هل بإمكان العالم إنقاذ سفينة العالم من الغرق؟!

هل بإمكان العالم إنقاذ سفينة العالم من الغرق؟!

رومان باسط

  • كيف الخلاص من الآثار الجانبية التي نتجت عن استخدام العلم الحديث لعلاج مشاكل عالمنا؟
  • ما الدور الذي يرتجيه العالم من الدين في الفترة المقبلة؟

____

لسنوات، سمعنا الملحدين، من «سام هاريس» إلى «ريتشارد دوكينز» المتشدد، يزعمون بفخر أن العلم سيجد حلولاً لمشاكل العالم.

حسناً، ها نحن في عام 2022 نعيش أزمة اقتصادية خطيرة تسبب فقراً غير مسبوق، وصراعات لا نهاية لها عبر القارات، وتغيرات مناخية تدق نواقيس الخطر، وازدياد نفوذ أحزاب اليمين المتطرف- ناهيك عن الغفلة عن العاقبة الوخيمة للتلويح العابث بالسلاح النووي. ساعة نهاية العالم تدق الثانية المائة قبل منتصف الليل أمام أعيننا. نقرأ في نشرة موقع علماء الذَّرة ما يلي: «يجب على القادة في جميع أنحاء العالم أن يلتزموا على الفور بالحد من المخاطر الوجودية”.

ما الذي سيفعله «العلم» بالضبط أو ماذا سيقوله حتى لإقناع قادة العالم بالعدول عما يفعلونه للتوجه إلى السلام؟ رغم أنه الخطوة «العقلانية» والمنطقية التي يجب اتخاذها كما يقول ستيفن بينكر أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد، كيف سيحل «العلم» المشكلة بالضبط؟

ومن المثير للاهتمام أيضاً أن الملحدين الذين كانوا يرفعون عقيرتهم بمقولة أن العلم هو المنقذ لا يكاد يُسمع لهم صوت الآن. فليس لديهم أية حلول.

عجائب العلم وحدوده

هذه المقالة ليست هجوماً على العلم بحد ذاته، إذ كيف يكون ذلك والابتكارات والاكتشافات والعلوم الغربية حصلت بفضل العلماء المسلمين العظماء والحضارة الإسلامية؟!

أدى العلم إلى تقدم التكنولوجيا بشكل كبير وسريع. وبدت إنجازات عصر النهضة رائعة بحق، فأصبح العلم هو «المنقذ» الذي قدم حلولاً للمشاكل التي طال أمدها، مثل التنقل. فالعلم قلل من مدة السفر باختراع مركبات كالسيارات والطائرات. وكان انتشار المعرفة بطيئاً جداً. فبدأت المطابع تطبع وتنشر الكتب والصحف والمجلات حتى تكدست بالملايين. حتى البحوث النووية أجريت لخلق طاقة دائمة وفعالة من حيث التكلفة، والأهم من ذلك، إنها طاقة نظيفة.

لكن لا يخلو كل ذلك من العيوب. إذ أدت وسائل النقل إلى زيادة نسب التلوث، وانتشرت الكتب التي تروج للكراهية والعنف، وتحولت الطاقة النووية رغم فائدتها العالية إلى تهديد رئيسي لبقاء البشرية ولمَوطِنها العالمي.

لا شك أن العلم حقق تقدماً غير عادي في عالمنا، إلا أن سوء استخدامه أدى أيضاً إلى شر لا يمكن تصوره. ويثبت ذلك ما يجري الآن في العالم. ولكن من المهم التمييز بين العلم نفسه وبين من يسيئون استخدامه.

وقد عبر «جون لينوكس»، أستاذ الرياضيات في جامعة «أكسفورد»، عن هذا الأمر بإيجاز شديد في نقاش مع «كريستوفر هيتشنز» فقال: «إذا فشلتُ في التمييز بين عبقرية أينشتاين واستخدام علمه لصنع أسلحة الدمار الشامل، فسأميل إلى القول بأن العلم ليس عظيماً وأن التكنولوجيا تسمّم كل شيء”.

إن عالمنا الآن يحتاج أكثر من ذي قبل إلى السلام، ولكن للأسف، لا يبدو أن التكنولوجيا النووية جاءت مع دليل استعمال لها.

لا شك أن العلم حقق تقدماً غير عادي في عالمنا، إلا أن سوء استخدامه أدى أيضاً إلى شر لا يمكن تصوره. ويثبت ذلك ما يجري الآن في العالم. ولكن من المهم التمييز بين العلم نفسه وبين من يسيئون استخدامه.

إجابات على الأسئلة التي تدور حول الكيفية «كيف؟» وليس على الأسئلة التي تدور حول السبب «لماذا؟

من المعروف عموماً أن العلم لديه إجابات على الأسئلة المتحرية عن الكيفية دون الأسئلة المتحرية عن السبب. لأن الأسئلة المتحرية عن السبب هي أسئلة وجودية أعمق: لماذا نحن هنا؟ من أين أتينا؟ إلى أين نحن متجهون؟

الدين بالنسبة لأكثر من 85٪ من سكان العالم هو الذي يوفر الإجابات على هذه الأسئلة العميقة وليس العلم. يمكن للعلم أن يخبرنا كم يزن القمر، ولكن ليس معنى وجوده. ومع ذلك، لا يزال الملحدون الجدد يرغبون في الاختلاف. يدعي «ريتشارد دوكينز» في كتابه «وهم الإله» أنه: «إذا لم يتمكن العلم من الإجابة على بعض الأسئلة الأساسية، فما الذي يجعل أي شخص يعتقد أن الدِّين يمكنه ذلك؟»

لذا، دعونا نتجه إلى العلم في سعينا لتحقيق السلام العالمي. هل يقدم أي حل؟ بل قد نقول بأن العلم هو الذي أوقعنا في هذه الفوضى في المقام الأول، لكن هذا الادعاء خاطئ. ومن ناحية أخرى، دعونا نرى ما إذا كان الدِّين يوفر أي توجيه. العقل النقدي سيقبل الحل السليم أياً كان مصدره، واضعاً أي تحيز أو كراهية جانباً. فيجب أن نقبل الحقيقة على أنها حقيقة.

دور الدين المرجو في الفترة المقبلة

انبثق أول القوانين في تاريخ البشرية من الدِّين. والنبوة هي التي جلبت أول الأوامر والنواهي، التي تشكل أسس الهيئات التشريعية القوية التي تغطيها ألوان زاهية اليوم.

لم يكن من الممكن أبداً أن تنتهي النزاعات والصراعات دون تدخل يد قدرة الله الحي القيوم الذي أرسل الأنبياء. ومع إدراك أن الله موجود، وأننا سنحاسب على أعمالنا في الآخرة، تتحول البوصلة الأخلاقية الذاتية إلى بوصلة موضوعية يمكن للناس من خلالها أن يتغيروا ويتحولوا إلى أفضل حال.

بدون الخوف من محاسبة كائن أعلى على أعمالنا، لا يمكن لأي قدْر من الإقناع أو العلم أن يعيد البشرية إلى رشدها.

يعلمنا الإسلام مثلاً التمسك بالعدالة المطلقة وترك المصالح الخاصة غير المبررة، لكن هذه التعاليم لا تكون فعالة إلا عندما يؤمن المرء بالله القدير. ما هو معيار العدالة الذي يتطلبه الإسلام؟ أُمِرنا أن نكون عادلين وصادقين طوال الوقت، حتى لو لزم الأمر أن نشهد ضد أنفسنا أو أحبائنا. إن عداوة أمة أخرى يجب ألا تحرضنا أبداً على الشر أو الظلم. يعلمنا الله أن نغفر، سواء كانوا أفراداً أو أمماً بأكملها، من أجل إقامة سلام أوسع.

ويجب تنحية المصالح الخاصة جانباً وغرس قيم نكران الذات والرحمة والحب والتسامح. هذا ما يعلمه الدِّين. وبدون هذا، لا يمكن أبداً أن يكون هناك سلام حقيقي.

لطالما عززت القيادة الأحمدية السلام العالمي. وهي في الوقت الحاضر نشطة جداً في تقديم واقتراح تعاليم الإسلام الأساسية للعالم. والرسالة هي: لا سلام بدون عدالة. ولا يمكن تجنب الأزمات والكوارث إلا من خلال ذلك. أثناء خطابه في  مجلس البرلمان في عام 2013، حذر خليفة المسيح الخامس من «خطر حقيقي لاندلاع حرب نووية. ولمنع الوصول إلى هذه النتيجة المروعة، ينبغي أن نتبنى العدالة والنزاهة والصدق”.

تقديم مثل هذه التعاليم للعالم

لطالما عززت القيادة الأحمدية السلام العالمي. وهي في الوقت الحاضر نشطة جداً في تقديم واقتراح تعاليم الإسلام الأساسية للعالم. والرسالة هي: لا سلام بدون عدالة. ولا يمكن تجنب الأزمات والكوارث إلا من خلال ذلك. أثناء خطابه في  مجلس البرلمان في عام 2013، حذر خليفة المسيح الخامس من «خطر حقيقي لاندلاع حرب نووية. ولمنع الوصول إلى هذه النتيجة المروعة، ينبغي أن نتبنى العدالة والنزاهة والصدق”.

يعلمنا الإسلام ببساطة أن ننشر الرسالة بأفضل طريقة، لا أن نفرض الدِّين على أحد. وقد كُتبت رسائل إلى كبار قادة العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا.  أوضح خليفة المسيح الخامس للبابا “بنديكتوس” السادس عشر أن «هناك حاجة مُلِحَّة لاعتراف البشرية بخالِقها، فهو الضمان الوحيد لبقاء البشرية”.

تقبَّلْ الحقيقة، أياً كان مصدرها

حتى نكون واقعيين، يجب أن نخطو خطوة إلى الوراء ونفكر. ألا يتحقق السلام العالمي بهذه الحلول: إقامة العدل الحقيقي وإلغاء أي مصالح مكتسبة والعفو عن الآخرين، أفراداً كانوا أو دولاً؟ ألن تجعل هذه التعاليم من العالم مكاناً أفضل؟ إذا كانت الإجابة نعم، فإن الدِّين لديه الإجابات والحلول التي نحتاجها بشدة.

والآن بعد أن أصبح العالم في خطر حقيقي، نحتاج بسرعة إلى مَخرج. والدِّين وحده الذي يوفر لنا هذا. وإذا لم ننتبه، فقد يصبح كلام جو بايدن حقيقة واقعة، ونشهد أنا وأنت «أرمجدون» (نهاية العالم) قريباً جداً.

تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via