بيان صحفي: الإرهاب في فرنسا وكيف يجب على المسلمين الرد؟

.ز
.
بيان صحفي صادر عن الجماعة الإسلامية الأحمدية 29/10/2020
.
الإرهاب في فرنسا وكيف يجب على المسلمين الرد؟
في 16/10/2020، قُتل المعلم الفرنسي صمويل باتي بوحشية في شوارع بلدة كونفلان-سانت-هونورين الفرنسية على يد متطرفٍ إرهابي، ربما كان مسلمًا بالاسم ولكن بالتأكيد ليس بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، قُتل في وقتٍ سابق اليوم، ثلاثة أشخاص في نيس في هجوم يشتبه أنه إرهابي.أدت هذه الاعتداءات المروعة، التي ارتُكبت بذريعة كاذبة هي الدفاع عن شرف نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، إلى الغضب، وفاقمت التوترات بين المسلمين في فرنسا وبقية المجتمع الفرنسي.كما تعمقت تداعيات هذا الأمر في الأيام الأخيرة، حيث دعت دول إسلامية معينة بقيادة تركيا إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية ردًا على التعليقات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي قال فيها إن “الإسلاميين يريدون مستقبلنا” وأن فرنسا “لن تتخلى عن رسوماتها الكاريكاتورية”. ومن ناحية أخرى، اصطفت الدول الغربية للتعبير عن تضامنها مع فرنسا.
وبشأن الأوضاع المتصاعدة، قال الخليفة الخامس للمسيح الموعود حضرة ميرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز) في بيان:
لا يمكن للعنف أن يساعد قضية المسلمين أبدًا:
كمدرّس، كان صموئيل باتي يتصرف في إطار القانون الفرنسي وضمن حدود المناهج التعليمية المقررة. وبهذا الصدد، وبغض النظر عن أن المسلمين يعتبرون هذه الرسوم الكاريكاتورية مسيئة، فإن السيد باتي كان ضحية بريئة تمامًا.إن الرد بالعنف أو الدعوة إلى رد فعلٍ متعصب لا يخدم إلا أولئك الذين يرغبون في تصوير الإسلام على أنه دينٌ أصولي ومتطرف. ولن يؤدي إلا إلى ترسيخ موقف أولئك الذين يسعون إلى تبرير نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على أنها مسألة تتعلق بحرية التعبير. وبالتالي، فإن مثل هذه الهجمات الدنيئة لن تردع أو تقلل من احتمالات نشر المزيد من الرسوم الكاريكاتورية ولكنها ستؤدي فقط إلى نشرها وانتشارها. لقد أثبت التاريخ الحديث صحة هذه النقطة – فرد الفعل العنيف الذي أعقب النشر الأولي للرسوم الكاريكاتورية التي تصور الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في عام 2005 لم يردع الآخرين عن تكرار الأمر نفسه، بل عمل على تشجيع عزمهم وتقويته على اتباع الخطى نفسها.
المقاطعة أم لا؟
فيما يتعلق بالضغوط الاقتصادية، تبقى الحقيقة أنه من غير المرجح أن يكون لمقاطعة المنتجات الفرنسية أو الغربية أو غيرها من الإجراءات المماثلة أي تأثير كبير أو دائم. فنظرًا للواقع الجغرافي السياسي المترابط اليوم، فإن استمرار المقاطعات أو عمليات الحظر هذه أو انتشارها على نطاق واسع أمرٌ غير واقعي، كما يعيش ملايين المسلمين في الغرب ومن غير الممكن ببساطة أن يشاركوا في مثل هذه المقاطعات. وبالتالي فإن الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية هي تصرُّفٌ عاطفي وليس عقلانيا. علاوة على ذلك، يجب على المسلمين عدم المشاركة في الاحتجاجات التي تضر بازدهار بلادهم.
هل يجب أن تكون هناك قيود على حرية التعبير؟
نحن نعتبر الرسوم الكاريكاتورية التي تصور النبي محمد صلى الله عليه وسلم والتي نشرتها تشارلي إبدو وتلك التي نشرتها صحفٌ أخرى في الماضي مسيئة ومؤلمة واستفزازية. هذا رد فعل بشري طبيعي مبني على حبنا وإخلاصنا للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي نعتبره القدوة المثالية للبشرية. علاوة على ذلك، فإننا نرى أنه أمرٌ مؤسف جدًا أن تُنتهك حرمة الدين وتُقوّض يومًا بعد يوم.مع الحرية تأتي المسؤولية، وبالتالي عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير، فإننا نعتقد أنه يجب استخدامها بدرجة من الحذر. فعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لحرية التعبير، فإنه في مجتمع اليوم، تعتبر بعض المواضيع خارجة عن نطاق حرية التعبير. ولحسن الحظ، فإن غالبية المجتمع لا يتسامح مع اللغة العنصرية أو العبارات المعادية للسامية. وقد تم وضع قيود على التعبير من أجل صالح المجتمع. ونعتقد أن هذا يجب أن يمتد إلى كل ما يعتبره أهل الأديان مقدسًا.وفي الوقت ذاته، نعلم أيضًا أنه عندما كان أعداء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يشتمونه أو يستهزئون به شخصيًا، قد ردّ بسلام ولم يسمح أبدًا لأي من أصحابه بالانتقام. لنذكر مثالاً واحداً فقط، انظروا كيف رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي بن سلول الذي سخر منه وأساء إليه بلا حدود. بعد العديد من الإهانات والاعتداءات اللفظية على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، طلب ابن عبد الله بن أبي، وكان مسلمًا، الإذن بقتل والده بسبب الإهانات المؤذية والخبيثة التي وجهها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب مثالاً رائعًا على الصبر والتسامح ليس فقط لأصحابه، بل للمسلمين على مر الأجيال، فقد نهى عن اللجوء إلى العنف وقال بدلاً من ذلك أنه: “سيستمر في معاملة أبيه برحمةٍ وتقدير”(من كتاب حياة محمد للخليفة الثاني للجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة ميرزا بشير الدين محمود أحمد). بلا شك، فإن رد النبي صلى الله عليه وسلم هذا يوضح الظلم الكبير الذي يرتكبه اليوم أولئك الذين يحملون السلاح “للانتقام” لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
العنف اعتراف بالهزيمة الفكرية
في عهد مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة ميرزا غلام أحمد عليه السلام، نُشر كتاب بعنوان “أمّهات المؤمنين” استُخدمت فيه لغة مهينة وبغيضة لوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجاته. عند نشر هذا الكتاب وتوزيعه، اشتعل غضب المسلمين في الهند. وبالإضافة إلى المطالبة بحظره، انتشرت الاحتجاجات والاضطرابات. وقد رفض المسيح الموعود عليه السلام رد الفعل هذا ووصفه بأنه مخالف للإسلام وقال إن اللجوء إلى حظر الكتاب أو التحريض على الفوضى هو رد من يقبلون الهزيمة الفكرية. وبدلاً من العنف والإكراه، سعى المسيح الموعود عليه السلام إلى إقناع أصحاب النفوذ سلميًا بالحاجة إلى النقاش الحضاري وبالفوائد التي تعود على المجتمع من وضع قيود معينة على التعبير من أجل السلام ووحدة المجتمع. وبدلاً من الرد بالعنف، سعى المسيح الموعود عليه السلام إلى إظهار الشخصية الحقيقية والنبيلة لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، ودعا المسلمين الآخرين إلى القيام بالأمر ذاته.
نشر فضائل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
كذلك فقد نُشر في أواخر عشرينيات القرن الماضي كتاب آخر يسيء ظلمًا وعدوانًا إلى شخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعنوان “رانجيلا رسول”. ومرة أخرى غضب المسلمون، لكن الخليفة الثاني للجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة ميرزا بشير الدين محمود أحمد (رضي الله عنه) قد رفض جميع أشكال العنف والفوضى، ودعا المسلمين بدلًا من ذلك إلى عقد مؤتمرات وبرامج مخصصة لإظهار الشخصية الحقيقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.في ذلك الوقت، قال الخليفة الثاني للجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة ميرزا بشير الدين محمود أحمد رضي الله عنه:
وهكذا فقد كانت الجماعة الإسلامية الأحمدية رائدة في هذا الصدد، وهي مستمرة حتى يومنا هذا في إقامة برامج منتظمة في جميع أنحاء العالم من أجل إطلاع غير المسلمين وتنويرهم بالشخصية الحقيقية للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
الطريقة الخاطئة للرد
بعد نشر الرسوم الكاريكاتورية من قبل صحيفة Jyllands-Posten الدنماركية عام 2005، أوضح إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية، حضرة ميرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز) أن المسلمين الذين أحرقوا المباني أو الأعلام وارتكبوا أعمال العنف والفوضى كانوا يتصرفون بطريقة تتعارض مع تعاليم الإسلام.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز) آنذاك:
“وبدلاً من ذلك، أكد حضرته على حاجة المسلمين لإظهار الشخصية الحقيقية لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم للعالم.
حيث تابع حضرة ميرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز) قائلًا:
الطريقة الصحيحة للرد
بعد مقتل صمويل باتي، أصدرت الجماعة الإسلامية الأحمدية في فرنسا على الفور بيانًا يدين الهجوم ويؤكد على أنه يعارض تمامًا تعاليم القرآن الكريم. كما أعرب البيان عن تعاطفه مع أهالي الضحايا والمجتمع الفرنسي الأوسع.
وتابع الدكتور طلحة رشيد قائلًا:
“رفع الرئيس المحلي للجماعة الإسلامية الأحمدية مع أبنائه لافتة كتب عليها “الحب للجميع ولا كراهية لأحد” وكان التأثير فوريًا، حيث صفق الناس وابتسموا لهم – كانوا بحاجة إلى سماع هذه الرسالة من الجالية المسلمة. بالإضافة إلى ذلك، توافدت وسائل الإعلام أيضًا لالتقاط صورة للراية. وتمت مقابلة الرئيس المحلي في وقت الذروة من قبل قناة BFM وهي واحدة من أكثر القنوات الإخبارية مشاهدة في فرنسا”
قال الرئيس المحلي للجماعة الإسلامية الأحمدية عبد الغني بلعربي خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة بي إف إم:
وهكذا، في الأيام التي أعقبت الهجوم، تمكنت الجماعة الإسلامية الأحمدية من تمثيل التعاليم الحقيقية للإسلام وتقديمها لجمهور لا يقل عن 18 مليون فرنسي من خلال مختلف المنصات، وردا على ذلك، تم تلقي المئات من رسائل التقدير من المسلمين الآخرين ومن غير المسلمين على حدٍ سواء.
بعد مشاهدة التغطية الإعلامية، علق مسلم غير أحمدي قائلًا:
وقال مسلم آخر غير أحمدي:
وكتب مسيحي فرنسي:
نحن نتفق تماما مع هذه المشاعر. فإذا كان المسلمون يرغبون في تغيير الرواية الكاذبة التي شوهت وجهة نظر الإسلام في كثير من أنحاء العالم، فعليهم أن يسعوا إلى تجسيد تعاليمه الحقيقية ونقلها ووأد رسالة المتطرفين والإرهابيين عند كل فرصة. ونأمل أن يُمنح المسلمون المسالمون المنابر لإيصال التعاليم الحقيقية لدينهم من خلال وسائل الإعلام وغيرها في ظل الظروف العادية وليس فقط للرد على مثل هذه الأحداث المأساوية.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز: