مساعي المصلح الموعود رضي الله عنه لخدمة الإسلام والمسلمين

مساعي المصلح الموعود رضي الله عنه لخدمة الإسلام والمسلمين

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • ما مظاهر تأييد الله تعالى للمصلح الموعود (رض)؟
  • كيف جمع حضرته بين أداء الواجبات الدينية والمهام السياسية؟
  • ما مساعيه المبذولة لفك رقاب الأسارى كما ورد في النبوءة المعهودة؟
  • ما مظاهر امتلاء حضرته بالعلوم الدينية والدنيوية؟

 ___

تصحيح سوء فهم

أتناول اليوم بعضا من جوانب النبوءة عن المصلح الموعود . كما يعرف كل أحمدي أن جلسات تُعقد كل عام بشأن تحقق هذه النبوءة. قد نشرت هذه النبوءة في 20 فبراير/شباط 1886م، التي أُخبر فيها عن ولادة ابن ذي صفات مميزة. ولكن قبل الحديث عن هذا الموضوع أود أن أجيب على تساؤلات تدور في خلد بعض الصغار والشباب، وإن كنت قد تناولت هذا الموضوع من قبل مرارا، وذلك أن البعض يظنون أننا لا نحتفل بعيد الميلاد، بينما نحتفل بيوم ميلاد المصلح الموعود ! فتصحيحا لسوء الفهم هذا، كما قلتُ مرارا، إننا لا نحتفل بيوم ولادة مرزا بشير الدين محمود أحمد، وإنما نعقد الجلسات بمناسبة تحقق تلك النبوءة. اعلموا أن سيدنا الخليفة الثاني وقد وُلد يوم الثاني عشر من يناير عام ألفٍ وثمانمائة وتسعة وثمانين ميلادي. والبيوت التي لا يُتَحدَّث فيها عن هذه النبوءة، يجب على أهلها أن يقرأوا عن هذا الموضوع ويشرحوه للأولاد، إنه موضوع النبوءة عن المصلح الموعود . تلك النبوءة العظيمة التي أنبأ بها الأنبياء السابقون أيضا بناء على ما ورد في الكتب السابقة. ثم أمر الله تعالى المسيح الموعود أن يعلن عنها بحسب نبوءة رسول الله ، فقال:

«لقد خاطبني الله الرحيم الكريم العلي الكبير القدير على كل شيء -جلّ شأنه وعزّ اسمه- بوحيه وقال:

إني أعطيك آية رحمةٍ بحسب ما سألتني. فقد سمعتُ تضرعاتِك، وشرّفت أدعيتَك بالقبول بخالص رحمتي، وباركت رحلتك هذه (يعني سفري إلى هوشياربور ولدهيانه). فآية قدرةٍ ورحمةٍ وقربةٍ ستوهب لك. آية فضل وإحسان ستمنح لك، ومفاتيح فتح وظفر ستعطى لك. سلام عليك يا مظفّر. هكذا يقول الله تعالى، لكي ينجو من براثن الموت من يبتغي الحياة، ويبعث من القبور أهلها، وليتجلّى شرف دين الإسلام وعظمة كلام الله للناس، وليأتي الحق بكل بركاته، ويزهق الباطل بجميع نحوساته، وليعلم الناس أني أنا القادر أفعل ما أشاء، وليوقنوا أني معك، وليرى آيةً بينةً من لا يؤمن بالله تعالى، وينظر إلى الله ودينه وكتابه ورسوله الطاهر محمد المصطفى نظرة إنكار وتكذيبٍ، ولتستبين سبيل المجرمين.

أَبْشِرْ فستعطى ولدًا وجيهًا طاهرًا. ستوهب غلامًا زكيًا من صلبك وذريتك ونسلك».

سمات شخصية ومزايا حصرية

لقد وردت في هذه النبوءة مزايا الابن المذكور، وسأذكر اثنتين منها. فقال المسيح الموعود :

…سوف يملأ بالعلوم الظاهرة والباطنة. ثم قال: وسيكون وسيلةً لفكّ رقاب الأسارى.

هذه بعض الأمور المذكورة في نبوءة طويلة، وقد رأينا أن ذلك الولد قد وُلد في المدة التي بيّنها المسيح الموعود بإعلام من الله تعالى وكان مصداق جميع أجزاء النبوءة.

وكما قلت آنفا إنني سأتناول بالذكر بعض الأمور المذكورة في النبوءة. إن كل يوم من عهد خلافة المصلح الموعود الممتد على 52 عام خير شاهد على تحقق هذه النبوءة بجلاء. هنا يمكن أن يقول بعض معارضينا الذين ينكرون تحققها إن الأحمديين سوف يقدمون الأدلة على تحقق النبوءة لا محالة، وسيقولون باستمرار إن النبوءة قد تحققت، ولكنْ عليهم أن يقدموا دليلا قويا. ولكن إن دلّ قولهم هذا على شيء فإنما يدل على تعنّتهم فقط، وإلا فالتقدم الحاصل للجماعة الأحمدية طوال عهد خلافة المصلح الموعود خير شاهد على تحققها كما قلتُ قبل قليل.

على أية حال، أقدم الآن بشأن الأمور الواردة في النبوءة والتي ذكرتها آنفا، شهادات بعض المنصفين من غير الأحمديين وهم شخصيات معروفة في القارة الهندية.

السيد غلام رسول مهر شخصية معروفة، وُلد في عام 1885م في مدينة جالندهر (بالهند) وكان باحثا وكاتبا وأديبا وصحفيا ومؤرخا معروفا. كانت له صلة مع جريدة «زميندار» ثم أصدر في مدينة لاهور جريدة «انقلاب» بالتعاون مع السيد عبد المجيد سالك. وفي 20 و25 ديسمبر عام 1966م جاء السيد شيخ عبد الماجد من لاهور إلى السيد غلام رسول، وفي أثناء الحديث قال السيد غلام رسول عن سيدنا المصلح الموعود أنه لا يتم الاطلاع الشامل على إنجازات هذا الرجل العظيم من أيٍّ من كتبكم. أما أنا فقد رأيته عن كثب وتجاذبت معه أطراف الأحاديث الخاصة، ووجدتُ أنه كان تضحية متجسدة للمسلمين. ثم قال: ذات مرة اضطررت للسفر إلى قاديان في جنح الليل للتشاور مع حضرته في أمر ما. ولا يزال ذلك السفر ماثلا أمام عينيّ. كان حضرته (أي المصلح الموعود ) يكِنّ في قلبه ألما كبيرا للبشرية. وكلما ظهرت للعيان قضية تتعلق بمصلحة المسلمين ورفاهيتهم، كانت اقتراحاته القابلة للعمل تزيدنا قوة، وفي مثل هذه المناسبات كانت كل ذرة من جسده تضطرب بألم القوم. ولم أر في شخصه أدنى أثر للتمييز الديني والعصبية. كان حضرته ذكيا على نحو فت. (انظروا أن شخصا غير أحمدي يشهد بما جاء في النبوءة: سيكون ذهينًا وفهيمًا.) وتابع السيد غلام رسول حديثه فقال: لم أر في القارة الهندية زعيما سياسيا ولا دينيا يعمل ذهنه في السياسة العملية مثلما كان يعمل ذهن حضرة المرزا. كان من مزاياه المشورة العفيفة، والاقتراح الواضح، ثم منهجية العمل على خطى صحيحة. لقد حزنت لوفاته حزنا كبيرا. وقد بعثت رسالة العزاء إلى السيد إسماعيل الباني بتي، وقلت فيها أيضا إنه يمكنه أن ينشر الفقرات المتعلقة بعزاء الفقيد. ثم قال: من المؤسف حقا أن المسلمين ما قدروه حق قدره. ولم أر حضرة المرزا حزينا وفاترا في وجه رياح المعارضة العاتية قط. وإن مشعل قلب حضرته ظل مشتعلا دائما. كنا نذهب للقائه وكلُّنا يأس وقنوط وعندما كنا نخرج من عنده كنا نشعر كأن غمامة اليأس قد انقشعت وأن النجاح في الأهداف ماثل أمامنا. كان حضرته يقدم دليلا قويا جدا ويقول كلاما قابلا للعمل. ثم لا يكتفي بذلك بل كان يعرض علينا كل نوع من التضحية والتعاون، الأمر الذي كان يشعل فينا جذوة الشجاعة والعزيمة.

وكان الأستاذ لاله قمر سين المحترم قاضي القضاة في محكمة كشمير الأسبق، وهو ابن الأستاذ لاله بهيم سين الهندوسي، كان قد أبدى عواطف الشكر باللغة الإنجليزية بعد الاستماع إلى خطاب حضرته بعنوان: «مكانة العربية بين ألسنة العالم». وبعد أن استمع لتعليقِ رئيس الحفل، قال مُعرِبًا عن رأيه في سيدنا المصلح الموعود :

لقد سررتُ جدا بسماع المحاضرة الممتعة والعظيمة التي ألقاها المحاضِر المتمكن حول موضوع «أفضلية اللغة العربية». ثم قال: إنني سعيد أيَّما سعادة بما حظيت من علاقة خاصة بحضرته. إذ إن أبي تعلّم اللغة العربية من والد المحاضر المحترم. عندما أتيت للاستماع إلى المحاضرة، كنت أظن أن الأستاذ المحاضِر سوف يلقي محاضرة على شاكلة أصحاب الأسلوب التقليدي القديم. ثم ذكر عن ذلك الأسلوب حديثا مرويا عن رسول الله قال فيه: «أحبوا العربَ لثلاثٍ: لأني عربيٌّ والقرآنُ عربيٌّ وكلامُ أهلِ الجنَّةِ عربيٌّ». حسنا! لا بأس في قبول ذلك.. وأن لسان أهل الجنة عربي. وكنت أظن أن مثل هذه الأمور ستُبيَّن في المحاضرة إثباتًا لفضل اللغة العربية، لكن المحاضرة التي استمعتُ لها كانت علمية جدا ومزدانة بأفكار فلسفية رائعة. إنني أؤكد لحضرة الميرزا أني قد استمعت لكل كلمة من محاضرته باهتمام كامل وتدبر، وقد استمتعتُ بها واستفدت منها كثيرا، وآمل أن أثرها سيبقى في ذهني طويلا.

على الصعيد التعليمي الدنيوي، نعلم أن سيدنا المصلح الموعود لم يكد يجتاز المرحلة الابتدائية، ولكن الله تعالى أغدق عليه علما كثيرا كما وعد، لدرجة لم يجد حتى الأغيار أنفسهم بُدًّا من الثناء عليه.

تأييد الله له في لقاء قس أميركي

الآن أحدثكم كيف أبدى قسيس أمريكي انطباعاتِه كما رواها لنا شيخ إسماعيل الباني بتي، فقد قال: ذات مرة روى لي المولوي عمر دين الشِملوي قصة جاء فيها أنَّ قسًّا كبيرًا من أميركا قَدِمَ إلى قاديان في عام 1914، أي بعد تولّي حضرته منصب الخلافة ببضعة أشهر، وكان عالما كبيرا ومعتزا بعلمه ورجاحة عقله، فوصل إلى قاديان وطرح على بعضنا نحن الأحمديين عددا من الأسئلة الدينية المهمة، وقال أيضا أنه قدِمَ من أميركا، وطرح هذه الأسئلة في كل مجلس من مجالس المسلمين، دون أن يقدر حتى أكابر العلماء المسلمين على الرد عليها بصورة مقنعة. لذا فقد جاء إلى هنا خصيصا لعرض أسئلته على سيدنا الخليفة الثاني ، ليرى كيف يرد عليها. لقد كانت الأسئلة معقدة وغريبة، حتى ظننت بعد الاستماع لها أن حضرته لن يقدر على الرد عليها، نظرًا إلى حداثة سنه فضلا عن أنه لم يتلق تعليما رسميا في اللاهوت، أي علوم الدين، ومعلوماته أيضا قليلة، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تشويه سمعة الجماعة الأحمدية كثيرا في العالم، لأنه إن لم يستطع حضرته الرد على أسئلة القس الأميركي فسوف ينشر الأخير الدعاية المعادية بعد العودة إلى أميركا ويقول إن خليفة الأحمديين لا يعرف شيئا، فلن يقدر على التصدي للمسيحية أبدا، وإنما هو خليفة بالاسم فقط، ولا يتمتع بمقدرة علمية مطلقا! لقد انتابني قلق شديد وحاولت جاهدا ألا يلقى القسُّ الأميركي حضرتَه ويعود دون مقابلته لكنني فشلت في ذلك، إذ كان مصرًّا على ألا يبرح حتى يلتقي بحضرته. فذهبت إلى حضرته مضطرا، وقلت له: لقد جاء قسٌّ أميركي ويريد أن يطرح بعض الأسئلة على حضرتك، فماذا أفعل؟ فقال حضرته فورا ودون تردد، أحضرْه. ففعلت مضطرا، وكنت أنا المترجم بينهما. بعد تبادل الحديث الرسمي طرح القس أسئلته، فترجمْتُها لحضرته، فاستمع حضرته لها كلها بكل هدوء واطمئنان، ثم ردَّ عليها فورا ردودا مقنعة حيَّرتْني، إذ لم أكن أتوقع أن حضرته سيتمكن من الرد عليها بهذه الكيفية المقنعة والزاخرة زاخرة بالمعارف بشكل ينقطع نظيره! فلما ترجمتُها للقس إلى اللغة الإنجليزية، استغرب جدا هو الآخر، وقال: إلى اليوم لم أسمع من أحد حديثا عقلانيا زاخرا بالأدلة مثل هذا من أيّ مسلم. يبدو أن خليفتكم عالم كبير، وله نظرة شاملة على أديان العالم. قال ذلك ثم قبَّل يدَ حضرته بكل احترام وانصرف.

فآية قدرةٍ ورحمةٍ وقربةٍ ستوهب لك. آية فضل وإحسان ستمنح لك، ومفاتيح فتح وظفر ستعطى لك. سلام عليك يا مظفّر. هكذا يقول الله تعالى، لكي ينجو من براثن الموت من يبتغي الحياة، ويبعث من القبور أهلها، وليتجلّى شرف دين الإسلام وعظمة كلام الله للناس، وليأتي الحق بكل بركاته، ويزهق الباطل بجميع نحوساته، وليعلم الناس أني أنا القادر أفعل ما أشاء، وليوقنوا أني معك، وليرى آيةً بينةً من لا يؤمن بالله تعالى، وينظر إلى الله ودينه وكتابه ورسوله الطاهر محمد المصطفى نظرة إنكار وتكذيبٍ، ولتستبين سبيل المجرمين.

عالم دين ورجل سياسة في آن

لقد ألّف سيدنا المصلح الموعود كتابا بعنوان: تقرير «نهرو» ومصالح المسلمين، وقد قال أحد المعلقين على هذا الكتاب: الفئات العليا من المسلمين ممتنَّة جدا لحضرته على إرشاده هذا في الوقت المناسب، وقد نال هذا الكتاب إعجابا كبيرا لدى دوائر المسلمين السياسية، وقد أثنى عليه كبار زعماء المسلمين وشكروا عليها حضرته. الحق أن إمام الجماعة الأحمدية قد أرشد المسلمين وهم في أمسِّ الحاجة. فقال كثير من الناس للسيد مفتي محمد صادق : إن الخدمة الحقيقية والعملية هي ما تقوم به جماعتكم. والتنظيم الموجود في جماعتكم لا يلاحَظ في أية جماعة أخرى.

كان في كالكوتا محام أحمدي مخلص اسمه السيد دولت أحمد خان وكان مديرا مشتركا لجريدة «سلطان»، فترجم الكتاب المذكور إلى اللغة البنغالية ونشره في صورة جميلة فنال إعجابا كبيرا في الجالية البنغالية. فتأثرواحد من المثقفين المحترمين من غير الأحمديين بقرائته إلى درجة كبيرة، فبعث رسالة إلى سكرتير لمؤسسة «ترقي الإسلام»، قال فيها: أرغب بشدة في زيارة حضرة الخليفة ولقائه لأني أكنُّ له عظيم التقدير. أرجو من فضلك أن تبلّغ حضرته سلامي وقل له أيضا أن يقبل من هذا الخادم مباركته على أنكم تنقذون الإسلام بأسلوب رائع جدا في ظروف حرجة يمر بها حاليا، ولا تهتمون به فقط بل ترشدون المسلمين في أمور سياسية أيضا. لقد اطلعت على أفكاركم القيِّمة في كتاب: تقرير «نهرو» ومصالح المسلمين، شعورا بأهميتكم  أكثر من ذي قبل. فمن ناحية أعُدّكم عالما دينيا كبيرا ومن ناحية ثانية أحسبكم رجلا سياسيا محنكا أيضا.

كانت هناك جريدة اسمها «سياسة» تصدر في لاهور، فكتبت في عددها 2/12/1930م: إذا غضضنا الطرف عن الخلافات الدينية، فإن العمل الذي قام به حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد في مجال التأليف لجدير بكل نوع من المدح والثناء من حيث الكمّ والفائدة. ومن عوامل نجاح قيادته إرساؤه المبدأ العملي الذي بسببه جعل جماعته تمشي جنبا إلى جنب مع عامة المسلمين في مجال السياسة، ومن شأن هذا الأمر أن ينال استحسان وإشادة كل امرئ مسلم منصف يعرف الحق حتما. إن العالَـم يُقر بفراسة حضرته السياسية. ففي مجال توحيد المسلمين ضد تقرير نهرو، وتقديم موقف المسلمين أمام مفوضية سايمن، والحوار بأدلة من وجهة نظر إسلامية حول القضايا المعاصرة، ونشْر الكتب الزاخرة بالأدلة المؤصلة لحقوق المسلمين، كلها إنجازات تجدر بالثناء عليه. والكتاب قيد النقاش هو نقده تقريرَ سايمن، باللغة الإنجليزية، وبقراءته يقدِّر القارئ سعة معلوماته. إن أسلوبه سلس ومقنع، ولغته نقية جدا.

من مساعيه لفك رقاب الأسارى

والآن أقدم رأيا عن خطاب ألقاه حضرته في 25/5/1941 من محطة الإذاعة الهندية الوطنية بلاهور عن أوضاع العراق، وكان دافع هذا الخطاب هجوم ألمانيا وإيطاليا على العراق أثناء الحرب العالمية الثانية، وعلَّقت على هذا الخطاب جريدة «الرياسة» المشهورة للسيخ الصادرة من دلهي، في 2/6/1941 فكان مما جاء في تعليقها:

إن أضعف جانب في سلوك الشعوب المستعبدة والبلاد المحتلة أن أبناءها يُحرمون من صدق الأخلاق والشجاعة، وتتجلى فيهم روح التملق والجبن. قد يكون رشيد علي من العراق على خطأ في رأي الحكومة البريطانية أو الشعبِ البريطاني أو يكون هجومه على بريطانيا غير مناسب، لكن ما يستحيل إنكاره هو أن هذا الرجل يحارب من أجل الحرية السياسية لبلده، ويستحيل وصفه بأي مقياس بأنه غدار لبلده. أما وُلاة بلدنا المستعبد وقادتنا فانظروا إلى سلوكهم، فكل حاكم للولاية حين يلقي الخطاب عن العراق يصف رشيد علي بالغدر، وكل قائد يدلي بتصريح عن الحرب يصف رشيد علي قبل كل شيء بهذا الوصف، ثم يبدأ تصريحه باسم الله. وإن سلوك القادة وحكام الولاية أي هؤلاء القادة للمسلمين في الهند وغيرها منحط جراء العبودية، إنهم يعدّون الموقف الخاطئ أو التملق خدمة للبلاد. وإلى جانب تملق قادتنا وحكام ولاياتنا بحمق، فإن الشجاعة الأخلاقية لقائد الجماعة الأحمدية في قاديان، وسلوكه الرفيع وكلامه النقي سيُشعر بالحماس والمسرة، الذي أظهره في خطاب له على الإذاعة في الأسبوع الماضي.

فهذا سعْي لفك سراح الشعب من الأسر.

مولانا محمد علي جوهر الذي كان من مواليد 1878 في رامبور وتوفي في 1931، قد أصدر جريدة «كامريد» الأسبوعية من كلكوتا، كما أصدر من دلهي جريدة «همدرد» باللغة الأردية، وفي عام 1923 عُيِّنَ رئيسا لمؤتمر الهند كلها، وسافر إلى لندن لحضور مؤتمر المائدة المستديرة، وهناك توفي في 4/1/1931.

كانت خدمات سيدنا المصلح الموعود جلية بارزة في كل مراحل تأسيس باكستان وإحكامها وتقدمها ورقيها، اليوم يقولون ماذا فعل الأحمديون؟ فالأغيار أنفسهم يقرون بخدماته الجلية، فقد كتب مولانا محمد علي جوهر انطباعاته بهذا الخصوص في جريدته «همدرد» 26/9/1927:

سيكون من نكران الجميل ألا نذكر في هذه السطور جناب الميرزا بشير الدين محمود أحمد وجماعتَه المنسّقة تنسيقا محكما، والذي كرس كل جهوده لخير المسلمين بعيدا عن الاختلاف في العقيدة.

فهؤلاء السادة أي مرزا بشير الدين محمود أحمد وجماعتُه إذا كانوا من ناحية ينشطون في الشئون السياسية للمسلمين ومن ناحية أخرى منهمكون في تنظيم المسلمين ودعوتهم وتجارتهم. (هذا هو سلوك الأحمديين، واسمعوا ماذا قال) والوقت ليس بعيدا حين يصبح أسلوب هذه الفرقة المنسقة نبراسًا لجمهور المسلمين وخاصة لأولئك الذين تعودوا إطلاق ادّعاءات عالية ظاهريا ولكن جوفاء بخدمة الإسلام قابعين في المساجد.

أي أنَّ هؤلاء طالما يزعمون أنهم قادة دينيون وسوف يفعلون كذا وكذا لكن لا حقيقة لدعاواهم في الحقيقة. وادعاءاتهم في الحقيقة سافلة وكلام فارغ. فسوف يتبين أن الأحمديين سيكونون لأمثال هؤلاء نبراسا.

فهذا هو رأي العلماء المنصفين، أما العلماء المعاصرون الذين يقولون إن الأحمديين أعداء الإسلام وباكستان، فيجب أن ينظروا إلى وجوههم في هذه المرآة، وليسألوا أنفسهم: أين لوعة لنشر الإسلام والدفاع عنه؟! أهي عندهم هم؟! أم عند الأحمديين؟!

هناك صحفي بارز يكتب باللغة الأردية، واسمه سيد حبيب، وُلد في 1891 وعُين محررا بمجلتَي «بهول» و»تهذيب نِسوان»، كما أصدر جرائد «نقوش» و»سياسية» و»غازي». فكان صحفيا شجاعا غير هياب وتوفي في 1951.

حين استقال سيدنا المصلح الموعود من رئاسة اللجنة الوطنية لمصالح كشمير التي أُسست في 25/7/1931 وكان حضرته جُعل رئيسا لها في البداية بإجماع المسلمين، عندها كتب سيد حبيب المحترم في جريدته «سياسة» الصادرة من لاهور في عددها الصادر بتاريخ 18/5/1933: أرى أن الدكتور إقبال رغم كفاءته الكبيرة ومَلك بركت علي لن يقدرا كلاهما على إنجاز هذه المهمة، وبذلك سيتضح للعالم أنه في وقت كان وضع كشمير يرثى له، كان من انتخبوا حضرة المرزا رئيسا للجنة كشمير، رغم اختلافهم معه في العقائد كان انتخابهم إياه خطوة صائبة. فلو لم يُنتخب المرزا المحترم برغم الاختلاف في العقائد لفشلت الحركة تماما، ولَلَحقتْ بالأمة المرحومة خسارة فادحة. إن استقالة المرزا المحترم من هذه اللجنة بمثابة الموت لها، باختصار سيتضح الآن للعالم أن انتخابنا كان مناسبا.

الآن سيتبين للعالم ما أنجزه المرزا المحترم وما الذي عسى أن ينجزه بعد استقالته الدكتورُ العلامة إقبال واللجنةُ. ثم لاحظ العالم ما الذي حصل فهو واضح للعيان. لم يُنجز حضرته كل ذلك إلا لأنه كان يكنّ حماسا لفك أسر الأسارى، وكان ذلك من نصيبه هو. لقد ترك الرئاسة لكنه ظل يعمل في اللجنة بعد ذلك، وبسبب اللوعة التي كان يكنّها قد قدم كل مساعدة ممكنة حتى بعد تخليه عن الرئاسة، والتاريخ شاهد على ذلك.

كانت هناك جريدة اسمها «سياسة» تصدر في لاهور، فكتبت في عددها 2/12/1930م: إذا غضضنا الطرف عن الخلافات الدينية، فإن العمل الذي قام به حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد في مجال التأليف لجدير بكل نوع من المدح والثناء من حيث الكمّ والفائدة. ومن عوامل نجاح قيادته إرساؤه المبدأ العملي الذي بسببه جعل جماعته تمشي جنبا إلى جنب مع عامة المسلمين في مجال السياسة، ومن شأن هذا الأمر أن ينال استحسان وإشادة كل امرئ مسلم منصف يعرف الحق حتما.

امتلاء حضرته بالعلوم الظاهرة والباطنة

ثم هناك مولانا عبد الماجد الدريا آبادي وكان من مواليد 1892 وكان أديبا أرديا وكاتبا وباحثا ومفسرا للقرآن أيضا، ومع ذلك يعرف قدر سيدنا المصلح الموعود ، فعند وفاة حضرته كتب في جريدته «صدق جديد» الصادرة من لكهناو في 18/11/1965 تأبينا قال فيه:

بغض النظر عن عقائد أخرى للمرحوم ندعو الله تعالى أن يجزيه على المساعي التي ظل يبذلها في حياته الطويلة بكل حماس وعزيمة في سبيل نشر القرآن الكريم وعلومه في العالم كله. ويعفو عنه عموما بفضل هذه الخدمات. ثم تابع فقال: أما ما قام به حضرته من  شرح حقائق القرآن الكريم وبيان معارفه وترجمة معانيه فيحتل مكانة سامية من الناحية العلمية.

(وليلاحظ أن مفسر القرآن للمسلمين بنفسه يسلِّم بأن شرحه لحقائق القرآن الكريم وبيان معارفه وترجمة معانيه يحتل مكانة سامية وممتازة علميا، ولكن بالرغم من اختلاف هذا الرجل مع سيدنا المصلح الموعود في العقيدة وزعمه شخصيا أنه على الحق لم يمنعه من امتداحه خدمة سيدنا المصلح الموعود للقرآن الكريم والإسلام).

ما دام الله قد وعد بنفسه أنه سيملأه بعلوم ظاهرية وباطنة، فمن غير الوارد أن يدانيه من معاصريه من هو على نفس القدر من العلم والمعرفة. بل إن سلوك اللاحقين على الطريق الصحيح يكون مرهونا بالأخذ من علومه حصرا.

طالما يُفترى على جماعتنا بوجه عام فيما يتعلق بموقف الدكتور العلامة محمد إقبال المحترم تجاه الجماعة، ومع ذلك يحفظ التاريخ موقفه من سيدنا المصلح الموعود، فها هو العلامة محمد إقبال يلهج بمدح حضرته، وذلك في يوم 24/5/1927 حيث أقيمت في لاهور ندوة رأَسها العلامة المحترم، وألقى فيها سيدنا المصلح الموعود خطابا، فقال العلامة إقبال في كلمته بعد الخطاب: منذ مدة طويلة لم يتسن لي الاستماع لخطاب كهذا زاخر بالمعلومات في لاهور، إن استنباط المرزا المحترم من آيات القرآن الكريم لهو استنباط رائع من طراز خاص. ولست أرغب في إطالة كلمتي كي أستبقي لذتي من هذا الخطاب واستمتاعي به.

لقد ألقى سيدنا المصلح الموعود محاضرة عظيمة عنوانها «بداية الخلافات في الإسلام» في ندوة أقيمت عام 1919 بلاهور ورأَسها سيد عبد القادر الحائز على شهادة الماجستير والذي كان يشغل منصب أستاذ التاريخ وعميد الكلية الإسلامية بلاهور، فقال في كلمته كرئيس: إن الاسم الكريم لابن جليل لأب جليل، أي اسم حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد، ليكفينا ضمانًا على أن هذه المحاضرة علمية جدًّا. إن لي إلمامًا بالتاريخ الإسلامي، وأدَّعي بكل ثقة أن هناك قلة قليلة من المؤرخين، من المسلمين أو غيرهم، نجحوا في بلوغ كنه الخلافات في عهد عثمان ونجحوا في فهم أسباب هذه الحرب الأهلية الأولى والمهلكة. أما نجاح حضرة المرزا فلم يقتصر على فهم أسباب هذه الحرب الأهلية فحسب، بل قد ذكر في بيان واضح ومتسلسل تلك الأحداث التي ظل إيوان الخلافة يتزلزل جراءها لمدة طويلة فيما بعد. في رأيي أن الراغبين في قراءة التاريخ الإسلامي لم يسبق لهم قبل هذا اليوم الاطلاع على مثل هذه المحاضرة المدعَّمة بالأدلة.

كان أيدون صموئيل مونتيغو يشغل منصب وزير الهند في الحكومة البريطانية خلال الفترة من 1917-1918، أي أنه المسؤول عن كافة شؤون القارة الهندية التابعة للتاج البريطاني، وكان يدعى سكرتير الدولة لشؤون الهند، فحين وصل إلى الهند في جولة تفقدية أرسل إليه سيدنا المصلح الموعود بهذه المناسبة إرشادا واضحا ومفصلا في صورة خطاب لحل قضايا الهند، وهذا الخطاب قرأه عليه في لاهور حضرة السير ظفر الله خان، وإضافة إلى ذلك التقى سيدنا المصلح الموعود سيادةَ الوزير شخصيا أيضا وأسدى إليه توجيهه. وكان السيد مونتيغو قد كتب في يومياته عن هذا الخطاب ووقائعه، وهذه اليوميات نُشرت بعد وفاته بعنوان « An Indian Diary»، وجاء فيها تحت يوم 15/11/1917:

كان الوفد الرابع للأحمديين وهي طائفة إسلامية، يؤمن أتباعها بوحدة البشرية، ويؤمنون بالأنبياء كلهم، وقد تلا الوفد وثيقة طويلة كتبها إمامُهم، وكانت أفضل بكثير من جميع الوثائق التي قُدمت إليَّ. إن مقترحات هذه الوثيقة عن انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية وسنِّ القانون أفضل من كل الوفود وكُتبت بكثير من التدبر والتفكر وبمنتهى الذكاء.

وقد كتب في ملحوظته الختامية ما نصه:

 He has a good mind and had carefully thoughtout his constitutional scheme.

وتعريبه: إنه ذكي جدا، وقدم الخطة القانونية بمنتهى الحرص والتمعن.

ذلك كان رأيَ رجل سياسي مثقف ومحنك في شخص لم يتلق تعليما دنيويًّا، وكيف لا يكون كذلك وقد ملأه االله بعلوم مادية أيضا.

يقول شودري محمد أكبر خان بهتي المحامي في المحكمة العليا: إن ذكر حدثٍ قد لا يكون في غير محله، وهو أن محرر مجلة «بارس» الأسبوعية، لاله كرم شند حضر الجلسة السنوية في قاديان ضمن وفد الصحفيين، وعندما عاد من هناك تحدث في مقالات متتالية عن قيادة مرزا بشير الدين محمود أحمد وفراسته وشخصيته، بأسلوب أثار ضجة في المعارضين. فقد قال لي شخصيا: كنا نعدّ ظفر الله خان رجلا عظيما، (وكان السير ظفر الله خان عضوا بالمجلس التنفيذي لنائب الملك) لكنه بين يدي مرزا بشير الدين محمود أحمد يبدو طالبا في المدرسة الابتدائية، فرأي مرزا بشير الدين محمود أحمد في كل قضية أفضل من رأي ظفر الله خان، ويقدم أدلة قيِّمة، وذو كفاءة تنظيمية وإدارية هائلة، وامرؤ مثله قادر على رفع أي ولاية إلى قمة الرقي بسهولة. بعد تقسيم الهند كان سيدنا المصلح الموعود قد ألقى بضع خطب في كلية القانون عن إمكانيات تقدُّم البلد. وفي تلك الخطب كان قد وضح بعض النقط كما لو أنه أستاذ جامعي متمكن مستعينا بالخرائط والسبورة والجداول. وتحضرني إحدى النقاط التي أتى على ذكرها فقال: من المؤسف أنه قبل انقسام البلد لم يتم الالتفات إلى الجزر الواقعة على ساحل الهند، وهي لكاديب وسرنديب وبالاديب وغيرها، وإن غالبية سكان هذه الجزر الساحلية مسلمة، وإن أهميتها من ناحية الدفاع لكبيرة جدا. وبعد هذه الخطب ساد انطباع عام لدى المستمعين أنه ليتَهم استشاروا الخليفة وحصلوا على توجيهه قبل عملية التقسيم. لقد أضاع العنادُ غير المبرر والانخداع فرصةَ الانتفاع على الصعيد الوطني من كفاءات موهوبة لمرزا بشير الدين محمود أحمد.

لقد أقرَّ أحد القضاة في مجلس خاص ببراعة سيدنا المصلح الموعود فقال: إني رغم ما حزته من علم وثقافة لم يكن لديَّ أدنى إلمام بهذه القضايا التي تفوق الفطرة. بعد سماع ما تفضل به مرزا محمود أحمد من بيان وإيضاح قد استنار عقلي ونلت العلم الصحيح بهذه القضايا الإسلامية لأول مرة.

فحضرة المصلح الموعود هو ذلك الذي قدّم أفضل الآراء من أجل باكستان قبل استقلالها وبعد استقلالها حتى استنارت به عقول المثقفين، فبآرائه النيِّرة أفاقوا من غفلتهم وأدركوا وهم بين يدي المصلح الموعود كما لو أنهم تلاميذ مدرسة، حيث كانوا يجهلون هذه الأمور الهامة.

ثم في الأيام التي كانت تحاك فيها مؤامرة تأسيس دولة إسرائيل ثم بعد قيامها أيضا حين كانت توضع خطط خطيرة ظل حضرة المصلح الموعود يبذل كل ما في وسعه لتحذير المسلمين من الأخطار القادمة، مبينًا الحقائق على ضوء الدين والتاريخ، وكتب بهذا الصدد مقالا بعنوان «الكفر ملة واحدة»، وقام بترجمته ونشره بين العرب والعالم الإسلامي ونبههم أن يأخذوا حذرهم الآن من الأعداء.

الصحافة العربية تحتفي بحضرته

حين زار حضرة المصلح الموعود بلاد الشام نشرت جريدة «العمران» الدمشقية في عددها الصادر يوم 10 أغسطس 1924 مقالا بعنون «المهدي في دمشق»، وجاء فيه: ما إن نُشر خبر مجيئه إلى العاصمة حتى أتاه كثير من علماء الشام وفضلائها لإجراء النقاش والمناظرة معه فيما يتعلق بدعوته. ثم ماذا حدث، يقول الكاتب: فألْفَوه باحثًا عميق البحث وغزير العلم وذا اطلاع واسع جدا على تعاليم كل الأديان وتاريخها وفلسفتها وعلى ما في الشريعة الإلهية من حكم وأسرار. هذا ما شهدت به إحدى الجرائد العربية.

خدمة حضرته للقضية الفلسطينية

ثم في الأيام التي كانت تحاك فيها مؤامرة تأسيس دولة إسرائيل ثم بعد قيامها أيضا حين كانت توضع خطط خطيرة ظل حضرة المصلح الموعود يبذل كل ما في وسعه لتحذير المسلمين من الأخطار القادمة، مبينًا الحقائق على ضوء الدين والتاريخ، وكتب بهذا الصدد مقالا بعنوان «الكفر ملة واحدة»، وقام بترجمته ونشره بين العرب والعالم الإسلامي ونبههم أن يأخذوا حذرهم الآن من الأعداء.

ونشرت كثير من الجرائد العربية هذا المقال وأشادت به. والمخاوف والأخطار والنتائج التي حذر منها وقتئذٍ قد رأيناها ولا نزال نراها حتى اليوم في صورة الأحداث والحروب الراهنة. ليت المسلمين انتبهوا إلى الخطر ويا ليتهم ينتبهون إليه اليوم أيضا.

وهناك جريدة «الشورى» البغدادية، وقد كتبت بالتفصيل عن هذا المقال في عددها الصادر يوم 18 يونيو 1948. وكذلك نشرت جريدة «الأخبار» الصادرة من دمشق هذا المقال وأشادت به أيما إشادة. هذا المقال حري بأن يقرأه الأحمديون أيضا فإنه سيزودهم بمعلومات كثيرة.

مساعي حضرته لتأسيس دولة باكستان

كان السيد سردار شوكت حيات خان من القادة البارزين الساعين لتحرير الهند، وفي كتاب له بعنوان «الأمة التي فقدتْ روحها» كتب ما تعريبه: تلقيت ذات يوم رسالة من القائد الأعظم (مؤسس باكستان) قال فيها: شوكت، لقد علمتُ أنك ذاهب إلى مدينة «بتاله» التي تبعد عن قاديان خمسة أميال. فاذهبْ إلى قاديان وبلّغْ حضرته (أي إمام الجماعة الأحمدية) مني التماسا بأن يشرفنا بدعائه ومساعدته لتأسيس باكستان. يقول الكاتب: بعد انتهاء الاجتماع وصلتُ إلى قاديان في الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل، وكان حضرة إمام الجماعة يستريح. فأرسلت إليه أنني جئتكم برسالة من القائد الأعظم. فنزل من بيته فورًا وقال ما هي أوامر القائد الأعظم؟ قلت إنه يسألكم الدعاء والمساعدة. فأجاب حضرة المصلح الموعود: إنني منذ أول يوم أدعو لنجاح مهمته، أما أتباعي الأحمديون فإني أوكد له أنه لن يرشح أي أحمدي نفسه إزاء مرشح «مسلم ليغ»، ولو غدر أي أحمدي بمسلم ليغ فإنه يصبح محروما من دعم جماعتي، ولن تؤيده جماعتي، وإن كان هذا أحمديا، بل سوف نؤيد مرشح «مسلم ليغ». وكانت نتيجة هذا اللقاء أن ممتاز دولتانه هَزَمَ نواب محمد دين الأحمديَّ بأكثرية ساحقة.

يقول صاحب هذا الكتاب سردار شوكت حيات: لقد أطاع الأحمديون أميرهم وصوتوا لممتاز دولتانه بدلاً من أن يصوتوا لمحمد دين الأحمدي.

علمًا أن ممتاز دولتانه هو نفس الشخص الذي قام بإجراءات غاشمة ضد الأحمديين خلال حكمه في فتن عام 1953. فإن هؤلاء لا يرتدعون عن لدغ الأحمديين مهما أيدهم الأحمديون.

ويتابع سردار شوكت حيات في كتابه: وعندما وصلت إلى مدينة «بتهانكوت» أمرني القائد الأعظم بلقاء مولانا المودودي أيضا، اكان مقيما في البستان المجاور لقرية تشودري نياز. وعندما بلّغتْه رسالة القائد الأعظم بأن يدعو لتأسيس باكستان ويؤيدنا، ردّ مولانا المودودي وقال: كيف يمكنني أن أدعو لتأسيس ناباكستان (أي أرض الأنجاس)؟ وقال أيضا: كيف يمكن أن تتأسس باكستان ما لم يدخل كل فرد من سكان الهند في الإسلام؟!

تلك كانت رؤية الشيخ المودودي قائد الجماعة الإسلامية حيث قال لن تتأسس باكستان ما لم يحدث كذا وكذا. وهذا يعني أنه كان من المفروض ألا تتأسس باكستان حتى اليوم بحسب رؤيته تلك.

يقول صاحب الكتاب سردار شوكت حيات: تلك كانت رؤية قائد الجماعة الإسلامية، وعلى النقيض انظروا إلى رؤية مرزا بشير الدين محمود أحمد!

أقول: اليوم يزعم هؤلاء الساسة والمشايخ الجاهلون بالتاريخ أن الأحمديين أعداء لهذه البلاد، مع أن الأحمديين كانوا ولا زالوا مستعدين لتقديم كل تضحية من أجلها، أما هؤلاء الذين كانوا يعارضون تأسيسها فصاروا محتكرين لها اليوم. ندعو الله تعالى أن ينجي هذه البلاد من هؤلاء الظالمين عاجلا.

وعلاوة على أنه لم يتخرج في مدرسة أو كلية أو جامعة، ولكن لا نظير لما أغدق الله تعالى عليه من القرآن الكريم. وقد علّق الأغيار بهذا الشأن تعليقات لا تعَدّ ولا تُحصى وقد ذكرت بعضها في السنوات الماضية. ونعثر نتيجة البحث في سجلات قديمة على تفسيرات أخرى للقرآن الكريم من المسودات أو الخطب أو الخطابات لم تُنشر بعد في التفسير الكبير المنشور في عشرة مجلدات. وهذه المسودات التي عُثر عليها مؤخرا تفوق في حجمها حجم المجلدات العشرة المنشورة للتفسير الكبير. وستُنشر قريبا بإذن الله.

هموم المسلمين في بؤرة اهتماماته

هناك إنجاز آخر لحضرة المصلح الموعود يدل على ما كان يكنّه من حرقة ومواساة للمسلمين. في عام 1923 بدأ الجهاد ضد حركة «شدهي» وهي حركة بدأها في الهند الزعيمُ الهندوسي «شُده آنند»، وكانت تستهدف إرجاع المسلمين الذين كان آباؤهم وأجدادهم هندوسا إلى الهندوسية ثانية. فأوفد حضرة المصلح الموعود جماعات من الدعاة المتطوعين إلى منطقة «مَلْكانه». وقد كتبت جريدة «مشرق» الصادرة من غورخبور في عددها الصادر يوم 29 مارس 1923 ما تعريبه: كان لخطب وكتابات إمام الجماعة الأحمدية التي أصدرها على التوالي أثرها العميق جدا على أتباعه، حيث لن تجد في مقدمة هذا الجهاد إلا هذه الفرقة. ومع أن الطائفة الأحمدية لم تكن مضطرة إلى نصرة هذه الفئة من المسلمين الجدد إذ لا علاقة لهم بالأحمدية، ولكنهم كانوا ينتمون إلى الإسلام، فثارت حَمِيَّةُ إمام الجماعة الأحمدية بسبب اسم الإسلام. إن قراءة خطبه تلقي الهيبة في قلب المرء إذ يدرك أنه لا يزال هناك قوم يبذلون أنفسهم باسم الله تعالى. وإذا كان مشايخنا يخافون من أن الجماعة الأحمدية سوف تنشر عقائدها بين هؤلاء القوم فليتقدموا بأنفسهم في هذا الجهاد موحّدين صفوف جماعاتهم وليشربوا السويق مثل الأحمديين. وليكتفوا مثلهم بأكل الحمص المحمص ولينقذوا الإسلام. (علما أن الأحمديين الذين ذهبوا إلى تلك المنطقة كانوا لا يجدون الطعام ولا الطبيخ بل كانوا يعيشون على أكل الحمص المحمص وشرب السويق). ثم يتابع كاتب جريدة «مشرق» فيقول: نرى كثيرا من أبناء الجماعة الأحمدية متحلين بصفات الإخلاص والصدق وإيفاء العهد وطاعة إمامهم. لذا من الواجب علينا الثناء على حضرة المرزا وجماعته بما يمتازون به من عزيمة وإيثار وأمانة وصدق. هذه كانت الصفات المميزة للمسلمين في الماضي وهي توجد في الأحمديين اليوم. إن كرم الجماعة الأحمدية وإيثارها وصدقها وأمانتها وشفافيتها في حسابات الدخل والإنفاق لجديرة بالثناء جدا، وهذا هو السبب في أن هؤلاء ينجزون أعمالا عظيمة رغم إمكاناتهم المحدودة.

(هذا ما اعترف به الأغيار ليثيروا به الحَمِيَّةَ في قومهم ومشايخهم وقالوا: عليكم أن تتحلوا مثل الأحمديين بالإيثار وتوحيد الصفوف. هذه هي اللوعة التي كان يكنها حضرة المصلح الموعود للإسلام والمسلمين، وهكذا وجه حضرته إلى أفراد جماعته كلهم نداء خاصا وحرّكهم تحريكا وجنَّدهم في هذه الخدمة بشكل أو بآخر حتى لم يجد الأغيار أيضا بدًا من الاعتراف بذلك.

وهناك سياسي وصحفي شهير باسمه المستعار م. ش.، وهو اختزال لاسمه الحقيقي وهو ميان محمد شفيع. لقد كتب عند وفاة حضرة المصلح الموعود في جريدته الصادرة بلاهور ما تعريبه:

كيف قام مرزا بشير الدين محمود أحمد بتنظيم جماعته بعد أن صار خليفة في عام 1914؟! وكيف جعل مجلس صدر أنجمن أحمدية مؤسسة منظمة ذات حيوية ونشاط؟! إنه  لأمرٌ دالٌ على قدرته الفذة واللامحدودة على التنظيم. مع أن حضرته لم يكن حائزا على شهادة جامعية، إلا أنه كان علَّامة حقا وذلك بمطالعته الشخصية. لقد أخبرني ذات مرة في حوار وقال: إني أطالع بانتظام جريدة «سيفيل ايند ملتري غزت» من أجل إتقان لغتي الإنجليزية. وقد واصل مطالعة هذه الجريدة إلى أن توقف صدورها بعد أن صارت مِلْكًا لخواجه نذير أحمد. كان حضرة المرزا خطيبا مفوهًا من الطراز الأول وكاتبا فذا، واغتنم كل فرصة لازدهار جماعته. وهناك إنجاز كبير فيما يتعلق بالجماعة حيث أقام لها مركزا ثانيا في ربوة بعد أن انتزعت منها قاديان بُعَيد تقسيم القارة الهندية.

ثم هناك جريدة «النور» الناطقة باسم غير المبايعين للخلافة فكتبت عند وفاة سيدنا المصلح الموعود مقالا بعنوان: «عظيم من بناة الأمة» وذلك في عددها الصادر يوم 16/11/1965م:

«بوفاة الميرزا بشير الدين محمود أحمد إمامِ الحركة الأحمدية بربوة.. أُسدِلَ الستار على مسار حياةٍ هي الأحفل بالأحداث والأحشد بمشروعات بعيدة المدى لا تحصى، مسيرة حياة رجل ذي شخصية عبقرية متعددة المواهب، مفعمة بالنشاط والحيوية. لا يكاد يوجد مجال من مجالات الفكر والحياة المعاصرة من العلوم الدينية إلى تنظيم الدعوة والتبليغ، بل والقيادة السياسية، إلا وترك فيه الفقيد أثرًا عميقًا في خلال نصف القرن الماضي.هناك شبكة كاملة من البعثات الإسلامية والمساجد منتشرة في أنحاء العالم؛ وتواجد عميق للدعوة الإسلامية في أفريقيا، وإزاحةٌ للإرساليات النصرانية الراسخة منذ زمن طويل عن مواقعها. كل ذلك ينهض نصبًا تذكاريًّا وأثرًا خالدًا لما كان يتمتع به الفقيد من تخطيط مبدع؛ ومقدرة تنظيمية وطاقة لا تنضب. لا يكاد يوجد قائد قوم من زمننا الحاضر حَازَ كلَّ هذا الإخلاص العميق من جانب أتباعه.. ليس إبان حياته فقط، بل وبعد وفاته، فقد هرع ستون ألفا من كافة أنحاء البلاد ليقدموا واجب التكريم والتقدير الأخير نحو إمامهم الراحل. وفي تاريخ الحركة الأحمدية.. سوف يُسجَّل اسم الميرزا محمود على أنه عظيم من بُناة الأمة.. شيّد جماعةً متينة محبوكة النسج في مواجهة ظروف ثقيلة الوطأة، وجعل منها قوةً يُحسب حسابها».

إذن، فعلى الرغم من الخلافات لم تجد جريدة غير المبايعين للخلافة أيضا مناصا من القول إن حضرته كان قائدا عظيما. على أية حال، هذا يدل على رحابة صدرهم.

هذا، وهناك تعليقات كثيرة لا تُعدّ ولا تحصى من هذا القبيل. وإضافة إلى ذلك قد أسدى حضرته نصائح للجماعة حول مواضيع مختلفة كذلك نصح المسلمين بوجه عام وأرشدهم. فهناك عدة كتب تقع في مجلدات ضخمة عديدة، ومنها ما نُشر ومنها ما سيُنشر قريبا. وقد نُشر نحو خمسةٍ وثلاثين أو ستة وثلاثين مجلدا اشتملت على خطاباته، ونحو ستة وثلاثين أو سبعة وثلاثين أو ثمانية وثلاثين مجلدا محتويا على خُطبه. باختصار، فقد أسدى بنصائح كثيرة. وعلاوة على أنه لم يتخرج في مدرسة أو كلية أو جامعة، ولكن لا نظير لما أغدق الله تعالى عليه من القرآن الكريم. وقد علّق الأغيار بهذا الشأن تعليقات لا تعَدّ ولا تُحصى وقد ذكرت بعضها في السنوات الماضية. ونعثر نتيجة البحث في سجلات قديمة على تفسيرات أخرى للقرآن الكريم من المسودات أو الخطب أو الخطابات لم تُنشر بعد في التفسير الكبير المنشور في عشرة مجلدات. وهذه المسودات التي عُثر عليها مؤخرا تفوق في حجمها حجم المجلدات العشرة المنشورة للتفسير الكبير. وستُنشر قريبا بإذن الله. فقد أغدق الله تعالى عليه بكل هذه الكنوز مصداقا لهذه النبوءة. إن هذه النبوءة بحق المصلح الموعود لنبوءة عظيمة الشأن لإثبات صدق المسيح الموعود ، وتزيدنا إيمانا. لقد نُشرت كثير من الكتب باللغة الإنجليزية فليستفد من هذه الكنوز أولئك الذين لا يعرفون الأردية كما قلت سابقا أيضا.

ندعو الله تعالى أن يوفقنا للاستفادة من هذا الكنز العلمي.

اضطهاد الأحمدية، ورقتهم الرابحة إلى حين

هناك موجة ثائرة مجددا في باكستان ضد الجماعة الأحمدية. إن عددا كبيرا من رجال السياسة والمشايخ الذين انهزموا في الانتخابات أو لم يقدروا على الحصول على نتائج بحسب رغبتهم، يهاجمون الأحمديين لعيث الفساد. هذا هو الأسلوب الذي يتبعونه دائما أنه عندما يفشلون في نيل مرامهم يفتحون جبهة ضد الأحمديين لكسب صيت رخيص. وهذا ما يفعلونه الآن أيضا إذ يفعلون كل ما في وسعهم لنيل أهدافهم الشخصية وسيفعلون. لذا يجب على الأحمديين أن يكونوا حذرين جدا ويركزوا على الدعاء والصدقات. حمى الله الأحمديين.

أكثروا من الدعاء للأحمديين في اليمن أيضا، ليهب لهم الله سهولة في أمرهم. فكثير من الأحمديين اليمنيين يرزحون تحت وطأة الأسر. فندعو الله تعالى أن يفك أسرهم سريعا. وكذلك ادعوا لأهل فلسطين أن يرحمهم الله وينجيهم من مظالم القوى الكبرى.

الجلسة لجماعتنا في غانا جارية منذ يوم أمس، وغدا، يوم السبت هو اليوم الأخير لجلستهم، فادعوا الله تعالى أن تكون جلستهم ناجحة من كل الجوانب والنواحي. هذه الجلسة معقودة بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس الجماعة هنالك. وسأخطب غدا بإذن الله في الجلسة من هنا وسيُبث خطابي ويُسمع في الجلسة مباشرة. ندعو الله تعالى أن يبارك في الجلسة من كل النواحي.

Share via
تابعونا على الفايس بوك