هل الأحمدية غراس الإنجليز؟ حقائق تاريخية!!
خطبة جمعة ألقاها حضرة أمير المؤمنين مرزا طاهر أحمد نصره الله
الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود
في 1 فبراير/شباط 1985م بمسجد “الفضل” لندن
أصدر الدكتاتور الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق في 26/4/1984 حكماً عسكرياً غاشماً يحرم المسلمين الأحمديين في باكستان من حقهم في إعلان دينهم الإسلام الذي يدينون به من الأعماق، أو النطق بالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أو إلقاء تحية الإسلام، أو الصلاة على النبي ، أو رفع الأذان للصلاة، أو قراءة القرآن الكريم، أو كتابة آياته أو حيازتها، أو تسمية أنفسهم بأسماء المسلمين، إشارة أو صراحة، شفوياً أو كتابة، أو تسمية مساجدهم مساجد!! الأمر الذي كان ولا يزال يحرض المشائخ المتعصبين وأتباعهم الجهلة على قتل المسلمين الأحمديين المسالمين، وعلى تدمير بيوتهم وهدم مساجدهم، كما يبشرهم هذا القرار بتغاضي الحكومة عن جرائمهم.
وبعدها نشرت حكومته كتيباً باسم “القاديانية.. خطر رهيب على الإسلام” لتبرير ما قام به هذا الدكتاتور ضد الأحمديين من إجراءات جائرة منافية لتعاليم الإسلام السمحاء وسنة نبي الرحمة وسمّت حكومته هذا الكتيب “البيان الأبيض” وكان الأجدر أن يطلق عيه “البيان الأسود” لما فيه من أعذار سخيفة لتبرير هذا القرار الفرعوني الغاشم، تسوّد وتشوّه وجه الإسلام الأغر.
ولقد قام إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا مرزا طاهر أحمد – أيده الله بنصره العزيز- بالرد على هذا “البيان الأسود” محللاً ومفنداً بعون الله كل أعذارهم السخيفة عذراً عذراً، في سلسلة طويلة من خطب الجمعة (ثماني عشرة خطبة)، في أوائل سنة 1985م .. نشرها مترجمة من اللغة الأردية لفائدة القراء المنصفين، وهذه هي الخطبة الثانية منها.
وتشرف بترجمة هذه الخطبة عبد المؤمن طاهر، وراجعها الأستاذ محمد حلمي الشافعي المرحوم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) (آمين)
ذكرت في الخطبة الماضية أنني بإذن الله تعالى وعونه سوف أتحدث، كما وعدتكم قبل فترة، عما أسمَوه “البيان الأبيض” والذي أصدرته حكومة باكستان، لأرد على تُهمهم التي أثاروها فيه ضدنا، تهمةً تهمة.
الآيات القرآنية التي استهللتُ بها خطبة الجمعة الماضية، يقول الله تعالى فيها بأن الكفار لا يأتون بجديد فيما يعترضون به على محمد ، وإنما يتبعون سنة الأولين، ويثيرون على محمد نفس الاعتراضات التي أُثيرت ضد الأنبياء السابقين.
قاعدة كلية
إنها قاعدة كلية.. بأنه لم يبعث نبي في أي زمن إلا وأثار الأعداء ضده نفس الاعتراضات والتهم التي تعرّض لها الأنبياء السابقون – عليهم السلام – في أي عصر. إننا، وإن لم تصلنا أية تفاصيل عن نوعية التهم التي واجهت أول الأنبياء آدم – عليهم السلام – والتي تناقلتها الأجيال التالية باستمرار.. ولكن هذا ما يشير إليه القرآن الكريم.
وقد تناولت الآيات التي تلوتها آنفاً أحد الاعتراضات الذي واجه الكفار به النبي ، وهو كما تقول الآية: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا) أما الذين اتُّهم النبي بأنه استعان بهم على هذا الكذب والافتراء، فقد ذكرهم القرآن في مكان آخر، ووصفهم حكاية عن الكفار بأنهم من العجم. ثم رد على اعتراضهم قائلاً: (أأعجمي وعربي) ؟، بمعنى أنه لو كان أحد العجم كتب له ودعمه، وأقامه للنبوة، فلماذا لا تجدون أية عجمة في كلامه ؟
تهمة “المحققين الجدد”
هذا، وإن كل ما رُميَ به سيدنا المهدي والمسيح الموعود من اعتراضات وتهم ليس فيه أي جديد مطلقاً، وإنما هو نفس ما أثير ضد الأنبياء السابقين؛ بل وفي بعض الأحيان أخذوا نفس التهم التي ألصقت بنبينا محمد ، واتهموا بها خادمَه الأطهر وعاشقه الصادق سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود . ففي “البيان الأبيض” المزعوم ركّزوا بشدة على اتهامهم بأن “الأحمدية غراس الإنجليز”، وأن سيدنا المهدي والمسيح الموعود متنبي أقامه الإنجليز.. حيث كتبوا: “لقد أثبت – المحققون الجدد – أن الأحمدية غرسها الإنجليز بيدهم، للحفاظ على مصالح الدولة البريطانية”.
ومن هم هؤلاء “المحققون الجدد”؟ إنهم لم يذكروا عن أسمائهم شيئاً، كما لم ينشروا تحقيقهم. وإنما ألصقوا تهمة وهمية اختلقوها ونشروها بأسلوب يُعجب الغرب وغيرهم من المثقفين عامة، وأوهموهم كما لو أنها حقيقة ثابتة، حيث قالوا، لقد أثبت “المحققون الجدد..”.
تحقيق فريد
قبل فترة طويلة، حين كنتُ رئيساً لمكتب “الوقف الجديد”، اطلعت على تحقيق نشروه في هذا الشأن، ذكروا فيه كتاباً بوصفه مرجعاً، وزعموا أنه طبع في إحدى المطابع بإنجلترا، اسمه:
The arrival of British Empire in India: cited by Ajami Israil, page 19
وقالوا إن هذا الكتاب يؤكد بأن الإنجليز قرروا في البرلمان بأنه لاستمرار المسلمين هناك، لا بد لهم من إقامة متنبي كذاب باسم نبي ظليّ.
وكأن مصطلح “نبي ظلي” مصطلح اخترعه الإنجليز!
فكتبت إلى إمام مسجد لندن وقتئذ بأن هذا كذب صريح ولا شك، إلا أنني أرجوك مراجعة هذا الكتاب حتى نتأكد مما جاء فيه، هل هو هكذا أم لا؟
ولمفاجأتي كتب إلي إمام المسجد بأنه لم يعثر على أي كتاب يحمل هذا العنوان. فطلبت إليه المزيد من البحث وأن يتصل بالمطبعة المذكورة. فجاءني الرد: لقد قمنا ببحث شاق، فلم نجد الكتاب، بل لم نعثر على أية مطبعة بهذا الاسم.
ثم اتصلنا في هذا الشأن بالمتحف البريطاني وغيره من المؤسسات الكبيرة، فقالوا لنا بكلمة واحدة: لا يوجد هنا أي كتاب بهذا العنوان، ولا أية مطبعة بهذا الاسم! هؤلاء هم “المحققون الجدد” الذين قاموا بهذا التحقيق للحكومة الباكستانية. والحق أن استخدام كلمة التحقيق لهذه الترهات إهانة لهذه الكلمة. ولكن حكومة باكستان قد سمتها “تحقيقاً جديداً”، وقدمتها بكل فخر للعالم. كما قامت فيها بطعن كثير يتلخص في أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قد قام بمدح الإنجليز ومداهنتهم، كما اعترف بأنه وجماعته غراس الإنجليز. وحول هذين الأمرين سوف أسوق لحضراتكم بعض الحقائق.
تعاسة المسلمين أيام حكم السيخ
أولاً وقبل كل شيء أود أن أقول: لا شك في أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قد مدح الإنجليز، وليس مرة واحدة، وإنما مراراً وتكراراً. ولكنه في كل مرة، وفي كل مكان، صرّح أن ذلك يرجع إلى أنه في أيام حكم السيخ.. كان المسلمون وبالخاصة القاطنين منهم في منطقة فنجاب، يعيشون في تعاسة شديدة وحالة يرثى لها. كانوا محرومين من جميع حقوقهم الإنسانية والأساسية، واضطهادهم السيخ اضطهاداً لم يسبق له نظير في أي مكان آخر. فجاء الحكام الإنجليز وأنقذوهم من ألسنة نار الاضطهاد، ومنحوهم حقوقهم كلها. هذا هو السبب الذي دفعني لمدح الحكام الإنجليز. ومدحُ المحسن ليس من سنة الأنبياء عليهم السلام فحسب، وإنما هو أيضاً من مقتضى المروءة والإنسانية، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!
ولقد أكد قولَ المهدي والمسيح الموعود ، المحققون الهندوس الذين ربطتهم بالسيخ عندئذ علاقات صداقة حميمة. وقد اخترت مقتبسين اثنين لقراءتهما على مسامعكم بهذه المناسبة، أحدهما لغير مسلم، ولآخر لأحد المسلمين غير الأحمديين. وكلاهما يوضح الحالة التعيسة للمسلمين في ظل حكم السيخ، وكيف أن الإنجليز جاءوا وأنقذوهم من مصائبهم. يقول السيد “تُلسي رام” أحد علماء الهندوس:
هذا هو حكم السيخ الذي نَجّي منه الإنجليز المسلمين. وهناك أحداث مروعة للغاية سوف تجدونها مفصلة في عدة كتب التاريخ.
ذكر السيد محمد جعفر الثانيسري في كتابه “سوانح أحمدي” حكاية بلسان حضرة سيد أحمد البريلوي رحمه الله تعالى (مجدد القرن الثالث عشر) يقول:
هذا، وقد ذكرت دائرة المعارف: (Encyclopedia of Sikh Literature) تفاصيل الاضطهادات المروعة التي وقعت من السيخ على المسلمين.. كتعرض المسلمات بكثرة للاختطاف والاغتصاب، وهدم المساجد وتحويلها إلى مرابط للحمير، والقتل العام للمسلمين، وخاصة قتلهم بسبب رفع الأذان للصلاة وغيرها من الأمور.
السيخ يضحكون
تلك هي الفترة التي حَرَمَ فيها السيخُ المسلمين من كل حق إنساني. أما الحرمان من حق رفع الأذان للصلاة فلم يعد من أحاديث الماضي، وإنما يوجد اليوم أيضاً ويمنعون المسلمين الأحمديين من رفعه في باكستان! ولقد نشرت إحدى جرائد السيخ بالهند مؤخراً رسالة لأحد قرائها يقول: “لقد فرحنا جداً بسماع هذا الخبر، إذ كان المسلمون في الماضي يسخرون منا قائلين: أنتم قوم جاهلون حيث كنتم تظنون في يوم من الأيام أن صوت أذاننا نحن المسلمين ينجسكم، فمنعتمونا قسراً من رفع الأذان. فما أسعدنا اليوم إذ نرى المسلمين قد منعوا إخوانهم المسلمين من رفعه. فاليوم لم تبق علينا أية تهمة، وإنما ثبتت براءتنا”.
وأحداث كهذه تقع في تاريخ الأمم دائماً، فكلما يكثر الجهل تكثر هذه الممارسات. لذا لسنا هنا لنؤكد بأن السيخ كانوا على خطأ، وإنما نتساءل: الشعب الذي أنقذ المسلمين من هذا المأزق إذا لم نشكره ولم نمدحه على صنيعه هذا فماذا تعني المروءة والإنسانية؟
السبب الحقيقي لمدح الإنجليز
إذا قرأنا ما كتبه سيدنا المهدي والمسيح الموعود يتضح لنا تماماً أنه لم يمدح أحداً للمداهنة، وإنما مدحهم اعترافاً بالحقيقة وإيماناً منه بأن شكر صانع الجميل أدب إسلامي. يقول حضرته:
“اسمعوا أيها الأغبياء. إنني لا أداهن هذه الحكومة أبداً، وإنما الأمر الواقع بأن أية حكومة لا تعتدي على دين الإسلام، ولا تمنعنا من أداء الشعائر الإسلامية، ولا تشهِر السيف في وجوهنا لنشر دينها.. فإن القرآن الشريف يحرّم علينا أن نحاربها حرباً دينية، لأنها أيضاً لا تحاربنا حرباً دينية” (الخزائن الروحانية، ج 19 سفينة نوح ص 75).
وأيضاً يقول :
“لم أجد قط في نفسي رغبة في ذكر هذه الخدمات المتواصلة عند الحكام (أي التي قدمها آباء سيدنا المهدي والمسيح الموعود للإنجليز ضد السيخ الظالمين)، لأنني لم أُرد أبداً من أحد جزاءً ولا شكوراً. وإنما رأيت إظهار الحق من واجبي” (كتاب البرية، الخزائن الروحانية ج 13 ص 340).
هذا هو موقف سيدنا المهدي والمسيح الموعود . وهلموا معي نر موقف هؤلاء الذين يعترضون على حضرته بقولهم: إنه مدح الإنجليز.. فهو إذن عميل لهم.
“اسمعوا أيها الأغبياء. إنني لا أداهن هذه الحكومة أبداً، وإنما الأمر الواقع بأن أية حكومة لا تعتدي على دين الإسلام، ولا تمنعنا من أداء الشعائر الإسلامية، ولا تشهِر السيف في وجوهنا لنشر دينها.. فإن القرآن الشريف يحرّم علينا أن نحاربها حرباً دينية، لأنها أيضاً لا تحاربنا حرباً دينية” (الخزائن الروحانية، ج 19 سفينة نوح ص 75).
الشاعر إقبال ومدحُ الإنجليز
إن أكبر وأهم الشخصيات التي أبدى الحكام الباكستانيون إعجابهم بها في المنشور الحكومي هي شخصية السير العلامة إقبال. تعالوا نر ماذا كان إقبال يقول ويكتب ويفكر ويشعر نحو الإنجليز عندئذ.
عند وفاة الملكة فكتوريا رثاها السير إقبال بمرثية طويلة قال فيها ما تعريبه:
لقد رفعوا نعش الملكة..
قُمْ تعظيماً لها يا إقبال
وكنْ تراباً بطريق نعشها
أيها الشهر، شكلك مثل شكل شهر محرّم
ولا بأس لو سميناك أنت الآخر محرمّأً
يعني إقبال: لا عجب لو أطلقنا على هذا الشهر الذي توفيت فيه الملكة اسم “المحرم”، إذ أن حادث وفاة الملكة في الواقع لا يختلف كثيراً عن حادث الاستشهاد المروع لسيدنا الإمام الحسين حفيد الرسول الكريم ، الذي وقع في شهر محرّم. ويستمر إقبال قائلاً:
يقولون: اليوم يوم العيد. فهنيئاً لكم العيد
أما نحن فالموت خير لنا من هذا العيد.
هذا هو مجاهد الملة الإسلامية، حسب قولهم، السير محمد إقبال.. وهو أكبر معاندي الأحمدية، وأول الطاعنين في سيدنا المهدي والمسيح الموعود بأنه قد مدح الإنجليز لذلك فلا شك أنه غراسهم!!
ومما يطعن به الأعداء في سيدنا المهدي والمسيح الموعود أنه سمى الإنجليز “ظل الله”، مع أن العلامة إقبال قد اعتبر الإنجليز ظل الله في نفس المرثية، حيث قال ما معناه:
يا بلاد الهند، قد زال عنك ظل الله. حُرمتِ من التي كانت تواسي وتعطف على أهلك. هذا البكاء الذي يهتز له عرش الرحمن هو بكاء الناس إياها، وهذه الجنازة هي جنازة التي كانت زينة لك، يا بلاد الهند. (باقيات إقبال، ناشر: آئينة أدب، اناركلي، لاهور، باكستان، بإشراف السيد عبد الواحد معيني، ماجستير (أوكسن)).
فتاوى علماء أهل الحديث
تُعتبر فرقة أهل الحديث (اليوبنديون) اليوم من أكبر المعاندين للجماعة الإسلامية الأحمدية، والواقع أنها بمثابة اليد اليمنى للحكومة الباكستانية الحالية. يقول أكبر علمائها العظام شمس العلماء المولوي نذير أحمد الدهلوي، عن الإنجليز:
ثم يقول:
ويستمر قائلاً:
كما يوضح السيد شورش الكاشميري وهو أحد الأحراريين وهم أيضاً من أشد الناس عداوة للجماعة الإسلامية الأحمدية، وهو مدير مجلة “جتان”:
البطالوي يفتخر بالحكومة الإنجليزية
والآن استمعوا ماذا يقول أكبر مشائخ أهل الحديث وأعدى أعداء سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وهو المولوي محمد حسين البطالوي، يقول:
هكذا قالوا بالأمس القريب!! وأيضاً يقول:
يا سبحان الله! يشيع هؤلاء اليوم بأن الأحمديين لما كانوا يكرهون الدول الإسلامية لذلك ازدهروا تحت الحكم الإنجليزي، وكانوا يتمنون دوام هذا الحكم، ولكن انظروا كيف أن آباءهم كانوا إلى الأمس القريب يقولون: “تفضل كوننا من رعايا الإنجليز على أن نكون من رعايا الدول الإسلامية”!!
ولاحِظوا أنه لا يوجد في هذه الأقوال ما ذكره سيدنا المهدي والمسيح الموعود من أن الإنجليز أنقذوا المسلمين من اضطهادات السيخ، ومنحوهم حرية دينية، لذلك مدحتُهم، وإنما كان هؤلاء يفضلون الحكم الإنجليزي على الدول الإسلامية بدون أسباب كهذه، ولا سيما أهل الحديث الذين حيثما حلوا وأقاموا، سواء في أرض العرب أو الروم، فإنهم لا يريدون إلا حاكماً من الإنجليز.
وفيما يتعلق بالشيعة فإنهم أيضاً كتبوا وقالوا نفس الأقوال. لقد قال العلامة علي الحائري نفس القول في مجلة (الموعظة: تحريف قرآن، عدد إبريل 1923م ص 57-58).
المولوي ظفر علي خان يمدح الإنجليز
كان المولوي ظفر علي خان لمدة من الزمن يعمل في حزب الأحراريين، ولكنه تركهم فيما بعد وعدّهم من خونة البلد والوطن والإسلام. يقول المولوي في جريدته بعد اختبار طويل:
“إن المسلمين.. لا يمكن أن يسيئوا الظن بهذه الحكومة (أي الإنجليزية) حتى ولا للحظة واحدة.. ولو أن شقياً من المسلمين تجاسر على الخروج على الحكومة فإننا نقول علناً بأنه ليس مسلماً” (جريدة “زميندار”، لاهور، 11 نوفمبر 1911م). انظروا إلى فتواه.. يقول إن المسلم الذي يخرج على الحكومة الإنجليزي لا يبقى مسلماً. ويستمر قائلاً:
أقول: هل لتغيير هذه الحال السائدة غرس الإنجليز غراسه؟
ثم يقول في إحدى قصائده ما معناه: “انحنى رأسي بفرط الاحترام والإجلال كلما سمعتُ ذكر الملك المعظم. الجلالة نفسها تعتر به اعتزازاً، فهو ملك البر والبحر. ليتني أحظى بنظرة واحدة من جلالته (نفس الجريدة 19 أكتوبر 1911م). هذه هي سيرتهم وهذا هو الماضي لهؤلاء الذين يرمون الأحمدية اليوم بعمالة الإنجليز!
نفاق المشائخ
هذا، وإن مدح سيدنا المهدي والمسيح الموعود للحكومة الإنجليزية.. راجع إلى حسن خلقه، حيث مدحهم على جميلهم الذي أسدَوه إلى المسلمين بإنقاذهم من مظالم السيخ.
ليس هذا فحسب، وإنما كانت وراءه أيضاً مشاكل خلقها له أعداؤه. فمن ناحية أثار المشائخ عواطف المسلمين ضد سيدنا المسيح الموعود قائلين بأنه يمدح الإنجليز ويقول بنسخ الجهاد، مع أنه لا بد من محاربة هذه الحكومة للقضاء عليها، ومن ناحية أخرى كانوا لا يبرحون يمدحون الإنجليز بالكلمات التي قرأت بعضها على أسماعكم، ومن ناحية ثالثة وَشَوا بحضرته إلى الحكومة الإنجليزية، سراً وعلانية، بأن هذا الرجل يشكل خطراً كبيراً على حكمكم، فلا تنخدعوا بأقواله، إذ يدّعي بكونه مهدياً. إنه مهدي دموي قام لإبادة مملكتكم كلها!
انظروا إلى مدى نفاقهم وظلمهم وكذبهم! فمن جهة يشيعون بين المسلمين بأن مؤسس الأحمدية عميل الإنجليز، وفي نفس الوقت يسعون إلى الحكومة الإنجليز بأنه عدو لكم يريد القضاء عليكم، فاقتلوه.
فقد كتب المولوي محمد حسين البطالوي في مجلته:
ويحذر المنشي محمد عبد الله الإنجليز من حضرته قائلاً:
وبالفعل تأثر الناس جداً من هذه الدعاية المسعورة الباطلة، وكان من بين المتأثرين محرر جريدة (Civil & Military Gazette)، الصادرة من لاهور في تلك الأيام، وكانت جريدة قيمة، استمرت في الصدور لمدة طويلة. فكتب في إحدى افتتاحياتها مقالاً أثار فيه الحكام الإنجليز ضد سيدنا المهدي والمسيح والموعود ، محذراً إياهم بأنه رجل خطير جداً، ويجب ألا يغيروا ببياناته وأقواله الداعية إلى الصلح والوئام، وإلا سوف يقضي على حكومتهم.
تلبيس صريح
أما فيما يتعلق بقولهم بأن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية بنفسه قد كتب معترفاً بأنه غراس الإنجليز، فقد ارتكبوا في ذلك أيضاً دجلاً شديداً وتلبيساً مذهلاً، مما يدل أن قلوبهم قد خلت من خشية الله تماماً. يوهمون القارئ كما لو أن سيدنا المهدي والمسيح الموعود قد اعترف على نفسه وجماعته بأنهم غراس الإنجليز.. نعوذ بالله من هذا الافتراء. نعم، هناك بيان فيه ذكر الغراس، ولكن المرء إذاً قرأ ما كتبه الأعداء إلى الحكام ضد حضرته، وقد قرأتُ بعضه على أسماعكم، لعرّفَ سبب ومناسبة هذا البيان.
الواقع أن الحاكم الإنجليز السير وليم ميكورث نيغ كان مسيحياً شديد التعصب، وبسبب الهجوم العنيف الذي شنه سيدنا المهدي والمسيح الموعود على عقائد المسيحيين الباطلة، كان يكنّ هذا الحاكم ضد حضرته بغضاً شديداً. فسعى المشائخ إليه بأن الميرزا غلام أحمد القادياني يعادي حكومة الإنجليز ودينهم عداء شديداً، فعليكم بتصفيته. ولما بلغ ذلك حضرته صرّح للحكام الإنجليز قائلاً:
“لقد وصلتني أخبار متتابعة بأن بعضاً ممن يعادونني لاختلاف في العقيدة، أو لعداوتهم لأصدقائي أو لأي سبب آخر، يسعون إلى الحكام الكرام ضدي أو ضد أصدقائي بما لا أساس له أصلاً. أخشى أن تنطلي افتراءاتهم وِشاياتهم اليومية على المسؤولين الحكوميين، فيسيئوا بنا الظن..
لذا أرجو من الحكومة أن تعامل هذه الأسرة التي اختبرت ولاءها وخدماتها لها لحوالي خمسين عاماً متتالية، والتي اعترف الموظفون الحكوميون الكرام في مراسلاتهم لها اعترافاً أكيداً بأنها أسرة وفية ومخلصة في ولائها.. أقول: أرجو من الحكومة أن تعامل هذا الغراس الذي غرسته بيده، بكل حزم واحتياط وعناية وبعد تحقيق حتى لا تضيع هذه التضحيات”. (الخزائن الروحانية، ج 13، كتاب البرية ص 349-350).
لاحظوا أن حضرته لا يتحدث هنا عن جماعته وإنما عن أسرته التي ساعدت الإنجليز في حروبهم ضد السيخ وغيرهم، حيث أمدّتهم بكتائب من الجنود وعلى نفقاتها. فيقول حضرته كيف يمكن أن تتناسَوا هذه الخدمات من أسرتنا بسبب وشاية أعدائي، فتظنوا أنها تريد الخروج على حكومتكم.
هذا، وهناك خلفية أخرى فرضت على حضرته إدلاءَ هذا البيان، ذلك أن أعداء حضرته إدلاء هذا البيان، ذلك أن أعداء حضرته عندما سَعَوا به إلى الحكام الإنجليز.. ثار أفراد أسرته الذين لم يكونوا غير مصدقين بدعواه فحسب، وإنما كانوا من المعارضين له، فقالوا لحضرته: إنك خلقت لنا مشكلتين، فمن ناحية تهيننا على الصعيد الديني بادعائك بما لا نصدقه، ومن ناحية أخرى تجلب علينا سخط الحكومة وعداوتها. فاضطر حضرته للدفاع عن أسرته ملفتاً أنظار الحكومة إلى ما اعترف به موظفوها في الماضي من خدمة وولاء هذه الأسرة لها.
لا علاقة بين مدح الإنجليز والأحمدية
الواقع أن الأحمدية التي بدأت بدعوى سيدنا المهدي والمسيح الموعود الأحمدية شيء والأسرة التي يحاول حضرته براءتها شيء آخر. وهذه الأسرة كانت موجودة قبل قيام الأحمدية، بل إن خدماتها للحكومة الإنجليزية كانت سبقت وجود الأحمدية بزمن طويل، ولا علاقة لها بالأحمدية. هذه الأسرة كانت معادية لحضرته حتى إن الحكومة الباكستانية نفسها اعترفت بعدواتهم لحضرته، حيث قالت في “البيان الأبيض” المزعوم بأن من أدلة كذب الميرزا (العياذ بالله) كون عشيرته الأقربين من أشد المعاندين له!
وهذه الأسرة التي سماها سيدنا المهدي والمسيح الموعود “غراس الحكومة” هي من “أهل السنة”. ذلك حسب المصطلح، وإن كنا، نحن المسلمين الأحمديين، “أهل السنة” في الحقيقة بعون الله. وكان حضرته قد قطع صلته بهذه الأسرة بسبب عداوتها له. فإذا كانت هذه الأسرة “السنية” غراس الإنجليز فلتكن، ولا علاقة للأحمدية بها.
ماذا أعطى الإنجليز هذه الأسرة؟
والآن هلموا نر كيف عامل الإنجليز هذه الأسرة، وننظر إلى الأيادي التي أسدَوها إليها، ونر إلى السبب الذي جعل حضرته يسمى أسرته “غراس الإنجليز”، مذكراً إياهم بخدماتها التي اعترف بها الموظفون الإنجليز في رسائلهم إلى آبائه. هذا المعروف من الحكومة الإنجليزية ليس سوى أنهم نجَّوا هذه الأسرة من حكومة السيخ الغاشمة التي شنت عليها هجمات متكررة، وألحقت بها أضراراً فادحة، بل أجلتها من قريتها الأم. فبقيت في الجلاء لفترة من الزمن حتى انتزع الإنجليز الحكم من أيدي السيخ، وعاد الأمن والاستقرار في المنطقة، فرجعت الأسرة إلى قاديان. من أجل هذه اليد البيضاء من الإنجليز لهذه الأسرة سماها حضرته “غراس الإنجليز”. وسوى هذا ليست هناك أية أياد إنجليزية في عنق هذه الأسرة، بل العكس صحيح.
هناك كتاب شهير بعنوان “أمراء فنجاب”، نشره الإنجليز أثناء حكمهم بالهند. في هذه الوثيقة التاريخية الشهيرة ورد عن معاملة الإنجليز مع أسرة سيدنا المهدي والمسيح الموعود ما يلي:
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المعاش أيضاً تم تقليله شيئاً فشيئاً حتى أُلغي تماماً في آخر الأمر! هذا هو غراس الإنجليز وهكذا كانت رعايتهم له!
أما التعاون والمساعدة التي قدمها الإنجليز للأسرة للعودة والاستيطان من جديد في قريتها بعد الجلاء فكان أمراً اضطرارياً، إذ كان الإنجليز في صدد محاربة السيخ والاستيلاء على الحكم بكسر شوكتهم، فكان لا بد لهم من أن يتعاونوا مع الأسر التي أُجليت من قُراها ويعودوا بهم إلى ديارها.
فلم تكن للإنجليز أية أياد في عنق هذه الأسرة، بل بالعكس إنهم صادروا سبعين قرية كانت ملكاً لها، وطالما حاول آباءُ حضرة مؤسس الجماعة استردادها برفع القضايا في المحاكم، وعبثاً أضاعوا ما تبقى بأيديهم من أموال. ولطالما التمس سيدنا المهدي والمسيح الموعود من أبيه المحترم بالانسحاب من القضايا وبألا يتوقع من الحكومة أي خير، ورغَّبه في عبادة الله والتقرب إليه، وإلا سوف يضيع أيضاً ما في يده إذا استمر في قرع أبواب المحاكم. ولكن فكرة ضياع القرى كانت مستولية على مشاعر أبيه، فلم ينتصح له، وكانت النتيجة أنه أضاع في القضايا ما كان بيده من مال بدون أن يرد له الإنجليز ولو قرية واحدة.
عطايا الإنجليز للمشائخ
وعلى النقيض من ذلك أقطع الإنجليز لآباء هؤلاء المشائخ، الذين يرمون الأحمدية اليوم ظلماً بكونها غراس الإنجليز، أراضيَ وضيعاتٍ مكافأةً على مدحهم لهم. فقد جادوا على المولوي محمد حسين البطالوي – وهو أعدى أعداء سيدنا – مائة فدان من الأرض لمداهنته لهم. في حين أنهم لم يعطوا حضرة المهدي والمسيح الموعود ولا شبراً من الأرض، كما لم يعطوا جماعته أي نوع من العطايا. وليس بوسع أي إنسان على وجه الأرض أن يثبت ولو قرشاً واحداً جاد به الإنجليز على جماعة سيدنا أو على أفراد أسرته، أو أنهم منحوهم مثلما منحوا العلامة إقبال لقبَ “السير”، وشرفوا المشائخ الآخرين بألقاب فخمة، وأراضٍ واسعة، ومنح وعطايا.
أليس غريباً أن يلقّب هؤلاء العلماء والمشائخ اليوم باسم “أكبر المعارضين للإنجليز وأول المجاهدين ضدهم”، وأما سيدنا المهدي والمسيح الموعود وأتباعه الذين كانوا ولا يزالون يقدمون تضحيات جسيمة في خدمة الإسلام معتمدين فقط على مواردهم الذاتية، دون أن يأخذوا من أية حكومة ولو قرشاً، فيُعتبرون “غراس الإنجليز” !!
الوهابيون هم “غراس الإنجليز”
ومن عجائب قدرة الله أنه تعالى انتقم للأحمدية وأظهر الحق بلسان أعدائهم، حيث تبادلت هذه الفرق الإسلامية نفس التهمة فيما بينها، وسمَّت بعضها بعضاً بأنها “غراس الإنجليز”، في حين أن سيدنا المهدي والمسيح الموعود لم يستخدم هذه التسمية لفرقته أبداً.
فقد ورد في مجلة “جتان” عن البريلويين ما يلي:
وكتب مدير جريدة “طوفان” الأردية:
الحقائق تتكلم!
الواقع إن إلصاق التهم ليس بدليل. وكما أننا لا نعتبر اتهامهم لنا بأننا غراس الإنجليز، دليلاً على صدقهم، كذلك بالطبع لا نقيم أي وزن لهذه التهم التي تبادلوها، ولا نصدقها، ولكن الأحداث التاريخية لها لسان ينطق بالحق الذي لا بد من الانصياع له.
تؤكد الحقائق التاريخية بما لا مجال للشك فيه بأن مؤسسة الديوبنديين المسماة بـ “ندوة العلماء” بالهند تأسست بمساعدة الإنجليز، وهم الذين قدموا لها منحاً مالية عاش بها هؤلاء المشائخ الذين يُعَدُّون اليوم من أعداء الإنجليز وأول المجاهدين ضدهم. والذي وضع حجر الأساس لندوة العلماء هذه كان إنجليزياً. فقد جاء في مجلة “الندوة”، وهي لسان حال هذه المؤسسة ما يلي:
والفقرة التالية من العبارة ملفتة للنظر. يبدو أن هؤلاء فطنوا بأن المسلمين عندما يقرأون الخبر فلا بد وأن يذهب بهم الخيال مذاهب، ويفكروا في نتائج وأهداف تأسيس ندوة قام بإرساء حجر أساسها أحد الحكام الإنجليز.. لذلك قالوا بعدها وبدون أدنى خجل قولاً خطيراً يُدمي قلب كل مسلم. فقد برّروا إرساء حجر الأساس بيد حاكم إنجليزي قائلين:
فلما كان منبر مسجد النبي من صنع نصراني، حسب زعمهم والعياذ بالله، فلا بأس عندهم أن يؤسس نصراني ندوتهم!
ويستمر قائلاً:
ها قد رأيتهم أن غراس الإنجليز بنفسه يتكلم عن أصله وحقيقته. “ندوة العلماء” معهد إسلامي عالي المستوى.. يتخرج فيه علماؤهم ويبعثون من مركزهم هذا إلى الخارج لمحاربة الأحمدية. والعقائد الإسلامية التي يريدون نشرها في باكستان اليوم تحمل طابعاً “نجدياً”. والواقع أنهم يسعون إلى تسليط هذه الفرقة النجدية على الفرق الأخرى هنالك. وهذه الفرقة تنتمي إلى الديوبنديين وإلى أهل الحديث في آن واحد. لا شك أنهما فرقتان منفصلتان، ولكن هدفهما واحد. وقد بين الندويون هدفهم قبل زمن طويل قائلين:
حقاً أن الندوة في معزل عن السياسة، ولكن لما كان هدفها الأساسي تخريج علماء مستنيرين، فمن واجب هؤلاء العلماء اطلاع القوم على بركات هذه الحكومة “الإنجليزية” ونشرِ أفكارٍ تساعد أهل البلاد على الوفاء لها” (مجلة الندوة، يوليو 1908م ج 5).
هذا كما يقال بالإنجليزية (Cat is out of the bag)، أي لقد خرج القط من الحقيبة. انظروا إلى شقاوتهم، كيف يتهجمون بكل كذب ومكر على سيدنا المهدي والمسيح الموعود ، وفي نفس الوقت يخفون حقيقتهم عن أعين الناس. ما هي أهدافهم ومن أنشأ مؤسستهم؟ كل هذه الأمور مسجلة بأيديهم في الوثائق التاريخية التي لا دخل لأي مسلم أحمدي فيها\ن والتي تُغني الإنسان عن بذل أي مجهود لمعرفة هويتهم. “فالحركة النجدية” حقيقة تاريخية، وكانت مدعمة من قبل الإنجليز. تمت بينها وبينهم اتفاقيات ومعاهدات لا تزال مسجلة في كتب التاريخ، ويمكن للقارئ الاطلاع على نسخها الأصلية الموجودة في المكتبات بلندن، ليعرف كيف أن الإنجليز بكل مكر ودهاء ربطوا بالاتفاقيات بين أهل الحديث أعني الحركة الوهابية النجدية وبين مؤسس الدولة السعودية الحالية، وأنشأوا “حركة جهاد”، وذلك ليس لمحاربة الإنجليز الذين أسسوها وقدموا لها دعماً مالياً سنوياً قدره خمسة آلاف جنيه أسترليني، وإنما لمحاربة الحكومة المسلمة التركية آنذاك.
لقد قامت الحركة النجدية بدعم الإنجليز أولاً في السعودية، ثم غرسوها في الهند أيضاً. ونفس هذه الحركة تحلم اليوم بالسيطرة على زمام الأمور في باكستان. ونفس الحركة تتهم أحياناً فرقة البريلويين بأنها غراس الإنجليز، وأحياناً ترمي المسلمين الأحمديين بكونهم عملاء الإنجليز، وفي بعض الأحيان تتهم الشيعة بنفس التهمة. وتحاول القوى الغربية اليوم حسب مؤامرة محكمة أن تستولي هذه الحركة عن طريق الجيش الباكستاني على زمام الحكم في باكستان للأبد. العوام لا يدرون كيف تُحاك حولهم هذه الأحابيل. ولكن صاحب البصيرة لن تخطئ عينه في رؤية حلقات الأحداث التي تتصل بعضها ببعض بكل وضوح.
فالذين كانوا بالأمس غراس الإنجليز هم اليوم أيضاً غراسهم، ومن لم يكن لهم بالأمس أية علاقة بالإنجليز اليوم أيضاً براء منهم.
الديوبنديون وأهل الحديث.. غراس الإنجليز!!
هناك حاجة ماسة لجلاء الحقيقة على أهل باكستان وتوضيح الموقف الحقيقي للأحمدية نحو الإنجليز. يجب أن نبين لهم بألا يحكموا علينا على ضوء التهم الموجهة إلينا، لأنهم قد وجَّهوا نفس التهمة إلى جميع الفرق تقريباً، إنما يجدر بهم أن يحكموا فقط على ضوء الحقائق التاريخية التي تؤكد بكلمات صارخة بأن الديوبنديين وفرقة أهل الحديث (الوهابية) التي ساعدت آل سعود في تأسيس الدولة النجدية بدعم الإنجليز، هم وحدهم غراس الإنجليز، إن كان هناك أي غراس لهم.
غير أني أرى أنه على الرغم من هذه الحقائق التاريخية، فمن الظلم والسخافة من الناحية الدينية أن يطلق عليهم “غراس الإنجليز”. ذلك لأن هذه الحركة دينية مستقلة، ولكنهم استغلوها لتأسيس حكومة مدعمة من قبل الإنجليز وتابعة لهم. فقد اشترط الإنجليز في الاتفاقية على مؤسسي هذه الحكومة أنه لا حرية لهم في سياستهم الخارجية، وإنما يتقيدون في هذا الشأن بما يأمرهم به الإنجليز. أما فيما يتعلق بالسياسة الداخلية فقيدها الإنجليز أيضاً إلى حد كبير نظير بعض الأسلحة والأموال.
ولكني مع ذلك أرى ألا نستعجل في الحكم على أحد ولا نعتدي على أحد كما يفعل هؤلاء، وإنما علينا الاستمساك بالعدل حتى في الرد عليهم.
لذلك لا أرضى، على الرغم من هذه الوثائق التاريخية التي اعترفوا فيها بالتعاون مع الإنجليز، أن يقول أحد إن الإنجليز هم أسسوا هذه الفرقة الدينية. ذلك لأن الفرق الدينية لا يؤسسها إلا أهلها، ويكون لها تاريخ مستقل. الواقع أن حضرة محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – كان قد أعلن الحرب على الشرك، ورغم أنه تشدد وتجاوز الاعتدال في هذا الجهاد بعض الشيء، إلا أنه لا يحق لأحد أن يسمي الحركة الوهابية غراس الإنجليز، على أساس أنهم قاموا بدعمها في يوم من الأيام. وإنما كانت الحركة الوهابية من الناحية الدينية حركة دينية مستقلة، ولكن الإنجليز استغلوها هنالك وفي القارة الهندية أيضاً. فقبل انقسام الهند استغلّهم المؤتمر الهندوسي[1] ضد إخوانهم المسلمين. لقد كانوا أداة طيعة في تلك الأيام، وهم اليوم أيضاً يتحركون كدمية في أيدي الآخرين. فالمؤامرة نفس المؤامرة، والقوم نفس القوم. ولكن، مع ذلك، لا يصح القول بأنهم غراس الإنجليز.
الأحمدية غراس سماوي
هنا يمكن أن يقال: إنكم تؤوِّلون قول مؤسس الأحمدية عن غراس بأنه يقصد به أسرتَه وليس نفسَه وجماعته، في حين نرى أنه يتحدث عن أسرته ونفسه وجماعته، فيجب أن تقدموا دليلاً أقوى وأقطع للشك والارتياب. ولكي يطمئن مثل هؤلاء الناس أقرأ على أسماعكم ما قاله سيدنا المسيح الموعود عن نفسه وجماعته:
وفيما يتعلق بتهمة “مدح الإنجليز” و “غراس الإنجليز” فيجب أن يتضح للجميع أن سيدنا المهدي والمسيح الموعود لم يسمِّ جماعته “غراس الإنجليز” لا صراحة ولا تلميحاً، وإنما استخدم هذه الكلمة عن أسرته التي كان بعض أفرادها من أهل السنة وبعضهم من أهل الحديث. ولكن لم تكن هذه التسمية من الوجهة الدينة. كما أن أسرته لم تتلق أية مساعدة مالية من الإنجليز، بل بالعكس قامت الحكومة الإنجليزية بمصادرة ممتلكاتها. لقد خلت قلوب هؤلاء الطاعنين والمعترضين من خشية الله، وتصف ألسنتهم الكذبَ دون اكتراث. واعلموا أنهم لم يتهموا الأحمدية وحدها بكونها “غراس الإنجليز”، بل ما برحوا يتبادلون نفس التهمة فيما بينهم. لقد أعجبهم هذا التعبير لدرجة أنهم لا يريدون أن يكفوا عن استخدامه؟ بل إنهم يعلنون معترفين بأن الإنجليز أقاموهم، وقد دونت أيديهم ماضيهم وأهدافهم في الوثائق كحقائق تاريخية لا يسع أحداً إنكارها.
إنكم تؤوِّلون قول مؤسس الأحمدية عن غراس بأنه يقصد به أسرتَه وليس نفسَه وجماعته، في حين نرى أنه يتحدث عن أسرته ونفسه وجماعته، فيجب أن تقدموا دليلاً أقوى وأقطع للشك والارتياب.
نوايا الطائفة المغرضة
اليوم هناك مخطط مدبر من هذه الفرقة، التي تؤكد الوثائق التاريخية أن الإنجليز قاموا بدعمها مالياً واستغلوها لمصالحهم السياسية، كي تتسلط على أهل باكستان. ولكن الفِرق الأخرى التي تشكل الأكثرية العظمى وقعوا في دوامة الأحداث بحيث لا يدرون ماذا يجري عليهم. فالحكومة تقوم ضد مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية بدعاية مسعورة مشوهة بحيث انشغل هؤلاء المساكين مبهوتين تماماً بمشاهدة هذا المنظر وحده، فلا يلوون على شيء سواه، ظناً منهم أنه ليس عليهم أي خطر إلا من الأحمدية، وليس لهم عدو إلا الأحمديون. ووسط هذه الغوغاء والدعاية المشبوهة نسوا أنفسهم، وتغافلوا عن المؤامرة التي تحاك ضدهم. وإني أؤكد لكم أنه إذا استمر الموقف هكذا.. فسوف ترون بعد قليل أنهم بمساعدة الجيش الباكستاني سيسلّطون فرقة واحدة على الباكستانيين كلهم، وسوف يعتبرونها الفرقة الوحيدة الممثلة للإسلام الحقيقي، رافضين بطريق أو آخر ما تعتقد به الفرق الإسلامية الأخرى من عقائد.
أما الشيعة فقد علمتم ما فُعل بهم في باكستان. لقد نشرت الجرائد تفاصيله إلى حد ما، ولكن ما يُنسج تحت الأرض لا يدريه إلا صاحب المؤامرة. غير أني أنبهكم أنهم أيضاً ليسوا في مأمن، وإنهم على خطأ إذا كانوا يظنون غير ذلك.
إنذار للبريلويين
ولقد علمتم أيضاً ما حدث للبريلويين، وقد نُشرت تفاصيله في الجرائد. وأعلن الرئيس الباكستاني مؤخراً أنه لا مكان للمشركين في باكستان. وتعلمون أن الخلاف الأساسي بين الديوبنديين (أو النجديين) والبريلويين يدور حول مسألة الشرك. البريلويين يقولون لهم: ترموننا بالشرك، ولسنا بمشركين، في حين يحاول الديوبنديون أن يثبتوا أنهم مشركون. إذن فهذا البيان من الرئيس الباكستاني له مغزى، ولا يمكن أن يدلي به الرئيس ساهياً. إنه إعلان عن استراتيجية مدروسة سوف يتبعونها في المستقبل. فقد تبع هذا البيان الرئاسي ما أعلنوه عن الأحمديين بأنهم لا مكان لهم في باكستان.
وإذا تأملنا الخلفية التاريخية لقيام الحكومة النجدية وجدنا أن الإنجليز.. أثاروا مسألة الشرك نفسها، وأحدثوا صداماً بين المسلمين النجديين والحكومة الإسلامية التركية، قائلين بأن الأتراك مشركون، وها هم يحكمونكم! وهكذا استغل الإنجليز لمصالحهم السياسية محاربةَ النجديين ضد الشرك، وبالتالي وجهوا إلى مملكة إسلامية عظيمة ضربة شديدة مهّدت لهم وللفرنسيين الطريق إلى الشرق الأوسط. ولولا سقوط الدولة التركية العثمانية لما استطاع الإنجليز وغيرهم من القوى الغربية الدخول إلى الشرق الأوسط. فالمؤامرات متشابهة، وتحكيها القوى الاستعمارية الغربية التي تتبادل المصالح فيما بينها، فحيناً يستلم الإنجليز دفة حكم الشرق الأوسط، وحيناً آخر تستلمه أمريكا، وتارة تستولي عليه دولة أخرى. فمصالحها في الأساس مشتركة، وهدفها واحد.
العالم الإسلامي ضحية المؤامرة الاستعمارية
فهاتان الفرقتان: أهل الحديث والبريلويون يُستَغلُّون اليوم، كما استُغِلُّوا بالأمس. أما نحن فلنا إله.. هو الله. هو مولانا الذي لم يخذلنا أبداً، والذي يقول عنه سيدنا المهدي والمسيح ، إنه أيده دائماً بوفاء، ولن يخذله أبداً. ولكن ماذا عن أولئك الذين اغتروا لسذاجتهم وقلة معلوماتهم بهذه الدعاية المشوهة المسعورة ضد الأحمدية، وفقدوا التمييز بين الظالم والمظلوم.. فمن يضمن حمايتهم؟ فأرجو أن تدعوا لهم حتى يهيهم الله البصيرة والفراسة|، ويسدد خطاهم. واعلموا أنه لو نجح هؤلاء المتآمرون، لا قدر الله، في مؤامرتهم هذه التي يحاولون تنفيذها ضد العالم الإسلامي باسم الإسلام، فسوف تُلحقَ بالدول الإسلامية ضرراً فادحاً، فلن تتخلص من أحبولتها أبداً. لقد بدأت أحداث مماثلة تقع في تركيا، وإندونيسيا، وماليزيا. وقد سبق أن شهد السودان نفس الأحداث. فلو أمعنتم النظر فيما حولكم لوجدتم أنه في كل دولة إسلامية يساعد الاستعمار الأمريكي أفراداً معينين للاستيلاء على الحكم باسم الإسلام، وذلك لمصالحه السياسية. ونفس الحال بالنسبة للروس. والواقع أن القوى الشرقية أيضاً تنتهز كل فرصة لتسلِّط على الدول الإسلامية وباسم الإسلام حكومات سياسية يتعذر على الشعب التخلص من نيرها.
فادعوا الله تعالى أن ينجي بفضله الدولَ والشعوب الإسلامية من رِبقة هؤلاء الأشرار، ويُحبط مؤامراتهم الدنيئة. والواقع أن الباكستانيين ينظرون إلى الأحمدية لخلاصهم، لأن حيلهم كلها قد نفدت. فكثير من الإخوة المستنيرين يقولون لنا: نعلم أنه كلما ناصبكم أحدٌ العداء مُني بالفشل الذريع. فندعو الله أن يكرر هذه السُنّة نفسها في هذه المرة أيضاً، إذ لا حيلة لنا الآن للخلاص من ربقة هؤلاء الغاشمين، وإنما أملنا الوحيد أن ننجو منهم بسببكم أنتم.
أما نحن، المسلمين الأحمديين، فإننا جماعة ضعيفة جداً، لا حول لنا ولا قوة، ولا دخل لنا في السياسة، وليس لنا أن نشترك في النزاعات السياسية وأن نقود حركات خارجة على الحكومة، إذ ليس ذلك من طبعنا وجبلّتنا ولا من تعليمنا. ولكننا مع ذلك نؤمن ونعلم أن إلهنا لن يخذلنا، بل يخزي أعداءنا ويذلهم. فكل يد اشتبكت مع الأحمدية شُلّت وقُطعت. لذا إياه ادعوا، وإليه أنيبوا حتى ينجي بلدنا وشعبنا من هؤلاء الغاشمين، ويقضي على المؤامرة المحاكة ضد العالم الإسلامي نهائياً، ويُفشل القوى الغاشمة التي باسم الإسلام استولت على الحكم، ولا تزال توسع وتعمق دائرة نفوذها كي يطول أمده. نجانا الله منهم. آمين!