- ما المعنى العام للإسلام؟ وما المعنى الخاص له؟
- كيف يتجلى المعنى الخاص للإسلام في صفة الله الحميد؟
___
تعريف اﻹسلام من الناحية اللغوية
اﻹسلام هو إعلان المسالمة ونفي المعاندة، وله تطبيقات شتى كل منها إسلام. وفعل «سَلِمَ» من بنيته الصرفية هو فعل غير مُتَعدٍّ، أي ﻻزم، علما أن الأفعال على ضربين: متعدّ وغير متعدّ، فالمتعدّي ما يفتقر وجودُه إلى محل غير الفاعل. والتعدي التجاوُز، يُقال: «عدا طَوْرَه»، أي: تَجاوز حَدّه، أي: إن الفعل تجاوز الفاعلَ إِلى محل غيره، وذلك المحلّ هو المفعول به(1).. وقياسا على كلام النحاة، يكون الفعل «اسلم» دالا على معنى السلامة الذاتية.. وهو يتعدى بالهمزة ليصير «أسلم» بمعنى فاض منه السلام وتعدى نحو ذات غيره. ويمكن اشتقاق «اسم الفاعل» من «أسلم» بالإتيان بمضارعه «يُسْلِم»، وإبدال ياء المضارَعة ميما مضمومة وكسر ما قبل الآخر، لنحصل في النهاية على لفظة «مسلم». فالفعل المتعدي «أسلم» هو مثل «أَسْمَعَ» الذي لازِمُه «سمع»، و»أَفْهَمَ» الذي لازِمُه «فَهِمَ».
وللإسلام معناه العام
واﻹسلام من معانيه ذلك الموقف المُتَّخَذ من الطرف الآخر.. وهو إعطاء السلام له.. أو هو الحياة في سلام مع الطرف اﻵخر. وكل من أعلن مسالمة وكف عن حرب ومعاندة فهو مسلم. فمن سلم الناس في وطنه من لسانه ويده وأذاه فهو مسلم وله هوية مسلم بمعنى.
والشعب والقطر الذي نسلم من أذاه ومن طمعه ومن حقده ويعلن الســلام معنا تماما فهو مسلم بمعنى.. والشعب الذي يؤوي المسلمين ويسالمهم ويعاملهم بإحسان هو مسلم بمعنى..
معنى خاص جدا
ومن اﻹســلام أن يُسالم المرء ربه عز وجل ويحيا في سلام مع خططه التي جعلها الله لنمو عباده ورقيهم.. ﻷنه بصفته ربًّا ﻻ بد أن يربي، وقد خلق روحا فلزم أن يجعل مصيرك رحمة حسب صفته الرحمة التي غلبت الغضب. وقد اقتضت حكمته أن نقوم بتنفيذ كل تعاليم الأنبياء لكي نتطهر ونترقى ونتربى ونزداد وننمو.. وﻻ بد لنا من ذلك، وإﻻ ما كان هناك مبرر لوجودنا أصلا.. وﻻ يكلف الله تبارك وتعالى نفسا إﻻ وسعها. وكل ذلك فيه معاناة تشبه إجراء عمليات تجميل جراحية، فوجب عليك اﻻستسلام لخُطة نحن الطرف الوحيد المنتفع منها، مهما كدحنا وعانينا، خاصة أنه، عز وجل، هو سيهب لنا طاقة تحمل المعاناة أيضا.. باختصار، كل التكلفة هو ضامنها.
ومن معاني المسالمة مع الله توحيده حبا، والرضا بتلك العملية الجراحية وعدم المقاومة واﻻنتفاض. وهذا الرضا يسمى إيمانا، ﻷننا نُحِسُّ باﻷمان ناحية الله ونطمئن له ونُسَلِّم أنفسنا ﻷوامره ليعمل العملية وتتم بنجاح، فنقوم على حال أجمل مما كنا عليها، ويُكتب لنا الشفاء.
الله غني عنا ولكنه أمرنا بأن نكون عقلاء مدركين أنه هو الملاذ والصديق الوحيد العالم المقتدر، الذي يعتبر اللجوء لغيره غباء ونكرانا وعمى ولجوءا إلى عاجز مفلس كل ما لديه هو مستعار من الله اﻷصل.. وطالبنا أن نكون حساسين للجمال والجلال رحماء رائعين صالحين مسالمين شجعانا في الحق صابرين عابدين لله معترفين بجميل من يحسن إلينا.
وقد جاء رسول الله محمد ﷺ بكل معاني اﻹسلام، وعلى قمتها اﻹسلام لله أو الدخول في سلم مع معه ، وذلك اقتداء بملة إبراهيم حنيفا، يقول تعالى:
أصل معنى اﻹسلام لله كما جاء به مسيح الله مجددا دين محمد ﷺ
من يعلم أن الله له صفات الحياة والقدرة والعظمة والقيومية والربوبية والرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية والرحمة المالكية ويعلم أنه رب الفيزياء والكيمياء والزرع والفلك والسوائل والغازات والعلوم والنفوس والصحة والمرض والموجات واﻷمواج والنور والحر والبرد فإنه يتخذ الله وليا، ويحيا مدركا حضوره معه في تعلمه وطعامه وشرابه وكـلامه ومذاكرته وامتحاناته وشغله وتصميماته وخططه وتعاملاته وزواجه ومعاشرته المنزلية وتربيته لولده، ويدخل الله معه في كل شأن مستشارا مستخارا.. ويقرأ رسالته متمعنا فرحا بها ويعمل بما فيها ويستمد من الله علم مالم يعلم منها .
هذا اﻹنسان الذي شغف بالله محبة يعده الله بالحياة الناجحة، فيظل مع الله وحده مشغوﻻ به له كل وقته وجهده، مع ملاحظة أن الله غني، والعلاقة علاقة انتفاع صرف من طرف اﻹنسان، ويجعل لله كل خواطره ونياته وماله وحياته..
التوحيد ﻻزم ليتم مشروع تنمية المرء بنجاح، ﻷن كل متدخل آخر سيفسد العملية، والموحد المسلم يرى كل خير ممنوحا من يد الله تعالى وﻻ يرى سببا نافعا إﻻ بالله وﻻ خطرا مؤثرا إﻻ بسماح الله والله لن يخذل وليه.
ومن اﻹســلام أن يُسالم المرء ربه عز وجل ويحيا في سلام مع خططه التي جعلها الله لنمو عباده ورقيهم.. ﻷنه بصفته ربًّا ﻻ بد أن يربي، وقد خلق روحا فلزم أن يجعل مصيرك رحمة حسب صفته الرحمة التي غلبت الغضب. وقد اقتضت حكمته أن نقوم بتنفيذ كل تعاليم الأنبياء لكي نتطهر ونترقى ونتربى ونزداد وننمو.
النتيجة المأمولة
لو وافقت على عقد معاهدة السلام مع الله ليرُبـَّك كما يحب أو يرقيك كما يرضى أو ينميك كما هي خطة رحمته اﻷولى أو يجري عليك جراحة التجميل والتكميل حسب الكتالوج فإنه يحدث شيء رائع، إذ يُظهِر الله وجوده وكماله وعظمته وقدرته فيك ويرى الناس من جمالك وحلاوة كلامك وقوة حجتك عجبا. ويعلمك الله علوما نادرة ويجعلك محفوظا من أوبئة منتشرة أنت ومن يصدق معك الصداقة..يجعل الله كلامك يوافق الفطرة وينأى عن الخرافة ويجذب الفكرة النقية ويسبب نمو العلم والتعليم والتقدم الجامع بين اﻹبداع واﻷخلاق والتوفيق المانع من التلويث واﻹفساد واﻹلحاد.
إن الناس يصعب عليهم فهم معاني اﻹسلام بشكل فلسفي مجرد، فالله جعل من العبد الصالح مرآة يرى الناس فيها روعة العظمة في أن تسلم لله حياتك ليصلح هو شأنك كله: طبعا بكلامه في كتابه وطريقة نبيه ﷺ في الحياة. فتصير عادل الحكم محسنا للجميع مواسيا لبني آدم مقتبسا من ربك ما يناسب البشرية من صفات المالكية والرحيمية والرحمانية والربوبية ..
ينصرك الله ويجري على يديك آيات ويجعلك سببا للبركات ومربيا لتحف فريدة الجمال من نماذج البشر المتتلمذين على يديك. ويكتب التاريخ نتائج اﻹسلام بكل روعتها متجسدة على شكل حياة إنسان صالح. وتكون محصِّلة كل ذلك ونتيجته أن يختار الناس دينك رويدا مقبلين يتزايدون ويُترَك لله حساب المعرضين.
الحمد لله يتجلى في المرآة كل هذا سيكون بروزا للحمد الإلهي، أو برهانا على أن الله هو الجميل، ومن جماله كان هذا النموذج اﻹنساني الجميل، الذي اكتسب جماله من استسلامه لتأثير وأعمال وكلام وعمليات التجميل التي يُجريها الله الجميل.
وسيكون برهانا من الله على كماﻻت هذا النوع من فهم اﻹسلام، وبراءة إلى المكذبين من كل نوع آخر من فهمه ينتج قبحا وقسوة وغلظة وظلما ويثمر الكبر والغطرسة وتغلب الشهوات وعيشة اﻹكراه وفكر الخرافة..
إن مصير القساة والمخرفين وحياتهم النكدة هي مرآة على عورات فهمهم للإسلام وأن إسلامهم ليس هو اﻹسلام.
لقد تبنى مسيح الله الموعود معنى اﻹسلام الصحيح، فأنعم الله عليه وجعله من المنعم عليهم: بأن جعله مرآة لجماله تعالى وكماله ومرآة لجمال وجدوى وصحة معنى التوحيد الحق واﻹسلام الصحيح..
الهوامش:
- موفق الدين بن يعيش، شرح المفصل للزمخشري، الطبعة 1، ج4، ص295، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001م.
- (البقرة: 131-132)