مسجد «الفتح العظيم».. آية تظهر، ونبوءة تتحقق
- ما وجه خصوصية مسجد الفتح العظيم المقام مؤخرا على ما سواه من مساجد؟
- بأي سلاح أمكن للمسيح الموعود الإجهاز على دجاجلة عصره؟
___
الترجمة العربية لخطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين
سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام بتاريخ 30/9/2022م
في مسجد “الفتح العظيم” بمدينة صهيون الأمريكية
وجه الخصوصية لهذا المسجد
إننا مجتمعون هنا في مدينة صهيون لافتتاح هذا المسجد الذي وفق الله تعالى الجماعة الأحمدية في أمريكا لبنائه في هذه المدينة التي لها أهمية خاصة في تاريخ الجماعة. سألتني إحدى الصحفيات قبل يومين قائلة: لماذا هذا المسجد مهم لهذه الدرجة؟ فقلتُ لها: جميع المساجد مهمة عندنا. وكانت الصحفية تقصد من سؤالها أنني أتيتُ إلى هذا المسجد فقط بشكل خاص، مع أنني أذهب لافتتاح المساجد من قبل أيضا. فكان جوابي أن لهذا المسجد خصوصية لدينا، إذ هو يُشّيَّد في المدينة التي عمّرها عدوٌ للإسلام، ومن يهتمون بقراءة التاريخ سيتحرون معرفة تاريخها، ولأنه لا يكاد أحدٌ غير أبناء الجماعة الأحمدية يعلم شيئا عن تاريخ هذه المدينة وعن مؤسسها «دوئي»، لذا أقامت الجماعة معرضا لإلقاء الضوء على تاريخها الذي بالنظر إليه تُعدُّ هذه المدينة مهمة عندنا، والذين يرغبون في الاطلاع على التاريخ يستطيعون أن يستفيدوا من هذا المعرض، وسَتَكتُب هذه الصحفية مقالا عن ذلك غدا.
الحاصل أن الأهمية التاريخية لهذه المدينة، واستلال مدّعٍ كذَّاب لسانا بذيئا ضد المسيح الموعود ، ثم هلاكه وقيام فرع للجماعة في هذه المدينة، لمما يجعل كلَّ أحمدي يشكر الله تعالى، وينبغي أن يجعله كل هذا شاكرا، ولذلك فإنه وفق تعليم الرسول من أن الذي لا يشكر الناس لا يشكر الله، فإننا نتوجه بالشكر إلى أهل هذه المدينة أيضا الذين رغم أن بلديتهم عارضت بناء هذا المسجد في البداية ورفضت طلب الجماعة، وقفوا مع الجماعة وأجبروا البلدية على أن تسمح لنا ببنائه. فمن هذه الناحية هذا اليوم ليس مجرد يوم فرح للجماعة بل هو يوم الشكر لله الذي أرانا آية صدق إمام الزمان المحب الصادق للرسول بالإضافة إلى بناء المسجد.
مهمتنا تُنجَز بالدعاء وعلى الله تحقيق الوعود
سأبين بعض الأمور من سجلات التاريخ عن ذلك الزمن، حيث تتبين أهمية هذا الحدث وصدق المسيح الموعود وإقرار الناس بذلك. وبقدر ما نشكر الله تعالى بقدر ما سيُنزل الله تعالى أفضاله علينا وستنكشف علينا آيات صدق المسيح الموعود . فحال الشكر هذه ستجعلنا شهودا على آيات صدقه . لا شك أن الله تعالى قطع لحضرته وعودا كثيرة برقي الجماعة، من أنه سيريه ترقيات الجماعة، وهو قد أراه إياها ويُريناها الآن، وسوف يريها في المستقبل أيضا ولكننا سنكون ممن يستحقون رؤية هذه الترقيات ويكونون جزءا منها حين نشكر الله تعالى ونعمل بأحكامه ونؤدي حقه عزّ وجل. فلقد رأينا تحقق الوعود الكثيرة في حياتنا، ويري الله تعالى مشهد تحقق وعوده في وقتها، أليس هذا مشهدا من مشاهد تحقق وعود الله تعالى بحيث وفقنا اليوم لبناء المسجد في مدينة ذلك المدعي الكاذب وعدو الإسلام الذي كان المسيح الموعود قد أنبأ بهلاكه بوحي إلهي قبل مائة وعشرين عاما من اليوم، وهو الذي كان قد تنبّأ باستحالة أن تطأ قدما أي مسلم هذه المدينة ما لم يتنصر؟! فهذا هو فعل الله، إذ كذّب شخصا يملك المليارات، وكان ذا شأن وسلطة دنيوية، فأهلكه، وهيأ أسبابا لتبليغ دعوة نشأة الإسلام الثانية لمبعوثه المقيم في قرية صغيرة في البنجاب إلى مائتَين وعشرين دولة في العالم. ولكن أتنتهي هنا مهمتنا؟! أيكفي أننا بنَينا مسجدا في مدينة أمريكية صغيرة وأحرزت الجماعة رقيًّا؟! كلا، قد جعل الله تعالى الدنيا كلها مضمار عمل وسعي للمسيح الموعود وعلينا أن نجعل المدن الصغيرة والكبيرة، بل والدول، تابعة للرسول ، وهذه المهمة تبدو كبيرة نظرا إلى إمكاناتنا ولكن الله تعالى بالرغم من ذلك عهد إلينا بهذه المهمة، ولقد وعد الله تعالى المسيح الموعود بأن كل ذلك سيحدث، ولكن قال: إن ما نقوم به من أعمال، إنما هو بجهود بسيطة ومتواضعة، وثمة حاجة إلى الأدعية معها، والحق أن هذه المهمة تنجز بالأدعية. فعلينا أن نضع هذا الأمر المهم نصب أعيننا دوما ونتوجه إلى الأدعية. وإنما المساجد أيضا تُبنى لكي يجتمع فيها الناس للعبادة ويَمثلُوا بين يدي الله خمس مرات في اليوم ويواظبوا على صلاة الجمعة ولا ينشغلوا عن صلواتهم باللهو واللعب والانهماك في أمور الدنيا. وإن نسينا صلواتنا فبناء المسجد لن يعدو كونه مجرد بناء ظاهري، نخبر به العالم أنَّ هنا ثمة مسجدًا للمسلمين، ولكن لن تكون أعمالنا عند الله جديرة بأن ننال بركات هذا المسجد، أو نكون أعوان المسيح الموعود ؛ لأن حضرته قال: أعينوني بالأدعية المستمرة لكي نرى تحقق وعود الله تعالى بأسرع ما يمكن.
فاليوم، إنه من واجبنا جميعا أن نجعل الصلوات جزءا لا يتجزأ من حياتنا فتحظى أدعيتنا بالقبول، وأن نجعل أولادنا أيضا ملتزمين بالصلوات، وأن نؤدي صلواتنا بأحسن وجه كما علّمنا الله تعالى، وأن نسجد لله تعالى مخلصين له، ونرجو منه المزيد من الفتوح. ما أسعد مَن يحرزون منا كل هذا ثم يرون نزول غيث أفضال الله تعالى! فإذا ارتقينا بمستوى عبادتنا وقدمنا الدين على الدنيا رأينا في حياتنا تحقق وعود الله تعالى مع المسيح الموعود . لذا علينا أن نركز على تحسين أحوالنا الروحية ونحرص على ألا تلهينا الدنيا بعد قدومنا إلى هذه البلاد المتطورة، سيما وقد جاء إلى هنا اللاجئون بكثرة مؤخرا، هؤلاء ألا يُغرِقوا أنفسهم في أمور الدنيا. فكل مسجد جديد يجب أن يزيدنا حماسا وشوقا وتعلقًا بالله تعالى. إن الله تعالى سوف يحقق وعوده حتما، ولكن علينا أن نَحذَر تأخُّرَ تحققها نتيجة سوء أعمالنا، أو أن يستبدلنا الله بآخرين تتحقق هذه الوعود على أيديهم فنكون من المحرومين! كان الله تعالى قد وعد نبينا بنصر الإسلام، وأيُّ نبي كان أو يمكن أن يكون أحبَّ إلى الله من النبي ؟! ومع ذلك، ألم تروا كيف بلغ بكاؤه وابتهاله وتواضعه وخوفه وخشيته ودعاؤه الذروة يوم بدر؟! لقد كان يبكي ويتضرع بحيث كان رداؤه يسقط عن منكبيه مرة بعد أخرى، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ. فقال له النبي : إن الله غني، وتكون في وعود الفتوحات شروط خفية أيضا، فمن واجبي أن أستغيث الله تعالى بمنتهى التضرع والابتهال.
وسميناه مسجد الفتح العظيم نظرًا إلى وحي المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ونبوءته. لقد تلقى من الله تعالى نبأ هلاك «دوئي» وأعلن ذلك النبأ قائلا: سوف تظهر قريبًا هذه الآية التي يكون فيها الفتح العظيم، وقد رأى العالم أن الله تعالى قد أهلك دوئي في غضون 15 أو 20 يوما، وأهلكه بخزي كبير.
وبالرغم من هجمات العدو المتكررة في مواطن عدة، وإلحاقه أنواع الضرر بالنبي بأشكال شتى، فقد كتب الله له في بضع سنين فقط فتحًا لم يره الناس ولم يسمعوا به عبر التاريخ، حيث صار الأعداء المتعطشون لدمائه عشاقًا له يفدونه بأرواحهم ومهجهم، وقد أثبتوا للعالم أنه لن يخلُص إليه العدو إلا على جثثهم الهامدة، وأما القوم الذين كُتب عليهم الذل والخزي فإن الله تعالى قد دمرهم تدميرا.
لقد قال سيدنا المسيح الموعود إن أدعية ذلك الفاني في الله تعالى هي التي أحدثت تلك الثورة. فاليوم أيضا إن أدعية الخادم البار لذلك الفاني في الله هي التي ستتحقق في موعدها وستأتي بالعالم كله عند قدمه . ولكن سيدنا المسيح الموعود قال أيضا: يا من تنتمون إليّ عليكم نصرتي بدعواتكم وصالح أعمالكم.
لماذا «الفتح العظيم»؟!
إننا اليوم جُلوسٌ في هذا المسجد ونقوم بافتتاحه، وسميناه مسجد الفتح العظيم نظرًا إلى وحي المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ونبوءته. لقد تلقى من الله تعالى نبأ هلاك «دوئي» وأعلن ذلك النبأ قائلا: سوف تظهر قريبًا هذه الآية التي يكون فيها الفتح العظيم، وقد رأى العالم أن الله تعالى قد أهلك دوئي في غضون 15 أو 20 يوما، وأهلكه بخزي كبير.
أما تفصيل ما فعل الله بهذا الشخص، فهذا بحد ذاته قصة طويلة. باختصار، لقد عدّ المسيح الموعود آية هلاكه فتحا عظيما بناءً على إنباءٍ رباني، وكخطوة تالية لهذا الوحي نقوم اليوم بافتتاح هذا المسجد في هذه المدينة. لقد رأينا تحقق جزء من هذا الوحي الذي تلقاه المسيح الموعود قبل زهاء 115 عاما، ونشاهد اليوم تحقُّقَ جزئه التالي.
شهادة تاريخية على نبوءة تحققت
قبل حوالي 115 أو 120 عاما نشرت الجرائد، والتي كانت جرائد دنيوية، ذلك التحدي الذي وجهه المسيح الموعود إلى دوئي، ثم نشرت خبر هلاك دوئي نفسه أيضا. لقد كانت آية ربانية اعترفت بها الدنيا. وأكتفي هنا بذكر جزء مما نشرته إحدى الجرائد، إذ لا مجال الآن لذكر المزيد.
كتبت جريدة The Sunday Herald Boston هيرالد بوسطن في عددها الصادر في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران 1907 تعريفا بالمسيح الموعود ، كما نشرت دعواه والتحدي الذي وجهه إلى دوئي، ثم كتبت عن دوئي أيضا. وأقرأ على مسامعكم الآن مقتبسات من الجريدة نفسها. فقد كتبت بعنوان عريض: «عظيم هو مرزا غلام أحمد، المسيح»، الذي أنبأ بالمصير التعيس لدوئي، والذي ينبئ الآن بوقوع الطاعون والفيضانات والزلازل.
وكتبت هذه الجريدة أيضا: عند انقضاء اليوم الثلاثين من شهر أغسطس أنبأ مرزا غلام أحمد القادياني من الهند بهلاك ألكساندر دوئي الذي يُدعى إيلياء الثاني، وقد وقع هذا النبأ وتحقق في مارس المنصرم.
ثم كتبت الجريدة نفسها: ذاع صيت هذا الشخص الهندي في مشارق الأرض منذ سنوات، ويدّعي أنه هو المسيح الصادق المزمع مجيئه في الزمن الأخير، وأن الله تعالى قد كتب له العز والإكرام. لقد ذاع صيته أول مرة في عام 1903 حين ظهر لعامة الناس النزاعُ بينه وبين إيلياء الثاني. وبعد وفاة دوئي قد بلغ ذلك النبي الهندي أوجَ صيته، إذ كان قد أنبأ بموت دوئي قائلا إنه سيموت بمنتهى الألم والذِّلة في حياتي، أي حياة حضرة المرزا.
ثم نقلت هذه الجريدة نفسها قول المسيح الموعود : إذا قبِلَ دوئي دعوتي للمباهلة وقام لمبارزتي تصريحًا أو تلميحا، فسوف يغادر في حياتي هذا العالَمَ الفاني بمنتهى الحسرة والألم. أما إذا تهرب دوئي من هذه المبارزة فها إنّي أُشهد أهل أمريكا وأوروبا كلهم اليوم على أن فراره أيضا سيُعَدّ ضربا من الهزيمة، ولْيوقنِ الناسُ في هذه الحال بأن دعواه بأنه إيليا لم تكن سوى ادعاءً زائفًا ومحض خداع. ومع أنه قد يحاول الهروب من الموت بهذه الحيلة، إلا أن هروبه من مثل هذه المواجهة العظيمة هو نوع من الموت في حقيقة الأمر. فكونوا على يقين بأن كارثة توشك أن تحل بمدينته صهيون، لأنه سيؤاخَذ بأحد الوجهين حتما».
الآن أنهي هذا الموضوع بهذا الدعاء: يا إلهي القادر والكامل الذي لم يزل يَظهَر على الأنبياء وسيظل يظهر على الدوام، احكُمْ في هذه القضية عاجلا، واكشفْ للناس كذب بيغوت ودوئي، لأن عبادك الضعفاء قد وقعوا في عبادة عباد أمثالهم في هذا العصر فابتعدوا عنك أيَّما ابتعاد.
ثم كتبت الجريدة نفسها ما تعريبه: في البداية لم يُوْلِ دوئي هذا التحدي الموجهَ إليه من الشرق البعيد اهتمامًا يذكره العامة، ولكن في السادس والعشرين من ديسمبر 1903 كتب في جريدته التي اسمها Zion City Publication: «يسألني الناس أحيانا: لِمَ لا تردّ على هذه الأمور؟ فهل تتصورون أن عليّ أن أردّ على هذه الأذبّة والبعوض؟ لو وطأتها بقدمي لسحقتُها سحقًا، إنني أُمهلها رويدًا لتطير وتعيش. وأعرب عن علمه بوجود مرزا غلام أحمد مرة واحدة فقط، فوصَفه بالمسيح المحمدي الغبي (والعياذ بالله) ثم كتب في الثاني عشر من ديسمبر عام 1903: «إن لم أكن نبيَّ الله فليس على وجه أرض الله أي نبي». ثم كتب في الشهر التالي، أي في يناير: «إن مهمتي هي أن أجمع الناس من الشرق والغرب، ومن الشمال والجنوب، لأُسكنهم في هذه المدينة وغيرها من المدن الصهيونية، حتى يأتي يوم ينقرض فيه المسلمون تماما، أرانا الله ذلك اليوم. فقد كتب دوئي هذا، لكن المرزا المحترم باهله بإصرار وحزم أن يدعو الله تعالى أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ثم مات دوئي في حال يرثى لها وكان أصحابه قد هجروه. كان قد أصيب بشتى الأمراض مثل الفالج والجنون وكان موته يبعث على العبرة. وبذلك دُمرت مدينة صهيون جراء الخلافات الداخلية، وبرز السيد المرزا وقال بكل وضوح أنه ربِح التحدي، وتحققت نبوءتُه، وإنه يدعو كل طالب حق للقبول، وقد وصف في إعلانه الآفة التي ألمَّت بعدوِّه في أمريكا بأنها انتقام إلهي، وقدم هذا دليلا على العدل الإلهي. لقد صرَّح أحد أتباعه بأنه ينبغي ألا يُحتَفَلَ بموت العدو، ومن ثم ينبغي ألا نُظهِر الشماتة بدوئي. وأقول أننا إذ ننشر هذه الحقائق، فلحاجة ما في أنفسنا، وهي إظهار صدق الصادقين. لا شك أن دين الإسلام المقدس لا يعلِّم الإساءة إلى الموتى، لكن ذلك لا يعني أن نكتم الحقائق التي في بيانها فائدة للمجتمع ولإظهار دور في إعلاء كلمة الحق في سبيل الله.
ثم كتبتْ أن الله قد أعلن حكمه بحلول المصائب على دوئي وإنزال الحزن والعذاب بموته أخيرا في غير وقته، كما كان قد أنبأ رسولَه قبل وقوع هذا الحادث بثلاثة أو أربعة أعوام.
هذا نموذج مما كتبت الجرائد، فمن المؤكد أنه كان فتحا وكان ولا يزال يشكِّل برهانا ساطعا على صدق سيدنا المسيح الموعود ، لكن مهمته كما قلت آنفا واسعة النطاق، أما هذا فانتصاره في جبهة واحدة فقط، ولا نستطيع أن نحتفل بفرحة حقيقية إلا بعد أن نأتي بالعالَم أجمع عند قدمَي النبي ، لذا يجب علينا بعد بناء هذا المسجد أن نبحث عن طرق جديدة لنشر الدعوة، ونقدم إلى العالم أدلة صدق المسيح المحمدي، ونسعى لتحسين أعمالنا وتقدُّمِنا روحانيًّا أكثر من ذي قبل. فالفتح العظيم كما قلت كان فتحَ مكة، فهل توقف النبي والخلفاء الراشدون أو المسلمون بعدهم عن تبليغ الإسلام بعد فتح مكة؟! أولم يبذلوا قصارى جهودهم لإيصال رسالة الإسلام إلى أرجاء المعمورة؟! صحيح أنهم خاضوا الحروب أيضا، لكنهم لم يفتحوا البلاد بالحروب ولم تكن لنشر الدين قط، بل قد فتحوا القلوب فدخل الناس المضحُّون في دين الإسلام أفواجا باستمرار، إذن ثمة حاجة إلى المداومة على التبليغ والدعاء لنجعل هذا الفتح الذي أحرزه المسيح الموعود دائما أبديا.
إن الذين آمنوا بالمسيح الموعود يُعَدُّون من الآخرين الذين لحقوا بالأولين، فهل توقف الأولون يوما عن التبليغ وعن تحسين أخلاقهم وروحانيتهم؟! وهل فرَّطوا يوما في مستوى عباداتهم؟ فما دام المسلمون عاملين بهذه الأمور ظلوا يتقدمون ويزدهر الإسلام، ثم لما أخذ حب الدنيا يستحوذ عليهم وانحط مستوى تقواهم وقلَّ اهتمامهم بالعبادات، بدأوا يتخلفون. لكن لما كان الله قد وعد بأنه سيُديم هذا الدين إلى يوم القيامة ويمكِّنه، ببعث المسيح الموعود والمهدي المعهود في الزمن الأخير، فقد بعثه وهو أخبر العالم عن بعثته ووصلتْ رسالته إلى أوروبا وأميركا والعديد من دول العالم، ونرى بأي جلال وصلتْ هذه الرسالة جراء ما أصاب دوئي! فالبذرة التي كان الله قد بذرها للنشأة الثانية للإسلام بواسطته، نراها تنمو وتزدهر وتنتشر في العالم بشأن عظيم.
لقد قطع الله معه وعودا كثيرة، فأوحى إليه مثلا: وما كان الله ليتركك، سيُكْرِمك الله إكرامًا خارقًا، يعصمك الله ولو لم يعصمك الناس. فمن هذا القبيل هناك وعودٌ كثيرة قطعها الله معه، وإن تاريخ الجماعة على مدى مائةٍ وثلاثٍ وثلاثين سنةً شاهد على أن الله لا يزال يحقق وعوده بانتظام. فحين نجد الجماعةَ قد انتشرت في مائتين وعشرين بلدا من بلاد العالم فهذا فعْل الله إذ دبر الوسائل لوصول هذه الرسالة، واليوم يعرف العالم سيدَنا مرزا غلام أحمد القادياني بصفته مسيحا موعودا ومهديا معهودا، فقد دعا كلَّ معارض للمواجهة، فلم يجد أيٌّ من معارضيه سبيلا غير الهروب، وإلا أهلكه الله وأباده. صحيح أن جماعات الأنبياء تواجه المعارضة أيضا بانتظام، لكن العدو لا يقدر على إنجاز ما يريده، وهذا ما يحدث مع الجماعة الإسلامية الأحمدية. فأي وسيلة لم يستخدمها أعداء الجماعة بكل قوة ولا يزالون للقضاء عليها؟ وصحيح أن ضعاف الإيمان يتعثرون بذلك أيضا، لكنه إذا ارتد واحد أعطانا الله ألوفا. فإذا كنا ندَّعي الإخلاص، ونعلن أن سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني هو المسيح الموعود والمهدي المعهود الذي أنبأ ببعثته رسولُ الله ، فلا بد لنا من أن نكون أنصارَه بكل ما أوتينا من مُقدَّرَات وكفاءات، ونُظهر النموذج الذي أراه الصحابة رضي الله عنهم، علينا أن نقضي على كل بدعة في المسلمين أيضا بجمعهم على دين واحد، ونُطلع غيرَ المسلمين أيضا على التعليم الجميل للإسلام فنكون سببا في أن يعبدوا إلها واحدا ويصلوا على النبي ، عندها فقط نكون قد أدينا حق بيعتنا، وإلا فسيكون تَلَفُّظُنا بالبيعة مجرد ادعاءٍ أجوف. ومن أجل ذلك يجب أن نرفع معايير عبادتنا، وإن لم نفعل ذلك فسيكون بناء المساجد محض عبث، ولن نتمكن من ذلك إلا إذا عرفنا الغاية من حياتنا، وما هي غاية حياتنا؟ يقول سيدنا المسيح الموعود : الإنسان لا يستطيع أن يعيِّن بنفسه الهدفَ من حياته، وإنما يعين الله الذي خلق الإنسان وهو يقول: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .
إن مهمتي هي أن أجمع الناس من الشرق والغرب، ومن الشمال والجنوب، لأُسكنهم في هذه المدينة وغيرها من المدن الصهيونية، حتى يأتي يوم ينقرض فيه المسلمون تماما، أرانا الله ذلك اليوم. فقد كتب دوئي هذا، لكن المرزا المحترم باهله بإصرار وحزم أن يدعو الله تعالى أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ثم مات دوئي في حال يرثى لها وكان أصحابه قد هجروه. كان قد أصيب بشتى الأمراض مثل الفالج والجنون وكان موته يبعث على العبرة. وبذلك دُمرت مدينة صهيون جراء الخلافات الداخلية، وبرز السيد المرزا وقال بكل وضوح أنه ربِح التحدي، وتحققت نبوءتُه
حق العبادة وحقيقتها
لقد شرح المسيح الموعود الآية السالفة في عدة مواضع، فقال في أحدها ما تعريبه: «إن الغرض الحقيقي من خلق الإنسان هو أن يعرف ربه ويطيعه كما يقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[، ولكن من المؤسف حقا أن معظم الناس في هذه الدنيا ينهمكون في شواغلها بدلا من أن يعرفوا واجبهم وينتبهوا إلى الهدف الحقيقي من خلقهم، ويبذلون المساعي في سبيل الفوز بثرواتها وعزتها، بحيث لا يبقى لله من مساعيهم نصيب إلا قليلا جدا، أو لا يبقى له حتى شيء يُذكر في قلوب كثيرين، فينهمكون ويفنون في الدنيا ولا يدرون أن هناك إلها حتى، ولا يعلمون إلا حين يقبض قابض الأرواح أرواحهم.»
ولكن لا يليق بنا نحن الذين ندّعي الإيمان بإمام الزمان أن نقضي حياتنا على هذا النحو. بل علينا أن ندرك الغاية من هذه الحياة ونؤدي حق العبادة. عندها فقط سيقصد الناس هذا المسجد الجميل، وسنقدر على تبليغهم دعوة الإسلام بصورة حقيقية. وسنقدر على إكمال مهمة المسيح الموعود عندما نستعين بالله تعالى في مساعينا. وهذا لن يحدث ما لم نؤد حق عباداتنا. فعلى كل أحمدي أن يفكر في هذا الموضوع. ويسعى جاهدا ليجعل أداء حق العبادات جزءا من حياته ليجذب أفضال الله تعالى ويحسّن دنياه وعقباه.
اليوم، سوف يكون افتتاح هذا المسجد حدثًا مشهودًا، إذا أدركنا الغاية من حياتنا، وإلا فعدد المساجد في العالم يفوق الحصر، ومنها مساجد جميلة بل وفاخرة أيضا. ولكن مرتاديها لا يحققون الهدف من خلقهم. العبادة لا تقتصر على أداء خمس صلوات أو بضع صلوات بسرعة كنقرات الديك، بل المراد من العبادة أن يؤدي المرء حقها ويصلّيها بكل شروطها. لقد أمر النبي ذات مرة شخصا ثلاث أو أربع مرات أن يعيد صلاته لأنه ما كان يؤدي حق الصلاة في رأيه وما كان يصلّيها كما يجب بأركانها. إذن، إذا أقام المرء الصلاة بحقها، عندها ينال قرب الله تعالى، وتُقبل العبادات عندما نؤدي حقوق العباد أيضا. والذين يغصبون حقوق الناس يقول الله تعالى عنهم إن صلاتهم مدعاة لهلاكهم وتُردّ في وجوههم. إذن، إن هدفنا هو عمارة المساجد عاملين بأوامر الله لنيل رضاه تعالى.
الطهارة الباطنية
إن الذي تحداه المسيح الموعود كان يريد أن يقيم حكومته في العالم باسم الدين، لذا استغل اسم المسيح الناصري ، متوعَّدًا المسيح المحمدي بأنه سيفعل به كذا وكذا كما ذكرتُ آنفا مشيرا إلى إحدى الجرائد. فتحداه المسيح الموعود للمبارزة في الدعاء، فظهر للعيان عاقبة أمره، إذ شاهد العالم أنواع الذلة والمهانة التي حاقت به. لقد ظهرت آية واضحة حتى شهدت بذلك الجرائد إذ لم يكن بُدّ من الاعتراف بعظمة مرزا غلام أحمد. ولكن هل يكفي مجرد أن نبني مسجدا تذكارا لهذا الفتح العظيم ونفرح به كما قلت آنفا؟ لقد أكلنا من ثمار أدعية المسيح الموعود ولا نزال نأكل منها. ولكن المسيح الموعود نصح أتباعه بأن يسلكوا السبل التي هي سبل إنشاء العلاقة بالله تعالى. لم يوجِّه المسيح الموعود تحديا تمثَّل في مجرد إهلاك شخص، بل في إقامة عظمة الإسلام وجمع العالم تحت راية الإسلام ولكي تقوم الآن في العالم حكومة المسيح المحمدي، الذي مهمته أن يقيم ملكوت الله في العالم رافعا راية سيدنا محمد رسول الله .
إذن، إن مهمتنا نحن الذين انضممنا إلى جماعة المسيح الموعود هي أن نبلّغ دعوة المسيح المحمدي إلى كافة أنحاء البلاد، ونثبت لهم وحدانية الله تعالى. وهذ العمل لن يتحقق إلا إذا وطَّدنا علاقتنا بالله تعالى وازددنا تقوى. يقول المسيح الموعود : إن جماعتنا بحاجة إلى التقوى بوجه خاص، وذلك لأن لهم علاقة بشخص يدّعي أنه مبعوث من الله تعالى لينجو من الآفات أولئك الذين كانوا متورطين في أنواع البغض والضغينة والشرك أو مهما كانوا منهمكين في الدنيا.
إذن، إن الطهارة الباطنية ضرورية جدا لنا. وإذا تيَسَّرت الطهارة الباطنية فسوف تنشأ التقوى، وعندها سيرى العالم ظهور الآيات تلو الآيات. وفي هذه الحال تتيسَّر سبل أخرى للفتوحات بإذن الله.
وفي هذه الحال فقط سنرى حقيقة الفتح العظيم. فيا خدام المسيح المحمدي، يجب أن تُحدث كل آية فتح انقلابا فينا. فيجب أن نتعهد أن هذا اليوم سوف يُحدث فينا انقلابا روحانيا، وإلا فماذا يمكن أن نجني من هلاك دوئي أو طيِّ ذِكرِه، ومن أننا عرفناهم باسمه بعد أن كانوا يجهلونه؟ إنما الفائدة ستتحقق إذا حدث فينا انقلاب عظيم نتيجة فتح عظيم حصل على إثر تحقق هذه النبوءة، وإذا حمل أفرادنا والعالم كله نير طاعة محمد رسول الله على أعناقهم وآمنوا بوحدانية الله تعالى واستعدوا لهذا الغرض لتقديم كل تضحية. ندعو الله تعالى أن يوفقنا وأجيالنا للوصول إلى هذا المقام.
وقال حضرته بعد الخطبة الثانية:
لقد كتب المسؤولون بعض التفاصيل عن المسجد، وستعرفونها لاحقا وإن كنت قد ذكرتُ بعضها.