من رحم المعاناة تولد الترقيات

من رحم المعاناة تولد الترقيات

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • معاناة الفرد باب للتوجه إلى الله اضطرارا، ومن ثم استجابته
  • الاضطهاد الممارس على الجماعة هيَّأ لها فرص التقدم

 ___

خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين

 سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي

 بتاريخ 15/2/2008م في مسجد بيت الفتوح، بريطانيا

 

 

أشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين . آمين.

 

 معرفة الله من خلال استجابته الدعاء

يقول سيدُنا المسيح الموعود   :

«في أيام الابتلاء والمحن تظهر للأدعية خواص وتأثيراتٌ عجيبةٌ. والحقُّ أن إلهنا يُعرف من خلال استجابة الأدعية.».

وهذا هو الأمر الأساس الذي يجب على كل مؤمن حقيقي أن يعيه. ولا معنى لادعاءِ الإيمانِ دون الدعاءِ والخشوعِ والخضوعِ أمام الله تعالى. وكما قال سيدنا المسيح الموعود أن إلهنا يُعرف من خلال استجابة الأدعية، فهذه هي الميزة التي يتميز بها في هذه الأيام كلُّ أحمدي، ولا بد أن يتحلى بها، ليس في أيام الضيق فحسب، بل في أيام الراحة والرفاهية والأمن أيضًا. إن الذين يخضعون أمام الله تعالى ويعتبرونه مصدر كلِّ طاقة وقدرة ويكنّون في قلوبهم خشيته الحقيقية، هم المؤمنون حقا. وعندما تنزل بهم المحن فإنهم لا يزدادون إلا إيمانا به سبحانه وتعالى أكثر من ذي قبل. ولا يزدادون إيمانا فحسب، بل يتقدمون على دروب الإيمان مسرعين، وينشطون أكثر من ذي قبل في نيْل رضوان الله تعالى. إن الابتلاءات والعقبات العارضة لا تزعزع أقدامهم، بل إنها تجعلهم يُكثرون من العبادات والابتهال أمام الله تعالى.

فهذا هو الانقلاب الذي أحدثه سيدنا المسيح الموعود  في الأحمديين. وما دمنا نداوم ونحافظ على هذه الحال بالصبر والاستقامة فلسوف نظل نجذب أفضال الله تعالى.

يقول سيدنا المسيح الموعود   :

«في أحيانٍ كثيرة يحل بالإنسان ابتلاءٌ تلو ابتلاءٍ في فترة ما بين الدعاء واستجابته. وفي بعض الأحيان تكون تلك الابتلاءات قاصمة للظهر، ولكن السعيد والصابر على هذه المحنِ والمصاعبِ يشتمُّ في أثنائها أيضًا شذى أفضال الله تعالى، ويرى بعين الفراسة أن النصر آتٍ بعدها حتمًا. ومن الأسرار الكامنة في الابتلاءات أنها تدفع المرء إلى الدعاء بحماس مفرط، لأنه بقدر ما يزداد الاضطرارُ والاضطرابُ تذوب الروح، الأمر الذي يُعَدُّ من دواعي استجابة الدعاء. إذًا، يجب ألا يقلق الإنسانُ أبدا ولا يسيء الظن بالله تعالى نتيجة القلق وقلة الصبر. يجب ألا يظن أحد أبدا أن دعاءه لا يستجاب، أو لن يستجاب. إن هذا النوع من الوهم يُعتبر رفضًا لصفة الله مجيب الدعوات»(1).

يتبين لنا من هذا المقتبس من كلام سيدنا المسيح الموعود  أن الخشوع والخضوع في حضرة الله تعالى يجب أن يكون سمة مُمَيِّزة لكل أحمدي. وأن الابتلاءات والمحن المؤقتة تزيد هذه السمة جلاء. فمن هذا المنطلق أقول إنه يبدو في هذه الأيام وكأن هناك حملة حامية الوطيس في بعض البلاد ضد الأحمديين لإزعاجهم وإلحاق الأضرار بهم، حيث تُحاك خططٌ مباشرةٌ وغيرُ مباشرةٍ لمضايقتهم. الحق أنها لَنار الحسد التي تدفع تلك الأحزابَ والجماعاتِ والحكوماتِ إلى اتخاذ هذه الخطوات.

وكان من المقدر أن تشتعل نار الحسد هذه بشدة أكثر في زمن المسيح الموعود  من الداخل ومن الخارج أيضًا، أي من قِبل المسلمين وغير المسلمين،  لأنهم لا يحتملون تقدم الإسلام وازدهاره في زمن المسيح الموعود  ، ولا يستطيعون رؤية ظهور الإسلام على الأديان الأخرى. أما مِن قِبل المشايخ وبعض الزعماء المسلمين وقادتهم فلِخوفهم مِن أن يخسروا منابرهم وسلطاتهم. ولو اضطروا إلى الخضوع أمام غير المسلمين من أجل الحفاظ على مصالحهم لم يروا في ذلك بأسًا أيضًا.

نسأل الله أن يهب لهم العقل ويرحمهم! لأنهم بقيامهم بمثل هذه التصرفات المشينة يُلقون بأنفسهم في الهاوية ويحفرون لحدهم بأيديهم. ولا يفعلون ذلك إلا من أجل معارضة الأحمدية، ولكنهم إذا كانوا يريدون محاربة قدر الله تعالى فإن الهلاك والفناء مصيرهم حتمًا.

علينا أن ندعو لهم بدافع المواساة، لأنهم ينطقون بشهادة الإسلام على أية حال، فهم مسلمون ولو في الظاهر، لذا فمن واجبنا نحن الأحمديين أن ندعو لهم.

عندما أنبأ الله تعالى ببعثة المسيح الموعود  في قوله تعالى: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بهم (2)

ختم الآية بقوله عز وجل: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)

وبهذا فقد أنبأ (عز وجل) بغلبة مبعوثه، فالله تعالى غالب وحكيم، ولا يسع أحدًا أن يمنع قدره.

إنه حكيم، وقد قرر استحالة إحراز لآلئ التعليم الإسلامي الحكيم إلا من خلال الارتباط بهذا المسيح والمهدي. فإذا كنا نريد أن نوصل هذه الرسالةَ إلى العالم كلِّه، ونريد أن نخرُج بنجاحٍ من حسد الحاسدين ومن هذه الابتلاءاتِ أيضًا فإننا بأمسِّ الحاجة إلى التركيز على الأدعية.

في أحيانٍ كثيرة يحل بالإنسان ابتلاءٌ تلو ابتلاءٍ في فترة ما بين الدعاء واستجابته. وفي بعض الأحيان تكون تلك الابتلاءات قاصمة للظهر، ولكن السعيد والصابر على هذه المحنِ والمصاعبِ يشتمُّ في أثنائها أيضًا شذى أفضال الله تعالى، ويرى بعين الفراسة أن النصر آتٍ بعدها حتمًا. ومن الأسرار الكامنة في الابتلاءات أنها تدفع المرء إلى الدعاء بحماس مفرط، لأنه بقدر ما يزداد الاضطرارُ والاضطرابُ تذوب الروح، الأمر الذي يُعَدُّ من دواعي استجابة الدعاء.

الاضطهاد يولد حال الاضطرار، فيُستجاب الدعاء

يجب على الأحمديين الذين يتعرضون للاعتداء والاضطهاد – حيثما كانوا – أن يدعوا الله تعالى ليثبّت أقدامهم.

ويجب أن يتشبثوا بعتبات الله تعالى بقوة ويخضعوا أمامه عز وجل حتى يروا تلك الفتوحاتِ وآثارَ استجابة الدعوات بأسرع ما يمكن.

وكذلك على الأحمديين الذين لا يتعرضون للمصاعب بصورة مباشرة، بل يعيشون في أمن وسلام، أن يدعوا لإخوتهم المضطهَدين. لأن مَثل المؤمنين هو كمَثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد. لذا فإن تعرّضَ أحدٌ من الأحمديين للأذى في بلد من البلاد فيجب أن يشعر به الأحمديون كلُّهم. بل إن قلب المؤمن يكون حساسًا لدرجة أنه يتألم لألم كل إنسان أيا كان.

فإنْ تضرعْنا إلى الله تعالى وابتهلْنا من أجل وضع حد لهذه الابتلاءاتِ بسرعة تخرج منها بنجاح، فإن الله الذي هو مجيب الدعوات سيستجيب أدعيتَنا بفضله حتما وسيفرِّج عن إخوتنا الأحمديين كروبهم.

معاناتنا الاضطهاد هيَّأت لنا فرص التقدم

يزعم المعاندون أن من شأن هذه العقبات والمضايقات والمصاعب أن تحول دون تقدم الجماعة الأحمدية. فأقول: لو كان هذا من صنع الإنسان لاقتلعت ريح العداوة التي تهب منذ مائة عام الجماعة من جذورها منذ أمد بعيد.

فهل من أحمدي لا يعرف أن معارضة الأحمدية في باكستان هي التي هيأت لنا فُرَص النمو والتقدم والازدهار بسرعة أكبر من ذي قبل؟! لم نكترث بالمعارضة من قبل، ولا نظن الآن أيضًا أنها تقدر على أن تعرقل ازدهار الجماعة وتقدمِها.

فيما يتعلق بمعارضة الأحمدية في باكستان بشكل عام فهي مستمرة هنا وهناك منذ بداية عهدها، أما الآن فقد أثيرت هذه المعارضة بشدة أكثر وبأسلوب جديد. ومن سيرة المعارضين أنهم كلما وجدوا فرصة رفعوا قضايا زائفة ضد الأحمديين.

فقبل بضعة أيام سجلت الشرطةُ قضية ضد طفل عمره 13 سنة فقط، حيث شكاه المشايخ للشرطة مدّعين أنه ضرب أحد الشيوخ ضربًا مبرحًا. الغريب في الأمر أن أقارب المضروب المزعوم ينكرون هذه التهمة بينما أصر أولئك المدعون على أن ذلك الطفل البالغ من العمر 13 سنة فقط ضرب هذا الشيخ ضربًا مبرحًا حتى أُدخل المستشفى. أليس من الغريب جدًّا أن هذا الرجل الضخم القوي ظل يتحمل ضربات هذا الطفل ولم يقاومه ولم يظهر أية ردة فعل؟!

الحق أنهم من خلال تصرفاتهم يهدفون إلى أن يبثّوا الرعب والذعر في الجيل الجديد للأحمدية، بحيث إنهم إذا ظلّوا أحمديين بعد كل ذلك، على حد زعم المعارضين، فعلى الأقل لن يكونوا أحمديين نشِطين.

يظن هؤلاء الناس أنهم بفرضهم الحظر على اجتماعاتنا ومنعهم إيانا من نشاطاتنا التربوية التي كانت تُعقد في ربوة قد أعاقوا تقدمنا. ويزعمون أن الجيل الجديد للأحمدية يبتعد عن الجماعة تدريجيا، وأنهم لو جعلوا الجيل الجديد عرضة لاعتداءاتهم أكثر لتخلّفوا عن الأحمدية تلقائيا.

فهؤلاء العميان لا يدركون ولا يفهمون أن المصابيح التي أضاءها الله تعالى لا يمكن أن تُطفأ بأفواههم. الرسائل الفياضة بالوفاء والحب والإخلاص التي أتلقاها من الشباب في باكستان تشهد وتبرهن بكل جلاء على أن هؤلاء الشبابَ يوفون بعهودهم إذ يقولون: إننا مستعدون دائما للتضحية بأموالنا وأنفسنا وشرفنا فداء للخلافة الأحمدية، لقد كنا، ولم نزل، وسنظل نضحي في سبيلها، ولا يمكن للعدو أن يزعزع أقدامنا.

إذن فإن سبب قوة العلاقة بالخلافة هو قوة العلاقة بالمسيح الموعود  ،  وإن الصِّلة بالمسيح الموعود نابعةٌ من الارتباط بسيدنا محمد   الذي هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الله تعالى. فأنّى لهذه التهديدات الجوفاء أن تخيف أولئك الذين علاقتهم بالله قوية وإيمانهم به متين؟ كلا! ثم كلا!

فأيها الشباب المسلمون الأحمديون! قَوُّوا إيمانكم بالله تعالى أكثر فأكثر. فهذا ما يتميز به المسلم الأحمدي، سواء كان شابا أو رجلا أو امرأة أو طفلا.

ولا يختلف عن ذلك ما يحدث في بعض مناطق الهند في هذه الأيام. ففي المناطق التي يشكِّل المسلمون الأكثرية فيها، يضيِّق فيها المشايخُ على المسلمين الأحمديين. ويفعلون ذلك باسم الإسلام، في حين أنهم مسلمون بالاسم فقط، لا يعرفون قراءةَ القرآن ولا كلماتِ الصلاة ولا كلمةَ الشهادة، وكلُّ ما يعرفونه هو أن الأحمديين ليسوا مسلمين، وبالتالي يهددون مبشرينا ودعاتَنا.

وكما قلت، إن من واجب الأحمدي أن يستمر في أعماله التي كُلّفنا بها. ويجب أن يقاوم هذه الاعتداءاتِ والاضطهاداتِ بالدعاء والخضوع والخشوع أمام الله تعالى. حفظ الله تعالى جميع الأحمديين!

والنبي   أيضًا أدرك عواطفهم، فلم يأمرهم أن يشطبوا كلمة رسول الله. فلا يليق بنا أن نلجأ إلى المداهنة، أو نقوم بتصرف يحطُّ من مقام المسيح الموعود، العاشقِ الصادقِ للنبي  ، إننا نعتبر مرزا غلام أحمد القادياني عليه الصلاة والسلام مسيحًا موعودًا ومهديًّا معهودًا، ولا قيمة ولا حقيقة لنا

الحسد يؤجج عداوتهم لنا

لقد عقد المعارضون العزم على عداوتنا، وهم يزدادون إفراطًا في هذا السبيل،  إن نار حسدهم تدفعهم إلى ذلك، لأنه قد مرت الآن مائة سنة على تأسيس الخلافة بعد وفاة المسيح الموعود  ، يقول هؤلاء المعارضون إننا كنا قد أجمعنا منذ مائة سنة على القضاء عليهم فإذا هم يخططون للاحتفال باليوبيل المئوي لخلافتهم. فهذه العداوة تبرهن لنا أن الجماعة الإسلامية الأحمدية بفضل الله تعالى تتقدم على دروب الرقي والتقدم.

منذ بضع سنين خلت ومعارضة الجماعة في إندونيسيا أيضًا على أشدها، حيث نُهبتْ بيوت الأحمديين وهدِّمت وأُحرِقت، كذلك أُحرقت مساجد الأحمديين وهدِّمت. والحكومة المركزية أيضًا في البداية كانت تحالف معارضينا ومثيري الشغب والفتنة خوفًا من المشايخ، أو ربما كانت الحكومات في أقاليمَ مختلفةٍ تدعم المشايخ حيث كانت الفتنة شديدة الوطأة.

على أية حال، بعد فترة من الزمن – نظرا إلى المظالم التي كانت تُصبُّ على الجماعة منذ فترة طويلة، ونتيجةً للفتنا انتباه الحكومة إلى هذه المشاكل بمختلف الطرق – قررت الحكومة المركزية في إندونيسيا حلّ هذه القضية، وقد عُقد اتفاق نَشرت الجريدةُ خبرا عنه بصورة مشوهة، إذ قد عرضت بعض الكلمات منها وتركت كلماتٍ أخرى فلم تتضح صورة الاتفاق جيدًا. وهذا ما ذكرتُه في إحدى الخطب الماضية أيضًا.

على كل حال، نُقل الخبر من الجريدة إلى الإنترنت أيضًا. وبعد الاطلاع على ما ورد في الإنترنت، أو ربما بعد الاستماع إلى خطبتي فإن بعض الأحمديين الذين لم يعرفوا الأمر على حقيقته كتبوا إليَّ أنه لا حرج في قبول بعض شروطهم بغية القضاء على الفتنة، وكتبوا أيضًا أنهم لا يحيطون علما بتفاصيل الأمور، فقد يكون الأمر هكذا وقد يكون هكذا، وضرب أحدهم على ذلك مثالا أن الرسول الأكرم  أيضًا كان قد قبل شرط الكفار في صلح الحديبية، وقبِل أن تُشطب كلمة رسول الله. فأولا أقول ردا على ذلك أنه من الذي شطبها؟

إن النبي   هو نفسه قد شطبها. أما سيدنا عليٌّ فقد رفض فِعل ذلك وقال يا سيدي أنا لا أستطيع أن أفعلها.

فكما قلتُ إن النبي   هو نفسه من شطب كلمة «رسول الله»  بيده، وقال بأن المعاهدة تُعقَد مع الكفار وهم لا يؤمنون بكوني رسولَ الله، لذا يمكنني أن أشطب هذه الكلمة. أما الذين كانوا يؤمنون بأنه نبيُّ الله تعالى ورسولُه فلم يجرؤوا على ذلك.

والنبي   أيضًا أدرك عواطفهم، فلم يأمرهم أن يشطبوا كلمة رسول الله. فلا يليق بنا أن نلجأ إلى المداهنة، أو نقوم بتصرف يحطُّ من مقام المسيح الموعود، العاشقِ الصادقِ للنبي  ، إننا نعتبر مرزا غلام أحمد القادياني عليه الصلاة والسلام مسيحًا موعودًا ومهديًّا معهودًا، ولا قيمة ولا حقيقة لنا بعد التخلي عن هذا الموقف.

إن جمالنا وزينتنا إنما تكمن في انضمامنا إلى جماعة المسيح الموعود مؤمنين بأنه هو المسيح الموعود الذي قد فرَّق بين الظلمة والنور.

موقفنا الإيماني وحقيقة دعوانا

إن موقفَنا ودعوانا هو أن هذا الإمام قد بيَّن لنا حقيقةَ كلمةِ الشهادةِ في عصر الظلمة هذا، ونوّر قلوبنا بالنور الحقيقي لهذه الكلمة. وإن هذا المسيحَ والمهديَ هو الذي علّمنا طرقَ الوصولِ إلى الله تعالى حسب تعاليم القرآن. وإن المسيحَ والمهديَ والعاشقَ الصادقَ للنبي  هو الذي علّمنا الأساليبَ الجديدةَ للإبحار والغوص في عشق الرسول العربي  .

فهل نتخلى عن ذلك الإمامِ المهديِّ الذي سماه النبي  مسيحًا ومهديًّا ودعاه «مهدينا»، للتخلص من المشاكل المؤقتة ولكسب رضا الحكومات والمشايخ، ونتخلى عن إيماننا بكونه المسيح الموعود؟!

لقد تحققت العلاماتُ والآياتُ التي كان من المقدر أن يأتي المسيح الموعود بحسبها، وإن هذه الدعوى ماثلةٌ أمامنا، والزمان أيضًا قد حقق جميعَ المقتضياتِ الداعيةَ لبعثته، أفبعد رؤيةِ كلِّ هذه الأمور يمكن لنا رغم انضمامنا إلى جماعته أن ندعوه باسم آخر، إرضاءً للناس أو خوفًا منهم، رغم أن النبي  قد سماه مسيحًا ومهديًّا؟ أَوَيُمكن لنا أن نقوم بذلك لمجرد الخوف من أن يؤذيَنا المعارضون؟!

فهل يمكن أن نطبّق آيةَ الكسوفِ والخسوفِ على شخص غيره بعد أن أظهرها اللهُ تعالى في حق الإمام المهدي   ورأينا تحققها بأمِّ أعيننا؟ أو هل لنا أن نكذِّبَ شهادة الله تعالى، والعياذ بالله؟ أو هل نكذّبُ نبوءات القرآن الكريم وننكر تحققَها في هذا الزمن؟

أو هل يمكن أن نبايعه  ونؤمن بكونه من الذين اصطفاهم الله تعالى من ناحية، ومن ناحية أخرى نكذّب بما أوحى الله إليه حين بشَّره قائلا: «إن المسيحَ الموعودَ الذي يرقبونَه، والمهديَّ المسعودَ الذي ينتظرونه هو أنت»؟!

ثم أوحى الله تعالى إليه فقال: «ولا تكونن من الممترين».

وهل يمكن أن نُعَدَّ من الأحمديين إذا قمنا بكل هذه التصرفات، التي ذكرتها من قبل، من أجل مصالحنا فقط؟ ففي هذا الحال إن رفضَ منصبِ المسيحِ الموعودِ هو رفض الأحمدية بعينه. وهذا ما لا يمكن أن يقبله أيُّ أحمدي أبدا.

فرصة سانحة للتحاذق الصحفي

الخبر الذي نشرته الجريدةُ المذكورةُ بصورةٍ مشوهةٍ حول الاتفاق الذي عُقد بين الحكومة والأحمديين، هذا الخبر قد وجد اللاهوريون من خلاله فرصةَ لإثارة الضجة، ونشأ فيهم حماس جديد، ونشروا خبرا مفاده أن الأحمديين قد غيروا موقفهم. وكانوا يهدفون من وراء ذلك (أي اللاهوريين، أو غيرَ المبايعين للخلافة) أنهم هم الذين انتصروا في نهاية المطاف، بحيث إن الأحمديين، والعياذ بالله، قد اعترفوا بأن سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني  ليس نبيًّا وإنما هو مجدد ومرشد فحسب.

الأمر الأول هو أن لجنةً مكونة من المسؤولين الأحمديين في إندونيسيا، الذين ذهبوا للحوار مع مسؤولي الحكومة لم تكن في بالهم أدنى شائبة أو فكرة أننا لا نؤمن بسيدنا حضرة مزرا غلام أحمد القادياني   كمسيح موعود أو كنبي، كما لا يمكن لأي أحمدي أن يتصور ذلك. إن جماعة إندونيسيا بفضل الله متقدمةٌ كثيرًا في الإخلاص والوفاء، وهي من الجماعات التي تصنف في الصفوف الأولى في هذا المجال. وتضحياتهم بالأموال والأنفس لأجل الجماعة لخير شاهد على أنه ليس هناك أي شائبة في إخلاصهم ووفائهم. فإنها لتهمة أُلصقت بجماعة إندونيسيا، ولا شك أنها تهمة، إذا قلنا بأنهم قد أبدَوا ضعفًا من أجل مصالحَ مؤقتة. الاتفاق الذي وقَّعت عليها الحكومة لم يحتوِ على كلمات صريحة كهذه بل كان يحتوي على بنود مختلفة، وبقبولها لا يمكن إلصاق التهمة بأي أحمدي في إندونيسيا أنه قال شيئًا يتنافى مع إيمانه أو أظهر ضعفًا في إيمانه، الأمر الذي صرحت به جماعة إندونيسيا في رسالتهم الموجهةِ إليَّ. ولكن بما أن كلمات «المسيح الموعود والإمام المهدي» لم تكن مذكورة صراحة في نص المعاهدة لذا فقد رأتها الجريدة فرصة سانحة للتحاذق الصحفي، ونشرت شيئًا لم يكن  يدور في خَلَدِ أي أحمدي قط. ثم تلقّف اللاهوريون هذا الخبر وأذاعوه على نطاق واسع. ولكن عندما وضَّحتُ الأمر في إحدى الخطب السابقة ونشرتْ الجريدة أيضًا موقفنا بوضوح – الأمر الذي يدل على نزاهة الجريدة على أية حال – فإن إصرار اللاهوريين وتصلبهم لموقفهم وإثارتهَم الضجة واتصالهَم هاتفيا في مكتبنا للإعلام هنا وقولهَم بأن الأمر لم يتضح بعد ليس إلا تعنتا صارخًا منهم. ولا يمكن إقناعهم إلا أن يشاء الله، فلو تصلب أحد لرأيه ولم يكن جاهزًا لقبول أي شيء فلا يمكن لإنسان آخر أن يقنعه. أما نحن فقد قلنا ما كنا قائلين ووضحنا موقفنا بصراحة.

على أية حال إنني أوضِّح الأمر اليوم مرة أخرى لأقول للاهوريين أو غيرِ المبايعين للخلافة أنِ اتقوا الله، واقرؤوا نبواءتِ سيدنا رسول الله، وتأملوا في إلهاماتِ الإمام المهدي، ثم حاسبوا أنفسكم. تفكروا فيما إذا كان موقفكم عن المسيح الموعود قد أدى بكم إلى أي تقدم وازدهار؟ هل الذين اعتبروا الأنجمن حاكمة على الخلافة قد رفعوا راية الإسلام والأحمدية في العالم أو حاولوا لذلك مكابدين الحرقة والآلام في قلوبهم؟ أم كان ذلك من نصيب أولئك الذين آمنوا بحضرة مرزا غلام أحمد القادياني مسيحًا موعودًا ونبيا صادقا وآمنوا بالخلافة الحقة بعده؟ لقد أوصل المبايعون للخلافة دعوةَ الأحمدية أي الإسلامَ الحقيقيَ إلى 189 بلدا في العالم، ولكن ما الذي أنجزتموه أنتم؟ هل شهادات الله الفعلية هي مع الذين يعتبرونه نبيًّا أم مع الذين لا يعتبرونه إلا ناسكًا ومرشدًا ومجددًا فحسب؟ فاتقوا الله وأَنهوا هذه الفُرقة والانفصال. وتأملوا فيما يقوله المسيح الموعود  عن نفسه. لا شك أنكم تنشرون كتبه ولكن ندعو الله تعالى أن يوفقكم لمطالعتها وفهمها أيضًا. افتحوا القرآنَ الكريمَ واقرؤوا ما يقوله الله تعالى عن الذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.

يقول سيدنا المسيح الموعود:

“ليس من المفروضِ أن يكون النبي مشرِّعًا حتمًا، فإنها ليست إلا موهبة تنكشف من خلالها أمورٌ غيبية. فما دمتُ قد تلقيت إلى هذا الأوان حوالي مائة وخمسين نبوءةً ورأيتُ تحققها بكل جلاء بأمِّ عيني فكيف يمكن أن أرفض إطلاق تسميةِ النبي أو الرسولِ على نفسي. وما دام الله تعالى بنفسه قد سماني بهذين الاسمين فأنّى لي أن أرفضهما أو أخاف غيره سبحانه وتعالى؟ أحلف بالله الذي أرسلني، والذي لا يفتري عليه إلا الملعونون أنه هو قد أرسلني مسيحًا موعودًا. وكما أنني أؤمن بآيات القرآن الكريم كذلك تماما أؤمن بالوحي الذي أُنزل – دون أدنى فرق بين إيماني بآيات القرآن والوحي الصريح النازل علي- وتبين لي صدقه من خلال الآيات المتواترة التي تحققت. وأستطيع أن أحلف بالله في بيت الله الحرام أن الوحيَ الطاهر الذي ينـزل علي إنما هو كلام ذلك الإله الذي أنزل كلامَه على سيدنا موسى وعيسى وسيدنا محمدٍ المصطفى  . لقد شهدتْ لي الأرض والسماء أيضًا. كذلك نطقتْ من أجلي السماءُ والأرضُ بأني خليفةُ الله. ولكن كان مقدرا بحسب النبوءات أن ألاقي الرفض والإنكار أيضًا لأن الذين على قلوبهم غشاوة لا يؤمنون. وأعلم يقينًا أن الله تعالى سيؤيدني حتمًا كما ظل يؤيد أنبياءه دائمًا. لا يسع أحدًا أن يقف في طريقي لأن تأييد الله ليس معهم. وحيثما أنكرتُ النبوة أو الرسالة إنما فعلتُ ذلك بمعنى أنني لم آت بشريعة مستقلة ولست نبيًّا مستقلا. لكني رسولٌ ونبي – ولكن بغير شريعة جديدة – بمعنى أنني نلتُ الفيوض من النبي المقتدى، وسُميتُ باسمه وحظيت بعلم الغيب من الله تعالى بواسطته. ولم أرفض كوني نبيًّا من هذا المنطلق قط. بل بهذا المعنى نفسِه ناداني الله تعالى نبيًّا ورسولا. فلا أنكر الآن أيضًا كوني نبيًّا ورسولًا بهذا المعنى.”(4)

فهل يبقى أي إبهام بعد هذا أيضًا فيما يقول الإمامُ المهديُّ  عن نفسه بأمر من الله تعالى؟ فقد أعلن  بكل وضوح وقال: إنني نبي. فبكل احترام وإجلال أقول لإخواننا هؤلاء الذين ضلوا الطريق: تعالوا واشتركوا معنا في هذا الانقلاب الروحاني الذي من أجله بعث الله تعالى حضرةَ مرزا غلام أحمد القادياني  مسيحًا موعودًا ومهديًّا معهودًا ونبيًّا ظليًّا، ذلك المسيحُ والمهديُّ الذي كان مقدرًا له أن ينشر دعوة الأحمدية أو الإسلام الحقيقي – كخادم صادق للنبي الأكرم  – في جميع أنحاء العالم، وهذا ما فعله بالضبط، وهو مَن قال له الله تعالى بكلماتٍ صريحةٍ بأني سأبلغ دعوتك إلى أقصى أطراف الأرضين رغم كل هذه المعارضة. واليوم لا يرى تحققَ هذا الوعدِ إلا الذين يؤمنون به كنبي ويتمسكون بأهداب الخلافة بعده. إن هذه الدعوةَ تصل اليوم عبر الهواء إلى جميع أنحاء العالم. فإن الانتصار والفوزَ اليوم إنما هو من نصيب أولئك الذين يؤمنون به مسيحًا ومهديًّا ونبيًّا. وإن الله تعالى بنفسه يؤيد نبيه ويُري المعجزاتِ في تبليغ الدعوة، وليست في الدنيا قوةٌ تقدر على عرقلتها. إن قول الله تعالى “إني سأبلغ دعوتك” يتضمن إشارة لنا إلى أنه ستكون  هنالك عراقيلُ في هذا السبيل وستهب عواصفُ المعارضة وترتفع لهيبُ النار من اليمين والشمال، وستحاول الحكوماتُ أيضًا وضع العراقيل، ولكنني.. الإله العزيز الغالب والقادر على كل شيء.. أطَمْئنك يا أيها المسيح والمهدي، وأطَمْئن أتباعك أيضًا يا مَن أنت مني وتسعى جاهدًا لنشر دعوتي لذا فقد قررتُ أن تأييداتي تكون معك دائمًا وأبدًا، وأنا سأبلغ دعوتك إلى أقصى أرجاء الأرضين.

ففي إحدى المرات أوحى الله تعالى إليه يطمئنه فقال ما نصه:

“لا تخف. إنني معك. وماشٍ مع مَشْيِك. أنت مني بمنـزلة لا يعلمها الخَلْق. وجدتُك ما وجدتُك. إني مُهينٌ من أراد إهانتك وإني مُعين من أراد إعانتك. أنت مني، وسرُّك سري، وأنت مرادي ومعي. أنت وجيه في حضرتي. اخترتك لنفسي(5).

فالذي طمأنه الله تعالى من كل خوف وأكد له تأييداته، وأعلن أنه سيعين من أراد إعانته، وأعلن أنه سيهين من أراد إهانته ووضْعَ العراقيلِ في سبيله، والذي عدّه الله تعالى في أصفيائه الخواص فلا داعي أن يخاف أتباعه أيضًا ولا مبرر لقلقهم بسبب العراقيل المؤقتة العارضة.

ففي غزوة أحد رغم تزلزُلِ أقدام المسلمين مؤقتًا، ورغم تعرضهم للخسارة في الأموال والأرواح لم ينتصر العدو، بل إن كلمات: “الله أعلى وأجلّ” هي التي كانت غالبة في نهاية المطاف.

فما دام الله تعالى الأعلى والأجل قد أعلن اليوم أيضًا تأييده ونصرته للعاشق الصادق لحبيبه  فلا داعي لنا نحن المؤمنين به للقلق والاضطراب بسبب هذه العراقيلِ والمصاعبِ المؤقتة.

اضطهاد الأحمديين العرب أيضًا

خلال الأيام القليلة الماضية تعرض الإخوة العرب أيضًا بمن فيهم الأحمديون وغيرهم ممن يواسوننا ويتعاطفون معنا ومع الإسلام للقلق والاضطراب، وذلك لأن بعض الدول العربية الكبيرة قد أغلقت قناتنا الفضائية MTA3 التي كانت تبثُّ عبر Nile Sat الذي تملكه الدول العربية. الحق أنهم فعلوا ذلك لخوفهم من بعض المشايخ والقساوسة المسيحيين، ولاحتراقهم في نار الحسد بسبب تقدم الأحمدية، لا شك أن أحد الأسباب التي دفعتهم إلى هذا كان حسدهم. وبما أنهم أغلقوا قناتنا ضاربين بجميع القِيم الأخلاقية عُرض الحائط وبدون إشعار مسبق لذا فقد بعث الإخوة العرب الأحمديون وغيرُهم إليَّ وإلى المشرفين على قناتنا رسائلَ كثيرة أعربوا فيها عن قلقهم المفرط قائلين: أي ظلم هذا الذي وقع! وكيف تم إغلاق القناة فجأة ودون إشعار مسبق. فقلنا لهم أنِ اصبروا فلسوف نحاول إعادة بثها في أقرب وقت بإذن الله. أما اليوم بعد سماع خطبتي فيكونون قد علموا السبب وراء إغلاق القناة. إن هذه الحكوماتِ المداهِنةَ أقدمت على إغلاق قناتنا خوفًا من الناس وحسدًا لنا؛ ذلك أنه كانت هناك معارضةٌ من قبل القساوسة المسيحيين أيضًا؛ إذ كنا نرُدّ عليهم في قناتنا، فشدّدوا على إغلاقها، لأنها تترك تأثيرًا سلبيًّا (على حد زعمهم) على المسيحيين.

على أية حال إن أمرهم الآن في يد الله. أولئك الذين عادَوا أهل الله باسم الله تعالى ظانين أنهم يملكون القوة والقدرة كلَّها. ولكن الله العزيزَ ومالكَ جميعِ القدرات والقوى يعلن ويقول:

وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (6)

لقد حيكت المكائد من قبلُ ضد المسيح الأول أي المسيحَ الناصريَّ، واليوم تحاكُ ضد المسيح المحمدي، ولكن الله تعالى يطَمْئن عباده دائمًا، فالذين يضعون العراقيل في سبيلنا لا نخافهم مطلقا لأن الأمر في يد الله وهو الذي بعث المسيحَ الموعود، وهو يوصل الدعوة بطرق لا يتصورها الإنسان قط.

فتعالوا نر ماذا أعطانا الله مقابل كل ذلك! لقد أُغلِقت القناة لبضع ساعات أو ربما ليوم واحد قبل أن نقوم بترتيبات بديلة بصورة مؤقتة. ولكن مقابل إغلاقهم قناتنا وفقنا الله تعالى للاتصال بشركة أوروبية تملك قمرًا صناعيًّا. ولقد حاولنا كثيرا للاتصال بها سابقًا أيضًا ولكن لم تُفلح محاولتنا في الماضي لعدم توفر المجال على ذلك القمر الصناعي. ولكن بعد أن وضع هؤلاء العراقيلَ هذه المرة وفّر الله تعالى لنا المجالَ على هذا القمر بفضله الخاص. القمر الصناعي الذي كانت محطتنا تُبَثُّ عبره قبل إغلاقها كان يغطي مساحة أضيق نسبياًّ، وكان البث يصل إلى بعض البلاد العربية فقط،  أما القمر الصناعي الحالي فيغطي بثّه مساحةً أوسع بكثير من سابقه. كانت – فيما سبق – تصلنا الرسائل من المغرب والبلاد المجاورة لها أن الناس لا يستطيعون مشاهدة MTA3 العربية رغم حاجتهم إليها، فكانوا يرجون أن نوفر لهم مشاهدتها أيضًا. والآن بسبب وصولنا إلى القمر الصناعي الجديد فقد سُدَّ هذا النقص أيضًا. إذًا فهذه أفعال الله تعالى صادق الوعد. فلا شك أن عراقيل عابرة ظهرت وستظهر في المستقبل أيضًا، وسيشنّ الأعداء والحساد هجمات أخرى، ولكن يجب ألا يدفع ذلك أيَّ أحمدي إلى يأس أو قنوط. وبسبب هذه العراقيل – كما قلت من قبل – ينيب المؤمن إلى الله تعالى أكثر، لأن هذه هي سيرة المؤمنين. فركِّزوا على الدعاء، وحسِّنوا صلواتكم، وأدُّوا فرائضكم وتوجّهوا إلى النوافل، لأن الأدعية والعبادات هي التي ستساعدنا على تحقيق أهدافنا. أكثِروا مِن ذِكر الله تعالى، لأن هذا سيفتح علينا أبواب الانتصارات بإذن الله. فهذه هي النقطة المركزية التي يجب على كل أحمدي أن يجعلها نُصْبَ عينيه دائما.

وكما قلت: ففي هذه الأيام التي يُعِّد الأحمديون البرامج بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الخلافة يسعى الحساد إلى إلحاق الضرر بالجماعة أكثر من قبل، وقد فعلوا ذلك من قبل، وسيحاولون إلحاق الضرر بنا حسدًا منهم لأن الخلافة قد انتُزعتْ منهم، بينما يتمتع بها الأحمديون وهم محافظون على وحدتهم.

إن معارضينا من المسلمين يقولون ذلك علنًا إننا لن ننجح دون الخلافة أبدًا. وإن جرائدهم ومجلاتهم مكتظةٌ بالمقالات حول هذا الموضوع. وفي كل يوم جديد يُنشر خطابٌ أو مقالةٌ لهم في هذا الموضوع. وقد أحضرتُ معي مقالا واحدًا كنموذج وأقرأ منه على مسامعكم.

يقـول المفـتي حبيـبُ الرحمـن دَرْخاسْتي:

«ليس هناك نظامٌ أفضلَ من نظام الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف العظيم دون اجتماع أهل الحق على وجهة واحدة. في هذه الحالة التي ابتُليتْ بها الأمة الإسلامية في هذا العصر الذي تتم فيه محاولات لحرمانها من كل شيء بشتى الطرق، لا بد من تحقيق ما قُدِّمت من أجله تضحية عظيمة من قِبل الأمة الإسلامية حتى حصلت على دولة باكستان. إن هذه التضحية كانت بأمل أننا سننال بلدًا مستقلا لنقيم فيه النظام الإسلامي، (اسمعوا تعليقه جيدا إذ يقول: سنقيم فيه النظام الإسلامي) ولكن هذا الحلم قد تحقق بصورة الغش والخداع…. (أي كانوا قد حصلوا على بلد مستقل لإقامة النظام الإسلامي ولكن لم يحدث فيه إلا الغش والخداع، بحسب اعترافه هو، ثم يقول: “إن سر بقاء الأمة المسلمة وخيرها يكمن في الاتحاد والاتفاق وإقامةِ نظامِ الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة.»(7)

ليتهم يتركون تعنتهم ويؤمنون بأن الإمام المهدي الذي كانوا ينتظرونه قد ظهر. (حيث ورد في تصريح آخر لهم أن الإمام المهدي سيأتي وبعده ستقوم الخلافة). ألا فليعلموا أن الإمام المهدي الذي ينتظرونه قد جاء، وقد قامت الخلافة أيضًا بواسطته ولن تُقام خلافة أخرى على منهاج النبوة مهما حاولوا لذلك. فاليوم حين يدعو الأحمديون لأنفسهم بأن ينقذهم الله تعالى من كل شر ويثبتَ أقدامهم ويوفقَهم للتمسك بأهداب جماعة المهدي والمسيح الذي جاء حسب نبوءات سيدنا رسول الله، عليهم أن يدعوه تعالى أيضًا لهؤلاء المسلمين الزائغين عن جادة الحق بأن يوفقهم الله تعالى للانضمام إلى جماعة هذا المسيحِ والمهديِّ، آمين.

الهوامش:

  1. (الملفوظات ج4 ص434)
  2. (الجمعة: 4)
  3. (الجمعة: 4)
  4. إزالة خطأ، الخزائن الروحانية ج18 ص210-211
  5. (التذكرة: 161- 162)
  6. (آل عمران: 55)
  7. المجلة الشهرية، ضربة الحق عدد يناير 2004 ص2
Share via
تابعونا على الفايس بوك