خطبة عيد الأضحى الإلهامية، وشهادة تأييد ربانية للمسيح الموعود عليه السلام

خطبة عيد الأضحى الإلهامية، وشهادة تأييد ربانية للمسيح الموعود عليه السلام

ضحى أحمد

ضحى أحمد

  • ما هي ظروف تأليف كتاب الخطبة الإلهامية؟
  • هل من فرق بين الخطبة الإلهامية كخطبة والخطبة الإلهامية ككتاب؟
  • ما الأثر الذي أحدثته “الخطبة الإلهامية” في أهل العربية؟

____

نبذة عن كتاب الخطبة الإلهامية

بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، نستحضر موضوعًا إلهاميًّا كان له بالغ الأثر في النفوس، وظل شاهدًا على تحقق نبوءة سيد الورى التي حدثنا فيها عن فلسفة شعيرة أصيلة من شعائر الإسلام، ألا وهي شعيرة الأضحية، وذلك من منطلق تعظيمها وإجلال قدرها، تمثل ذلك الإلهام بصورة خطبة ألقاها سيدنا المسيح الموعود بمناسبة يوم الأضحى، ونُشرت هذه الخطبة ضمن كتاب يحمل نفس الاسم، ونقدم لكم نبذة عن تاريخها وخلفيتها.(1)

ألقى هذه «الخطبة الإلهامية» حضرة الإمام المهدي مرزا غلام أحمد القادياني في صبيحة عيد الأضحى المبارك واشتملت على الكثير من الحِكَم والتُحف والبيّنات والعلامات. وقد بدأها حضرته بالقول: «ياعباد الله فكّروا» وأنهاها بقوله: «وسوف يُنبئهم خبير.»(2)

وتفصيل ما حدث أنه في ليلة عيد الأضحى المبارك، تلقَّى سيدنا المسيح الموعود  إلهامًا يقول: «ألقِ بضع جمل بالعربية»، ويتحدث حضرته في موضع آخر ببيان أكثر تفصيلا فيقول: «تلقيت صبيحة عيد الأضحى إلهامًا: أَلْقِ كلمةً بالعربية. فأخبرتُ كثيرًا من الأحباب بذلك. ولم يسبق لي أن ألقيتُ كلمةً بالعربية قط، ولكن قمتُ في ذلك اليوم بإلقاء خطبة العيد بالعربية، فأجرى الله على لساني كلاما عربيّا بليغًا فصيحًا مليئًا بالمعارف، وقد سُجِّلَ في كتاب «الخطبة الإلهامية». وهو خطاب يبلغ عشرات الصفحات، وألقيتُه ارتجالاً دفعة واحدة واقفًا. وقد سمّاه الله تعالى في وحيه آية؛ لأنني قمت بهذا الخطاب ارتجالًا بمحضِ قدرة الله تعالى. إنني لا أصدّق أبدًا أن أديبًا عربيًّا من أهل الفصاحة والعلم يقدر على أن يقف ويلقي مثل هذه الخطبة ارتجالًا. فهذه هي الخطبة التي يشهد لها قرابة 150 شخصا.»(3)

وفي موضع آخر من كتبه، يقول سيدنا المسيح الموعود :

«تلقيت في صباح يوم 11/4/1900 يوم عيد الأضحى إلهامًا تعريبه: “اخطُب اليوم بالعربية، لقد أُعطيتَ القوة”. ثم تلقيت وحيًا آخر: “كلام أُفصحتْ مِن لدن ربٍّ كريم  فقمتُ بعد صلاة العيد لإلقاء الخطبة باللسان العربي، ويعلم الله أنني أُوتيتُ قوة من الغيب، وكان يخرج من فمي ارتجالاً خطابٌ عربي فصيح يفوق قدرتي تمامًا. ولا أظن أبدا أن أحدًا في الدنيا يقدر – من دون إلهام رباني خاص- على إلقاء خطاب بهذه الفصاحة والبلاغة يبلغ عدة صفحات من دون أن يكتبه على ورق أولاً. عندما ألقيتُ بين الناس هذه الخطبة العربية التي سُمّيت «الخطبة الإلهامية» كانت عين غيبية تتدفق عندئذ، ولا أدري ما إذا كنتُ أنا المتكلم أم كان ملاك يتكلم بلساني! لأنني كنت أعلم أنْ لا دخل لي في هذا الكلام. كانت الجمل الجاهزة تخرج من فمي تلقائيا، وكانت كل جملة منها آية لي.»(4)

 إن من جوانب عظمة الخطبة الإلهامية أنها تبدي لقارئها نموذجًا فريدًا وتجربة مؤثرة كيف بوسع أحد أن يقف هكذا ويلقي خطابًا طويلًا بالعربية دون استعداد مسبق إنها معجزة معرفية أراها اللهُ تعالى، وليس بوسع أحد أن يقدِّم نظيرها.

ففي صبيحة يوم العاشر من ذي الحجة عام 1317هـ، والذي وافق يوم الحادي عشر من إبريل عام 1900م في قاديان الهند ألقى سيدنا مرزا غلام أحمد المسيح الموعود والإمام المهدي خطبة عصماء بلسان عربي مبين مؤيَّدًا من الله ، وعُرفت هذه الخطبة بـ”الخطبة الإلهامية”، وقد بيَّن فيها سيدنا المسيح الموعود حكمة الله البالغة والكامنة في تقديم القرابين، ويتكون الكتاب من خمسة أبواب وقد أفرد حضرته لهذه الخطبة الباب الأول، أما الأبواب الأربعة التالية فقد ألّفها حضرته لاحقًا وضمها إلى الخطبة الإلهامية، وكذلك ألحق بالكتاب قصيدة عربية من تسعة وخمسين بيتًا، ثم حاشيتين طويلتين ضمّنهما دقائق المعارف الروحانية، فأولاهما عن الفرق بين آدم والمسيح الموعود، والثانية عن استدعاء حال العصر بعثته مسيحًا موعودًا.

الحق أن عظمة الخطبة الإلهامية تلوح لقارئ الكتاب بمجرد أن يشرع في تصفحها، إذ طالما اختزل الناس من عوام المسلمين ومشايخهم الاحتفال بعيد الأضحى في قضم اللحم ولبس الفخم، وفي أحسن أحوالهم يتصورون أن الحكمة الكامنة في القربان هي أنه نوع من التصدق بالطعام على الفقراء والأقارب والمعارف، دون أن يدركوا عمق الفلسفة والحكمة البالغة من تقديم القرابين.

فكان عليه السّلام أوّل من يتعمق في فلسفة هذه الشّعيرة ويوليها الاهتمام الكبير ويسبر غور الغايات الإلهية من الأوامر الربانية وربط بين أفعال المؤمن وغاياتها ليكون سائرًا على الصراط المستقيم ويصل للغاية من خلقه بكونه خليفة الله في الأرض، ويرى حضرته من في الأضاحي بعدًا عميقًا وحكمة عظيمة حيث يقول:

«إن العبادة المنجية من الخسارة، هي ذبح النّفس الأمارة، ونحرها بمُدى الانقطاع إلى الله ذي الآلاء والأمر والإمارة، مع تحمل أنواع المرارة، لتنجو النّفس من موت الغرارة. وهذا هو معنى الإسلام، وحقيقة الانقياد التّام. والمسلم من أسلم وجهه لله رب العالمين، وله نحر ناقة نفسه وتلّها للجبين، وما نسي الحَين في حِين».

ولما كانت هذه الخطبة آية عظيمة تشهد بصدق المسيح الموعود وتأييده من الله تعالى، شجعّ المسيح الموعود أتباعه نظرًا إلى أهميتها على أن يحفظوها عن ظهر غيب، فاستظهرها عدد من الإخوة ومنهم الصوفي غلام محمد، والسّيد مير محمد إسماعيل، ومفتي محمد صادق، والمولوي محمد علي وبعض الصحابة الآخرين. ثم قرأها الصحابيان المذكوران في الأخير في مجلس المسيح الموعود عن ظهر غيب على سطح المسجد المبارك بين صلاتي المغرب والعشاء. من المعلوم أن المولوي عبد الكريم كان يملك ذوقًا علميًّا كبيرًا وكان مشغوفًا بهذه الخطبة إلى حد لا يوصف فكان يقرأها على الناس كثيرًا وكانت تستولي عليه حال من الوجد بمجرد قراءته بعض عباراتها.(5)

أثر «الخطبة الإلهامية» في أهل العربية

في عام 1940م تقريبًا، كان أحد المسلمين الأحمديين من الهند ويدعى الحاج عبد الكريم، عسكريًّا في الجيش البريطاني، بحكم وقوع الهند تحت الاحتلال البريطاني آنذاك، وكان قد  يمم شطر مصر، وشرع خلال مدة وجوده بمصر في تبليغ العرب من المصريين بدعوى المسيح الموعود ، وكانت نتيجة ذلك التبليغ أن بايع أحدُ أصدقائه المصريين، ويدعى «علي حسن»، فكان ذلك الأخ المصري يصطحب الحاج عبد الكريم إلى سكان البلدة من العرب لكي يبلغهم رسالة الأحمدية، وكان من بين من حظوا بذلك التبليغ موظف في مصلحة البريد والتلغراف، واستمر الحوار بينهما أيامًا، فاتفق معه في جميع المسائل عدا بعث نبي من الأمة المحمدية، فكان أن أهدى الحاج عبد الكريم لمحاوره نسخة من «الخطبة الإلهامية» وانقطع عن زيارته عدة أيام. وذات يوم تلقَّى الحاج عبد الكريم رسالة من محاوره موظف البريد، دعاه فيها إلى بيته لتناول الطعام، وما أن حلَّ الحاج عبد الكريم ضيفًا على موظف البريد حتى بادره الموظف بطلب إرسال رسالة بيعته، فسأله الحاج هل انحلت مسألة النبوة؟ فأجابه قائلًا: لقد دعوت أحد كبار مشايخ الأزهر لتناول العشاء عندي، وأخبرته أن بعض أهل الهند بلَّغوني رسالة الأحمدية، وقالوا لي إن المسيح عيسى قد مات وأن عيسى المزمع مجيؤه هو رجل من أمة سيدنا محمد ، وأنه سيأتي مسيحًا ومهديًّا، وأن حضرة مرزا غلام أحمد القادياني يقول إنه هو ذلك المسيح الموعود والإمام المهدي، فاتفقت معهم في كل شيء إلا كون الميرزا نبيًّا من الأمة، فهذا لم أستسغه ولم أستوعبه. أما أنت فعالم دين، فأرجو أن تخبرني هل موقفي صحيح أم لا؟ فقال لي ذلك الشيخ الأزهري: لقد قرأت كتب المرزا والتقيت ببعض الأحمديين، وتجاذبت معهم أطراف الحديث، فالنبوة التي ادّعاها المرزا لو جاء ألف نبي بحسبها فلا يتأثر بذلك ختم النبوة. فقلت له: الآن سوف أنضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية، فمسؤوليتي تقع عليك يوم القيامة، فقال الشيخ الأزهري. إن جوابي هذا يخصك أنت هنا فقط، فإذا طرحتَ علي السؤال نفسه في العامة فسوف أقول: لا يمكن أن يأتي أي نبي حتى من الأمة. وإذا أردت أن تنضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية فافعلْ فأنا أتحمل المسؤولية. أما أنا فتعترضني بعض العقبات، أكبرها أني إذا أصبحت أحمديًّا فسوف أُسرَّح من العمل، فحين سمعت ذلك من فم ذلك الشيح الأزهري، عقدتُ العزم على الانضمام إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية، وبدأت أقرأ الخطبة الإلهامية، وأنهيتها قبل النوم. واتفق في تلك الليلة أن رأيت فيما يرى النائم أن سيدنا أحمد المسيح ذاهب إلى مكان ومعه جماعة كبيرة من الناس، فسألته مَن هؤلاء يا سيدي؟ وإلى أين تأخذهم؟ فقال هؤلاء أولياء الله الذين سبقوني في الأمة المحمدية وآخذهم لزيارة النبي وأنا خاتم الأولياء ولا وليَّ بعدي إلا من كان من جماعتي ولا نبي بعد النبي إلا أن يكون نبيٌ من أمته. وعندما استيقظت كانت مسألة ختم النبوة قد حُلت، وكنت سعيدًا أيَّما سعادة. يقول الحاج عبد الكريم: أرسلت استمارة بيعته مع تفصيل هذا الحادث فورًا إلى قاديان.(6)

كان هذا غيضًا من فيض تجليات عظمة الخطبة الإلهامية، والتي ينقطع نظيرها في بيان دلالة الأضحية والحكمة من تلك الشعيرة، وما قدمه حضرته فيها من الأدلة والبراهين من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة على كونه المسيح الموعود والمهدي المنتظر، وألقى فيها الضوء أيضًا على حقيقة معراج النبي .

ولا يُدرك عظمة شيء من يجهل قدره، وفي هذا الصّدد ثبت أن حضرة مرزا غلام أحمد القادياني هو الإمام المهدي، إذ هداه الله العليم الحكيم إلى تلك الدقائق، فأعثره على جوهر التقوى، يقول تعالى:

«ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.»(7)

 

الهوامش:

  1. مرزا مسرور أحمد، خطبة الجمعة بعنوان «الخطبة الإلهامية»، ألقيت بتاريخ 2014-04-11.
  2. مرزا غلام أحمد القادياني، الخطبة الإلهامية، الطبعة الحديثة، الشركة الإسلامية المحدودة، لندن، 2009م.
  3. مرزا غلام أحمد القادياني، نزول المسيح، الطبعة الحديثة، الشركة الإسلامية المحدودة، لندن.
  4. مرزا غلام أحمد القادياني، حقيقة الوحي، الطبعة 2، الشركة الإسلامية المحدودة، لندن، 2015م.
  5. انظر: مرزا مسرور أحمد، خطبة الجمعة بعنوان «الخطبة الإلهامية».
  6. انظر: المرجع السابق.
  7. (الحج: 33).
تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via