حضرة أمير المؤمنين نصره الله يرد على مطاعن البابا
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرحْمنِ الرحِيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَب الْعَالَمِين * الرحْمـنِ الرحِيمِ * مَالِكِ يَوْم الدينِ * إِياكَ نَعْبُدُ وإِياكَ نَسْتَعِينُ* اهدِنَا الصرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضالينَ *
كنا قد نشرنا في العدد السابق القسط الأول من هذه الخطبة التي دحض فيها حضرة أمير المؤمنيين – أيده الله – تهمة أن الإسلام أمر بالحرب وبيّن أن المعارك التي خاضها الرسول كانت لصد العدوان فحسب أو ردأً لفتنتها. فعند تحسن الأوضاع أو انتهاء العدو عن العدوان والفتنة لم تجُز محاربته.
كما أفند حضرته بأدلة تاريخية قاطعة على عمل المسلمين الأوائل بمبدأ الآية الكريمة لا إكراه في الدين مستدلا بواقعة تاريخية عظيمة من عهد الخلافة الراشدة لحضرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعا فيها المسيحيون للمسلمين بالنصر على جيش الروم الذى كان يتأهب للهجوم عليهم.
وإليكم في ما يلي تتمة الخطبة:
وكما ذكرت آنفًا، إن تاريخ المسيحيين حافل بالمظالم التي ارتكبوها ضد الآخرين وخاصة في “أسبانيا”؛ وهذا يكشف حقيقة هؤلاء المتهمين. مع ذلك قد اعترف المسيحيون والمستشرقون المنصفون بعظمة النبي ، وأقرأ على مسامعكم بعضًا من أقوالهم.
قال “توماس كارلائل” Thomas Carlyle في كتابه “محاضرات عن الأبطال”: “إن من الأمور الشائعة بيننا نحن المسيحيين أن محمدًا كان شخصًا ماكرًا خدّاعًا ومدّعيًا كذّابًا، وأن دينه لم يكن إلا ضربًا من الوهم والجنون، ولكن هذه المزاعم كلها قد بدأ زيفها ينكشف على الناس. إن الأباطيل التي أشاعها المسيحيون المتعصبون ضد محمد قد أصبحت تسوّد وجوهنا في العالم، أما الكلمات التي تفوه بها ذلك الإنسان (أي محمد) ما زالت سبب هداية لمئة وثمانين مليون إنسان منذ اثني عشر قرنا. فلا أحد في الدنيا يؤمن اليوم بكلام أي إنسان كما يؤمن المسلمون بكلام محمد. وأرى أنه ليس هناك فكرة أسوأ وأبعد عن العدل والإنصاف من أن يقال أن هذا الدين قد أسسه شخص كذاب”. (Lectures on Heros)
… المسيحية إنما هي دين بولس لا دين المسيح ، إذ لم يعلّم المسيحُ الثالوثَ في أي مكان قط، بل لم يزل حتى وفاته يدعو إلى الله الواحد الذي لا شريك له. ثم بعد وفاته ظل أخوه يعقوب … يعلّم وحدانية الله تعالى، وقد بدأ بولس يعارض هذا الرجل الصالح بدون داع، وأخذ يعلِّم الناس ما يتنافى مع عقائده الصحيحة، وتطرَّفَ في عقائده لدرجة أنه لفّق دينًا جديدًا….
وقال السـير “ولـيام مـوير” Sir William Muir: “إننا نعترف بدون تردد أن محمدًا ( ) قد قضى للأبد على معظم الأوهام الباطلة التي كانت ظلمتها مخيمة على الجزيرة العربية منذ قرون طويلة. كما أن مزايا الإسلام الاجتماعية أيضًا ليست بقليلة. والحق أن دين الإسلام يمكن أن يعتزّ بجدارة أنه يوجد فيه نموذج عال من الصلاح والطهارة لا يوجد له نظير في أي ديانة أخرى”. (حياة محمد )
لم يبدأ محمد العربي ( ) الحرب وإراقة الدماء في أية مناسبة، بل كل حرب خاضها كانت دفاعية، ولم يحارب إلا حفاظًا على حياته، ولم يحارب إلا بأسلحة وأساليب عصره…. (Ruth Cranston)
وقال “إدوارد غبـن” Edward Gibbon: “إن آخر ما أراه ملفتًا للنظر في سيرة محمد ( ) هو السؤال: هل كانت رسالته نافعة للناس أم ضارة؟ الحق أن الذين يعادون محمدًا بشدة، وكذلك اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بصدق محمد، لا يملكون بدًا من الاعتراف أن محمدًا قد أعلن النبوة لنشر تعاليم مفيدة جدًا، وإن ظنوا أن ما قدمه دينهم بهذا الشأن هو الأفضل. وهذا يعني أنهم سيؤكدون بهذا الاعتراف أن الإسلام هو أفضل أديان العالم ما عدا اليهودية والمسيحية. لقد استبدل محمد بعبادة الفداء الدمويةِ الصلاةَ والصيام والزكاة وهي عبادة بسيطة وجميلة جدًّا.. أعني أنه قام بإلغاء القرابين البشرية التي كانت تُقدَّم باسم الأصنام. لقد نفخ محمد في المسلمين روح الصلاح والمحبة، وأمرهم بالإحسان فيما بينهم، وصدهم بقوة بأحكامه ووصاياه عن الانتقام وظلم الأرامل والأيتام. فاتحدت في العقيدة والطاعة الشعوبُ التي كانت تتعطش بعضها لدماء بعض، وإن عاطفة الشجاعة التي كانت تهدر عبثًا في الخصومات العائلية بشكل مخجل قد وُجِّهت إلى محاربة عدو خارجي بشكل رائع”.
ويقول المؤرخ “جون ديون بورت” John Davenport:
يقول “إدوارد غبن” Edward Gibbon أيضًا: “لا شك أن النبي قد اعتبر حروب المسلمين مقدسة، إلا أن وصاياه وقدوته التي قدمها في حياته قد جعلت خلفاءه يمنحون أتباع الأديان الأخرى الحرية الدينية. لقد كانت الجزيرة العربية معبداً لرب محمد، وكان قد قام بفتحها، ولو أراد لقام بإبادة كل أولئك الذين كانوا يؤمنون بالآلهة الزائفة ويعبدون الأصنام، وكان هذا حقًا مشروعًا له، غير أنه اتخذ التدابير الحكيمة جداً متمسكًا بالعدل والإنصاف”.
ويقول “كونت تولستائي” Count Tolstoy:
ويقول “جورج برنارد شو” Bernard Shaw G.:
وقال المؤرخ المسيحي المعروف “ريفـرند باسـفورث سميث” Rev. Bosworth Smith: “لقد اجتمعت في شخص محمد شخصيتان، شخصية البابا وشخصية قيصر كونه مؤسسَ دين وحاكمَ دولة. لقد كان محمد بمنـزلة “البابا” ولكنه كان أسمى من المظاهر البابوية، وكان قيصرًا ولكن بدون الأُبّهة القيصرية. ولو حُقَّ لشخص أن يعلن أنه قد أرسى دعائم الأمن والسلام في العالم باسم الله فقط، من دون اللجوء إلى جيش نظامي وقصور ملَكية وجبايات وإتاوات، فإنما هو محمد . لقد كان يملك القوة كلها بدون أن يلجأ إلى هذه التدابير والأسباب”.
وقال Pringle Kennedy:
وقال “س. ب. سكوت” S. P. Scott: “إذا كانت غاية الدين هي نشر الأخلاق والقضاءُ على الشر، وسعادة الناس ورخاؤهم، وتطوير الكفاءات العقلية لدى الإنسان، وإذا كان الإنسان سينال الجزاء على حسناته في ذلك اليوم العظيم الذي سيُحشر فيه الناس كلهم أمام ربهم يوم القيامة، فلا بد لنا من الاعتراف أن محمدًا ( ) كان رسول الله حقًا، ولم تكن دعواه بلا أساس وبدون دليل”.
(S. P. Scott, History of the Moorish Empire in Europe, p. 126)
عندي العديد من المقتبسات ولا أستطيع أن أقرأها عليكم كلها؛ لذا أنتقي منها البعض لضيق الوقت.
وقالت “روث كرانستون” Ruth Cranston: “لم يبدأ محمد العربي ( ) الحرب وإراقة الدماء في أية مناسبة، بل كل حرب خاضها كانت دفاعية، ولم يحارب إلا حفاظًا على حياته، ولم يحارب إلا بأسلحة وأساليب عصره. وإننا نستطيع القول بكل ثقة ويقين أنه لن يوجد بين الشعوب المسيحية البالغ عددها مئة وأربعين مليونًا – أي وقتَ كتابة هذا المقال – والتي قامت بإبادة أكثر من مئة ألف وعشرين ألف إنسان بالقنبلة (الذرية)، أقول: لن يوجد بينهم شعبٌ واحد بإمكانه أن ينظر بالشك والريبة إلى زعيم لم يقتل في جميع حروبه، وفي أسوأ الظروف، أكثر من خمس مئة أو ست مئة إنسان. إنه لمن الحماقة الشديدة أن يقارن أحد بين الذين ماتوا على يد نبيّ العرب في العصور المظلمة من القرن السابع حين كان الناس متعطشين لدماء بعضهم البعض، وبين الأرواح التي أزهقت اليوم في هذا العصر المستنير في القرن العشرين. وغني عن البيان تلك المجازر التي تمت على أيدي المسيحيين أثناء محاكم التفتيش في أسبانيا وإبان الحروب الصليبية، حيث سجّل المحاربون المسيحيون أنهم كانوا “يجرون في أنهار من الدماء التي سالت من الجثث الممزقة لهؤلاء الكفار.”
(Ruth Cranston, World Faiths, New york, 1949 p 155)
ويقول “جون ديون بورت” John Davenport: “إننا نستطيع القول بكل صدق ويقين أنه لو كان الأمراء الغربيون حاكمين على آسيا مكان المجاهدين المسلمين والأتراك لما عاملوا المسلمين بنفس التسامح الذي عامل به المسلمون المسيحيين، حيث إن المسيحيين قاموا -تعصبًا وظلمًا منهم- بتعذيب إخوانهم المسيحيين الذين اختلفوا معهم في الدين”.
(Davenport, An Apology for Mohammad and Koran,p84)
وقد قال المسيح الموعود ردًّا على مطاعن القسيسين:
“ومن الاعتراضات التي أثارها المحاضر أن القرآن الكريم يأمر بإكراه الناس على الإسلام. ويبدو أن هذا المحاضر ليس عنده شيء من العقل والعلم، وإنما يردد ما قاله القسيسون. فقد افترى هؤلاء القسيسون في كتبهم – حسدًا وبغضًا منهم كما هو دأبهم – أن الإسلام يأمر المسلمين بقهر الناس على اعتناق الإسلام، فردد المحاضر وإخوانه الآخرون، وبدون أي فحص وتحقيق، نفس التهمة التي لفقها القسس كذبًا وزورًا. مع أن القرآن الكريم يقول في إحدى آياته صراحة
أليس من الغريب أنه برغم أن القرآن الكريم قد نهى بهذه الصراحة والوضوح عن ممارسة الإكراه والقهر في أمور الدين، ومع ذلك يتجاسر هؤلاء القوم الذين قد اسودّت قلوبهم بغضًا وعداءً على أن يفتروا على وحي الله تعالى بأنه يأمر بممارسة الجبر والإكراه؟ ونقدّم الآن آية أخرى من القرآن الكريم، ونرجو من المنصفين أن يخبرونا – خائفين الله تعالى – ما إذا كانت هذه الآية تجيز الإكراه في الدين أم أنها تنهى عن الجبر والإكراه في الدين صراحة. وهذه الآية هي قول الله تعالى
بمعنى أن من الواجب عليكم أن تعاملوا هؤلاء معاملة لينة لأنهم قوم لا يعلمون حقيقة الإسلام. ومن الواضح أن القرآن الكريم لو كان يعلّم الإكراه في الدين لما أوجب إسماعَ الكافرِ القرآنَ إن أراد، ثم إذا سمعه ولم يعتنق الإسلام فيجب إيصاله إلى المكان الذي يجد فيه الأمان، بل لأمرَ القرآن الكريم بإكراه مثل هذا الكافر على الإسلام”. (جشمه معرفت، الخزائن الروحانية المجلد 23 ص 232-233)
ثم يقول البابا في محاضرته تلك عن إله الإسلام: “إن إله الإسلام لا يقبله العقل”.
فأقول: إن إله الإسلام يدعو الإنسان إلى إعمال العقل لكي يثبت وجوده. وإذا كانوا يعتقدون بأن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض ومالكها؛ فعليهم أن يعترفوا أيضًا بأنه تعالى يملك القدرة كلها. وعليهم ألا يسخـروا من النظـرية التي يقدمـها الإسلام عن الله تعالى؛ بل الأحرى بهم أن يتـفكروا ويتـدبروا فيها.
يقول المسيح الموعود بهذا الصدد:
يقول المسيح الموعود أيضًا:
“اعلموا أن الإله الذي دعانا إليه القرآن الكريم قد وُصف فيه بما يلي:
قوله تعالى: هُوَ الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (الحشر: 23)،
وقوله تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة:4)، وقوله تعالى: الْمَلِكُ الْقُـدُّوسُ السَّـلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّـارُ الْمُتَكَبِّرُ (الحشر: 24).
وقوله تعالى: هُوَ الله الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الحشر: 25)، وقوله تعالى: إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة: 149).
وقوله تعالى: رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (الفاتحة)، وقوله تعالى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة: 187)، وقوله تعالى: هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (آل عمران: 3).
وقوله تعالى:
.. أي أن الله هو الإله الأحد، الذي ليس له شريك يستحق العبادةَ والطاعة. ذلك لأنه لو كان ثمة إله شريك معه في الألوهية لجاز أن يتغلب عليه هذا الإله الشريك، وبالتالي تتعرض ألوهيته للخطر. وقوله بأنّ لا أحد يستحق العبادة سواه فيعني أنه إله كامل ذو محامد كاملة ومحاسن عالية وكمالات سامية.. بحيث لو أردنا أن نختار معبودًا من بين جميع الموجودات نظراً إلى كمال الصفات، أو تصورنا غايةَ ما نستطيع تصوُّرَه من صفاتٍ أعظم وأعلى لمعبود، لكان الله هو الأعلى بين الجميع.. الذي لا أعلى منه مطلقاً.. هو الله.. الذي من الظلم أن يُشرَك في عبادته مَن هو دونه”.
فالإسلام ينهى عن الشرك؛ أما المسيحيون فهم الذين يظلمون ويشركون بالله حيث اتخذوا نبيًّا من أنبياء الله تعالى إلهًا.
ويضيف المسيح الموعود ويقول: “ثم قال الله تعالى إنه “عَالم الْغَيْبِ”، أي أنه هو نفسه يعلم ذاته، ولا يقدر غيره أن يحيط ويدرك ذاته. نستطيع أن نرى صورة الشمس والقمر وكل مخلوق، إلا أننا عاجزون عن رؤية ذات الله تعالى.
ثم قال “والشهادة”، يعني أنه لا شيء مستتر عن نظره، إذ لا يجوز أن يسمّى إلهًا ومع ذلك يبقى في غفلة عن علم المخلوقات. كلا، إن كل ذرّة من العالم تحت بصره، وأما الإنسان فلا يستطيع ذلك. إنه تعالى يعلم متى يُفني هذا النظام ومتى يقيم القيامةَ، ولكن لا أحد سواه يعلم متى يكون هذا.. فالذي يعلم جميعَ هذه المواعيد هو الله وحده.
وقوله “هُوَ الرَّحمنُ” يعني أنه هو الذي يُهيئ لذوات الحياة كلَّ ما تحتاج إليه من أسباب المعيشة والراحة – حتى قبل وجودها. كل ذلك بمحض فضله، وليس نتيجةً لأعمالها أو سعيها. فإنه سبحانه خلَق لأجلنا الشمس والأرض وغيرهما من المخلوقات حتى قبل وجودنا ووجود أعـمالنا. وهذا العـطاء يسـمّى في كتـاب الله “الرحمانية”، وباعتـبار هذا الصنيع يُدعى الله بـ”الرحمن”.
وقوله تعالى “الرَّحِيم” يعني أنه يجزي على الأعمال الصالحة خيـرًا، ولا يضيع عمل عامل. وباعتبار هذه الصفة يُدعَى “الرحيم”، وصفته هذه تسمى “الرحيمية”.
وقوله تعالى “مالك يوم الدين” يعني أنه جعل في يده جزاءَ كل واحد، وليس ثمة وكيلٌ فوّض إليه تدبيرَ ملك السماوات والأرض، وقعد بنفسه جانباً لا يفعل شيئاً، بينما يقوم أو سيقوم وكيله بمهمة الجزاء والعقاب”.
فالله تعالى لا يحتاج إلى أي شيء لأنه مالك كل شيء؛ وليس بحاجة أبدًا لأن يشكّل لجنة من الآلهة لكي تساعده. فإذا كانوا يتحدثون عن العقل ويدَّعون بأن الإله الذي يقدمه الإسلام لا يقبله العقل؛ فالحقُّ أن العقل لا يقبل تصوُّرهم عن الله تعالى.
ويضيف المسيح الموعود ويقول:
“ثم قال تعالى: “المَلِكُ القُدُّوسُ” أي أنه صاحب السلطان الذي ليس فيه وصمة عيب، ذلك لأن من الواضح أن مُلك البشر لا يخلو من نقص وعيب. فمثلا لو هاجرت الرعيّة كلها من دولة ملِكٍ إلى دولة أخرى لضاع مُلكه؛ أو لو حل القحط والمجاعة بجميع رعيّته، فمن أين يجبي الأموال؟ أو إذا قامت الرعيّة تجادل الملك قائلة: بأي ميزة صرتَ علينا ملِكًا.. فماذا عساه يقول ردًّا على ذلك؟ ولكن سُلطان الله ليس كهذا. إنه قادر على أن يُهلك الجميعَ في لمح البصر ويأتي بخلق آخر جديد. ولو لم يكن خلاّقاً وقديرًا هكذا لَما قام حُكمه إلا بظلم واعتساف. وإلا فمن أين يأتي بمخلوق جديد إلى الدنيا ليمارس عليهم سلطانه.. بعد أن يكون قد شمل جميعَ خلقه الأولين بالعفو والنجاة؟ فهل يسترد – ظلماً واعتسافًا – من عباده الناجين النعمَ التي أعطاهم إياها، ويسلبهم المغفرةَ التي تفضّل بها عليهم، لكي يزجَّ بهم مرة أخرى في الحياة الدنيا لكى يعمِّرها ويحكمها. وفي هذه الحالة كانت ألوهيته معيبة، وصار مُلكه ناقصًا شأنَ ملوك الدنيا الذين لا يبرحون يسنّون لرعيتهم قوانين جديدة، ويستبد بهم الغضب على كل صغيرة وكبيرة، وعندما لا يجدون بدًّا من الظلم – قضاءً لمآربهم – يستسيغون الظلم والجور كما يستسيغ الرضيع لبنَ أمه. فمثلا يجيز القانون الملِكي إغراقَ ركاب سفينة صغيرة إنقاذاً لسفينة كبيرة، ولكن يجب ألا يواجه الإله القدير مثلَ هذا الاضطرار. فلو لم يكن الإلهُ كاملاً في قدرته، خلاقاً من عدمٍ محض، فإنه – بدلاً من إظهار قدرته – للجأ إلى الظلم والجور، كالملوك الضعفاء، أو تخلّى عن ألوهيته مراعاةً للعدل. كلا، بل إن سفينة الله سائرة مع كل قدرة وفي عدل كامل.
وقوله تعالى “السَّلامُ” يعني أنه منـزه عن جميع العيوب، سالم من كل المصائب والمشقات، بل وإنه مانح السلام للآخرين. وهذا بديهي، لأنه لو كان بنفسه عُرضةً للنوائب والضرب بأيدي الناس، وللفشل في إرادته فكيف تطمئن قلوبنا – برؤية سوء حاله هذا – بأن مثل هذا الإله يستطيع أن يخلصنا من الآلام يقيناً؟ ولأجل ذلك يقول تعالى في الآلهة الباطلة:
.. وقوله تعالى: “ضعُف الطالبُ والمطلوب” يعني أن عبدة هذه الآلهة ضعافُ العقول. أما الآلهة نفسها فهي ضعيفة القوة والحيلة. فهل يمكن لمثل هؤلاء أن يكونوا آلهة حقًا؟ إنما الإله مَن يكون أقوى من كلِّ قوي وغالباً على الجميع. لا أحد يقدر على القبض عليه أو على ضربه. إن الذين يعتقدون بعقائد خاطئة كهذه لا يعرفون عظمة الله تعالى، ولا يدرون ما هي الصفات الواجبة للإله.
أما قوله “المؤْمِنُ” فيعني أنه واهب الأمان، والذي يقيم الدلائل على توحيده وكمالاته. وفي هذا إشارة إلى أن المؤمن بالإله الحق لا يخزى أبدًا في أي مجلس، كما لن يخجل أمام ربّه أيضًا، ذلك لأن معه أقوى البراهين. أما عابد الإله الباطل فهو دائمًا في مشكلة كبيرة، وبدلاً من بيان الأدلة يسوق كلَّ لاغية وواهية مدعياً أنها من الأسرار الغامضة، هروبًا من خزي الاستهزاء، وإخفاءً لأخطاء تَأَكََّدَ زيفُها.
وقال تعالى:
أي أنه الحافظ للجميع، الغالب عليهم، المصلح لما خرب وفسد، المستغني كل الاستغناء.
وقال تعالى: “الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى”.. أي أنه خالق الأرواح كما أنه خالق الأجسام، وأنه المصور في الأرحام، وأنه صاحب جميع الأسماء الحسنى التي يمكن أن تُتَصوّر.
في الأخير أقول لكل مسلم أحمدي إن هذه الحرب المثارة ضد الإسلام لن ننتصر فيها إلا بالإنابة إلى الله تعالى والاستعانة به سبحانه وتعالى لذا عليكم أن تتضرعوا إلى الله تعالى وتدْعوه أكثر من ذي قبل بأن يُرينا تجليات قدرته وأن ينجي هذا العالم من الآلهة الباطلة.
وقال تعالى: “يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم”.. أي أن سكان السماوات يذكرون اسمه بالتسبيح والتقديس كما يذكره سكان الأرض. وفي هذه الآية إشارة إلى أن الأجرام السماوية أيضًا عامرة بمخلوق آخر، وأنه هو الآخر مكلف بالعمل بأحكام الله تعالى.
وأما قوله تعالى: “على كل شيء قدير” ففيه سُلوان للعابدين.. إذ ما الفائدة أن نعقد على الله أملاً إذا كان عاجزاً لا يقدر على شيء؟
وقوله تعالى:
يعني أنه هو الإله الذي يقوم بتربية كل العوالم. وأنه رحمان رحيم، وهو بنفسه مالك يوم الدين، ولم يجعل هذه السُّلطة في يد أحد غيره.
وقوله تعالى: “أجيب دعوة الداعي إذا دعاني”.. يعني أنه يسمع دعاءَ كلِّ داعٍ ويرُدّ على دعائه ويستجيب له.
وقوله تعالى: “هو الحي القيوم”.. يعني أنه الباقي للأبد، وأنه حياةُ جميع الأحياء وقوامُ الموجودات كلها. إذ لولا أنه الأزليّ الأبديُّ لكنّا دائماً أبدًا في قلق ووَجَل من موته قبل موتنا.
وقوله تعالى:
يعني أنه وحده إله، وليس بوالدٍ لأحد، ولا مولود لأحد، ولا ندَّ له، ولا أحدَ من جنسه”.(فلسفة تعاليم الإسلام، الخزائن الروحانية المجلد ص 58-62)
ويقول أيضًا:
ولقد قال المسيحي “إيدورد غبن” Edward Gibbon:
هذا هو إله الإسلام الذي ليس بوسع كل من عنده العقل والتدبر إلا أن يقرّ بأن القرآن الكريم هو الذي قد قدم الأدلة والبراهين التي تدل على وجود الله تعالى.
في الأخير أقول لكل مسلم أحمدي إن هذه الحرب المثارة ضد الإسلام لن ننتصر فيها إلا بالإنابة إلى الله تعالى والاستعانة به سبحانه وتعالى لذا عليكم أن تتضرعوا إلى الله تعالى وتدْعوه أكثر من ذي قبل بأن يُرينا تجليات قدرته وأن ينجي هذا العالم من الآلهة الباطلة. إذا كان هذه الشعوب بسبب ثروتها وقوتها المادية تهاجم الإسلام والنبي ؛ فإن الله تعالى سيكسر كبرياءها بسهام أدعيتنا. فادعو الله تعالى. ادعو ذلك الإله القدير الذي هو خالق الكون؛ الذي هو رب العالمين؛ الذي هو رب المصطفى ، أن يُرسي حكمه في كل العالم بأسرع وقت.
وعلى المسلمين الآخرين أن يتعقلوا وينسوا ما بينهم من اختلافات فرعية وينبذوا نزاعاتهم ومشاحناتهم الداخلية، وأن يتحدوا جميعًا من أجل رفع راية المصطفى عاليةً خفاقةً. وعليهـم جميعًا أن يرتدعوا عن الأعمال التي بسـببها يطعن فيهم الأغـيار. وفّقـنا الله تعالى لذلك. آمين