فكرة التقويم عبر التاريخ
  • ما قصة أول تقويم عرفته الإنسانية؟
  • كيف تطورت التقاويم حتى وصلتنا في هذا العصر؟

 ___

تعتبر دراسة التقاويم من المواضيع المهمة على الصعيد التاريخي والفلكي والعملي وعلى صعيد الحياة بصورة عامة لما لها من الأهمية في تنظيم حياة الإنسان وسير عمله، الأمر جعل جميع الحضارات والأمم عبر السنين تهتم بهذا العلم لتعلقه بصميم حياتهم الدنيوية والدينية، وهذا ما يشير إليه نص التنزيل الحكيم:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. (1).

لقد جعل الله هذا النظام الفلكي العظيم ليعرف الانسان عظمة ربه فيؤدي عبادته في أوقات اختارها له، ويعرف قيمة نفسه لكي يؤدي واجباته تجاه نفسه والآخرين، ويختار أوقات الزراعة والعمل فيبني مجتمعه وبيئته وحضارته. هذا النظام العجيب هو من صنع الله، وبفضل الله توصل الانسان إلى معرفة هذه الحكمة الإلهية فبدأ يؤرخ ويختار بين التقويم الشمسي والتقويم القمري ليختار سنته المدنية ويؤدي واجباته الدينية والدنيوية.

التقويم بين اللغة والاصطلاح

إن كلمة تقويم مشتقة من مادة «ق و م» وقد وردت في اللغة وأريد بها معان عديدة من بينها قولنا: قومتُ الشيء فهو قويم، أي مستقيم، وقولنا: تقوم الشيء أي تعدل واستوى وتبينت قيمته، واستقام الشيء اعتدل واستوى، والتقويم بهذا المعنى يقابله في الإنكليزية كلمة Evaluation.

وفي الاصطلاح يُعرف التقويم بأنه حساب الزمن بالسنين والشهور والأيام، ويقابله تقويم البلدان وهو تعيين مواقعها وبيان ظواهرها(2) وترادفه في الإنكليزية كلمة Calendar. وفي تعريف آخر هو مجموعة قواعد للتوفيق بين السنة المدنية والسنة الاستوائية ولتقسيم الأزمنة(3).

وجميع هذه المعاني والمفاهيم تشير إلى معرفة قياس الزمن حسب تحركات الشمس أو القمر ومن ثم استخراج السنة المدنية التي بواسطتها نعرف الزمن على الكوكب الذي نعيش فيه.

التقاويم عبر التاريخ التقويم المصري القديم

اعتمد المصريون على حركة القمر في تقويمهم بداية، حتى إن كلمة شهر في اللغة المصرية القديمة تتخذ في الكتابة الهيروغليفية (الكتابة التصويرية) شكل القمر رمزاً لها. ويُعدُّ التقويم المصري القديم أول تقويم عرفته الإنسانية، وعلى أساسه بني لاحقا كل من التقويم اليولياني والجريجوري. وفي حساب السنين عرف المصريون القدماء السنة الشمسية، وحددوها بـ 365 يوما، علما أنهم لم يعتمدوا في حساباتهم وتأريخهم للأحداث على الشمس وإنما على نجم «الشعرى اليمانية» Sirius الذي يظهر متألقا في سماء مصر خلال فصل الصيف، حيث يُشرق في التاسع عشر من يوليو ويرتفع في السماء متألقا في أواخر أغسطس، ويكون شروقه مقترنا كل عام مع بداية وصول فيضان نهر النيل إلى رأس دلتا النيل في شمال مصر.

لم يكن للشهور عند المصريين القدماء أسماء محددة، وفي البداية فكانوا يسمون مثلاً الشهر الأول من فصل الفيضان، وقد قاموا بحساب الفترة الزمنية ما بين شروق نجم الشعرى اليمانية وشروقه مرة ثانية فوجدوها 365 يوما، وقد قسموا سنتهم إلى اثني عشر شهرا، وجعلوا كلا منها ثلاثين يوما، فلاحظوا فرقا قدره خمسة أيام، فقاموا بإضافتها القديم إلى نهاية السنة وسموها أيام النسيء.

التقويم الإغريقي القديم

استخدم اليونانيون القدامى التقويم القمري في بداية الأمر وتألف عامهم من اثني عشر أو ثلاثة عشر شهرا، لذا لم يتسم هذا التقويم بالدقة المعهودة في التقويم المصري القديم، وهذا التناوب للسنوات العادية كان بأمر من السلطة فهي التي تقرر أن عدد شهور العام (12) أو (13). وفي عام 593) ق م ) قدم الحاكم (أتين سولون) تقويماً من الطراز البابلي فالدورة الكاملة لهذا التقويم تتم خلال ثماني سنوات ويوجد خلالها خمس سنوات مكونة من (12) شهر وثلاث سنوات مكونة من (13) شهر. إن الفلكي اليوناني (menton) اكتشف في عام432ق م اكتشافاً جديداً سمي بالدورة الميتونية. إن الإغريق استخدموا تقويمهم حوالي 1000سنة تقريبا من 776 ق م وحتى 337م وطول السنة كان عندهم 354 يوم لأنهم اعتمدوا على التقويم القمري والفرق بينها وبين السنة الشمسية هو أحد عشر يوما وربع يوم، وهذا أدى إلى تغيرات في مواعيد السنين فلذلك اضطروا إلى إضافة ثلاثة شهور كل ثماني سنين. وقد أتخذ يوم السابع عشر من يوليو 776 ق م مبدأ للتاريخ عند الإغريق إذ جرت أولى الألعاب الأولمبية عندهم.

يرجع الفضل في تأسيس أول تقويم في الإسلام إلى حضرة عمر بن الخطاب، وعرف بالتقويم الهجري، إذ اتخذ من حدث الهجرة نقطة مرجعية لتأريخ كل الأحداث. وقد دعاه إلى ذلك توسع الفتوحات الإسلامية وحاجة المسلمين إلى تنظيم شؤون الحكم والخلافة

التقويم الروماني

ينسب هذا التقويم إلى روميولس أو رومولوس مؤسس مدينة روما ويقال ان إنشاءها كان في الحادي والعشرين من أبريل سنة 753 ق م. وبهذا التاريخ بدأ العمل بالتقويم الروماني. وبقي هذا التقويم مستعملا لفترة طويلة حتى عهد يوليوس قيصر، والذي أدخل تعديلات على هذا التقويم فنشأ ما سمي فيما بعد بالتقويم اليولياني(4).

4.التقويم اليولياني

ينسب هذا التقويم إلى أحد أباطرة الرومان وهو يوليوس قيصر(5)، حيث أمر الفلكي الإغريقي سوسيجينيس أن يضع نظاما ثابتا للتقويم فاقترح عليه انشاء تقويم جديد يصبح طول الشهر فيه 30 يوما و 31 يوما عدا شهر فبراير الذي اقترح ان يكون طوله 28 يوما فقط ويضاف إليه يوم آخر ليكون 29 يوما في السنوات الكبيسة التي تتكرر كل أربع سنين، فوافق القيصر على ذلك واعطاه صلاحية التنفيذ. فقام بإلغاء السنة القمرية واستخدم بدلها السنة الشمسية التي طولها 365.25 يوما وكل اربع سنوات يجمع ربع اليوم ليكون يوما يضاف إلى السنة الرابعة لتكون 366 يوما وتسمى كبيسة، ثم جعل بداية التاريخ اليولياني في اول يناير من سنة 709 وهي السنة التي شهدت تأسيس مدينة روما، ووافقت الأول من يناير سنة 45 ق. م.

التقويم الميلادي أو الجريجوري

يرجع تاريخ هذا التقويم إلى عام 325 ميلادية، حيث انعقد المجمع الكنسي في مدينة نيقية وتقرر فيه اعتبار سنة ولادة السيد المسيح عليه السلام بداية التاريخ الميلادي، وعرفت سنة هذا التقويم بالسنة الميلادية وهذا التقويم يتبع السنة الشمسية التي تحتوي على 365.25 يوما وهو امتداد للتقويم اليولياني الذي هو بدوره امتداد للتقويم الروماني القديم(6).

التقويم العربي قبل الإسلام

العرب قبل الاسلام كانت حالهم حال أي أمة، فلهم تقويمهم الخاص الذي يؤرخون به حوادثهم وكان هذا التقويم قمريا، إلا أنه لم يكن هناك تقويم واحد يتفق عليه جميع العرب في الجزيرة العربية، وإن اتفقوا على أسماء الشهور ونوع التقويم، أي كونه قمريا، فكان لكل قبيلة تقويم خاص يؤرخون به أهم الأحداث التي عايشوها، فأرخ بعضهم الأحداث من بداية بناء الكعبة على يد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، كما أرخ آخرون، كأهل اليمن، أحداثهم بدءا من انهيار سد مأرب. ومن العرب من جعلوا نشوب حرب الفجار مبدأ لتقويمهم.

الا أن أشهر حدث اعتمد عليه العرب في التأريخ لأحداثهم كان زحف أبرهة الحبشي نحو مكة لهدم الكعبة، هذه الحادثة المذكورة في سورة الفيل نقطة تأريخ معمول بها إلى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي جعل من هجرة رسول الله محمد ﷺ بداية للتقويم الهجري كما سيأتي لاحقا.

التقويم في الإسلام

يرجع الفضل في تأسيس أول تقويم في الإسلام إلى حضرة عمر بن الخطاب، وعرف بالتقويم الهجري، إذ اتخذ من حدث الهجرة نقطة مرجعية لتأريخ كل الأحداث. وقد دعاه إلى ذلك توسع الفتوحات الإسلامية وحاجة المسلمين إلى تنظيم شؤون الحكم والخلافة. وكان السبب الرئيس الذي دعا حضرته إلى التفكير في إنشاء تقويم جديد للمسلمين أن أبا موسى الأشعري كان واليا على البصرة، والتبست عليه كتب الخليفة وأوامره الرسمية المتوالية فلم يستطع تنفيذ بعضها في الوقت المحدد لخلوها من التاريخ، الأمر الذي ألجأه إلى مراسلة الخليفة، التماسا لتحديد تاريخ لأوامره ورسائله ليسهل عليه التنفيذ والتأجيل بحسب ما تقتضيه الحاجة، فرأى الخليفة صواب رأي أبي موسى، وأدرك في الحال أهمية الموضوع وضرورة وضع مبدأ للتاريخ الإسلامي. وفي رواية أخرى أنه عُرضَ على الخليفة عمر بن الخطاب صك مكتوب لرجل على آخر بدين يحل عليه في شهر شعبان، فقال عمر: أي شعبان هذا؟ الذي مضى أو الذي هو آت؟ أو الذي نحن فيه؟ ثم جمع أصحاب رسول الله ﷺ وطلب إليهم أن يضعوا للناس شيئا يعرفون به حلول ديونهم(7). والراجح ان الروايتين صحيحتان لأن كلتيهما تؤيد وتكمل الأخرى في وضع تقويم جديد، فقال البعض نؤرخ لسنة مولد النبي وقال فريق آخر نؤرخ لسنة البعثة، وقال فريق ثالث نؤرخ لسنة الهجرة لأن وقت الهجرة معروف ولم يختلف فيه أحد وكان ممثلو هذا الفريق الاخير عمر وعثمان وعلي y. وأخيرا قال عمر: «الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها وبالمحرم لأنه منصرف الناس من حجهم»، فاتفقوا على ذلك.. وقد اتخذ أول المحرم من السنة التي هاجر فيها النبي ﷺ مبدأ للتاريخ الاسلامي بالرغم من أن الهجرة لم تقع في ذلك اليوم، فالثابت ان صاحب الشريعة الغراء ﷺ بارح مكة قبل ختام شهر صفر ببضعة أيام ومكث ثلاث ليال في غار ثور ثم خرج ليلة غرة ربيع الأول قاصدا يثرب، وكان نزوله ﷺ يثرب بقباء يوم الاثنين 8 ربيع الأول وقت الظهر واستراح هناك أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس بها أول مسجد في الاسلام ثم شرف المدينة يوم الجمعة 12 ربيع الأول. وقد أصاب الصحابة y في اختيار أول المحرم بداية للسنة.

الهوامش:

  1. (يونس: 6)
  2. راجع الصحاح في اللغة والعلوم، المعجم الوسيط، لسان العرب مادة ( قوم )، و ( زمن ).
  3. المنجد مادة ( قوم ) و ( زمن ) .
  4. المدخل الی دراسة التقویم،د.محمد زاهد الخلیل المشهداني، ص43
  5. المرجع السابق، ص46
  6. المرجع السابق، ص50
  7. انظر: تاریخ ابن عساكر، تاريخ الخلفاء للسيوطي، البداية والنهاية لابن كثير، الكامل في التاريخ لابن الأثير.
تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via