المجاهدات ضريبة الترقيات

المجاهدات ضريبة الترقيات

التحرير

  • ما نتيجة قصر دلالة المجاهدات الإنسانية على معنى المواجهات القتالية؟
  • كيف يتطرَّق المفهوم الإيجابي للجهاد إلى عمق حياتنا الفردية والاجتماعية؟

___

 

مع طي العالم سجل عام 2025، ينظر كلُّ شخص فيما حققه على مدار عام على أهبة الاستعداد للرحيل، سعيًا إلى ولوج عام جديد مفعَم بالترقيات والنجاحات المأمولة. علمًا أن كل ترقٍّ يُسعى إلى بلوغه يتطلب نوعا من المجاهدة والمكابدة، انطلاقا من المبدأ الراسي من لدن المولى :

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ. (1).

إذن فكل ترقٍّ يتطلب تعبًا ومجاهدة ومعاناة، لهذا لم يكن مستغرَبًا أن يشير سيدنا خاتم النبيين في حديثه الشريف حيث قال:

«ذُروةُ سَنامِ الإسلامِ الجهادُ في سبيلِ اللهِ»(2)،

دون أن يقصُر حضرته معنى الجهاد على القتال فقط، فقد أراد من مصطلح «الجهاد» دلالته الأشمل والأوسع، والتي هي المعاناة والمكابدة والجهد الإيجابي المبذول بغية إحداث فرق.

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلاَّ كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا‏»(3).‏

ولندع النقاش الديني جانبا لبرهة، ولننظر إلى الأمر بِرُمَّتِهِ من منظور إنساني لغوي بحت، بوصف اللغة خاصية إنسانية، فالجهاد لفظ مأخوذ من «الجَهد»، أي التعب والمشقة، وهي الصفة الملازمة لطبيعة الحياة على هذا الكوكب، فلو لم يُبذل الجُهدُ وتُكابَد المشقةُ لما تحققت للكائن الحي ثمرة عمل تُذكر، والجارحة التي لا يُجهِدُها صاحبها سرعان ما تضمر لا محالة، وهذا أمر مسلَّم بصحته على المستوى البيولوجي. وعلى المستوى الروحاني يعد الابتلاء الذي يتعرض له الإنسان عموما والمؤمن خصوصا أبرز البواعث على الدعاء المستجاب، إذ يُوَلِّدُ حالا من الاضطرار الذي هو أساس الاستجابة، وما يصح هنا على الفرد يصح بالمثل على الجماعة، فمن رحِم معاناتها تُولد ترقياتها ونهضتها.

فلا يخلو يوم المخلوق من معاناة وشقاء بصورة ما، ولولاها لما تأتَّى لنا، كأناسيٍّ، تحصيل الأفضال والإنعامات التي عليها مدار تكليفنا، ومن ثم ترقينا وتطورنا.

لذا حقَّ لنا أن نُفرد مادة علمية تبرِّئ ساحة الفتح الإسلامي من تهمة مَشينة، وهنا نذكر فتح بلاد الشام، الذي أضحى نقطة مفصلية، غيرت وجهة التاريخ الإسلامي بوجه خاص، والتاريخ الإنساني بوجه عام، بما نشاهده ونسمعه من تغيرات دراماتيكية على الساحة السياسية العالمية هذه الأيام.

ووَاهِمٌ من يظن أن المشاريع العظيمة تُقام هكذا بمنتهى البساطةِ دون مُعَوِّقات، فما من قصة نجاح إلا وفي سبيل تحققها مُنِيَ صاحبها بإخفاقات ومثبِّطات، وكلما عظمت تطلعات المرء، كانت الحرب عليه أعتى وأشد، فسموُّ الغاية وضراوة الصعوبات ضدان لا يفترقان، كوجهي العملة الواحدة، ووراء الأمر مظهر روحاني لحقيقة فيزيائية نعاينها من حولنا باستمرار في القانون السائد في الطبيعة، ألا نرى أن حال اتزان الأجسام على إطلاقها، من الذَّرَّة إلى المـَجَرَّة ، تقتضي وقوعها تحت تأثير قوتين اثنتين متساويتين في المقدار ومتضادتين في الاتجاه؟! فكذلك كلما كانت الغاية الروحانية سامية، كانت محاولاتُ عرقلةِ بلوغها عاتية بقدر سمو تلك الغاية بنفسها، وبهذا يتأتى للكون من حولنا أن يتزن وتتجلى فيه آيات الجمال والجلال والكمال، وذلك الأمر بحد ذاته سُنة كونية أجرى الله تعالى عليها كلا العالمين، الروحاني والمادي على حد سواء، ليكون أحدهما على الآخر شاهدًا ودليلًا، فسبحان الله العليم الحكيم!

ومن الغايات الروحانية المتوخَّاة في شريعة الإسلام حفظ كيان الأسرة، بوصف الأسرة صورة مصغرة للمجتمع، وحيثما سَلِمَ نسيجها سلم بالتبعية نسيج المجتمع ككل. ومن التدابير التي وضعها الشارع الحكيم لحماية الأسرة تشريع الطلاق، الذي يُعدُّ آخر مراحل العلاج، فهو كالبتر الذي لا يُلجأ إليه إلا اضطرارًا، وعكوف المرء على سلوك سبل حماية الأسرة دون الضغط على زر الطلاق لهو مجاهدة بحد ذاته!

وفي عدد شهر ديسمبر 2025، تعيد التقوى فتح ملف الجهاد من زوايا شتى، فبدءًا بخطبة سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) والمتخيَّرة للعرض في هذا العدد نتطرَّق إلى ملف الجهاد ولوجًا من باب الفتوحات الإسلامية، بعرض أحداث تاريخية تثبت نصاعة سيرة تلك الفتوحات، وهي الفتوحات التي دأب الخصوم على تشويه سمعتها ظلما وزورا، لذا حقَّ لنا أن نُفرد مادة علمية تبرِّئ ساحة الفتح الإسلامي من تهمة مَشينة، وهنا نذكر فتح بلاد الشام، الذي أضحى نقطة مفصلية، غيرت وجهة التاريخ الإسلامي بوجه خاص، والتاريخ الإنساني بوجه عام، بما نشاهده ونسمعه من تغيرات دراماتيكية على الساحة السياسية العالمية هذه الأيام. ولا يفوت أسرة التحرير أن تُفرد مادة مقالية تُبرز ضرورة بذل الجهد النفسي والفكري وحتى البدني في مجالات شتى، من بينها العلاقات الإنسانية، والصحة النفسية، وكذلك البدنية، إضافة إلى الأبواب الثابتة التي ينفتح كل منها على مادة ثرية مُثرية بهذا الصدد، آملين من الله تعالى ألا يطوي صفحة هذا العام إلا وقد أدركنا الغاية من المجاهدات التي كابدناها على مدار عام 2025، بادئين بروح متفائلة عام 2026، وداعين إياه عز وجل أن يتجاوز عن زَلّاتِنا في عام فات، ويعيننا على كسب الحسنات فيما هو آت، آمين.

الهوامش:

  1. (البلد: 5)
  2. أخرجه الطبراني
  3. صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب
تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via