
- فما هو المعنى الأوسع والأشمل للإسلام؟
- وما قيم البيت الحرام التي جاء الإسلام، كشريعة، لتكريسها وتأصيلها؟
- وما الدلالة المستخلصة من رفع قواعد البيت الحرام إذن؟
___
تمهيد بمعنى الإسلام الحقيقي
كان دين إبراهيم هو الإسلام، لقول الله حكاية عنه:
كما جاء في قوله تعالى وبنى البيت لتعلو قيمه، وفي سياق البناء جاء أمر الله له أن «أسْلِمْ».
وصية هذا الوالد لبنيه أن يموتوا مسلمين بكل المعاني الجميلة المحتملة للإسلام، مسلمين الناس من شرِّكم ثم مسلمين لله بأداء فرائضه والشهادة بصدق رسله.
إن الإسلام لغة هو تصدير السلام والسلامة خارج حدودنا. تماما كما أن الإفهام معناه تصدير الفهم خارج عقولنا. وهو منح الآخرين السلام من شرورنا أيضا. والهمزة في الإسلام نسميها همزة التعدية، وهي تضفي على الكلمة معنى تعدية السلام حدودنا الضيقة ليشمل المحيطين بنا. إن كلمة «أَسْلَمَ» مثل «أَسْمَعَ» و«أَفْهَمَ» أي أعطى الفهم وأتاحه. والمُسْلِمُ كالمُفْهِم، فاعل العطاء، والإسلام كالإفهام تماما، من حيث البنية اللفظية والمعنى الصرفي.
صفة المسجد في دين الله
التكريم والأمن وحرمة الدم والمال والعرض ليس مقتصرا على بيوت القرى، بل يشمل المساجد أيضا: بأن نجعلها مكانا لتعليم المواطنة الصالحة المسلمة المكرمة، وبذلك نجعلها بيوتا آمنة وما حولها أيضا يكون آمنا. ويحصل تطهير البيت كذلك بتهذيب النفوس التي تسكن حوله، حتى يتحول المجتمع كله إلى حرم آمن.
المسجد مكان لتصدير السلم لخارجه، صنعة وتصدير السلم مهمته، ونسج وفتل حبال السلم بين الناس وربهم أمانته.. التكفير وفتاوى الكراهية والكذب ليست عمله.
وما بنى النبي مسجد المدينة مستقبلا مكة إلا لكون الأخلاق والقيم هي هي غرار بيت الله تعالى الكعبة من قيم وأخلاق، وما ينبغي بناء المساجد في الأمة إلا على غرار بيت الله الأول، وهو إقامةٌ لكرم الله تعالى وحمده وتعظيمه تعالى، وجعل ما حول المسجد حرمًا آمنًا وهذه هي سنة النبي محمد .
التقوى أعلى درجات التكريم
الله كريم رحيم مضياف يكرم الإنسان ويشمله بالنعمة والترفق، حتى يؤمن به بحب ويقبل إليه طواعية لا كراهية، لا بجبر ولا بإذلال. فالقيم والأخلاق والكرم الإلهي هي في الواقع لبنات روحية لبناء البيت المعمور وتقابلها الحجارة التي بنيت بها الكعبة بيت الله الحرام، وأرواحنا تطوف حقا وحقيقة حول تلك المعاني الروحانية، كما نطوف بأجسادنا حول بناء الكعبة المشرفة بحجارته وأستاره.
ولم يقتصر تكريم الله للإنسان على أولئك المُصطفَين من لدنه لتمثيل سلطته الروحية، بل تعداهم ليشمل سائر بني آدم، فجعل شرف الإنسانية في صلتها بالله، وتقيدها بشرائعه ووصاياه . ومن هذا المنطلق انبعث المفهوم الحقيقي للحرية التي هي جوهر الكرامة الإنسانية، وذلك من خلال قابلية الإنسان لتلقي كمالات الله التي تهب له كرامته وعزته(2)، وذلك لأنها تبعده عن مواطن الغفلة والركود وتضعه على الطريق إلى الله ، الذي جعل التقوى أعلى مناطات ومسوغات تكريم الإنسان حيث قال :
كيف يكون هدم الكعبة؟ وما دلالته؟!
مما تقدَّم يكون هدم الكعبة إنما هو هضم حقوق الناس في الكرامة، وتضييع للمعاني التي من أجلها كان الخلق وكانت العبادة وكان التوحيد. وكان الإسلام. فهدم الكعبة ليس مجرد نقض حجارتها المرصوصة، إنما هو هدم قيمها التي بنيت منها وأقيمت لإقامتها، وهي حقوق الإنسان في أرقى صورها، ومنها إيتاء ذي القربى.. وقول النبي :
يرمز لمن يفتي بوجود الإكراه في الدين بأي شكل، ويكذب على الله تعالى بفتاوى بقتل الناس المواطنين أو المسلمين بغير الحق بسبب عقائدهم أو تركهم لفرائض شرعية.
والحق أن كل أركان الدين، من تلفُّظ بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت، كلها لا تُقبل عند الله تعالى أصلا إلا حين نتوجه بها إليه بهذه المعاني، فالكعبة ليست الحجارة الجامدة، وإنما في الواقع هي مجموع فيوض الله تعالى على الحياة وتكريم حرمات الإنسان، فهي مبنى مكون من الآيات والرحمات الإلهية التي قد مرّ شرحها.
وإذا كانت كرامة الإنسان مصونة في الإسلام إلى هذه الدرجة، فلماذا يقول السفهاء بعكس ذلك عن النبي محمد من أنه قتل الناس لمجرد أن أفكارهم تخالف لعقيدته؟!
ولم يقتصر تكريم الله للإنسان على أولئك المُصطفَين من لدنه لتمثيل سلطته الروحية، بل تعداهم ليشمل سائر بني آدم، فجعل شرف الإنسانية في صلتها بالله، وتقيدها بشرائعه ووصاياه . ومن هذا المنطلق انبعث المفهوم الحقيقي للحرية التي هي جوهر الكرامة الإنسانية، وذلك من خلال قابلية الإنسان لتلقي كمالات الله التي تهب له كرامته وعزته
الحج الحق
البيت مثل أم على الفطرة، ولو نظرنا إلى امرأة عادية حتى لو لم تكن متدينة، سنجد أنها تكرم أولادها، فلو كان لها ولدان كل منهما ينتهج مسلكا فكريا مختلفا عن أخيه، فنجدها هي على الحياد بينهما، وتعطي فرصة للزمن وتغييراته، وهي تعلم أنه سرعان ما يتغير الفكر في الأذهان عموما، وتصقله التجربة.
وهذا الوعي والرحمة والتفهم يوجد عند كل امرأة عادية، فهي تتصرف برقي مع أنها لم تقم بدراسة فلسفية ولا غيرها. إنها فقط تطبق مبدأ «إيتاء ذي القربى»! ألم يكن الرسول أبا أولئك الطيبين الأخيار؟ ألم يكن جديرا بدينه تطبيق هذه المادة من قانون الأمومة الفطري الإنساني المحض؟! أفّ لكل منكري حقوق الناس! أفّ لهم ولما يأفكون!
بناء على انتهاج منهج فتاوى التكفير والقتل، من أجل استحلال دماء الناس، طمعا في أموالهم، فإن الكعبة تقتلع حجارتها الروحية، وتوجد الجدران بلا قيم ربانية وبدون تجليات رحمانية، لأن منفذي الفتاوى يزعمون أنهم يقولون هذا علم.
وعلى هذا فهم يطوفون حول لا الكعبة، حيث يراهم الله متمسكين بالظاهر فقط دون البحث عن أدنى المعاني، فجعلهم يطوفون حول بيت ظاهري حرفي فقط، وحرمهم من معانيه، وعلى هذا فلا حج لمن يعبأ بفتوى مفتٍ بتكفير مسلم، ولا عبرة بطواف كل من يتخذ هذا المفتي هاديه ويجعله إمامه، ولا طواف لهم، وعلى كل مسلم لله روحه أن يتفهم هذا حتى يأخذ كعبته معه إذا قصد بيت الله الحرام، ليطوف حول المعاني المقدسة لها.
دلالة رفع قواعد البيت الحرام
إن سيدنا المسيح الموعود قد قام برفع هذه القواعد للحج، وأعاد بناء علم معنى الحج المجازي. وهناك حكاية كان حضرة المصلح الموعود يحكيها عن أحد الأشخاص من قرية في بلاد الهند، كان قد خرج قاصدا حج بيت الله الحرام، وخلال نومه في أحد أيام موسم الحج رأى فيما يرى النائم أن الله تعالى قد قبل حج فلان ورفض حج سائر أهل قريته، فتوجه إلى القرية بعد حجه باحثا عن هذا الشخص، فلما وجده بشره بقبول حجه عند الله تعالى، فما كان من الرجل إلا أن بكى وقال “أنا لم أذهب إلى الحج أصلا”؟! فقال الرجل: كيف هذا وقد رأيت في الرؤيا أن الله تلقَّى حجك بالقبول بينما رفض حج كل أهل القرية؟! فأجابه الرجل قائلا: كنت أدخر طيلة حياتي المال قدر المستطاع، ولما بلغ ما بحوزتي من المال ما يكفي لنفقات الحج إذا بي أجد أحد الجيران يقول لي أن امرأته تعانى من المرض وتحتاج إلى عملية جراحية باهظة التكاليف فقدمت إليه المبلغ وعدت إلى عملي. فعرف الجميع سر الحج المقبول.
ومن هنا نعلم أن الحج ليس مجرد قطع مسافات، وإنما هو توجه إلى الله أولا وإلى رحمانيته، وإلى المعاني التي من أجلها أرسل الله تعالى الرسل من نوح إلى محمد ، وهكذا نتعلم درسا عظيما في معاني الحج والطهارة اللازمة له، والتي يقول الله عنها (وطهر بيتي) أي من أي تعصب ديني أو غيره .
إن حجارة الكعبة هي إطعام وإكرام الضيف وإحسان النزل وسقي الماء وتأمين الخائف ونحر الذبيحة وتطهير البيت للعباد المفكرين، وتلك هي قيم التفهم ونبذ الجدال، وإتاحة الفرصة للتغيير الذي يقوم به الله بعد أن ندعوه أن يهدينا، وهي قيم البيت الحرام في مكة المكرمة. وقيم البيت هي قيم الإسلام أي قيم إشاعة سلام وسلامة لبني آدم.
الهوامش:
- (آل عمران: 67)
- انظر: مجلة التقوى، الحج وتمكين كرامة الإنسان، عدد سبتمبر 2016م
- (الحجرات: 14)
- أخرجه البخاري (1591)، ومسلم (2909)