الغاية من تأسيس جماعة المؤمنين، وبعض آيات ربك

الغاية من تأسيس جماعة المؤمنين، وبعض آيات ربك

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • كيف أنيط بالجماعة الإسلامية الأحمدية  توطيد دعائم التوحيد الحقيقي؟
  • كيف أنيط بالجماعة الإسلامية الأحمدية  توطيد عظمة النبي الخاتم (ص) في هذا الزمان؟

___

لقد بدأت اليوم الجلسة السنوية في قاديان، كما بدأت في بعض البلاد الإفريقية، وندعو الله تعالى أن يجعل الجلسات في البلاد كلها مباركة من كل النواحي والجوانب. والخطاب الذي سألقيه يوم الأحد بإذن الله في اليوم الأخير في جلسة قاديان سيكون موجَّها إلى الجلسات المنعقدة في البلاد الإفريقية أيضا، وهي سبعة أو ثمانية بلاد. وسنحاول نشر وقائع تلك الجلسات مباشرة من هنا عبر ايم تي ايه.

لما كان الإخوة يستمعون لهذه الخطبة في تلك البلاد مجتمعين في مكان واحد، ولما كانت الظروف المواتية مهيأة للاستماع لها بإنصات فرأيت من المناسب أن أقدم من كلمات المسيح الموعود مقتبسات بيّن فيها الهدف من بعثته وأهداف الجماعة وقدّم فيها نصائح مختلفة. لعل كثيرا من المبايعين الجدد والأحمديين من الجيل الناشئ يشتركون في هذه الجلسات الذين لم يصلهم كلام المسيح الموعود هذا بكلماته مع أنه من الضروري لهم أن يطّلعوا عليها ليزدادوا إيمانا ويقينا وإخلاصا ووفاء في هذه الأيام بوجه خاص، وليعرفوا الهدف من بعثته وليدركوا مسؤولياتهم مستعينين بالله تعالى.

الهدف من تأسيس جماعتنا

تحدث المسيح الموعود عن الهدف من تأسيس الجماعة وسر تأسيسها في هذا العصر بالذات، فقال: «كم هو مباركٌ هذا العصر حيث اتخذ الله تعالى هذا القرار المبارك في هذه الأيام الحرجة الحالكة وهيَّأ من الغيب وبمحض فضله أسباب نصرة الإسلام، توطيدًا لعظمة النبي ، فأقام هذه الجماعة. إنني أسأل الذين يكنّون حبًّا وألـمًا وتعظيمًا للإسلام: هل أتى على الإسلام زمان أسوأ من هذا العصر، حيث تعرض الرسول للسباب والشتائم والإساءة، وجُعل القرآن الكريم عرضة للإهانة إلى هذه الدرجة؟ إنني أتأسف وأتألّم جدًّا على حالة المسلمين حتى لا يقرّ لي قرار في بعض الأحيان، إذ لا يوجد فيهم أدنى إحساس بتلك الإهانة. هل يظنون أن الله تعالى لم يرد لرسوله أي عزّ أو شرف، فإنه رغم هذه الشتائم والإهانات، ما أقام أي جماعة سماوية من عنده، ليَكُمّ أفواه أعداء الإسلام وينشر عظمة النبي وطهارته في العالم ثانيةً! ما دام الله تعالى وملائكته يصلّون على النبي ، فكم حريًّا أن تتم الصلاة عليه في هذا العصر الذي يُساء فيه إليه . وقد هيأ الله تعالى الأسباب للصلاة على النبي بتأسيس هذه الجماعة.»(1)

إذن، فمن واجبنا نحن الذين آمنا بالمسيح الموعود وانضمامنا إلى هذه الجماعة أن نصلح حالتنا ونصلّي على رسولنا أيضا، وفي هذه الأيام خاصة يجب أن ننتبه إلى الصلاة على النبي بوجه خاص. كلما صلّينا عليه أكثر كنّا قد حققنا الهدف الذي بيّنه المسيح الموعود لبعثته. فيقول مبيّنا الهدف من بعثته:

«لقد بُعثت لأقيم من جديد المجد الضائع للنبي ، وأُري العالم حقائق القرآن الكريم. وكل هذه الأعمال تتحقق. أما الذين على عيونهم عصابة، فلا يستطيعون رؤيتها، مع أن هذه الجماعة قد تجلت كالشمس، وإن عدد الشهود على آياتها وخوارقها قد بلغ بحيث لو جُمعوا في مكان لما بلغ عددَهم عددُ جيوش أي ملك في العالم. (الجلسات التي تُعقد في هذه الأيام في بلاد مختلفة في العالم التي يشترك فيها آلاف من الأحمديين هي أيضا آية من تلك الآيات)

معنى قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا

يقول : لصدق هذه الجماعة ثمَّة أدلة وشواهد ليس من السهل بيانها كلِّها، فلما كان الإسلام قد أسيء إليه إساءة بالغة، فقد أظهر الله عظمة هذه الجماعة بحسب تلك الإساءة.

ثم يقول : كذلك هذا الزمن هو للمعركة الروحانية، فالحرب دائرة مع الشيطان، لقد شن الشيطان الهجوم على حصن الإسلام بأسلحته ومكايده كلها، ويريد أن يهزم الإسلام، لكن الله قد أقام هذه الجماعة لدحر الشيطان إلى الأبد في هذه المعركة الأخيرة، فالمبارك من يعرفها. الزمن قصير فسوف يمنح الثواب في هذا الزمن، لكن الوقت وشيك عندما سيجعل الله صدق هذه الجماعة أسطعَ من الشمس، عندها لن ينفع الإيمانُ ويُغلق باب التوبة. إن الذي يؤمن بي في هذا الوقت يخوض معركة شرسة مع نفسه في ظاهر الأمر، فسيرى أنه أحيانا يضطر إلى الانقطاع عن العائلة، ولسوف تُلقى العقبات أمام تجارته المادية، وسيُرمَى بالشتائم والسباب واللعنات، إلا أنه سيلقى الأجر على كل هذه الأمور من الله.

لكن حين سيأتي ذلك الوقت ويرجع العالم إلى الله بقوة كما ينـزل الماء من تلة مرتفعة، ولن يبقى أي منكر، فأي أهمية ستكون للإقرار يومذاك؟ فالإيمان عندها لن يعدّ شجاعة، إنما الثواب يعطى في زمن الأذى دوما.

حين ترك سيدنا أبو بكر سيادة أهل مكة، بإيمانه بالنبي ، أعطاه الله سيادة العالم، ثم نرى أن سيدنا عمر أيضًا لبس المسوح وصار مصداق: «فليكن ما كان فقد ألقينا السفينة في النهر»، وآمن بالنبي فهل نقص الله نصيبًا من أجره؟ كلا، فالذي يعمل قليلا من أجل الله لا يموت قبل أن ينال جزاءه، فالعمل شرط، وهو ما نستشفه من الحديث القدسي:

«وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.»(2)

الإيمان وحده لا يكفي

الإيمان يقتضي أن يؤمن المرء حين تكون بعض الجوانب خفية. فالذي يتمكن من رؤية الهلال يسمى حادَّ البصر، أما الذي يصرخ ليلة البدر أنه رأى البدر فسيعدّ مجنونًا.»(3)

إذن، السعداء هم الذين يؤمنون بالمسيح الموعود اليوم وينالون حب الله تعالى نتيجة مواجهة أنواع المعارضة. ثم يقول مبيّنا أن الإيمان وحده لا يكفي، بل الهدف الحقيقي هو أن يخلق المرء في نفسه تغيُّرا طيبا ويخطو على دروب التوحيد الخالص، ثم تنـزل عليه أفضال الله أكثر فأكثر. يقول :

إن الذي يتحرى طُرق مرضاة الله خوفًا منه، ويسعى لذلك ويدعوه لحل عقدته فإن الله يمسك بيده بحسب مبدئه:

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (4)

ويهب له طمأنينة القلب. أما إذا كان القلب مظلما وكان اللسان يستثقل الدعاء، وكان الاعتقاد مشوبًا بالشرك والبدعة، فأية قيمة لهذا الدعاء؟! وما هذا الطلب الذي لا تترتب عليه النتائج الحسنة؟ فما لم يمدّ الإنسان يده إلى الله وحده بصدق القلب والإخلاص وإغلاق جميع الطرق والآمال غير الشرعية على نفسه، لا يستحق أن يحظى بنصرة الله وتأييده، لكنه حين يخر على أعتاب الله فقط، ويدعوه وحده فحالته هذه تجذب النصرة والرحمة. إن الله يطل من السماء على أعماق قلب الإنسان، وإذا وجد في أي زاوية من القلب نوعًا من الظلام أو الشرك أو البدعة، ردّ أدعيته وعبادته إليه، لكن حين يرى أن قلبه نظيف من كل أنواع الأغراض النفسانية والظلمة يفتح له أبواب رحمته، ويأخذه في ظل رحمته ويتولى تربيته بنفسه.

لقد أقام الله هذه الجماعة بيده، ومع ذلك يأتينا كثير من الناس ولكن لهم أهداف شخصية. فإذا تحققت أهدافهم فبها ونعم، وإلا لا يبقى لهم دين ولا إيمان. (أي أن بعض الناس يبايعون لأهدافهم الشخصية فقط)، يقول شارحا الموضوع أكثر:

إن الغايات النفسانية من الشرك، وتُلقي الحجاب على القلب، وتتسبب في تعثر المرء حتى لو كان بايع، إن الانضمام إلى جماعتنا يتطلب أن يترك الإنسان النفسانية ويتمسك بالتوحيد الخالص، وأن يكون لديه طلبٌ صادق في الحق، وإلا عندما سيرى أن أهدافه لا تتحقق سينقطع فورًا. هل آمن الصحابة بالنبي ليزدادوا مالا وثروة؟ عندما ننظر إلى حياة الصحابة رضي الله عنهم لا نجد في سوانحهم ولا حادثًا واحدًا من هذا القبيل، فلم يتصرفوا هكذا قط. إنما بيعتنا هي بيعة التوبة فقط. فقد آمن الصحابة على أن يضحوا بحياتهم. فمن ناحية كانوا يبايعون ومن ناحية يستعدّون للتخلي عن كل مال وعزة وشرف وحياة وكأنهم لا يملكون شيئًا، وبذلك كانت آمالهم منقطعة عن الدنيا، وكانت جميع رغباتهم في الحصول على أي نوع من العزة والشرف والعظمة والجاه والحشمة تنقطع. هل كان أحد منهم يفكر أنه سيكون ملكًا، أو سيفتح بلدا؟ كلا لم تخطر هذه الأفكار في بالهم نهائيًا، بل كانوا قد تخلَّوا عن كل أمل وكانوا مستعدين كل حين وآن لتحمُّل كل أنواع الألم والحزن في سبيل الله بلذة، حتى كانوا مستعدين للتضحية بحياتهم، فكانوا منقطعين عن هذه الدنيا وما فيها، إلا أن الله أكرمهم وشرَّفهم. والذين جادوا بكل ما لهم في سبيله قد رزقهم آلاف الأضعاف.(5)

من الضروري لإقامة التوحيد الحقيقي أن تنالوا نصيبا كاملا من حب الله. والحب لا يثبت باللسان فقط ما لم يكن كاملا في الجزء العملي. فمثلا إذا ردّد الإنسان كلمة السكّر بكثرة فهذا لا يعني أنه سيصبح حلو الكلام. إذا أقر المرء بصداقة أحد وتخاذل عن نصرته عند المصيبة ولم يأخذ بيده لا يمكن أن يُعدّ صديقا صدوقا. كذلك إذا كان إقرار وحدانية الله باللسان فقط ورافقه إقرار الحب باللسان فقط فلا فائدة منه قط، بل هذا الجزء يقتضي العمل أكثر من الإقرار باللسان. ليس المراد من ذلك أنه لا أهمية للإقرار باللسان.

معنى حب الله تعالى

يقول ناصحا أن الهدف من تأسيس الجماعة هو إقامة التوحيد الحقيقي وخلق حب الله تعالى: ما المراد من حب الله؟ إنما المراد هو أن يؤثر المرءُ مرضاة الله تعالى على والديه وزوجته وأولاده ونفسه وعلى كل شيء عزيز عليه، فقد ورد في القرآن الكريم:

فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا .

الأمر الجدير بالتدبر هنا أن الله تعالى لم يعلّم أن تنادوا الله أبًا، بل أعطى هذا التعليم لئلا يخطئ أحد مثل النصارى وكيلا ينادي الله كأب. وإذا قال أحد أن ذلك يعني أن حبه أقل من حب الأب فليعلم أنه أورد: أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا دحضا لهذا الاعتراض. لو لم يرد: أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا لكان الاعتراض في محله، ولكن هذه الجملة تفنّده.(6)

إذن، هذا هو حب الله الذي يجب أن يكون في قلب كل مؤمن، أي يجب أن يكون حب الله أشد من حب القرابات الدنيوية كلها. فعلينا أن نفحص أنفسنا هل نخلق هذا الحب في قلوبنا، وهل في قلوبنا حرقة وولَع لهذا الحب؟ يقول المسيح الموعود شارحا هذا الحب ومستواه:

من الضروري لإقامة التوحيد الحقيقي أن تنالوا نصيبا كاملا من حب الله. والحب لا يثبت باللسان فقط ما لم يكن كاملا في الجزء العملي. فمثلا إذا ردّد الإنسان كلمة السكّر بكثرة فهذا لا يعني أنه سيصبح حلو الكلام. إذا أقر المرء بصداقة أحد وتخاذل عن نصرته عند المصيبة ولم يأخذ بيده لا يمكن أن يُعدّ صديقا صدوقا. كذلك إذا كان إقرار وحدانية الله باللسان فقط ورافقه إقرار الحب باللسان فقط فلا فائدة منه قط، بل هذا الجزء يقتضي العمل أكثر من الإقرار باللسان. ليس المراد من ذلك أنه لا أهمية للإقرار باللسان. كلا، بل ما أقصده هو أن التصديق العملي ضروري مع الإقرار باللسان. لذا يجب أن تنذروا حياتكم في سبيل الله. هذا هو الإسلام وهذا هو الهدف الذي أُرسلت من أجله. فالذي لا يدنو الآن من هذا الينبوع الذي فجّره الله تعالى لهذا الغرض يبقى محروما حتما. إذا كان الباحث الصادق يريد أن يكسب شيئا وينال مرامه فعليه أن يتقدم ويضع فاهُ على هذا الينبوع الجاري. وهذا لا يمكن أن يحدث ما لم يخلع الإنسان لباس المغايرة أمام الله ويخرّ على عتبات الربوبية، وما لم يتعهد أنه لن يترك الله وإن ذهبت شوكته وواجه جبال المصائب، بل سيكون مستعدا لتقديم كل تضحية في سبيل الله. هكذا كان إخلاص إبراهيم العظيم حتى أقدَم على التضحية بابنه. الإسلام يهدف إلى أن يجعل أناسا كثيرين أمثال إبراهيم . فعليكم أن تكونوا إبراهيم. أقول صدقا وحقا، كونوا أولياء بأنفسكم ولا تكونوا ممن يعبدون الأولياء، وكونوا مرشدين بأنفسكم ولا تكونوا عبدة المرشدين. فاسلكوا تلك السبل. لا شك أن تلك السبل ضيقة (أي أحرزوا هذا المقام بأنفسكم ولا تكونوا مريدي أصحاب الزوايا، بل ارفعوا أنفسكم إلى هذا المستوى الذي يكون فيه المرء ولي الله، حيث يقول الناس هذا هو الصالح الذي يجب اتباعه) قال : لا شك أن تلك السبل ضيقة ولكن بسلوكها يحظى الإنسان براحة وسعادة. ولكن من الضروري أن تدخلوا من هذا الباب خفافا جدا. إذا كانت على الرأس صرة كبيرة صعُب الدخول. (أي إذا كانت صرة الأهواء المادية وتقديم الدنيا على الرأس وكانت الدنيا مقدّمة على الدين فمن الصعب الدخول من هناك) فإن كنتم تريدون أن تمروا من هذا الباب فارموا حزمة العلاقات الدنيوية وتقديم الدنيا على الدين. إذا كانت جماعتي تريد أن ترضي الله فعليها أن ترمي بهذه الصرة. اعلموا يقينا أنه إن لم تتحلوا بالوفاء والإخلاص لكنتم كاذبين ولن تُعَدّوا صادقين عند الله. فالذي ينبذ الإخلاص ويختار الخيانة سيهلك قبل العدو. إن الله تعالى لا يمكن أن ينخدع ولا يسع أحدا أن يخدعه لذا من الضروري أن تخلقوا صدقا وإخلاصا حقيقيين.(7)

حب الرسول من حب الله تعالى

إضافة إلى إقامة التوحيد وحب الله من الضروري لنا أن نحب الرسول لأن بواسطته أرانا الله تعالى سبل وحدانيته. فقال المسيح الموعود موجها إلى ضرورة الارتباط بالرسول وإقامة عزّه وعظمته:

لقد أسس الله تعالى هذه الجماعة لتقيم نبوة النبي وشرفه مرة أخرى. (يتحدث حضرته هنا عن المسلمين غير الأحمديين الذين يعبدون أصحابَ الزوايا ويسجدون للقبور وبالرغم من ذلك يدّعون حب الرسول ويكفروننا ويتهموننا قائلين إن الأحمديين يسيئون إلى النبي والعياذ بالله) إذا كان أحد يعشق شخصا وكان هناك آلاف آخرون مثله فما هي الخصوصية في عشقه وحبه؟ (إذا كان شخص يدّعي حبّ أحد، ومع ذلك جعل أحباء كثيرين مثله، فما ميزة حبه له) إذا كانوا فانين في حب رسول الله وعشقه كما يدّعون فلماذا يعبدون آلاف القبور؟ (يذهبون إلى كثير من القبور ويقدمون لها النذر ويدعون أصحابَها ويسجدون لها) لا يسافرون إلى المدينة الطيبة بينما يسافرون إلى زاوية في مدينة «أجمير» حاسري الرؤوس حفاة الأقدام، ويزعمون أن في المرور من نافذة (في زاوية أحد أصحاب الزوايا) في مدينة «باكبتن» كفاية للنجاة. وهناك من رفع راية ما وهناك من اتخذ صورة أخرى. إن قلب المسلم الصادق ليرتعب حقا بالنظر إلى اجتماعاتهم ومهرجاناتهم التي اخترعوها. (وهذه الأشياء كلها توجد بكثرة في شبه القارة الهندية) لولا غيرة الله على الإسلام ولولا:

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ

كلام الله ولو لم يقل الله:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

لأوشك الإسلام على الانقراض دون أدنى شك نتيجة ما آلت إليه حالته. ولكن هاجت غيرة الله واقتضت رحمته وحمايته أن ينزل بروز رسول الله مرة أخرى ويحيي نبوته في هذا الزمن مجددا. فقد أسس هذه الجماعة وأرسلني مأمورا ومهديا.(8)

إذن، فواجبنا الارتباط بالرسول وإقامة عزّه وعظمته، ولا نستطيع أن نؤدي حق بيعتنا ما لم نحدث فرقا واضحا بيننا وبين غيرنا وما لم نضرب أمثلة غير عادية لحب الله وحب الرسول ، وما لم نسعَ لترطيب ألستنا بالتسبيح والتحميد والصلاة على النبي .

أسوة الصحابة حرية بالاقتداء أيضا

قال المسيح الموعود موجها إلى ضرورة التأسي بأسوة الصحابة وإنشاء الإخلاص والوفاء مثلهم y:

«حين أسس الله تعالى هذه الجماعة وأظهر في تأييدها مئات الآيات فكان الغرض منها أن تصبح هذه الجماعة مثل جماعة الصحابة ويعود زمن «خير القرون». ولأن الذين ينضمون إلى هذه الجماعة يدخلون في عداد: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لذا عليهم أن يخلعوا لباس المشاغل الباطلة (إذا كنتم أحمديين فيجب أن تتخلوا عن المشاغل الباطلة) ويصوِّبوا جُلّ اهتمامهم نحو الله تعالى، ويعادوا «الفيجَ الأعوج».

لقد مرّت على الإسلام ثلاثة أزمنة: أولها زمن «فيج أعوج» بعد القرون الثلاثة التي قال رسول الله عن أهلها: «لَيْسُوْا مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ.»(9). والزمن الثالث هو زمن المسيح الموعود وهو ملحَقٌ بزمن رسول الله ، بل الحقيقة أنه زمن النبي نفسه. لو لم يذكر النبيُّ زمن فيج أعوج لكان القرآن الكريم نفسه أيّدنا. ويتبين من:

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ .(10)

بصراحة تامة أن هناك زمنًا يخالف زمن الصحابة. وتوحي الأحداث أن الإسلام كان دريئة المصائب والمصاعب الكثيرة خلال الألف عام الماضية. فقد تخلى الجميع عن الإسلام إلا أناسًا معدودين، وقد نشأت فِرق كثيرة مثل المعتزلة ومذهب الإباحية.

قال: نعترف أنه لم يكن هناك زمان لم توجد فيه بركات الإسلام، ولكنّ الأبدال وأولياء الله الذين خلوا في الزمن الوسطي كان عددهم قليلا لدرجة لم يكن شيئا يُذكر مقابل عشرات ملايين الناس الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم وابتعدوا عن الإسلام. لذا فقد رأى رسول الله هذا الزمن بعين النبوة وسماه «فيج أعوج» ولكن الآن أراد الله تعالى أن يخلق جماعة كبيرة أخرى تُسمّى جماعة الصحابة. ولكن ما دام قانون الله السائد في الطبيعة هو أن الجماعة التي يؤسسها تتقدم تدريجا لذا إن جماعتنا أيضا ستتقدم تدريجا كزرع. وتلك الأهداف والمقاصد إنما هي بمنزلة بذرة تُزرع في الأرض. والأهداف السامية التي يريد أن يوصل الجماعة إليها لا تزال بعيدة جدا ولا يمكن تحققها ما لم تتحقق تلك الميزة التي يريدها بخلق هذه الجماعة. يجب أن يكون إقرار التوحيد أيضا مصطبغا بصبغة خاصة، ويكون التبتّل إلى الله من نوع خاص، ويكون ذكر الله أيضا من نوع خاص وأن يكون أداء حقوق الإخوة متسما بسمة خاصة(11).

هذه هي أهدافنا ويجب أن نسعى لتحقيقها، حينها سنرى رقي الجماعة.

القرآن كنز الدعاء وطوق النجاة

ثم قال المسيح الموعود موجها إلى قراءة القرآن الكريم بإمعان وتركيز:

تذكروا أن القرآن الكريم قد أحسن إحسانا عظيما إلى الكتب السابقة والأنبياء السابقين، إذ أضفى صبغة علمية على تعاليمها التي كانت من قبل بصورة قصص وحكايات فقط. أقول صدقا وحقا أنه لن ينجو أحد بتلك القصص والحكايات ما لم يقرأ القرآن الكريم إذ ورد في حقه وحده: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (12) فهو ميزانٌ، ومهيمنٌ ونورٌ وشفاءٌ ورحمةٌ. والذين يقرؤون القرآن ويعتبرونه قصة فكأنهم لم يقرؤوه بل أساؤوا إليه. لماذا اشتدَّ معارضونا في معارضتنا إلى هذا الحد؟ لسبب وحيد فقط وهو أننا عازمون على أن نثبت أن القرآن الكريم -كما قال تعالى- كله نور وحكمة ومعرفة. ولكنهم يريدون ألا يعيروا له أهمية أكثر مما يعيرونها لقصص بسيطة، ونحن لا نستطيع أن نقبل ذلك أبدا. لقد كشف الله تعالى علي بفضله ورحمته أن القرآن الكريم كتاب حيٌّ ومنير، فأنّى لي أن أقِمْ لمعارضتهم وزنا واهتماما؟ فأؤكد مرارا للذين هم على صلة بي أن الله قد أقام هذه الجماعة لكشف الحقائق (أي أقام هذه الجماعة لإظهار الحقائق التي لا يمكن أن نفهمها وندركها إلا من خلال القرآن الكريم) لأنه لا ينشأ نور في الحياة العملية بدونها. وأريد أن يَظهر للعالم حُسن الإسلام بصدق العمل، وقد أمرني الله بالقيام بهذه المهمة. لذا فاقرؤوا القرآن الكريم بكثرة، ولكن ليس باعتباره مجرد قصص، بل باعتباره فلسفة حقيقية. (13)

ينبغي على كل أحمدي أن يتوجه إلى تعلّم معاني القرآن الكريم وتفسيره.

ما العمل الصالح؟!

قال المسيح الموعود وهو يوجه إلى الأعمال الصالحة ويبين ما هو العمل الصالح:

لقد جعل الله تعالى في القرآن الكريم العملَ الصالح أيضا مع الإيمان. المراد من العمل الصالح ألا تخالطه أدنى شائبة من الفساد. اعلموا يقينا أن اللصوص يحاولون دائما أن ينهبوا أعمال الإنسان. وما أدراك ما تلك اللصوص! إن منها الرياء، أي يعمل الإنسان لإراءة الآخرين، والعُجب، أي أن يفرح المرء في نفسه بعد القيام بعمل ما أنه عمل عملا صالحا عظيما. والأنواع العديدة من سوء الأعمال والذنوب التي تصدر منه هي اللصوص التي تُحبِط الأعمال الصالحة. والعمل الصالح هو الذي لا تشوبه شائبة الظلم والعُجب والرياء، والكبر وإتلاف حقوق الناس. فكما ينال الإنسان النجاة في الآخرة بناء على الأعمال الصالحة كذلك تماما ينالها في الدنيا أيضا. إذا كان في البيت شخص واحد ذو أعمال صالحة يُنقذ البيت كله. اعلموا أنه لا فائدة من الإيمان ما لم تعملوا أعمالا صالحة. الطبيب يكتب للمريض وصفة، وهذا يعني أن عليه تعاطي الأدوية المكتوبة فيها، أما إذا لم يتعاطَ الأدوية واحتفظ بالوصفة فما الجدوى منها؟! (فمن واجبنا أن نعمل بوصاياه وإلا فلا فائدة من بيعته). قال : لقد تبتم الآن، ويريد الله أن يرى في المستقبل مدى تطهيركم أنفسكم نتيجة هذه التوبة. في هذا الوقت يريد الله تعالى أن يفرّق بين القوم بالتقوى. كثير من الناس يشكون الله تعالى ولا يفحصون أنفسهم. إنها مظالم الإنسان نفسه وإلا فإن الله رحيم وكريم. بعض الناس يدركون الإثم وبعضُهم لا يدركونه، ولذلك أمر الله تعالى بالالتزام بالاستغفار في جميع الأوقات. (لا يعلم الإنسان متى يقول ما يُحسب إثما لذا داوموا على الاستغفار) على المرء أن يداوم على الاستغفار ليكون في حماية اللهِ من جميع الخطايا ما ظهر منها وما بطن، والمعلومة والمجهولة، وسواء أكانت ذات صلة باليَد أو بالرِجل أو بالأنف أو بالعين. في هذه الأيام علينا أن ندعو بدعاء آدم خاصة. وما هو ذلك الدعاء؟ هو:

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ .

لقد أُجيب هذا الدعاء سلفا. لا تعيشوا غافلين، إن الذي لا يعيش غافلا هناك أمل كبير أنه لن يقع في بلاء غير عادي. لا يحل أي بلاء بدون الإذن الإلهي، كما أُوحيَ إليَّ هذا الدعاء: «رب كل شيء خادمك، رب فاحفظني وانصرني وارحمني». قال : يجب ترديد هذا الدعاء.(14)

الأثر العظيم للتطهر

قال مبينا الأثر العظيم للتطهر: تذكروا أن العقل ينشأ بتطهير الروح، وبقدر ما يطهر المرء روحه بقدر ما ينشحذ عقله ويقوم الملاك أمامه ويساعده، ولكن الذي يقضي حياة الفسق لا  يُنوَّر ذهنه، فاتقوا الله ليكون الله معكم، كونوا مع الصادق لكي تنكشف عليكم حقيقة التقوى ولكي تُوَفَّقوا، هذا هو هدفنا وهو الذي نريد أن نقيمه في الدنيا.

يقول : يجب أن تتذكر جماعتنا النصيحة على الدوام أن عليهم أن يتمسكوا بما أقول، إذا كانت تراودني أي فكرة دوما فهي أن علاقات القرابة تنشأ في العالم، فبعضها ينشأ بسبب الحسن والجمال، وفي بعضها تُراعَى العائلة أو الثروة، ويُنظَر في البعض إلى القوة والسلطة، لكن الله لا يعبأ بكل هذه الأمور، فقد قال بصراحة:

إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ،

فسوف يُبقي الله جماعةَ الأتقياء فقط ويُهلك الآخرين. هذا المقام حساس جدا ولا يمكن أن يقوم فيه الاثنان معا، بحيث يكون المتقون والأشرار والخبيثون في مكان واحد. فالضروري أن يَبقى المتقي ويُهلَك الخبيث. فلما كان الله وحده عالما بمن هو المتقي في نظره، لذا ثمة خوف شديد. فالسعيد من اتقى، والشقي من حلَّت عليه اللعنة.

إذن ينبغي أن نسعى جاهدين دوما للاستغفار والتوبة والاستعاذة بالله واتقاء الشيطان.

تميزوا عن غيركم

يوصي سيدنا المسيح الموعود جماعته قائلا: بعد الانضمام إلى هذه الجماعة يجب أن يكون لكم كيان متميز وتصبحوا أناسا يعيشون حياة جديدة تماما. لا تَبقوا على ما كنتم عليه من قبل. لا تظنوا أنكم ستصبحون محتاجين نتيجة إحداث التغيّر في سبيل الله أو سيكثر أعداؤكم. كلا، بل الذي يتعلق بالله لا يكون محتاجا أبدا ولا يواجه أيام البؤس أبدا. فالذي كان الله صديقه ومعينه وعاداه العالم كله فلا بأس. المؤمن لا يشعر بالألم قط حتى لو كان في مواجهة المشاكل بل تلك الأيام تكون بمنزلة الجنة له وتحتضنه ملائكةُ الله كالأمّ.

باختصار، إن الله تعالى يكون حافظا وناصرا لهم. هل يمكن أن يواجه المصائب مَن تمسك بهذا الإله الذي هو على كل شيء قدير وهو عالم الغيب والحيُّ القيوم؟ كلا. إن الله تعالى ينقذ عبده الحقيقي في هذه المواطن بأسلوب يحيِّر العالم. ألم يكن خروج إبراهيم من النار حيًّا مثار استغراب العالم؟ وهل كانت سلامة نوح ورفاقه من الطوفان الخطير أمرًا عاديا؟ هناك أمثلة لا تُعدّ ولا تحصى من هذا القبيل. وقد أرى الله تجليات قدرته في هذا العصر أيضا. انظروا قد رُفعت عليّ قضية بتهمة أني تورطت في مؤامرة القتل وسفك الدم، وكان المدّعي فيها طبيبا كبيرا وهو قسيس أيضا وعاضده الآريون وبعض المسلمين ولكن حدث في النهاية ما قاله الله قبل الأوان أي: «إبراء».

ثم أظهر الله براءته باحترام.

وفَّقَنا الله لنعيش بحسب نصائح سيدنا المسيح الموعود وأمنياته ونتمكن في الحقيقة من إحراز التغيير الطيب في نفوسنا. ينبغي أن يقضي كلُّ مشارك في الجلسة أيامَ الجلسة هذه -في قاديان وغيرها من البلاد التي تقام الجلسة في هذه الأيام- في الدعاء بوجه خاص، ويدعو الله أن يوفقنا لأداء حق البيعة. وكذلك يجب أن يفكر كل أحمدي في العالم هل أحرزنا المكانة التي كان المسيح الموعود يريد أن يمكِّننا من إحرازها أو كان يتوقع من أبناء جماعته أن يحرزوها. وإن لم نحقق ذلك بعد فعلينا أن نسعى كل حين وآن وندعو من أجل ذلك. وفَّقنا الله جميعا لذلك.

الهوامش:

  1. (الملفوظات، مجلد3 ص 8 – 9)
  2. 2. (صحيح البخاري, كتاب التوحيد)
  3. (ملفوظات 5)
  4. (العنكبوت: 70)
  5. (الملفوظات 5)
  6. (الملفوظات 3)
  7. (الملفوظات 3)
  8. (الملفوظات3)
  9. (مسند أحمد, كتاب باقي مسند المكثرين)
  10. (الجمعة: 4)
  11. (الملفوظات 3)
  12. (الطارق:14-15)
  13. (الملفوظات3)
  14. (البدر، عدد 26/ 12/1902، ص66)
Share via
تابعونا على الفايس بوك