الحب الحقيقي والتوبة الحقيقية

الحب الحقيقي والتوبة الحقيقية

التحرير

  • فما هو يا ترى الهدف والغاية من المشروع الإلهي الأعظم؟
  • وكيف يتحقق ذلك الهدف من خلال أداء فريضة الحج؟
  • وما العلاقة الرابطة بين الحج المبرور والتوبة الصادقة؟

___

حج بيت الله الحرام، ذلك المشهد المهيب، الذي طالما يتكرر سنويا، إنما يعيد إلى الأذهان أذان الحج الأول الذي صدع به سيدنا إبراهيم الخليل ، امتثالا للأمر الإلهي:

وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (1).

وعلاوة على الدرس الإبراهيمي الكامن في شعائر الفريضة المعروفة، فالحج ضمن الركائز التي ينبني عليها الدين، بمعنى أن دين المرء لا يكتمل إلا بأدائه، وقول الله :

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (2)

وإن استثنى العاجزين عن الحج من أدائه، بسبب الفاقة أو الخوف أو المرض، فإنه لم يستثن أحدا مطلقا من أداء الفريضة على المستويين النفسي والروحاني، بحيث يتوجب على كل امرئ مسلم أن يطوف بالبيت الحرام، ولو كانت تفصله عنه أميال وأميال، فالحبيب تطوف روحه حول محبوبه دون أن يأبه بما يفصل بينهما من مسافات. فَوَاهِمٌ من يظن أن موسم الحج مجرد مناسبة تاريخية يُحتفل بها سنويا ثم ينقضي أمرها، بل هو ممارسة يومية واجبة على كل امرئ مسلم، حتى وإن لم يبرح مكانه صوب البقاع المقدسة، ولم يطف بالبيت ولم يسعَ بين الصفا والمروة.

إن مشروع الله هو إنتاج المؤمن الحقيقي الكامل، وقصر قيمة الحج ومعناه على الطواف بالجسد فحسب، إنما يفرغ تلك الشعائر المقدسة من مضمونها، الأمر الذي لا يُنتِج غير النفاق والمنافقين، بحيث يتعارض تماما مع هدف المشروع الإلهي الأعظم. وغايته التي نتحدث عنها.

فأي أمر عجيب ذاك الذي يجعل قلوبنا تهفو صوب البلد الحرام، علما أنه كان ولم يزل واديا غير ذي زرع؟!

يجيبنا على هذا التساؤل سيدنا نور الدين القرشي الخليفة الأول لسيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي  فيقول في معرض حديثه عن أدائه فريضة الحج:

«تعلمت نقطة مهمة جدًّا، فقد أدركت أن الحج يأتي كل عامٍ ويذهب في أيامٍ معدودات، لذا لا يكتسب أحدٌ حُبًّا وتعلقًا حقيقيًّا بهذا المكان. يمكن للمرء أن يستنتج ما مفاده أنه هنا في مكة، يهيم المرء ويغرق في حبّ الله تعالى، وهذا هو الهدف الحقيقي للحج: أن تفنى في محبة الله، أما ما سواه من حب فهو عابرٌ لا طائل منه»(3).

لقد شرع الله فريضة الحج تذكيرا للمؤمنين بقضايا خطيرة، من أبرزها جهاد النفس، وكمسلمين، ما من فريضة إلا ونؤديها امتثالا لأمر الله تعالى واقتداء بسنة سيدنا خاتم النبيين ، وكشأن كافة الفرائض الإسلامية، نؤدي فريضة الحج تأسيا بذلك الإنسان الكامل ، فلنر ماذا قال حضرته وكيف فعل فيما يتعلق بركن الحج ومناسكه. حتى أن حضرة خاتم النبيين عدَّ الحج المبرور جهادا، هذا ما تكشف عنه العديد من الأحاديث النبوية عن تلك الفريضة العظيمة،

فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟! قَالَ: «لَا، لَكِنَّ أَفْضَلُ الجِهَادِ: حَجٌّ مَبْرُورٌ»(4).

أوليس عجيبا أن يفوق أداء شعائر الحج منزلة الجهاد؟! بلى، هذا أمر عجاب حقا، ولكن إذا عُرِف السبب بطل العجب، فكل من الحج المبرور والجهاد، يتضمنان كبحا لثوائر النفس وأهوائها، غير أن الحج يتفوق على الجهاد في نقطة الانقطاع التام لله تعالى والهيام في حبه عز وجل. فالحج جهاد بحق، ويزيد على الجهاد بألا مكان فيه لأية مكاسب مادية أو غنائم دنيوية. علما أن المجاهد الحق لا يبغي من جهاده مغنما دنيويا أو عرضا زائلا، حتى وإن حازه فعلا.

قارئ التقوى العزيز، مع حلول مناسبة حج بيت الله الحرام، يسر أسرة تحرير “التقوى” أن تقدم باقة مقالات  متنوعة كما يسرها أن تُطلِعك على خطبة جمعة لإمام الوقت سيدنا مرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز)، وموضوعها حَقِيقَةُ التَّوْبَةِ وَالاِسْتِغْفَارِ فِي ضَوْءِ مَعَانِي صِفَاتِ اللهِ الحُسْنَى، باعتبار أن الحج عملية إشهار علني للتوبة النصوح بحسب التعليم النبوي:

«مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ»(5).

الهوامش:

  1. (الحج: 28)
  2. (آل عمران: 98)
  3. سيد حسنات أحمد، الحكيم نور الدين (خليفة المسيح الأول)، منهاج الصالحين ص 31 (النص الأصلي باللغة الأردية)
  4. أخرجه البخاري (1520)
  5. أخرجه البخاري (1521)
تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via