مصالح الإنجليز بالهند والمؤتمنون عليها
التاريخ: 1985-02-08

مصالح الإنجليز بالهند والمؤتمنون عليها

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة جمعة ألقاها حضرة أمير المؤمنين مرزا طاهر أحمد نصره الله

الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود

في 8/2/1985م، بمسجد “الفضل” لندن

أصدر الديكتاتور الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحقّ في 26/4/1984 حُكماً عسكرياً غاشماً يحرم المسلمين الأحمديين في باكستان من حقَّهم في إعلان دينهم الإسلام الذي يدينون به من الأعماق، أو النطق بالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أو إلقاءِ تحية الإسلام، أو الصلاةِ على النبي ، أو رفع الآذان للصلاة، أو قراءةِ القرآن الكريم، أو كتابةِ آياته أو حيازتها، أو تسمية أنفسهم بأسماء المسلمين، إشارةً أو صراحةً، شفوياً أو كتابياً، أو تسمية  مساجدهم مساجد!! الأمر الذي كان ولا يزال يحرَّض المشائخ المتعصّبين وأتباعهم الجهلة على قتل المسلمين الأحمديين المسالمين، وعلى تدمير بيوتهم وهدم مساجدهم، كما يبشّرهم هذا القرار بتغاضي الحكومة عن جرائمهم.

وبعدها نشرت حكومته كُتيّباً باسم «القاديانية.. خطرٌ شديدٌ على الإسلام» لتبرير ما قام به هذا الدكتاتور من إجراءاتٍ مُنافية لتعاليم الإسلام السمحاء وسُنّة نبيّ الرحمة ، وسمّته «البيان الأبيض». وكان من الأجدر أن يُطلق عليه «البيان الأسود»، لما فيه من أعذار سخيفة لتبرير هذا القرار الفرعوني الغاشم، تسوِّد وجه الإسلام الأغرّ. ولقد قام إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا مرزا طاهر أحمد – أيَّده الله بنصره العزيز – بالردِّ على هذا البيان «البيان الأسود»، مُحلِّلاً ومُفنِّداً بعون الله كل أعذارهم السخيفة عذراً عذراً، في سلسلةٍ طويلة من خُطب الجمعة (ثماني عشرة خطبة)، في أوائل سنة 1985. ننشرها مترجمة من اللغة الأُردية لفائدة القرّاء المنصفين، وهذه هي الخطبة الثالثة منها.

لقد تشرَّف بترجمة هذه الخطبة عبد المؤمن ظاهر وراجعَها المرحوم الأستاذ محمد حلمي الشافعي.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم.  )بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ *( (آمين)

في خطبة الجمعة الماضية كنت تحدَّثت عن تُهمةٍ وجَّهتها الحكومة الباكستانية في ما سمَّته “البيان الأبيض” حيث قالت فيه: لقد أثبت “المحقِّقون الجدد” أنَّ الأحمدية غِراس الإنجليز غرسوها في الهند للحفاظ على الدولة البريطانية هناك. ولقد قمتُ بالردِّ على هذه التُّهمة موضّحاً لكم حقيقة الغِراس، ومن هم الغِراس الإنجليزي، ومَنْ “المحقِّقون الجدد”. كما كنت أثبتُ أنّه لم يكن هناك أية مصالح للجماعة الإسلامية الأحمدية عند الإنجليز، لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل. أما فيما يتعلّق بمصالح الإنجليز فلا علاقة لها بجماعتنا. واليوم سوف أُميطُ اللثام عن من يعملون لحماية المصالح الإنجليزية أو الاستعمارية.

مصالح الإنجليز في الهند

أولاً وقبل كل شيء، يجب التحقيق في المصالح البريطانية في الهند. لا شكَّ أنّه لم يكن للملكة البريطانية في الهند مصلحةٌ أهم من استتاب حكمها فيها، ومع ذلك أودُّ أن أذكر لكم مصالحهم بكلمات زعمائهم من ذوي السلطة، بدلاً من أذكرها لكم بكلماتي، إذا أنّهم على كل حال أعلم بمصالحهم مني أو من “الأحراريين” الذين جاءوا اليوم. فما لم نرجع إلى الإنجليز لمعرفة مصالحهم من المستحيل معرفتها بصورةٍ صحيحة.

اللورد لورنس كان حاكماً من الحكام الإنجليز المعروفين بالهند. لقد قام بخدمات بارزة لدولته. هناك كتاب شهير حول حياته باسم (LORD LAWRENCE’S LIFE)، ورد في الجزء الثاني منه:

“قال اللورد لورنس: ليس ثمّة شيء أدعى لاستتباب حكمنا في الهند من قيامنا بنشر المسيحية في كل أرجائها” (ص: 313).

أما السير دونولد مكلود حاكم بنجاب (تلك المنطقة التي تقع فيها قرية قاديان حيث بعث الله سيدنا المهدي والمسيح الموعود عليه السلام للقيام بحروب دفاعية عن الإسلام)، فقال:

“أودُّ أن أُوكِّد لكم بأننا إذا أردنا استمرار حكمنا في الهند فلا بد لنا من بذل أقصى جهودنا لتنصير هذه البلاد”.

(THE MISSION BY R.CLARCK P. 47 LONDON 1904)

  كما أعلن السير تشارلس وود الوزير البريطاني للهند حينذاك:

   “إنني أؤمن إيماناً أكيداً أنَّ كل متنصِّر جديد في الهند يشكّل عاملاً جديداً لتقوية الصلة بين الهند والإنجليز” (المرجع السابق ص 234).

   مع الملاحظة أنَّ هذا الإعلان تم 1862م حينما كان سيدنا المهدي عليه السلام لا يزال في بداية شبابه. وفي عام 1862 نفسه أدلى اللورد بامرستون رئيس وزراء بريطانيا آنئذٍ بالبيان التالي:

  “أعتقد أننا جميعاً متفقون في هدفنا. إنه ليس من واجبنا بل ومن مصلحتنا أن ننشر المسيحيّة بكل ما أوتينا من قوة وخاصةً نوسّع دائرة نفوذها إلى كل نواحي الهند” (المرجع السابق)

   هذه هي مصالح الحكومة الإنجليزية في الهند التي يُقال عنها اليوم بأنَّ الإنجليز أقاموا الأحمدية للحفاظ عليها.

هجوم التبشير المسيحي على الإسلام

حصلت هذه الأحداث في زمنٍ نشر فيه المسيحيون شبكة مراكز التبشير في الهند من أقصاها إلى أقصاها، ولم يكن للمسلمين أي قدرة على الاصطدام بالتيار المسيحي الجارف وعلى الكشف عن دجلهم دفاعاً عن الإسلام. ولقد ساءت الأحوال لدرجة أن الكثير من الأُسر العريقة من السادات وغيرهم وقعت صيداً في شباك التبشير المسيحي حتى تنصَّر بعض كبار علماء المسلمين ودراويشهم وصوفيَّتهم مثل القسيس عماد الدين والمولوي حميد الدين خان والمولوي عبد الله بيغ والمولوي حسام الدين والمولوي القاضي صفدر علي والمولوي عبد الرحمان وغيرهم. وبدأ هؤلاء المتنصِّرون المرتدّون عن الإسلام بتأليف كتب تضمّنت طعناً قذراً على الإسلام ونبيّه . قاموا بذلك بتحريض من القسيس الشهير فاندر. لقد ملأوا كتبهم بسبٍّ فاحش لدرجة أنَّ بعض الجرائد الهندوسيّة مثل جريدة شمس الاخبار (المجلد السابع، عدد 15، أكتوبر 1875)، اضطرت للقول بأنه إذا حدثت الآن ثورة كالتي حدثت في سنة 1858 فإنّما تحدث بسبب هذه الهجمات الشرسة على الإسلام. ومن كتبهم مثلاً كتاب “أمّهات المؤمنين” (للدكتور أحمد شاه شائق، مطبعة شعلة بمحافظة جوجرانوالا، الناشر برشوتم داس المسيحي). ضمّنه هذا المسيحي أفحش السُباب وأقبح التُّهم ضد سيدنا المصطفى وأزواجه المطهَّرات.

من المدهش حقاً أن يفكر اليوم هؤلاء “المجاهدون الإسلاميون” المزعومون هذا التفكير المعوّج ويرموا بعمالة المسيحية والدولة الإنجليزيّة رجلاً أهلك إله الإنجليز وشنَّ على أُسس المسيحيّة هجماتٍ لم يستطيعوا الفرار من وجهها، ولا الصمود أمامها.

هل هذه هي الحيلة التي لجأ إليها الإنجليز – حسب زعم أعداء الأحمدية – للحفاظ على مصالحهم الضخمة في الهند ونشر المسيحية وتوطيد دعائم حكومة مسيحية؟ وهل لهذه الأغراض غرسوا غراسهم في صورة شخصٍ قامَ أول ما قام أن أعلن أنَّ إله الإنجليز قد مات موتاً طبيعياً، وكسَّر بهذا الإعلان صليبهم، ثم شرع في نضال بطولي ضد المسيحية لم ينحصر في حدود الهند فحسب، بل بدأ في الانتشار في أرجاء الدنيا ولا يزال في الانتشار. فما من عاقل يتدبّر في هذه التهمة المنكرة إلا ويقتنع ببطلانها تماما وبأنّها حصيلة رؤوس فارغة فقط. كان عليهم قبل إلصاق هذه التهمة أن يُفكّروا في عواقبها. أليس عجيباً أن يُقيم الإنجليز للحفاظ على مصالحهم سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني ، فحافظ عليها أيّما حِفاظ أن شنَّ هجماتٍ عنيفة على دينهم قاضياً على القاعدة التي تتوقف عليها مصالحهم!!

إنَّ الإنجليز أمة شهيرة في المكر والاحتيال وعالمةٌ بمبادئ السياسة، فلم يكونوا يعرفون مصالحهم فقط، بل كانوا يعرفون كيف السبيل إلى الحصول عليها. وبسبب هذه السياسة والدبلوماسية والمكر استولوا على معظم بلاد العالم حتى لم تكن الشمس تغيب عن مملكتهم المترامية الأطراف حينئذٍ. فكيف يسوغ نسبة هذه الخطة الرديئة العارية من الذكاء إلى أمةٍ ماكرة محتالة كالإنجليز.

فمن ذا الذي سمّى هؤلاء القوم دجّالاً؟ إنه سيدنا المهدي . من ذا الذي ضحّى في سبيل قمع الفتنة الصليبية بالنَّفْسِ والنَفيس؟ إنّه سيدنا المهدي والمسيح الموعود . أما غيره من المشائخ فقد ارتدّ العديد منهم عن الإسلام وبدأوا يؤلفون الكتب لتأييد النصرانية وللطعن في نبي الإسلام سيدنا المصطفى طعناً فاحشاً، بينما استمر سيدنا المهدي والمسيح الموعود يُغير على النصرانية غاراتٍ ناجحةً

صوتٌ ارتفع من قاديان ضدّ المسيحية

والآن هلمَّ نرَ ما قاله سيدنا المهدي والمسيح الموعود عليه السلام، وكيف خاطب العالم وكيف أيقظ بقوةٍ المسلمين من سُباتِهم العميق. من ناحية كانت الأصوات ترتفع من لندن قائلةً: إذا أردنا الحفاظ على مصالحنا في الهند فلا بدّ من نشر النصرانية فيها بأسرع ما يمكن، ومن ناحية أخرى قام رجلٌ في قريةٍ صغيرة في الهند، ونفخ صُوراً لإيقاظ أهل الإسلام من غفوتهم قائلاً:

   “أيها الغافلون! انظروا كيف أنهم يبذلون جهوداً جبارة لهدم بناء الإسلام وكيف هيّأوا لذلك وسائل كثيرة، وكيف رخصوا أرواحهم في سبيل هذا الهدف وأنفقوا المال كالماء بدون هوادة، وأنفذوا كل حيلة حتى لجأوا إلى حيل منكرة خبيثة. لقد اخترعوا أنواع الألغام لنسف بناء الحقّ وصرح الإيمان، وأوجدوا بكل جهدٍ ومشقةٍ صنوف الحيل الدقيقة من الكذب والخداع لمحو الإسلام.. لذلك فلم يبقَ شكٌّ أنّ المسيح الدجال الذي يخرج من الكنيسة ليس إلا هؤلاء القوم الذين لا بدّ من معجزةٍ سماوية لمحاربة سحرهم. وإذا رفضتم قولي هذا فأتوا بنظيرٍ لهم من الدجّالين من الأزمنة الغابرة” (إزالة الأوهام، الجزء الثاني، ص 365، 366).

من الذي تحدَّى النصرانيّة

فسيدنا المهدي والمسيح الموعود هو الوحيد الذي أعلن أن الديانة المسيحية الحالية هي الدجّال، وشنَّ عليها هجوماً عنيفاً، وذلك في حين ارتفعت الأصوات فيه من إنجلترا ناويةً  رفع لواء الصليب لا على الهند فحسب، بل وعلى مشارق الأرض ومغاربها، بل أعلنوا بأنهم سوف ينشرون دينهم في أفريقيا والجزيرة العربية، ولن يبرحوا حتى ينصبوا لواء الصليب على المسجد الحرام!؟

فمن ذا الذي سمّى هؤلاء القوم دجّالاً؟ إنه سيدنا المهدي . من ذا الذي ضحّى في سبيل قمع الفتنة الصليبية بالنَّفْسِ والنَفيس؟ إنّه سيدنا المهدي والمسيح الموعود . أما غيره من المشائخ فقد ارتدّ العديد منهم عن الإسلام وبدأوا يؤلفون الكتب لتأييد النصرانية وللطعن في نبي الإسلام سيدنا المصطفى طعناً فاحشاً، بينما استمر سيدنا المهدي والمسيح الموعود يُغير على النصرانية غاراتٍ ناجحةً مُعلناً:

  “تذكَّروا جيداً أنه بدون إثبات موت المسيح الناصري لن تموت العقيدة الصليبيّة. فما الفائدة من الاعتقاد بحياته خلافاً لتعاليم القرآن. دَعُوه يَمُتْ لتُكتب الحياة لهذا الدين (الإسلام)” (سفينة نوح ص 15).

    وكذلك قال حضرته في خطابه في الاجتماع السنوي المركزي بقاديان:

   “إنَّ وفاة المسيح وحياة الإسلام قضيتان وثيقتا الصلة جداً. وقد صارت مسألة إثبات وفاة المسيح ضرورية لحياة الإسلام في الزمن الراهن”.

واستمر قائلاً:

“إنَّ الفتنة الناتجة عن الاعتقاد بحياة المسيح قد تفاقمت جداً. إنَّ مسألة حياة عيسى كانت بمثابة خطأ فقط في أوائل الإسلام، أما اليوم فقد تحوَّل هذا الخطأ إلى أفعى تريد ابتلاع الإسلام. إنَّ الإسلام اليوم في إدبارٍ وانحطاط، ومسألة حياة المسيح هي السلاح الذي حملته المسيحيّة للهجوم على الإسلام، وبسببها أصبحت أجيال المسلمين صيداً للمسيحيّة.. فأراد الله تعالى الآن تنبيه المسلمين لذلك” (الملفوظات ج 8، ص 336، 337 و345).

   وأضاف قائلاً:

    “دعوا عيس يَمُتْ فإنَّ في موته حياة الإسلام، واتركوا عيسى المحمَّدي ليأتي مكان عيسى الموسوي ففيه شرف الإسلام وكرامته” (المرجع السابق ص 4، 5 و 8).

   ويقول حضرته في أبياتٍ عربيةٍ له:

.

“وقد جاء يوم الله فاليوم ربّنا

يُدقّق أجزاء الصليب ويكسرُ

.

وأبغي من المولى نعيماً يسرّني

وما هو إلا في الصليب يُكسَّرُ

.

والله إنّي أُكسِّرنَّ صليبكم

ولو مُزِّقت ذرات جسمي وأُكسَرُ”.

تواطؤ المشائخ والنصارى!

هذا هو بطل الإسلام الذي أقامه الإنجليز بحسب زعم هؤلاء الحمقاء، للحفاظ على مصالح الدولة البريطانية ولاستتباب حكمها!! وبينما كان هذا البطل العظيم وحده خائضاً معركة حامية بين المسيحية والإسلام ويناضل لكسر صليبهم، لم يخجل المشائخ من تأييد القساوسة الكبار كلما وجدوا لذلك سبيلاً، وانضموا إلى صفوفهم ضد سيدنا المسيح الموعود . وقد ذكر حضرته هذه الحقيقة المرّة مشيراً إلى ما قاله بعض المشائخ في شأن المناظرة التاريخية الحاصلة في أمرتسر بين القسيس الدكتور “هنري كلارك” وبين حضرته ونبّه عامة المسلمين إلى فعلة المشائخ هذه وقال:

  “لقد وصلتني رسالة مجملة من أمرتسار تفيد بأنّ بعض المشائخ الكرام يُردِّدون: لو كان النقاش حول حياة ووفاة المسيح قد حصل في هذه المناظرة لكنا أيّدنا الدكتور كلارك المحترم”.

“ها إنّي أدعو المشائخ (أي الشيخ المولوي محمد حسين البطالوي من علماء أهل الحديث) وزملاءه بل وأناشدهم بالله أن يُجرِّبوا حظهم في هذا الشأن”. (إظهار حقيقة، ص 74).

  فسيدنا المهدي والمسيح الموعود هو البطل الذي قام بهذا النضال التاريخي ضد المسيحيين، وشنَّ هجماتٍ متكرِّرة على العقائد الصليبية. أما هؤلاء المشائخ الذي يُفتون اليوم بقتلنا ويرموننا كذباً وزوراً  بمعاملة الإنجليز وتأييدهم، فكان سلوكهم عندئذٍ كالخائن الغادر الذي يطعن في الظهر. فكانوا بكل شدّة وقوة يُعلنون بحياة المسيح الناصري ، ويُبيحون قتل سيدنا المهدي ، وأعلنوا بكل فخرٍ وتباهٍ بأنّهم قد أشعلوا نار الكراهية والعداء ضده من أقصى الهند إلى أقصاها، بل لقد تمكّنوا من خلق جوٍّ مليء بالكراهية والبغض ضده في مكة المكرّمة، بل في كل الجزيرة العربية لأنه يُعلن بوفاة المسيح.

فإعلان حضرته عن موت عيسى بن مريم هو السبب وراء اشتعال نيران الكراهية ضده في القارة الهنديّة. فمن ذا الذي قام لتأييد الإنجليز إذن؟ هل الذي قال بحياة إله الإنجليز المزعوم أم الذي أعلن بموته؟ كيف نندب على هذه العقول التي لا تفهم هذا الأمر البسيط!!

يقول سيدنا المهدي والمسيح الموعود :

   “عندما تجاوز تكذيب القساوسة للإسلام كل الحدود بعثني الله تعالى لإقامة الحجة المحمّدية. فأين القساوسة الذين يجرؤون على مبارزتي. إنني لم آتِ بدون موسم بل جئتُ حينما ديسَ الإسلام تحت أقدام النصارى. إئتوني اليوم بقسيس يزعم بأنَّ سيدنا المصطفى ليس له أية نبوءات صادقة. تذكَّروا أنَّ زمن هذه الأقوال قد ذهب وولّى بمقدمي. فيريد الله تعالى الآن أن يُظهر للعالم أنَّ النبي العربي محمداً الذي سُبَّ وأُهينَ اسمه، والذي ألّف ونشر القساوسة في تكذيبه مئات الآلاف من الكتب، هو الصادق وسيد الصادقين.” (حقيقة الوحي ص 273، 274).

  ثم يقول :

   “فَنِعمَ ما حصل ومات إله النصارى. إنّه ليس بأقل من حربةٍ ذلك الدليل الذي هاجمت به – بعون الله تعالى وبصفتي المسيحَ ابن مريم – على هؤلاء الدجَّالين الذين أُوتوا من الطيّبات فخلطوا بها الخبيثات وفعلوا ما يفعل الدجّال”. (إزالة الأوهام ص 361 و362).

الفضل ما شهدتْ به الأعداءُ

هذه هي الكلمات التي أعلن فيها سيدنا المهدي والمسيح الموعود بأنه قد قام بكسر الصليب. تعالوا ننظر الآن ما إذا كان أعداؤه أيضاً يعتبرونه عليه السلام موفَّقاً في كسر الصليب وقصم ظهر النصرانية بإعلانه عن موتٍ طبيعي لسيدنا المسيح الناصري أم لا؟.

قبل أي شيء أقرأ على أسماعكم ما كتبه شيخٌ من أشدّ معاندي الأحمدية وهو من الجيل كان أكثر ميلاً للحق من هذا، فكانوا يعترفون بالحق ولو كان مرّاً. وهذا العالم هو المولوي نور محمد النقشبندي الجشتي صاحب مطبعة أصحّ المطابع بدلهي، الهند يقول الشيخ النقشبندي:

  “في تلك الأيام قدِمَ إلى الهند القسيس ليفراي من إنجلترا، مصطحباً مجموعة كبيرة من القساوسة، وحالفاً بتنصير الهند كلها في أيام قليلة. وبفضل أموالٍ طائلة ووعودٍ متكرِّرة من الإنجليز بالمساعدة المالية أحدث زلزالاً في كل أنحاء الهند”.

  اِنتبِهوا! هذه هي المصالح الإنجليزية. لا ندري كم من الملايين أنفقوا في تلك الأيام على بعث هذا البطل النصراني إلى القارة الهندية، الذي نال من النجاح ما يعتبره المشائخ المسلمون أنفسهم زلزالاً عنيفاً في بلادهم. ويستمر المؤلف قائلاً:

  “لقد وجد القسّيس في عقيدة حياة المسيح في السماء بجسده المادي وفي كون غيره من الأنبياء الكرام أمواتاً مدفونين تحت الأرض سلاحاً ماضياً على عامة الناس. فقام الشيخ غلام أحمد القادياني للتصدّي لهذه الجماعة وقال: “إنَّ عيسى الذي تتكلمون عنه قد مات ودُفن كغيره من البشر. أما عيسى الذي وُعِد بمجيئه فهو أنا. فصدِّقوني إن كنتم من السعداء”. وبهذه الحيلة ضيّق الخِناق على القسّيس ليفراي وجماعته حتى صعُبَ عليه التخلُّص من يده، وأنزل بهذه الحجّة هزيمةً نكراء بكل القساوسة من الهند إلى إنجليزا” (مقدمة الترجمة القرآنية للمولوي محمد أشرف التهانوي، مطبعة أصح المطابع، دلهي الهند ص 30).

هل هذه هي مصالح الإنجليز التي حافظت عليها الأحمدية؟ وإذا كانت الأحمدية تدافع عن هذه “المصلحة” فلم لا تساعدونها في هذه العملية؟ فإنها ليست مصلحة الإنجليز ولا مصلحة النصرانية إنما هي مصلحة سيدنا المصطفى ومصلحة دينه الإسلام.

العجيب كيف أنَّ المشائخ في أيامنا هذه لا يقدرون على فهم هذا الأمر البسيط، وقد فهمه بالأمس حتى الهندوس. لقد كانوا أذكى من المشائخ فأدركوا حقيقة الأحمدية والأهداف من تأسيسها. أُقدِّم لكم مقتبساً من إحدى الجرائد الهندوسية يحذّر فيه محرّرها الهندوسَ من الأحمديين ويُنبّههم أن لا يستهينوا بأمرهم. كان ذكياً فكتب في ضوء إنجازات الأحمدية وردود فعل المسيحيين إزاءها مايلي:

“إذا رجعتم ثلاثة أو أربعة عقود من الماضي حين كانت هذه الجماعة في حالتها البدائية وجدتم الهندوس والمسلين على السواء ينظرون إليها نظرة الازدراء والتحقير ولكن الأيام أكدت على حمق وجهل المستهزئين بها. أما المبشِّرون النصارى فكانوا من الذكاء بمكان، حيث تصدَّوا للأحمديين بمجرد وطأت أقدامهم أراضي أوربا وأمريكا” (جريدة تيج، دلهي، 25 يوليو 1927).

والآن تعالوا نرَ كيف وجد النصارى الأحمديةَ؟ هل وجدوها حركةً هدَّامة للإسلام، كما يزعم ويروّج معارضونا، أم وجدوها على عكس ذلك، حركةً تهدّد كين النصرانية؟ هلمَّ نسمع هذه الحكاية من لسان علماء النصارى القدامى والعصريين:

في 1969م شكّلت الكنائس في إسكندينافيا لجنةً للبحث في كيفية مواجهة الجماعة الإسلامية الأحمدية، فقال أحد أعضائها: (Mr Bertil Weberg)

“إنَّ الاعتراضات التي تُثيرها الحركة الأحمدية ضد بُنوَّة المسيح لتُشير بكل وضوح أنها (أي الأحمدية) تعدُّ المسيحيةَ أكبر عدوٍ لها. إنها تحاول جاهدةً للقضاء على “عالمية” الديانة المسيحية، ولاسترداد ما كان للإسلام من مجدٍ وعظمة استمرت بعد وفاة نبيّه لقرنٍ كامل، حين كان هذا الدين ينتشر في المناطق الواقعة حول المحيط الهادي انتشار الحريق في الغابات، كما توغَّل بعيداً في القارة الأوربية. إَّن لهم دعاوي واسعة، ولن تنبئ عن مدى نجاحهم فيها إلا الأيام. بيد أنَّ الجهود التبليغية التي بذلها أبناء هذه الحركة لتدلُّ على أَّن دعاويهم مدعّمة بقوة العمل. هذا هو الإسلام متجسّداً في العمل”. (Report on Christian Churches. Scandinavia 1969.Herbert Gotts Chalk)

هذا رأي قسّيس أوربي. إنه يرى أنَّ القوة المدعّمة للجماعة الإسلامية الأحمدية هي قوة العمل، وليست الإنجليز. لو كان هذ العالم المسيحي قد أوتي حظاً من المعرف والفراسة الروحية لأدرك ورأى أنَّ الأحمدية لا تعمل وتزدهر بقوة العمل وحدها، بل أيضاً بقوة ودعم الإله القادر المطلق الذي بيده غرس غراس الأحمدية في قاديان. إنها الغراس الإلهي الذي لم يغرسه سوى الله ، وليس بوسع أحدٍ اجتثاثه. إنَّ غارسه هو ربنا، وهو الذي كتب له البقاء والأمان والازدهار. ويقول كاتب مسيحي آخر (Mr Herbert Gotts Chalk ) :

“اليوم لا يستخدم الإسلام لنشر عقائده السيفَ، وإنّما الحرب المقدَّسة موجهة إلى القوى الاستعمارية فقط. ولكن الجماعة الإسلامية الأحمدية المسالمة مشغولة بالمهمّات التبليغية في كل قطر من الكرة الأرضية تقريباً… إنَّ هذه الجماعة تركّز على بذل مساعٍ جبارة لإدخال المسيحيين في دائرة الإسلام. لقد سبق أن أشرنا إلى ما نواجهه من صعاب في التبشير بين المسلمين، أما الآن فقد أصبحت المسيحية نفسها عرضةً لجهودٍ تبليغية من قبل هذه الجماعة. إنّها تمكّنت، بفضل إنشاء المراكز التبليغية في كل المدن الرئيسية تقريباً في أوربا وأمريكا وأفريقيا وأستراليا من إحداث صدعٍ ولو بسيط في العالم المسيحي. إنها تتمتّع بنظامٍ فعّال للدعاية كإلقاء المحاضرات ونشر الجرائد واستخدام الإذاعة”

(WELTBEWE GENEDE MATCH ISLAMS)

ويقول المستشرق الألماني البروفسور كيلر هال (HALL KEELER):

“أما الجماعة الأحمدية فهي مختلفة تماما (عن غيرها من المسلمين)، ويمكن أن نطل عليها اسم “حركة تبليغية عصرية”. إنها عازمة بحسب دعواها على نشر الهدي السماوي الأخير رسالة الإسلام في صورتها الحقيقية الأصلية في كل العالم مرةً أخرى.

إنَّ الأحمدية هي الحركة الوحيدة غير العادية في كل العالم الإسلامي التي تعمل تحت نظام محكم على نشر الرسالة الإسلامية. إنها كالتبشير المسيحي تبعث الدعاة المؤهلين، وتُنشئ المدارس، وتنشر الكتب والمجلات لنشر الإسلام وكسب الناس له”.

كان القسيس الشهير د. كريمر الهولندي قد قام بجولة لبلاد الشرق البعيد، وزار خلالها قاديان. وكتب بعد الجولة مقالاً ذكر فيه انطباعاته عن نظام الجماعة وحماسها الشديد لنشر دعوة الإسلام. ولقد نشر هذا المقال في مجلة (MUSLIM WORLD)، في عدد إبريل 1931م. يجب على أعداء الجماعة الذين يعدُّون أنفسهم اليوم من “أبطال الإسلام”، ويسموننا “خونة الإسلام” أن يقرأوا هذا المقال. لماذا يتعامون عما يقول هؤلاء القساوسة وأعداء الإسلام. يقول د. كريمر:

“تجد عامة المسلمين الهنود مغلوبين باليأس، ولكنك على عكس ذلك، سوف ترى في الجماعة الأحمدية آثار حياةٍ جديدة بشكلٍ ملفتٍ للنظر. إنَّ أفرادها يُركِّزون جلَّ اهتمامهم على التبليغ، ويبذلون كل طاقاتهم لنشر رسالة الإسلام. لا يتدخّلون في السياسة، بل يقولون: على الإنسان الطاعة والوفاء لكل حكومة يعيش في ظلها، بشرط أن تُتيح له الحكومة الفرص والتسهيلات لنشر الإسلام. لا ينظرون إلى الإسلام باعتباره حزباً دينياً أو سياسياً، وإنّما باعتباره حقيقةً صرفة، ثم يسعون لنشرها. ومن هذه الناحية تمتاز هذه الفئة بين مسلمي اليوم. ليس لها من هدف إلا رفع لواء الإسلام ونشره. تأثيرهم كبير جداً مقارنةً بعددهم. ولقد اتبع العديد من المثقفين أسلوب استدلالهم في الأمور الدينية، إذ يرون أنه لا بد لهم كمسلمين من اعتراف بصحة وعقلانية المنطق الديني للأحمديين”.

هذه انطباعات من عالَم خارجي أجنبي، ذلك العالَم الذي يُدرك تماماً ما يجري اليوم على ساحة الحروب الدينية، والذي يعرف عن الأحمدية وكذلك عن معارضيها من المشائخ المتعصبين الذين لا همَّ لهم إلا أن يستقلّ كل واحدٍ منهم بمسجدٍ مستقل ولو على مساحة شبر، ليقبع فيه في ظلمات نفسه غافلاً عن أحداث العالم الخارجي. دأبهم إساءة الظن ورمي جماعتنا بما لا أساس له من التهم المنكرة مثل أنها غراس الإنجليز!!

احتيالٌ خطير للدجَّال

عند إنشاء المركز الإسلامي الأحمدي في هولندا نشرت جريدة (m.66)، الكاثوليكية هذا الخبر وأبدت رأيها فينا. ولكن قبل أن أقرأ عليكم رأيها هذا أرى لِزاماً عليَّ بيان السبب وراء نشر الخبر. في أيام تأسيس هذا المركز بدأ شخص يُدعى الدكتور هيوبن (Dr. Houben)، بإلصاق تهم خطيرة بالجماعة، محذّراً العالَمَ المسيحي من خطورتنا، وبيّن لهم كيف يمكن تحاشي هذ الخطر. فقال لهم: لا تولوهم أدنى اهتمام، فإنَّ المسلمين أيضاً لا يعتبرونهم مسلمين. اسألوهم: من أعطاكم حقّ تمثيل الإسلام؟ أما الإسلام نفسه فقد صار جسداً بلا حياةٍ ولا قوة، فلن تجدوا أدنى صعوبة في القضاء عليه. هذا ما احتال به أحد الأوربيين، وها نحن نرى إخواننا المسلمين يلجأون إلى نفس الحيلة.

ولكن رغم هذه الدعاية الخطيرة اضطرت جريدة (m.66) الكاثوليكية لقول الحق. فردّت على الدكتور هيوبن بأنّ إله الإسلام قد صار قصةً من الماضي، لأنه إلهٌ جابرٌ قهّارٌ غشوم، (والعياذ بالله)، ولا يرغب في قبوله عقول هذه الأيام، وبأنَّ الإسلام غير قادر على تقديم الأدلة العقلية على وجود الإله وبالتالي أصبح ديناً ميتاً.

كتبت الجريدة مايلي:

“إنَّ قول البروفسور الدكتور (هيوبن) بأنَّ الإسلام يقدّم إلهاً جابراً قهّاراً غشوماً، وأنه قد فقد قوة الإحياء والتجديد لقولٌ عارٍ عن الصحة، لأنَّ الحركة الأحمدية نفسها تشكل دليلاً حاسماً على قدرة الإسلام على الإحياء والتجديد. ولعلّ هذا ما جعل العلماء المسيحيين يخافون هذه الحركة. فقبل فترة ردَّد البروفسور (Dr.Camps)، أيضاً نفس الكلمات وحذّر من هذه الجماعة.

إنَّ الحركة الأحمدية صورةٌ من صور الإسلام العديدة، تستحق بكل جدارة تمثيلَ الإسلام. لا شك أنها تعرَّضت لعداءٍ شديد من قبل المسلمين المعارضين بسبب أفكارها، ولكنهم لا يملكون شيئاً من الأدلة العلمية المقنعة، وإنّما يملكون ذهنيّة كذهنيّة الكاثوليك الذين يُسرعون إلى حمل سلاح التكفير ضد المعارضين لرأيهم ويُهدِّدونهم بإخراجهم من دائرة الدين”.

هذا تحليل من جريدة كاثوليكية اضطُرَّت لقول الحق، وعرَّضَتْ بمناهضي الأحمدية قائلةً: إنكم مثلنا مصابون بمرض ضيق الصدر وضيق الفكر، وتكفِّرون كل معارض لرأيكم كما نفعل بمُعارضينا من المسيحيين.

مؤامرة يُحيكها المشائخ والقساوسة معاً

الواقع أنَّ العالِم المسيحي الدكتور هيوبن هو الذي ناول هذا السلاح في أيدي مُعارضينا من المسلمين بتلقينهم هذه الحيلة. فقد صرَّح في مقاله بهذا الأمر أيما صراحة، حيث كتب من ناحية أنَّ الإسلام (والعياذ بالله) دينٌ ميت، إنه يعتمد في نشره على السيف، وما دام استخدام السيف غير ممكن له اليوم فقد استحال انتشاره وازدهاره، ومن ناحية أخرى يوجّه الطعن إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية ويحذّر المسيحيين من خطورتها، ومن ناحية ثالثة يزعم أنّها لا تستحقُّ تمثيل الإسلام والدفاع عنه لأنَّ العالم الإسلامي يرفض أفكارها، فيجب ألا نُوليها أي اهتمام!!

وهذه الدعاية المنكرة تحوَّلت أخيراً إلى مؤامرة ضد الأحمدية حاكها المسيحيون بمساندة المشائخ المتعصِّبين، فقاد المشائخ بإيماء من المسيحيين حركاتٍ ومظاهرات ضدنا. وفي سنة 1974 عندما نشبت الفتن الطائفية ضد الأحمدية في باكستان كشفت إحدى الجرائد الهندية النقاب عن مؤامرةٍ مماثلة حيث كتبت:

“قبل عشر سنوات نشرت جريدة “نئي دنيا” الدهلوية: بما أنَّ المبلِّغين القاديانيين – أو الأحمديين حسب تسميتهم – لا يبرحون يكسرون شوكة المسيحية في أوربا وأفريقيا، حتى عجز القسس عن مقاومتهم، لذلك نرى أنَّ هؤلاء (أي القسس) متورِّطون لحدٍّ كبير في الحرب الطائفية الدائرة في باكستان. إنَّ المبشِّرين المسيحيين ينوون إضعاف الفرقة القاديانية بأيدي المسلمين أنفسهم حتى لا تقوى على مقاومة القساوسة. إنّهم يستخدمون لذلك كل حيلةٍ بإنفاق أموال طائلة من حيث لا يفطن المسلمون إلى الذي يلغّم أرضهم بالمؤامرات” (جريدة “نئي دنيا” (العالم الجديد) 26 يونيو 1974).

الغريب أنَّ هذه الجماعة كلما حقَّقت إنجازاً هاماً في مجال الدعوة يقوم المسيحيون الباكستانيون بإثارة فتنة ضدّهم وبأيدي أهل الإسلام أنفسهم” (جريدة “جديد أردو ربورتر” بومباي، 20 ديسمبر 1984، عدد 22، مجلد 5).

هذه العبارة جديرةٌ بأن يُعيد قراءتها قراءةً متأنيّة أولئك الذين يُطلقون على الأحمدية تسمية غراس الإنجليز. إذا كان مسيحي آسيوي يستطيع أن يُدرك جيداً خطورة الأحمدية على النصرانية، أفلم تعلم الحكومة البريطانية المسيحية أنها تغرس غراساً سوف يقضي على العالَم المسيحي نفسه؟!

مطالبة غريبة للمسيحيين الباكستانيين

والآن أسوق لكم حادثاً يشكّل دليلاً حاسماً على صحة ما كتبت هذه الجريدة الهندية، ويبيّن كيف أنَّ النصارى وخاصة الباكستانيين منهم يُشيدون بما تبذله الحكومة الباكستانية من جهود لتشويه سمعة الأحمدية وعرقلة طريقها. نشرت جريدة “إمروز” الباكستانية الخبر التالي:

“كان السيد (بطرس جل) رئيس الحزب القومي للمزارعين المسيحيين الباكستانيين، رفع في 2 ديسمبر 1984م إلى المحكمة العليا بلاهور قضيةً قال فيها:

“نُطالب الحكومة بحماية المسيحيين الباكستانيين من مؤامرات ونشاطات الميرزائيين واللاهوريين. كما نُطالب المحكمة بإجبار الحكومة على اعتبار جميع الميرزائيين طائفة غير مرغوب فيها، وعلى مصادرة جميع ما لديهم من كتب ومنشرات، وإغلاق جميع مراكزهم ومعابدهم كلها” (جريدة إمروز، لاهور، 22 يونيو 1984م).

عجباً! لم يكن النصارى بحاجة إلى رفع قضية إلى المحكمة لتجبر الحكومة على هذه الإجراءات، إذ أنَّ مطالبهم هي رغبة الحكومة وقرارها، لأنها أيضاً كانت تُكنُّ نوايا مماثلة. وبالفعل نفّذت الحكومة رغبة الممثل المسيحي ضد الأحمدية، واتخذت القرار المنشود. ولما أصدرت القرار التاريخي رحّب به المسيحيون الباكستانيون أيما ترحيب. فقد جاء في جريدة “جنغ” مايلي:

“راولفندي، 30 أبريل، لقد أشاد رئيس لجنة التوجيه والإصلاح المسيحي شودري سليم أختر بالقرار الذي اتخذه الرئيس الباكستاني مؤخراً ضد الميرزائيين، وقال: إنَّ الرئيس الجنرال محمد ضياء الحق لم يكسب بهذا القرار الجريء قلوبَ الأمة المسلمة فحسب، بل أيضاً قلوب الأقلّيات الباكستانية. وصرَّح شودري سليم أختر في بيانه أنَّ نشاطات هذه الفرقة التي غرسها الإنجليز لا تنافي تعاليم الإسلام فحسب، بل أيضاً تتنافى مع تعاليم المسيحية، ولا تلحق الضرر بالإسلام فقط، بل أيضاً تلحق بالمسيحية ضرراً فادحاً”.

أقول: هذه العبارة جديرةٌ بأن يُعيد قراءتها قراءةً متأنيّة أولئك الذين يُطلقون على الأحمدية تسمية غراس الإنجليز. إذا كان مسيحي آسيوي يستطيع أن يُدرك جيداً خطورة الأحمدية على النصرانية، أفلم تعلم الحكومة البريطانية المسيحية أنها تغرس غراساً سوف يقضي على العالَم المسيحي نفسه؟!

أما قوله بأنَّ الأحمدية خطرٌ على الإسلام فلا شكّ في بُطلانه، إذ أنَّ إخوانه القساوسة الأوربيون يحملون رأياً معاكساً، إذ يرون أنَّ النشاطات التبليغيّة للأحمدية تهدّد النصرانية وتضرّها، وتنصر الإسلام وتقوّيه، وبفضل هذه النشاطات بدأ هذا الدين يظهر كقوةٍ عظيمة. إنها خطرٌ يهدّد كيان النصرانيّة حتى في أوربا وأفريقيا. فلا غروَ أنَّ هذا المسيحي إنّما أراد بقوله هذا أن يتملّق للحكومة الباكستانية لكسب رضاها. ويستمر الخبر ويقول:

“لقد طالب شودري سليم أختر الرئيسَ الباكستاني باعتبار منشورات الميرزائيين مخالفة للقانون، وبمصادرتها وإحراقها وفرض الحظر على طبعها من جديد” (جريدة “جنغ” 1/5/1984م)

هذا المسيحي يُهنّئ الرئيس الباكستاني على اتخاذ هذه الخطوات الحاسمة ضد الجماعة الأحمدية، أما أنا فأُهنّئ المسيحي على احترام الرئيس لرأيه. فها فهو بدأ بتنفيذ رغبته بسرعةٍ كبيرة. فهناك عمليات واسعة تجري لمصادرة المنشورات الأحمدية وإحراقها، وإجراءات واسعة للقبض على الأحمديين الذين يُعثر على المنشورات بحوزتهم. يقبضون عليهم ويزجّونهم بالسجون. فالحكومة الباكستانية جاهدة في تنفيذ رغبة المسيحي، بل تعمل أكثر مما أراد، وهكذا تقدّم بحسب زعمها خدمةً جليلةً للإسلام، وكذلك للمسيحة حسب اعتراف المسيحي.

فلا شكَّ أن تهمة كون الأحمديين غراساً للإنجليز غرسوه للحفاظ على مصالحهم في الهند لتهمةٌ صريحة البطلان. ذلك لأنَّ المحافظين الحقيقيين على مصالح الاستعمار إنما هم أولئك الذين يساعدون على نشر المسيحية وحفظ مصالحها، والذين ينوون القضاء على الأحمدية بترويج دعايةٍ مسمومةٍ كاذبة في العالم ويزعمون أنها غراس الإنجليز ونريد اجتثاثه.

على المرء أن يعرف الذين تم استغلالهم للحفاظ على مصالح النصرانية. إنهم أولئك القوم الذين رمونا بهذه التهمة ولا يزالون يرموننا بها. هناك مَثل بالأردية ومعناه: يسرق ويتهم الشرطيَّ. في بعض الأحيان يتهم السارقُ الشرطيَّ بالسرقة فراراً من العقاب. وكثيراً من الأحيان يستولي الخادم على أموال السيد ويجبره على خدمته. وفي أحيانٍ كثيرة تستولي على الحكم الجهات المسؤولة عن حماية الوطن وأهله الذين أعطوها القوة وسدُّوا جوعها، وتجعل أهل البلاد عبيداً لها. وهكذا يصبح الخادم سيداً، والسيد خادماً. هذا ما نراه يحدث في عالمنا الدنيوي في كل يوم تقريباً. فلا غرابة إذا عُوملتْ الأحمدية بنفس المعاملة، واتُّهمت هذه الفئة المباركة التي أقامها الله تعالى للدفاع عن بيضة الإسلام بعداوته وخيانته من قِبل هؤلاء الذين كانوا ولا يزالون بالفعل أداة طيّعة في أيدي القوى المعادية للإسلام. وإذا كان أحد يتردّد في تصديق قولي فليرجع إلى أقوال المشائخ ليتأكد في اعترافاتهم مما أقول. كما عليه أن يرجع إلى تقارير المحاكم لتدلّه على الذين استغلّتهم القوى الاستعمارية بالأمس ولا تزال تستغلهم إلى اليوم.

خيانة الأحراريين* 

وعلى سبيل المثال فإنَّ مجلس الأحرار، وهو مزيجٌ غريب من فرقة الديوبنديين وفرقة أهل الحديث، كان أداةً سهلة في أيدي أعداء الإسلام الذين استغلوه دائماً ضد المسلمين الهنود وضد باكستان. في 1935م استُشهد مسجد “شهيد غنج” بلاهور بأيدي الهندوس. فثار مئات الآلاف من المسلمين باذلين أرواحهم، مُعطّرين بدمائهم الزكية شوارع لاهور. فقامت هذه الفئة الأحرارية، والمعركة لا تزال ساخنة، وانضمت إلى صفوف أسيادهم الهندوس زعماء حزب الكونغرس الهندوسي (خصم “مسلم ليغ” الإسلامي)، منتهكةً بذلك كرامة المسلمين وقداسة المساجد، حيث باعت الفئة الأحرارية المسجد للحكّام الإنجليز، ثم قالت، بكل جسارةٍ ووقاحة، في الجرائد: أي ضرر ببيع المسجد. نحن شعب عبيد، فلا بأس إذا لم تكن مساجدنا حرة. دعُوهم يُعطون المسجد للسيخ مثلاً، فلسوف يردّونه لنا بعد هدمه. كل هذه البيانات لا تزال محفوظةً على صفحات الجرائد، كذلك لا تزال بيانات الهندوس أيضاً مسجلةً، تلك البيانات التي شكروا بها الأحراريين على الدفاع عن المصالح الهندوسية. فقد نشرت جريدة “بندي ماترم” الهندوسية قول أحد من الزعماء الهندوس:

“إنني مسرورٌ جداً بما فعله “مجلس الأحرار”، وأُهنّئهم على ذلك، حيث اصطدموا بكل شجاعة وثبات بإخوانهم في الدين، دفاعاً عن مصالح الشعب والوطن. إنها لتضحيةٌ كبرى قدَّمها أصدقاؤنا الأحراريون، وتوجّب على الشعب شكرهم”. (جريدة “بندي ماترم” الهندوسية 13 أكتوبر 1935)

لقد كان الأحراريون – كما رأيتم – إلى الأمس القريب يستحقّون شكر الهندوس، تعالوا الآن نرى هل استحقوه بعد تأسيس باكستان أيضاً؟ ذلك أنه كان من دأب المودودي القول: لا شكَّ أننا عارضنا بكل شدة فكرة تأسيس دولة باكستان قبل تقسيم الهند، ولكننا قبلناها بعد التقسيم. لقد تُبنا الآن، فلا تؤاخذونا على أخطائنا التي صدرت منا في الماضي.

الواقع أنَّ الأحراريين والمودوديين، لا ينفكون إلى الآن أعداء لباكستان كما كانوا بالأمس. إنَّ تقرير اللجنة المشكّلة برئاسة القاضي منير للتحقيق في فتن طائفية في بنجاب سنة 1953 يؤكّد مراراً، وبكل أسف، على أنَّ الأحراريين والمودوديين لم يرضوا بباكستان بالأمس كما لا يرضون بها اليوم، بل لا يزال موقفهم المعادي لها كما هو. يقول القضاة الكرام:

«إننا لا نجد كلماتٍ ليّنة لبيان موقف الأحراريين. إنَّ سلوكهم مُنكرٌ ومُشينٌ للغاية. ذلك لأنّهم اتخذوا من قضيةٍ دينية سلّماً لنيل منافع دنيوية، وهكذا انتهكوا قداسة هذه القضية الدينية».(Munir Report)، تقرير لجنة التحقيق في فتن 1953م، ص 278).

ويستمر التقرير:

«لقد اعترف المولوي محمد علي الجالندهري الأحراري في خطابٍ له بلاهور يوم 15 فبراير 1953م بمعارضة الأحرارريين لفكرة تأسيس باكستان. لقد دأب هذا الخطيب قبل وبعد تأسيس الدولة الباكستانية على استخدام كلمة “بليدستان” (أرض الخبثاء) بدل “باكستان” (أرض الأطهار). أما السيد عطاء الله شاه البخاري الأحراري فقال في خطابه: إنَّ باكستان لنا كامرأةٍ مومسة رضينا بها مضطرين” (المرجع السابق).

هذا هو ماضيهم الأسود واليوم يرموننا بعمالة القوى الأجنبية. لقد استولوا اليوم على جيش هذا البلد الإسلامي العظيم، فأصبح طوع إشارتهم. كانوا أعداء لباكستان بالأمس وأول الأمس ولا يزالون يُعادونها. نعم إنهم قومٌ اعتبروها كمومسة ولا ينفكون يُعاملونها كما تُعامَل المومسات.

برودة الأحراريين تجاه مصالح المسلمين

أما مصالح العالم الإسلامي فلم يبدوا أية رغبةٍ فيها، ولم يُفكِّروا أبداً في نتائج أفكارهم وأعمالهم عن مصائب ومعاناةٍ للمسلمين. ما كان في قلوبهم أدنى رحمة لعالم الإسلام. لقد أكّد على ذلك  قضاة المحكمة. ولقد وجَّهوا إلى المشائخ الأحراريين سؤالاً له ثقله. قالوا لهم: بعد أن وجدتم الحماية في ظل الدولة الباكستانية التي رضيتم بها رغم أنفكم، بدأتم تقولون: لا مكان هنا للأقليّات غير المسلمة، وتريدون حرمانها حتى من الحقوق الإنسانية.

«هناك سؤالٌ هام: ماذا يكون وضع غير المسلمين في باكستان عند تطبيق الدستور الإسلامي فيها. لقد أجاب على السؤال بعض المشائخ الكبار قائلين: إنهم سوف يعيشون في ظل الدولة الإسلامية الباكستانية كأهل الذمة مواطنين من الدرجة الثانية، لن تكون لهم حقوق كحقوق المسلمين، ولن يكون لهم رأي في سنّ القوانين ولا في تنفيذها، كما لن يتقلّدوا أية مناصب في إدارة الحكومة. وتشدّد المولوي حامد البديواني فقال: لن نقبلهم كمواطنين عاديين ولا ذمّيين ولا مُعاهدين» (المرجع السابق ص 229).

فسألهم القضاة الكرام: ما رأيكم في الحكومة الهندية إذا عاملت بنفس الأسلوب مع الأقلية المسلمة المسكينة العائشة في ظلّها، وطبّقت عليها شريعةَ “منوجي” الهندوسيةَ؟ فأجاب السيد محمد أحمد القارئ رئيس “جمعية علماء باكستان” بمايلي:

“نعم، من حقّ الهندوس الذين يشكِّلون الأكثرية في الهند أن يُقيموا هناك دولةً هندوسيّة ويُطبّقوا على المسلمين المقيمين فيها الشريعة الهندوسيّة، ويعاملوهم بالسوء كما يعاملون الشوادر منهم (الشوادر هم المنبوذون المنتمون إلى أحطّ الطبقات الأربع في الدين الهندوسي). ولا اعتراض عندي على ذلك” (المرجع السابق)

ومعنى ذلك أنّه حينما يتعرّض المسلمون لقتلٍ عام في الهند أو لمجزرة وحشيّة في فلسطين، أو لاضطهاداتٍ قاسية في بلدٍ آخر، فلا يشعر هؤلاء المشائخ المنتمون إلى الإسلام على ذلك أي ألم، فضلاً عن أن يُعبِّروا عن حزنهم تعبيراً عملياً. وكأنهم في غنى عما يصبُّ على المسلمين في الهند أو في أي قطرٍ من العالم من مظالم. والسبب واضح؛ فما دمنا سوف نُعامل الأقلّيات غير المسلمة في باكستان بالقسوة والازدراء، فغير المسلمين أحقّ باضطهاد المسلمين في بلدهم. كل واحد منا حر. سوف نضطهد هنا غيرنا، وللهنادك أن يُعاملوا المسلمين المساكين عندهم بالمثل. ولا بأس بذلك. يا للعجب!!

وكان ردّ السيد المودودي على نفس السؤال كالآتي:

“طبعاً، لن أعترض أبداً على الحكومة الهندية إذا عاملت المسلمين الهنود كما تعامل “الشُودر” عندها، وحرمَتّهم من الحقوق الأساسية والمناصب الحكومية، تطبيقاً لشريعة “منوجي” الهندوسية” (المرجع السابق ص 245).

أما السيد عطاء الله شاه البخاري الأحراري فكان قد أحضر معه في المحكمة أرقاماً بتعداد المسلمين العائشين تحت ظل دول غير مسلمة وقدَّمها للقضاة. فقالوا له:

يمكن أن تقدّر حجم الاضطهاد الذي سوف يواجهه، لا قدّر الله، هذا العدد من المسلمين على أيدي غيرهم، نتيجةً لسلوكهم الُمزري تجاه الأقليات غير المسلمة في ظل دولة إسلامية. ولكن السيد البخاري لم يحفل بمصير هؤلاء المسلمين المساكين، فردّ على السؤال قائلاً:

“يجب على هؤلاء المسلمين البالغ عددهم نحو 640 مليوناً أن يقرِّروا مصيرهم بأنفسهم” (المرجع السابق ص 323).

وكأنه يقول: لا يهمنا مصيرهم، إننا أُمرنا بسلب حقوق غيرنا، وسوف نسلبهم إياها، ولو أدّى ذلك إلى تعرّض ملايين المسلمين في دول غير إسلامية للإساءة والاضطهاد.

وهنا يتساءل المرء: من الذي يعمل للقوى الأجنبية والاستعمارية، هل نحن، معشر المسلمين الأحمديين، الذين دائماً وأبداً وُجدوا في طليعة المدافعين عن العالم الإسلامي كلما هُدِّد كيانه وخِيف على مصالحه، والذين يتألمون أكثر من أي أحدٍ إذا تعرَّض المسلمون للاضطهاد والمظالم في أي منطقة من العالم، أم يخدم الاستعمارَ هؤلاء المشائخُ الذين لا يؤلمهم أن يصير المسلمون الهنود، وهم ضِعف سكان باكستان، هدفاً لاضطهاد الحكومة الهندوسيّة، بسبب تطبيق الشريعة الهندوسية عليهم. لا تثور غيرتهم الدينية، ولا تنفطر قلوبهم، ولا تَرتعد أفئدتهم، وكأنه لم يحدث شيء إذا اعتُديَ على أمة المصطفى ص في بلدٍ ما، وإذا أُسيئت معاملتهم تطبيقاً للشريعة الهندوسية!!

بعض التعاليم الهندوسيّة الخطيرة

استمعوا الآن إلى بعض التعاليم الهندوسية التي لايرى السادة المشائخ كالمودودي وعطاء الله شاه البخاري وحامد البدايوني بأساً في تطبيقها على مسلمي الهند. جاء في “فيدا منوجي” الهندوسيّة:

“إذا زنى البرهمن (وهو الذي ينتمي إلى أعلى الطبقات الأربع فسي الديانة الهندوسيّة) بنت رذيل (وهو المنتمي إلى أحطّ الطبقات فيها، أو الذي ليس هندوسياً) فلا ذنب ولا عقاب على البرهمن” .

المعنى واضح وصريح: إذا اغتصب البرهمن امرأةً من أحطّ الطبقات الهندوسيّة فلا يجوز عقابه. والآن إذا قمنا بتحليل بيانات السادة المشائخ المودودي والبخاري والبدايوني توصلنا إلى النتيجة التالية: إذا تعرَّضت نساء المسلمين الهنود للاغتصاب بأيدي الهنادك فلا ضير في ذلك في رأي المشائخ. لن تثور غيرتهم، ولن تسقط عيونهم دمعاً، دعك من دم. يا أَسَفا على هؤلاء المشائخ المتجرِّدين من أية غيرةٍ على انتهاك حرمة أمهّات وأخوات وبنات أمة المصطفى ! إنّما تثور ثائرتهم الدينية وغيرتهم الإسلامية ضد أرواح  وأموال وأعراض المسلمين الأحمديين الأبرياء المسالمين.

تستمر شريعة “منوجي” الهندوسية وتقول:

“يجب أن لا يُقتل برهمن مهما بلغت شناعة جريمته، فتله أكبر المعاصي. ويجوز لبرهمن أن يتزوّج من امرأة من طبقة منحطّة، كما يجوز له التصرّف في أموالهم وذهبهم وفضتهم وكل شيء نفيس لديهم. ولكن إذا تجرّأ أحدٌ من الطبقة المنحطّة على ارتكاب هذه الأفعال ضد الطبقات العليا فيجب أن يكوى على لوح حديدي ساخن حتى الموت. وإذا سمع الشودر من فم برهمن شيئاً من فيدا (كتاب الهندوس المقدّس) فعقابه أن يُصبّ في اذنه رصاص مغلي وشمعة مغلية” (الفيدا، منوجي بوران، فقرة: 380).

يبدو أنَّ الشريعة التي يريد المشائخ تطبيقها في باكستان في هذه الأيام هي ليست شريعة القرآن وإنّما شريعة الهندوس. ذلك أن تعاليم القرآن هي ذات جمالٍ بارع وحكمةٍ بالغة، تؤكّد على شرف واحترام الإنسانية، وتُعلّم المساواة والرأفة والرحمة، وتنهى عن حرمان البشر من حقوقهم الأساسية. فلا شكّ أنهم استقوا “مبادئهم” من شريعة “منوجي” الهندوسية، ويريدون تطبيقها على المسلمين الباكستانيين وكذلك على المسلمين الهنود.

تعليم هندوسي آخر

“إذا قام برهمن سواء بنفسه أو بمساعدة أحد، بسرقة شيء يحتاجه من بيت الويش والشودر، فعلى الملك ألا يخرج لنصر الشودر، لأنَّ نجاة الشودر إنما هي في خدمة البرهمن، ولن يجديه شيئاً غيره من الأعمال. لا يجوز لأهل الطبقة المنحطة جمعَ الأموال كي لا يصبحوا أثرياء يحكمون الطبقات العليا” (منو سنتا أدهيائي).

ألم يتضح لكم إلى الآن من هم عملاء النصارى، ومن هم عملاء الهندوس، ومن هم عملاء القوى الاستعمارية! هل هم غير هذه الطائفة من المشائخ الذين لا يؤلمهم انتهاك حرمات المسلمات بأيدي أعداء الإسلام. وهل هم سوى هؤلاء الذين لم يرتدعوا عن إطلاق النار على الفلسطينيين الأبرياء. وهل هم إلا هؤلاء الذين دائماً وأبداً ساندوا النصارى ضد الإسلام بعقائدهم السخيفة ومحاولاتهم الفاشلة منذ قرون لأن يُثبتوا حياة المسيح الناصري .

أما اتهامهم جماعتَنا بعمالة الإنجليز فلن يستطيعوا إثباته أبداً. إنَّ هذه الجماعة قد راهنت بكل ما تملك من غالٍ ورخيص لاسترداد عظمة الإسلام وحمل راية المصطفى عاليةً خفّاقة. إنها لم تتردّد أبداً في بذل أية تضحية في سبيل هذا الهدف النبيل. وبينما ترون هؤلاء المشائخ لا يتألمون للاضطهاد الشديد الذي يتعرَّض له إخوانهم المسلمون الذين لا يتشكّكون في إسلامهم، تجدون على النقيض سيدنا المهدي والمسيح حنوناً عطوفاً حتى على ألدّ أعدائه من أمثال هؤلاء المشائخ المسلمين الذين لا تملّ ألسنتهم من سبّه . يقول حضرته في بيت شعر بالفارسية:

أي دِل تو نيز خاطرِ اينها نكَاه دار

كاخر كنند دعوئ حبِ بيمبرم

أي لا شك أنَّ هؤلاء يسبّونني ويفتون بتكفيري وارتدادي، ويُبيحون عرضي ومالي، ويهدرون دمي، ولكن لا تَدْعُ عليهم يا قلبي، لأنّهم يدَّعون بحبِّ سيدي ومولاي محمد . مهما كانوا ضعفاء الإيمان مخطئين في سلوكهم كاذبين في دعوى حبهم لسيدي، فلا تَدْعُ عليهم أبداً لأجل حبيبي المصطفى .

أليس غريباً ومدهشاً أن تُعتبر هذه الشخصية العطوفة الحنونة على المسلمين وكذلك أتباعها “خونةً للإسلام” والعياذ بالله، وأن تُلقَّب هذه الفئة من المشائخ المدَّعين بحب الإسلام وبالدفاع عنه في مقدمة المجاهدين الأبطال بألقاب “حماة الإسلام”. ما هي إنجازاتهم الإسلامية التي حققوها في الدفاع عنه، والتي سوف يُقدِّمونها إلى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.

الأحمدية عند العلماء المنصفين

إنَّ الموقف كان مختلفاً إلى حدٍّ ما بالأمس حينما كان لدى العلماء والمشائخ المسلمين جرأةً لقول الحق، حتى إنَّ المولوي محمد حسين البطالوي (أشد المشائخ عداءً لسيدنا المهدي ) أيضاً اضطر للقول بأنَّ العالم لم يرَ في الأربعة عشر قرناً الماضية بطلاً دافع عن حوزة الإسلام كمثل الميرزا غلام أحمد القادياني.

يمكن أن يعترض أحدٌ هنا ويقول:

هذا القول قاله المولوي البطالوي قبل ادِّعاء الميرزا غلام أحمد بكونه المهدي والمسيح الموعود. وأردّ على هذا الاعتراض بأنَّ ما قرأته عليكم قبل برهة من أقوال المولوي محمد النقشبندي فلم يكن قبل دعواه ، وإنما كان بعده.

وثمة قول آخر لأحد العلماء المشهورين في الدين والسياسة السيد المولوي آزاد وهو يبيّن أهدف سيدنا المهدي ع ومدى نجاحه في تحقيقيها:

“… إنَّ الأجيال المسلمة سوف تظل تنظر بالإعجاب والامتنان إلى تلك الخدمة الجليلة التي قدَّمها حضرة الميرزا للإسلام، حيث أدّى فريضة الدفاع عنه متصدّراً صفوف المدافعين عنه بالقلم. لقد خلّف كتاباتٍ سوف تظل حيّة مُشرقة ما جرت في عروق المسلمين دماءُ الغيرة على الإسلام، وما دامت حماية الإسلام شعاراً قومياً لهم (جريدة “وكيل” أمرتسار، يونيو 1908م، وجريدة “الملة”، لاهور، 7 يناير 1911م).

ها إنّي ألفت أنظار مسلمي باكستان خاصةً والعالم عامةً إلى ما قاله هذا الزعيم المسلم العظيم. أُذكّرهم بحسن ظنّه بهم، وقوله لهم: “إنّكم مضطرون للاعتراف بخدمات إسلامية بطولية قام بها سيدنا المهدي والمسيح ، ما دامت دماءُ الحميّة الإسلامية تجري في عروقكم وما دامت حماية الإسلام شعاراً قومياً لكم. إنَّ ألسنتكم لن تجد بدّاً من الإقرار بانَّ النضال البطولي ضد التيار التبشيري المسيحي إنّما كان من نصيب الميرزا غلام أحمد القادياني. كان من المناضلين الإسلاميين الأبطال الذين لم يكتفوا بالدفاع عن الإسلام بل تقدَّموا وشنّوا على أعدائه غاراتٍ  هجومية. أين حميّتكم الإسلامية؟ إنني أسال إخواني المسلمين، ولكل أحمدي حق لتوجيه هذه السؤال إليهم: أين ذهبت هذه الدماء الثائرة غيرةً على الإسلام؟ أين غابت حميّتكم الإسلامية؟ لماذا تقولون كلاماً لا أساس له؟ كيف ساغ لكم رمي هذا البطل العظيم ضد المسيحية بأنّه غراسٌ للإنجليز وأنَّ المسيحية هي التي ربّته! هل فكّرتم ما الذي امتصَّ منكم دماء الغيرة الدينية؟ تسمعون قصص الخفافيش التي ثبّتت أسنانها في قلوبكم وبدأت تمتصُّ منكم دماء الغيرة الإسلامية من حيث لا تشعرون؟ والله لو كان دم الحمية الدينية فعلاً جارياً في عروقكم لفعلتم ما فعل المولوي آزاد، وظللتم تسلّمون على الميرزا غلام أحمد المهدي والمسيح الموعود بدلاً من اللعن عليه، وما زلتم تُشيدون بنضال هذا البطل العظيم. إنّه قام برفع لواء الإسلام بتضحية نفسه وعرضه وماله وآبائه وأولاده. إنه قام وعاش ومات بأمنية واحدة فقط بأن تُمحى التعاليم النصرانية الباطلة للأبد، فلا تبقى إلا شريعة واحدة شريعة سيده ومولاه المصطفى ، وكتاب واحد كتاب سيده ومولاه المصطفى ، ورسول واحد هو سيده ومولاه محمد العربي .

واعجباه، تعتبرون هذا البطل العظيم أكبر عدو للإسلام!! إنّكم يا معشر المشائخ،  أنتم الذين تمتصون دماء الحميّة الإسلامية من شرايين أهل الإسلام، ثم تتظاهرون للعالم أنّكم أبطاله العِظام.

والله، لن نترك خديعتكم هذه تنطلي على العالم، بل سوف نكشف للعالم من هو الخائن اللعين للإسلام ومن هو بطله العظيم.

* مجلس الأحرار أو الأحراريون طائفة من المشائخ وأتباعهم المتعصّبين الذين هم أعداء ألدَّاء للجماعة الإسلامية الأحمدية. كانوا عارضوا فكرة تأسيس باكستان، وانضموا، بإغراءٍ من الهندوس إلى حزب الكونغرس الهندوسي المعارض لتأسيس باكستان كدولة مستقلة للمسلمين. كانوا يسمون القائد الأعظم محمد علي جناح – وهو مؤسس ورئيس حزب “مسلم ليغ” الإسلامي، الذي اجتمعت تحت لوائه باقي المسلمين الهنود لتأسي دولة باكستان – “الكافر الأعظم”.

Share via
تابعونا على الفايس بوك