في إيماننا. أما إذا كانت أعمالنا كلها وأفعالنا كلها ابتغاء مرضاة الله تعالى فنأمل أن الله تعالى سيزيل ضعفنا أيضا بفضله ورحمته. وهذا ما يقوّي الإيمان أيضا. فإذا أحسنّا علاقاتنا فيما بيننا لوجه الله تعالى، وأدّينا حقوق بعضنا بعضا، وأدينا حقوق عباداتنا، فذلك أيضا سيؤدي إلى تقوية إيماننا.

فعلى كل أحمدي أن يحاول إحراز هذه المستويات السامية. أحيانًا لا يقع الإنسان في بعض التقصيرات قصدًا منه، وإنما يقع فيها نتيجة كسله، كأن يتكاسل في العبادة وغيرها مما يحبه الله تعالى وينبّهنا عليه قائلاً إن كذا وكذا من الأمور من واجباتكم، فعليكم أن تؤدوها. فإذا كان الإنسان لا يؤديها نتيجة الكسل أو اللامبالاة فهذا سيضعف إيمانه ويدفعه إلى الشرك شيئًا فشيئًا. فعلى كل أحمدي أن يحاسب نفسه دائما فيما يتعلق بأداء الحقوق كلها، إذ ليس من شيمة المؤمن التهاون أو الكسل في القيام بأية حسنة أمرنا الله بها.

يقول الله تعالى في الآية الأولى التي تلوتها عليكم.. وهي الآية 18 من سورة التوبة.. إن إيمانكم بالله واليوم الآخر يجب أن يكون كاملا. يقول المسيح الموعود في هذا الصدد:

“خطر ببالي اليوم أنه قد جاء الأمر بالإيمان بوحي القرآن والوحي الذي كان قبله، ولماذا لم يُذكر الإيمان بوحينا. وفيما كنت أفكر في هذا الموضوع ألقى الله تعالى في قلبي دفعة واحدة أن الآية الكريمة: والذين يؤمنون بما أنزِل إليك وما أنزِل من قبلك وبالآخرة هم يؤقنون تذكر هذه الأنواع الثلاثة من الوحي. فالمراد من ما أنزل إليك هو وحي القرآن، والمراد من وما أنزل من قبلك هو وحي الأنبياء السابقين، والمراد من الآخرة هو الوحي الذي نزل على المسيح الموعود. والآخرة هي ما تأتي فيما بعد. وما هو الشيء الذي يأتي فيما بعد؟ ما يأتي فيما بعد هو الوحي الذي نزل بعد القرآن الكريم.”

لا شك أن الآخرة تعني يوم الدين أيضا، وهذا المعنى أيضا قد بيَّنه المسيح الموعود ، إلا أن تفسير الآخرة الذي بيّنه نظرًا إلى عصره ووحيه منطبق هنا تماما، إذ تُبنى في هذا العصر مساجدُ كثيرةٌ، ولكن الذين يعمرونها حقيقةً إنما هم أولئك الذين يؤمنون بالمسيح الموعود ، لأن التوجيه الصحيح إلى الإيمان في هذا العصر منوط بالمسيح الموعود ، وهو الذي سينشئ صلة الناس بالله ورسوله . وهذا التفسير إذ يبعثنا على الطمأنينة والسرور من ناحية بأن جماعة المسيح الموعود هي وحدها التي تؤدي حق عمارة المساجد بصفة حقيقية في هذا العصر، فإنه من ناحية أخرى يبعثنا على التفكير فيما إذا كان يكفينا الإيمان وعمارة المساجد أم أن هناك أعمالا أخرى أيضا لا بد لنا من العمل بها. وقد أمرنا الله بتلك الأعمال في هذه الآية حيث أمرنا بإقامة الصلاة. وشرح إقامة الصلاة في موضع آخر وقال يجب أن تصلّوا الصلوات الخمس جماعةً.

وجدير بالذكر هنا أن جمال المساجد يكمن في عمرانها بالمصلين. وعمارتُها تتوقف على الحضور إليها خمس مرات يوميا. فمن واجبكم الآن أن تولوا اهتمامكم لتعمروا هذا المسجد جيدا. لقد اعترض سكّان المنطقة الألمان علينا قائلين: ما الداعي لبناء مسجد هنا وعددكم ليس كبيرًا؟ ويمكن أن نزيل اعتراضهم هذا بحضور المسجد خمس مرات يوميًا، لأنهم حين يشاهدون حضورنا بالتزام لتقوية الإيمان وللخضوع أمام إله واحد، سيعرفون أن المسلمين الأحمديين لم يشيّدوا المسجد تفاخرًا، بل أقاموه لعبادة الإله الواحد فحسب.

ثم قال الله تعالى يؤتون الزكاة .. أي أن المؤمنين الحقيقيين ينفقون من أموالهم على الفقراء شفقةً عليهم ومؤاساة لهم، ويسدّون شتى حاجات الجماعة أيضا.

يذهل هؤلاء (الألمان) كلما عرفوا أن المسلمين الأحمديين يضحّون بأموالهم لبناء المساجد، وهذا ما قد ذكرتْه الجرائد أيضا، إذ جاء فيها أن السيدات الأحمديات وحدهن تحمَّلن نفقاتِ هذا المسجد. وكما ذكرتُ لكم عن مديرية الضرائب قبل هذا، إنهم لا يصدّقون أن هذا ممكن. ولكن الله يقول فليعلم الناس أن بناء المساجد وعمارتها يساعد على الإنفاق في سبيل الله أكثر، لأن المؤمنين يتوكلون كليًا على الله ولا يخشون غيره، وليسوا قلقين على معيشتهم واقتصادهم – كما يقلق اليوم هؤلاء الذين يديرون النظام الاقتصادي القائم على الربا- ولا يكيلون أي وزن لأمور تتعلق بالدخل وكسب المال، لأن عمل المؤمن ليس إلا ابتغاء مرضاة الله وبدافع خشيته؛ فيطمئنُّون بأنه تعالى سيوفي بوعده وسيقبل تضحيتهم التي قدَّموها من أجل الفوز برضوانه، فلا داعي للخوف والقلق. فمهما كانت الأوضاع الاقتصادية متأزمة ومتردية فإن المسلم الأحمدي يكون مستعدّا على الدوام لتقديم تضحية إثر تضحية بلا قلق ولا وَجلٍ. وهناك أمثلة عديدة على ذلك حيث يستمر الأحمديون حتى في البلاد الفقيرة في تقديم التضحيات المالية، وكل أحمدي يفي بعهده الذي قطعه عند البيعة بأنه سيبقى مستعدًّا للتضحية بروحه وماله ووقته وشرفه دائمًا. وذلك لأن الله أرشده إلى طريق الهدى حيث وفّقه للإيمان بالمسيح الموعود والإمام المهدي وللانضمام إلى جماعته.

… تُبنى في هذا العصر مساجدُ كثيرةٌ، ولكن الذين يعمرونها حقيقةً إنما هم أولئك الذين يؤمنون بالمسيح الموعود ، لأن التوجيه الصحيح إلى الإيمان في هذا العصر منوط بالمسيح الموعود ، وهو الذي سينشئ صلة الناس بالله ورسوله .

ثم يقول الله في الآية 71 من سورة التوبة:

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ .

إنما الأولياء الصادقون مَن يؤدون حقوق بعضهم بعضا. وقد أناط الله تعالى عمارة المساجد بالمؤمنين، وهم الذين يزدادون أخلاقا حميدة، ويؤدون حقوق بعضهم بعضا. الولاية أو الصداقة هنا لا تعني أن ينشئ الذكور والإناث علاقات الصداقة فيما بينهم، فلا يبقى حجاب ولا ستر بين الجنسين، بل المراد أن تنشا بينهم صلات أساسها الطهر والقداسة، حيث يكون كلٌّ منهم مستعدا لتقديم التضحية من أجل غيره.

ثم ما هي الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها المؤمن؟ إنها التودد والتحابّ والمؤاخاة والمؤاساة فيما بينهم. ولا تتنامى علاقات الإخلاص والوئام بينكم إلا حين تزول الشكاوى فيما بينكم وتتهدم جدران النفور والكراهية كلها، وحين يصمّم كل واحد منكم على أن يسعى لفعل الخيرات مهما بدتْ صغيرة، ولاجتنابِ كل سيئة، ويسعى جاهدا لأداء حقوق ذوي القربى. والآن بعد انضمامنا إلى جماعة المسيح الموعود وبيعتنا له من واجبنا أن نحافظ على هذه الأخوّة التي أقامها الله بيننا، ونضرب مثالا رائعا لمن قال الله فيهم”رحماء بينهم”. علينا أن نساعد فقراءنا، ونؤدي حقوق أماناتنا، وينبغي ألا تدفعنا المطامع والمصالح الشخصية إلى هضم حقوق الآخرين. يجب أن تتنامى فينا دوافع التضحية لبعضنا بعضا كالتي نرى نماذجها في الصحابة في القرون الأولى، الذين وزّعوا عقاراتهم على إخوتهم. ويجب أن يكافح كل واحد منا ضد سوء الظن، لأنه أساس كثير من الفتن والخصومات والنـزاعات في المجتمع. يجب أن نبلغ مستوى عاليا في الصدق حتى يصير الصدق علامة لنا نتميز بها في كل مكان. يجب أن تنشأ فينا مشاعر الشكر لله تعالى بحيث نتلقى كل حين وآن من الله بشائر عن نـزول المزيد من النعم. ويجب أن يكون العفو والصفح سيرتنا حسبما أمرنا الله . ينبغي أن ترتفع مستويات عدلنا في كل شؤون الحياة بحيث تتجاوز حدود الإحسان وتصل إلى مقام إيتاء ذي القربى حتى نندفع إلى خدمة القريب والبعيد دون أية مصالح شخصية. يجب أن يكون الوفاء بالعهد ميزتنا المميزة لكي نزداد صداقةً ومؤاخاةً فيما بيننا، حتى تثق فينا الدنيا أيضا ثقة عمياء دونما تردد. يجب أن نضع في الاعتبار دائمًا الحفاظ على كرامة وشرف بعضنا البعض. يجب أن يغضّ الرجال والنساء من أبصارهم ويجب أن يجعل كل أحمدي هذه الأمور جزءًا لا يتجزأ من سلوكه. على السيدات الأحمديات أن يحرصن على لباسهن وحجابهن، وأن يتنبَّهن له جيدا. عليكم أن تهتموا دائما بحقوق الجيران. واعلموا أن الجار ليس من يسكن بجوار بيتكم فقط، بل إن رفاق السفر والزملاء في العمل أيضا جيرانكم. ثم إن أفراد الجماعة الإسلامية الأحمدية هم أيضا جيران، وأفراد العائلة الواحدة أيضا جيران.

باختصار عندما تزول عنا كل أنواع الضعف الخُلقي نكون من الذين يؤدون حق عمارة المساجد، ونكتسب اسم المؤمن بشكل عَملي.

ثم ورد في هذه الآية الحُكم بإقامة الصلاة مرة أخرى وقد شرحتُ ذلك آنفا.

ثم جاء الأمر بأداء الزكاة. والذين يؤدونها هم أولئك الذين يصلحون أعمالهم لتصبح أعمال المؤمن الحقيقي لأنهم يطيعون الله ورسوله . قد ذُكرت في هذه الآيات ميزة أخرى للمؤمنين بأنهم يتعاملون فيما بينهم كما يعامل الصديق صديقه، ويؤدي كل واحد منهم حقوق غيره، وفي هذه الحالة تعيش الجماعة كجسد قوي. ثم إنهم يأمرون بالمعروف ويجتـنبـون السـيئات ويحافظون على صلواتهم. وقال الله تعالى في موضع آخر من القرآن بخصوص الأمر بالمعروف:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ   (آل عمران:111).

وهنا أيضًا بيَّن الله تعالى علامة المؤمنين أنهم جُعلوا خير أمة، فمن الواجب ألا تصدر منهم إلا الأعمال التي تقود إلى الحسنات، وألا يقتربوا أبدا مما نهى الله عنه، وعندها تتحقق الفائدة من بيعة إمام الزمان، وعندئذ فقط يستفيدون من بناء المساجد.

والصفة الرابعة المذكورة هنا هي أنهم يحافظون على صلواتهم.. أي أنهم يصلّون بالتزام وجماعةً، أو يسعون لذلك على الأقل.

والصفة الخامسة أنهم يتسابقون في تقديم الزكاة والتضحيات المالية والإنفاق في سبيل الله.

والصفة السادسة أنهم يطيعون الله ورسوله ، ويتقدمون في طاعتهما. وكثمرةٍ لهذه الطاعة يوفّق الكثيرون للإيمان بإمام الزمان والانضمام إلى جماعتنا كما وُفّق لذلك أجدادنا. ومن هذا المنطلق يجب أن تدعوا لآبائكم وأجدادكم الذين قبلوا الأحمدية. إن كلّ تقّدمٍ وكلّ إنعام جديد يُنعمه الله علينا يجب أن يذكّر الأحمديين أنه نتيجة لحسنةٍ كبيرة قام بها أجدادهم، إذ دخلوا الأحمدية، فنجني ثمار ذلك اليوم. وعليه يجب أن تداوموا على الدعاء لهم بأن يرفع الله درجاتهم باستمرار.

ثم أخبر الله في الأخير أن الذين يتصفون بهذه الخصال سينـزل الله عليهم رحمته وسيشملهم بها باستمرار. ومن سنة الله أنه إذ رحم أحدا أكرمه بالمزيد من النعم.

نسأل الله تعالى أن يمنح كلاًّ منا حظًا وافرا من رحمته على الدوام، ويوفّقه لأداء حق هذا المسجد، وأن نستغل توجُّهَ الناس إليه وتغطيةَ وسائل الإعلام من جرائد ومجلات برامجَنا عن هذا المسجد وما ستغطيه مستقبلا. إني لم أتلق إلى الآن أي تقرير فيما إذا كانت وسائل الإعلام قامت بتغطية الاحتفال الذي كان بالأمس أم لا، غير أني أتوقع أنها تكون قد غطَّته وستغطّي في المستقبل أيضا. وليس سبيل الانتفاع من كل هذا إلا أن نحقق الآمال التي يعقدها الناس علينا وما يتوقعونه منا وما يتوقعه الله من عبده المؤمن. فاسعوا جاهدين على الدوام للاستفادة من نعمة الله هذه. ولن تتمكنوا من الاستفادة منها إلا بإحراز المستويات السامية في عباداتكم وأعمالكم الحسنة، فتسعوا للعيش وفق ما أمر به الله والقرآنُ الكريم، وتولّدوا في ذرياتكم وأجيالكم القادمة باستمرار حبَّ الأحمدية.. الإسلام الصحيح، وتجعلوهم يطيعون الله ورسوله حق الطاعة. وفّقنا الله تعالى لذلك جميعا، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك