مذهبنا واعتقادنا في القرآن الكريم، استنادا إلى أقوال سيدنا المسيح الموعود
التاريخ: 2023-02-03

مذهبنا واعتقادنا في القرآن الكريم، استنادا إلى أقوال سيدنا المسيح الموعود

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • ما الدلائل التي نسوقها للتدليل على أن القرآن هو الكتاب الكامل؟
  • ما مذهب المسلمين الأحمديين في بيان العلاقة بين القرآن والأحاديث؟
  • ما ترتيب القرآن بإزاء ما سواه من كتب؟
  • ما علاقة القرآن بفطرة الإنسان؟

____

يقول المسيح الموعود في أحد المواضع في معرض ذكره فيوض القرآن الكريم:

«إن باب فيوضه وبركاته مفتوح إلى الأبد. وسيبقى متميزًا ومتلألئًا في كل الأزمنة كما كان في زمن سيدنا ومولانا محمد ».

ثم يقول حضرته: صحيح أن أكثر المسلمين تركوا القرآن الكريم ومع ذلك أنواره وبركاته وتأثيراته حية وتتجدد دائما. وقد أُرسِلتُ في هذا الوقت لأثبت هذا الأمر، والله تعالى يُرسل دائما عباده لنصرته وتأييده في وقت مناسب لأنه وعد:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (1).

لقد بعث الله تعالى في هذا العصر الخادم الصادق للنبي لنشر تعاليم القرآن الكريم ولحفظه، وعلّمه تلك المعارف التي كانت خافية عن أعين الناس، وفجّر سبحانه وتعالى من خلاله ينبوعًا من فيض القرآن الكريم، بل وقد جاء لإقامة حكومة القرآن الكريم في العالم، ولكن من شقاء العلماء المزعومين أنهم، منذ إعلان حضرته عن دعوته، قد جعلوا معارضته غايتهم، ولا يريدون أن يسمعوا دليل الصدق ولا قول الحكمة ولا حديث العقل، وهكذا يضلون الناس. إنهم يجهلون العلوم والمعرفة ومع ذلك يسعون لوضع العقبات في طريق مَن بعثه الله تعالى لهذا الغرض، ويعتبرون عملهم هذا خدمةً للقرآن الكريم. إن هؤلاء العلماء يثيرون ضجة بين حين وآخر، وينضم إليهم بعض الساسة والمسؤولين الحكوميين الذين يريدون كسب شهرة رخيصة، ويصبون على رؤوس الأحمديين ألوان الظلم بشتى الحيل. ومنذ فترة وجيزة أخذ هؤلاء يحاولون تلفيق الاتهامات ورفع القضايا على الأحمديين بدعوى تحريفهم القرآن الكريم والإساءة إليه، وقانا الله تعالى من شر هؤلاء، وهيّأ سبل الإفراج عن الأحمديين الذين تمّ اعتقالهم بهذه التهمة الباطلة والظالمة.

على أية حال، كما قلتُ فإنه من نور تعليم المسيح الموعود تتجلى علوم القرآن الكريم ومعارفه وهو عمل تقوم به الجماعة الإسلامية الأحمدية وحدها. وسأتناول اليوم مقتبسات معرفية من أقوال المسيح الموعود وكتبه حول عظمة القرآن الكريم وأهميته ومنزلته.

القرآن الكريم الكتاب الكامل

يقول المسيح الموعود عن كون تعليم القرآن الكريم كاملا ومكمِّلا:

«إن مذهبي هو أن القرآن الكريم كامل في تعليمه ولم تبق حقيقة خارجه لأن الله جلّ شأنه يقول: …وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء ، أي لقد أنزلنا عليك الكتاب الذي يشمل بيان كل شيء. ويقول أيضا: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ.. ، أي لم نجعل أي شيء خارج هذا الكتاب؛ ولكن إلى جانب ذلك أعتقد أيضا أنه، بحسب مشيئة الله، ليس بوسع كل مجتهد أو شيخ أن يستخرج ويستنبط من القرآن الكريم جميع المسائل الدينية أو أن يقدر على تفسير صحيح لمجملاته، (أي أن القدرةَ على بيان تفصيله وتفسيره والتعمق فيه لاستخراج جواهر العلم والعرفان منه لم تُعط لكل من هب ودب) بل هذه المهمة موكولة إلى الذين نُصروا بالوحي الإلهي بصورة نبوة أو ولاية عظمى. فالصراط المستقيم للذين لا يقدرون على استخراج المعارف القرآنية واستنباطها لكونهم غير ملهَمين هو أن يقبلوا دون تردد وتوقُّف -ودون التوجّه إلى استخراجها واستنباطها من القرآن- التعاليم التي وصلتنا بواسطة السنن المتوارثة والمعمول بها. (فمن لم يُعطَوا قدرةً وعلمًا ومعرفةً فعليهم الاستفادة من التفاسير التي قام بها المفسرون القدامى من الصلحاء والمتقين والأئمة السابقين في عصرهم، والعمل بعلوم القرآن الظاهرة بدلا من أن يأتوا ببدعٍ خاطئة) أما الذين نُوِّروا بنور وحي الولاية العظمى، ويدخلون في حزب إِلَّا الْمُطَهَّرُون فقد جرت سُنَّة الله معهم بلا شك أنه يكشف عليهم بين حين وآخر دقائق القرآن الكامنة، (أي أن الله تعالى يكشف على الخواص من عباده علوم القرآن الكريم العميقة) ويُثبت لهم أن النبيَّ لم يُعطِ تعليما إضافيا قط.

علاقة الأحاديث النبوية بالقرآن الكريم

يتساءل البعض عن الحديث النبوي وعلاقته بالقرآن، ويجيبهم سيدنا المسيح الموعود بأن الله تعالى عندما يعطي أحدًا علم القرآن ومعرفته فبذلك يثبت له أن النبي لم يقل شيئا زائدا عما في القرآن، فالحق أن الأحاديث تتضمن إشارات توحي إلى تفسير بعض الآيات القرآنية وتفصيلها، وبها تنكشف مواضيع القرآن وتتجلى أكثر، فيقول حضرته: بل الأحاديث تتضمن تفصيلا لمجملات القرآن الكريم وإشاراته. فبعد تلقيهم هذه المعرفة ينكشف عليهم إعجاز القرآن الكريم، ويتبيّن لهم صدق آياته البينات كما يقول الله جلّ شأنه بأنه لا يوجد شيء خارجه.

لقد بعث الله تعالى المسيح الموعود في هذا العصر لنشر علوم القرآن الكريم ومعرفته. وتحدث حضرته عن القرآن بوصفه الذريعة الأولى للهداية، كما تحدث عن مذهبه واعتقاده، فذكر أن مذهبه هو أن الله أعطى لأجل الهداية ثلاثة أشياء؛ أولها القرآن الكريم الذي يشتمل على وحدانية الله وجلاله وعظمته، ويتضمن القراراتِ الفاصلة فيما اختلف فيه اليهود والنصارى، كاختلافهم وخطئهم بأن عيسى بن مريم قد قُتل على الصليب وصار ملعونًا، ولم يتمّ رفعه كما رُفع غيره من الأنبياء، إذ يتوهمون أن الله تعالى لم يُنعِم على عيسى بقربه، فنفى القرآن هذا الظن بحق بعيسى وبين خطأه. كذلك أشار سيدنا المسيح الموعود إلى نهي القرآن عن كل أنواع الشرك بكل وضوح وجلاء، فنهى أن نُشرك مع الله تعالى شيئًا في عبادته، إنسانا كان أو حيوانا أو الشمس أو القمر أو النجوم أو الأسباب أو حتى أنفسنا. لذلك يقول ينبهنا حضرته فيقول: فكونوا حذرين ولا تخْطُوا خطوةً واحدة خلاف تعليم الله وهدْي القرآن. الحق والحق أقول لكم إن من يُعرض عن أصغر أمر من أوامر القرآن السبعمائة فإنه بيده يسدّ على نفسه باب النجاة. إن القرآن قد فتح سبل النجاة الحقيقية والكاملة، أما ما سواه فليس إلاّ ظلاًّ له. لذلك فاقرؤوا القرآن بتدبر، وأحِبّوه حبًّا جمًّا، حبًّا ما أحببتموه أحدًا، لأن الله قد خاطبني بقوله: «الخير كله في القرآن». ووالله إن هذا لهو الحق. فوا أسفًا على الذين يقدّمون عليه غيرَه! إنّ مصدرَ فلاحِكم ونجاتكم كله في القرآن. وما من حاجة من حاجاتكم الدينية إلا توجد في القرآن. وإن القرآن لَهُو المصدّق أو المكذّب لإيمانكم يوم القيامة. ولا يستطيع كتاب غير القرآن -تحت أديم السماء- أن يهديكم دون واسطة القرآن.

ليس بوسع كل مجتهد أو شيخ أن يستخرج ويستنبط من القرآن الكريم جميع المسائل الدينية أو أن يقدر على تفسير صحيح لمجملاته، (أي أن القدرةَ على بيان تفصيله وتفسيره والتعمق فيه لاستخراج جواهر العلم والعرفان منه لم تُعط لكل من هب ودب) بل هذه المهمة موكولة إلى الذين نُصروا بالوحي الإلهي بصورة نبوة أو ولاية عظمى. فالصراط المستقيم للذين لا يقدرون على استخراج المعارف القرآنية واستنباطها لكونهم غير ملهَمين هو أن يقبلوا دون تردد وتوقُّف -ودون التوجّه إلى استخراجها واستنباطها من القرآن- التعاليم التي وصلتنا بواسطة السنن المتوارثة والمعمول بها. (فمن لم يُعطَوا قدرةً وعلمًا ومعرفةً فعليهم الاستفادة من التفاسير التي قام بها المفسرون القدامى من الصلحاء والمتقين والأئمة السابقين في عصرهم، والعمل بعلوم القرآن الظاهرة بدلا من أن يأتوا ببدعٍ خاطئة) أما الذين نُوِّروا بنور وحي الولاية العظمى، ويدخلون في حزب إِلَّا الْمُطَهَّرُون فقد جرت سُنَّة الله معهم بلا شك أنه يكشف عليهم بين حين وآخر دقائق القرآن الكامنة، (أي أن الله تعالى يكشف على الخواص من عباده علوم القرآن الكريم العميقة) ويُثبت لهم أن النبيَّ لم يُعطِ تعليما إضافيا قط

القرآن الكريم بإزاء الكتب الأخرى

كيف لمن كان له هذا التعليم وهذا التفكير ومن كان يوصي بذلك أتباعه أيضا أن يحرّف شيئا من القرآن الكريم، والعياذ بالله؟! ليت هؤلاء المفترين فكروا قليلا عند الاتهام!

قال :

«لقد منَّ الله عليكم منّةً عظيمة إذ أعطاكم كتابًا مثل القرآن. أقول صدقًا وحقًا إنّ الكتاب الذي تُلي عليكم لو تُلي على النصارى لما هلكوا، وإنّ هذه النعمة والهداية التي أوتيتموها لو أوتيها اليهود مكانَ التوراة لما كفرتْ بعضُ فِرَقهم بيوم القيامة. فاقدروا هذه النعمة التي أوتيتموها. إنها لَنعمة غالية. إنها لَثروة عظيمة! لو لم يأت القرآن لكانت الدنيا كلها كمضغة قذرة.إن القرآن كتاب لا تساوي جميعُ الهدايات الأخرى إزاءه شيئًا. إن روح القدس الذي نزل بالإنجيل ظهر في صورة حمامة؛ وهي حيوان ضعيف تستطيع حتى الهرّة اختطافه، لذلك ظلّ النصارى يتدهورون ويزدادون انحطاطًا يومًا بعد يوم، حتى لم تبق فيهم روحانيّة، لأنّ مدار إيمانهم كله كان على الحمامة.الآن بحسب الإحصائيات الجديدة معظم المسيحيين ينكرون المسيحية ويتخلون عنها لأنهم لا يجدون فيها الروحانية، وإنه من شقاوة المسلمين أنهم مع وجود القرآن لديهم لا يستفيدون منه والذي أرسله الله تعالى لنشر علم القرآن ومعرفته يكفرون به. بينما الروح القدس الذي نزل بالقرآن الكريم، فيصفه حضرته  ويقول: أما الروح القدس الذي جاء بالقرآن الكريم فقد تجلّى بهيئة عظيمة ملأت بكيانها العالَـمَ بأسره من الأرض إلى السماء. فشتان بين تلك الحمامة وهذا التجلّي العظيم الذي هو مذكور في القرآن الكريم أيضًا!إن القرآن قادر على تطهير الإنسان في أسبوع واحد إنْ لم يكن هناك إعراض ظاهري أو باطني. إنّ القرآن قادر على أن يجعلكم مثل الأنبياء شريطة ألا تفرّوا منه. (أي لو عمل الإنسان على تعليم القرآن بشكل كامل والتزم بجميع أحكامه لاصطبغ بصبغة الأنبياء، وهي الدرجة الأخيرة التي يمكن أن ينالها الإنسان ببركة القرآن الكريم) قال : أيُّ كتاب سوى القرآن علّم قرّاءه منذ البداية هذا الدعاء وأراهم بارقة الأمل هذه؟ أعني قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، أي: أَرْشِدْنا إلى سبيل نعمائك التي أرشدتَ إليها الأولين من المنعَم عليهم من النبيين والرسل والصدّيقين والشهداء والصالحين. لذلك فارفعوا هِمَمَكم، ولا تردّوا دعوة القرآن، فإنه يريد أن يهبكم النعم التي وهبها للأولين(2).

ثم بيَّن حضرته أن الوسيلة الثانية للهداية بعد القرآن هي السنَّة النبوية، والوسيلة الثالثة هي الحديث شريطة ألا يكون منافيا للقرآن والسنة، لأن الأحاديث جمعت بعد فترة طويلة بل بعد أكثر من مئة عام. ثم قال موصيا بإكرام القرآن الكريم، والذين يكرمون القرآن سيُكرمون في السماء. قال في تفصيله:

«ومن التعاليم الضرورية لكم أن لا تتّخذوا القرآن مهجورًا، فإنّ فيه حياتَكم. إن الذين يُكرِمون القرآنَ سيُكرَمون في السماء، (أي لا تتركوا القرآن نهائيا بحيث لا تعملون به وتجعلونه كالمهجور، بل عليكم أن تتلوه بالتزام وتعملوا بأحكامه لأن الذين يُكرِمون القرآنَ سيُكرَمون في السماء) والذين يؤْثِرون القرآن على كل حديث وعلى كل قول سيُؤْثَرون في السماء. لا كتابَ لبني نوع الإنسان على ظهر البسيطة الآن إلا القرآن، ولا رسولَ ولا شفيعَ لبني آدم كلهم إلا محمد المصطفى ، فاسعوا جاهدين أن تحبّوا هذا النبيَّ ذا الجاه والجلال حبًّا صادقًا، ولا تُفضِّلوا عليه غيرَه بشكل من الأشكال، لكي تُكتَبوا في السماء من الناجين. واعلموا أنّ النجاة ليست بشيء يظهر بعد الموت، إنما النجاة الحقيقية هي تلك التي تُري لمعانها في هذه الحياة الدنيا. (يكون إيمان الإنسان قويا لدرجة يرى لمعانه في هذه الدنيا ويستعد لمواجهة كل نوع من الاضطهاد، ومَثله الحديث ما رأيناه مؤخرا في إخوتنا الشهداء في بوركينافاسو) قال : ألا من هو الناجي؟ هو ذاك الذي يوقن بأن الله حق، وأَن محمّدا شفيعُ الخَلق كلهم عند الله، وأنْ لا مثيلَ له مِن رسول ولا مثيلَ للقرآن من كتاب تحت أديم السماءِ، وأن الله تعالى لم يشأ لأحد أن يحيا حياة الخلود، إلاّ أنّ هذا النبي المصطفى حيّ خالد إلى أبد الآبدين(3).

معنى «خاتم النبيين» استنادا إلى القرآن الكريم

ردّ حضرته هنا على تهمة أخرى تُلصق بنا وهي أننا نسيء إلى النبي ، والعياذ بالله. ثم قال عن كون القرآن الكريم خاتم الكتب:

النبي خاتَم النبيين، والقرآن الكريم خاتَم الكتب. فلا شهادةَ جديدة بعد الآن، ولا صلاة جديدة. ولا نجاة بترك ما قاله النبي وما فعله، أو ما جاء في القرآن الكريم؛ ومن تركه فمأواه جهنم. هذا ديننا، وهذا هو مذهبنا. وإلى جانب ذلك يجب أن يكون معلوما أيضا أن باب مكالمات الله ومخاطباته مفتوح على هذه الأمة. (يكلّم الله اليوم أيضا ولم يُسد هذا الباب بل هو مفتوح) وهذا الباب يمثِّل شهادة متجددة ودائمة على صدق القرآن الكريم وصدق النبي ، لذا علّم الله في سورة الفاتحة دعاء: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم . ففي تعليم الدعاء للحصول على صراط الذين أنعم الله عليهم، إشارة إلى الحصول على كمالات الأنبياء عليهم السلام. والمعلوم أن الكمال الذي أُعطيه الأنبياء كان كمال معرفة الله، وقد نالوا هذه النعمة بواسطة المكالمات والمخاطبات الإلهية، فاطلبوا أنتم أيضا الكمال نفسه. فلا تظنوا أن القرآن الكريم يأمر بالدعاء فقط لتحصيل هذه النعمة ولكن لا ثمار له، أو أنه ليس لأحد من الأمة أن ينال هذا الشرف، وهذا الباب مغلَق إلى يوم القيامة. (من جهة تدعون بهذا الدعاء والله يأمر بأن تدعوا جميعكم لنيل مرتبة المنعَم عليهم، ولكن الغريب أن المسلمين بالرغم من ذلك يقولون بأنه لا يمكن أن ينال أحد من الأمة هذه الدرجة ناهيك أن ينالها الكثيرون، ويرون أن هذا الباب مغلَق إلى يوم القيامة) قولوا بالله عليكم، هل تثبت هذه الفكرة أية مزية للإسلام والنبي ، أم تُسببُ إهانة لهما؟! (إنكم تتهموننا، والآن أخبرونا من يرتكب الإساءة؟ نحن أم أنتم؟ إذ تغلقون باب النعم مع أن الله تعالى قد علّم هذا الدعاء لنيلها) قال : أقول صدقا وحقا إن الذي يعتنق هذا الاعتقاد يسيء إلى الإسلام، ولم يفهم مغزى الشريعة قط. الإسلام لا يهدف إلى أن يقرّ الإنسان بوحدانية الله باللسان فقط، بل عليه أن يدرك حقيقتها، وألا يكون إيمانه بالجنة والنار نظريا فقط، بل يجب أن يطّلع فعلا على كيفية الجنة في هذه الحياة، (أي بسبب الحسنات تصبح هذه الحياة أيضا جنة) ويتخلص من الذنوب التي يرتكبها الهمجيون. لقد كان هذا ولا يزال؛ الهدف الأعظم للإسلام، وهو الهدف المقدَّس والمطهَّر الذي لا يسع قوما أن يأتوا بنظيره من دينهم، ولا يستطيعون أن يقدموا نموذجا له. يمكن أن يدّعي المرء بلسانه ما يحلو له، ولكن هل من أحد يقدر على إراءة هذا النموذج عمليا؟!(4)

إذن، المؤمنون بالمسيح الموعود بحاجة ماسة إلى الوصول إلى هذا المستوى وإلى إطلاع العالم عليه، ولا سيما لاطلاع الذين يكفّروننا على أن الأحمديين لا يروون قصصا قديمة فقط بل يوقنون اليوم أيضا بأفضال نازلة على كتاب حي ورسول حي، ويؤمنون أيضا بأن الله تعالى يتكلّم اليوم أيضا.

ثم يقول المسيح الموعود : «لقد أعطانا الله النبيَّ الذي هو خاتم المؤمنين وخاتم العارفين وخاتم النبيين، كما أنزل عليه ذلك الكتاب الذي هو جامع الكتب وخاتمها. لقد كان النبي خاتم النبيين، وقد ختمت به النبوة، ولكنها لم تُختم كما يقضى على أحد بخنقه، فمثل هذا الخاتم ليس مدعاة للفخر، وإنما المراد من ختم نبوة رسول الله أن كمالات النبوة قد خُتمت عليه طبعا. أعني أن شتى الكمالات التي أُعطيها الأنبياء من آدم الى المسيح بن مريم منفردين قد جُمعت كلها في نبينا وهكذا صار خاتم النبيين طبعا. كذلك إن كل التعاليم والوصايا والمعارف التي وردت في شتى الكتب قد خُتمت على القرآن الكريم فصار خاتم الكتب.»

ثم يقول: «إن كلمة خاتم النبيين التي أُطلقت على رسول الله تقتضي ذلك بحد ذاتها. ومن مقتضى هذه الكلمة بالطبع أن يكون الكتاب الذي نزل عليه خاتم الكتب وأن توجد فيه كافة أنواع الكمالات التي هي موجودة فيه في الحقيقة.

السنة الثابتة في نزول الوحي وتلقيه

إن المبدأ العام لنزول كلام الله هو أنه بقدر ما يتحلى المنزَّل عليه بالقوة القدسية والكمال الباطني بقدر ما يتحلى الكلام النازل عليه بالقوة والشوكة. ولما كانت قوة النبي القدسية وكماله الباطني وبلوغه أعلى درجة على الإطلاق والتي لم يسبقه فيها أحد من قبل ولن يسبقه في المستقبل لذا احتل القرآن الكريم أيضا المقام الأعلى من بين الكتب والصحف السابقة كلها الذي لم يبلغه كلام آخر، (ثم يتهمنا معارضونا بأننا نحسب المسيح الموعود أعظم منه ، والعياذ بالله وبأننا نسيء إلى النبي . لا يسع عاقلا وعادلا أن يقول في حال وجود كلام المسيح الموعود المذكور آنفا بأننا نسيء إلى النبي ) يتابع المسيح الموعود قائلا: لذا احتل القرآن الكريم أيضا المقام الأعلى من بين الكتب والصحف السابقة كلها الذي لم يبلغه كلام آخر، لأن قدرة النبي وقوته القدسية كانت تفوق الجميع وتمت عليه الكمالات كلها وكان قد بلغ قمة المقامات كلها؛ لذا فالقرآن الكريم الذي نزل عليه في هذا المقام بلغ الكمال أيضا. وكما تمت عليه كمالات النبوة كلها كذلك ختمت على القرآن الكريم كمالات إعجاز الكلام. فكان خاتم النبيين وكان كتابه خاتم الكتب. وكان كتابه قد بلغ منتهى الكمال من حيث المراتب وأوجه إعجاز الكلام كلها. فمن أية ناحية فحصتم سواء من حيث الفصاحة والبلاغة أو من حيث ترتيب المضامين أو من منطلق التعليم أو كمالات التعليم أو من حيث ثمرات التعليم ترون القرآن الكريم كاملا من كل جهة ويثبت إعجازه. لذلك لم يطلب القرآن الكريم الإتيان بنظيره في أمر معين بل طلب بوجه عام مبارزته من أي منطلق تريدون، سواء في الفصاحة والبلاغة أو في المطالب والمعاني أو في التعليم أو من منطلق النبوءات والغيب الموجود فيه. فمن أيّ منطلق رأيتموه تجدونه معجزة.»

 ثم يقول: «إن كلمة خاتم النبيين التي أُطلقت على رسول الله تقتضي ذلك بحد ذاتها. ومن مقتضى هذه الكلمة بالطبع أن يكون الكتاب الذي نزل عليه خاتم الكتب وأن توجد فيه كافة أنواع الكمالات التي هي موجودة فيه في الحقيقة.

وقال في مجلس: «لا يسعنا أن ننسى أبدا أن القرآن الكريم الذي هو خاتم الكتب ليس مجموعة من القصص. والذين عدّوه مجموعة من الأقاصيص والأساطير لسوء فهمهم وكتمانهم الحق ليس لهم نصيب من فطرة تعرف الحقائق، وإلا فالحق أن هذا الكتاب المقدس حوّل القصص السابقة أيضا إلى فلسفة. (أي القصص التي وردت فيه تمثّل فلسفة، وفيها دروس وعمق) وهذه منّة عظيمة للقرآن الكريم على جميع الكتب والأنبياء إذ حوّل تلك القصص إلى الفلسفة) وإلا لسخر الناس اليوم من تلك الأمور. ومن فضل الله تعالى أيضا أنه أسس -لكشف العلوم والحقائق السماوية في هذا العصر العلمي الذي تتقدم فيه حقائق موجودات العالم وخواص الأشياء- جماعةً قدّمت بأسلوب علمي وفلسفي لجميع الأمور التي لم تكن لها أهمية في زمن الفيج الأعوج أكثر من قصص عادية وكانت عرضة للسخرية والاستهزاء في عصر العلوم هذا».

فترى أنه يوجد هنا بارعون كبار في العلوم المختلفة ويتقدم العالم في علوم أخرى أيضا، وتجري بحوث أخرى كثيرة، فلهذا الغرض أسس الله جماعة، وقد بيّن المسيح الموعود تفسير القرآن في هذه الجماعة وبيّن أيضا مستفيدا من علوم القرآن الكريم كيف يتحقق الانسجام بين العلوم والدين. فقال : أسس الله جماعةً قدّمت بأسلوب علمي وفلسفي لجميع الأمور التي لم تكن لها أهمية في زمن الفيج الأعوج أكثر من قصص عادية وكانت عرضة للسخرية والاستهزاء في عصر العلوم هذا».  الذي كان في الحقيقة زمن الظلام والجهل، ولم يوجد في الإسلام علماء إلا على سبيل الندرة. كانت القصص منتشرة حينذاك وكان الناس يسخرون منها. ولكن الله تعالى أرسل المسيح الموعود الذي فسر قصص القرآن الكريم وأعطى معرفتها وقدّم جميع تلك الأمور بأسلوب علمي وفلسفي.

إذن، يجب على المسلمين أن يشكروا الله تعالى على أنه أرسل بحسب وعده لبيان تعليم القرآن الكريم الحقيقي في هذا الزمن رسوله الذي أزال تُهمًا باطلة كلها كانت توجَّه إلى تعليم الإسلام. كان المسيح الموعود يرى الإيمان بالقرآن الكريم واتباعه ضروريا جدا بل كان يراه جزءًا من الإيمان. ويقول شارحا هذا الأمر: «أعُدُّ الانحراف قيد أنملةٍ عن اتّباع القرآن الكريم واتّباع النبي إلحادا. هذا هو اعتقادي، والذي ينحرف عنه قيد شعرة فهو من أهل جهنم. لم أكتفِ ببيان اعتقادي هذا في خطاباتي فقط بل شرحتها جيدا في 60 كتابا تقريبا، وهذا ما أفكر به ليل نهار».

كذلك يقول المسيح الموعود بأن معارضينا يتسرعون في إصدار فتوى الكفر ضدنا، بينما كان من مقتضى العدل أنهم لو سمعوا شيئا منسوبا إلي كان عليهم أن يسألوني واضعين خشية الله في الحسبان: هل قلتَ كذا وكذا أم لا؟ وإن قلتَ فقولك هذا لا يطابق القرآن الكريم لذا يجب أن توضحه، ولكنهم لا يفعلون ذلك، ولا يبالون بشيء بل هم عاقدون العزم على إصدار الفتاوى.

إذن، كل ما قلناه إنما قلنا في ضوء تعليم الإسلام والقرآن الكريم، وهذا هو اعتقادنا وهذا ما نعمل به.

القرآن كتاب موافق لقانون الفطرة

يقول حضرته مبيِّنا الانسجام بين القرآن الكريم وقانون الطبيعة:

إن التعليم الطاهر والكامل هو تعليم القرآن الكريم، فهو يربّي كلّ فرع من فروع الشجر الإنساني، ولا يركز القرآن الكريم على جانب واحد فقط بل إنه حينًا يعلّمنا العفو والصفح بشرط أن يكونا مطابقَين للمصلحة وحينًا آخر يأمرنا بمعاقبة المجرم في الظروف المناسبة عند اقتضاء المصلحة. فالقرآن الكريم في الحقيقة صورةُ قانون الطبيعة الماثلة دائمًا أمام أعيننا. وإنه لمن المعقول جدا أن يطابق قولُ الله فعلَه، أي لا بد أن يعلّمنا كتاب الله الحقُّ حسب طريقة فعله البادية لنا في الكون، (إننا نلاحظ في قانون الطبيعة أن الله أحيانا يعفو وأحيانا أخرى يعاقب، وينبغي أن يكون القانونُ نفسه في التعليم الديني أيضا وفي كتابه الديني هذا وهو موجود في القرآن الكريم) ولا يجوز أن يظهر من الفعل شيء ويظهر من القول شيء آخر. وإننا نجد في فعل الله أنه لا يعفو ولا يصفح دوما بل يعاقِب المجرمين أيضا بشتى أنواع العذاب، وقد ورد ذكر أنواع العذاب هذه في الكتب السابقة أيضًا. إن إلهنا ليس بحليم فحسب بل هو حكيم أيضًا وغضبه عظيم جدًا. إن الكتاب الحق هو ذلك الذي يطابق قانون الله في الطبيعة، وإن القول الإلهي الصادق هو ما لا يخالف فعله. وتوصلنا مشاهدتنا إلى أن الله لم يعامل خلقَه بالحِلم والعفو دائمًا ولم يعذّبهم قط. والآن أيضا أخبرَني الله أيضاً عن زَلزلة عظيمة ومهيبة ستقضي على ذوي الطبائع النجسة. (فكان قد نشر نبوءة بحدوث الزلزال).

 

القرآن وإثبات وجود الله

ثم يقول حضرته : القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد في العالم الذي أثبت وجودَ الله وأثبت أن صفاته توافق قانون الطبيعة الموجود في فعل الله الملحوظ في العالم والمنقوش في فطرة الإنسان وضميره. إن إله المسيحيين محبوس في أوراق الإنجيل فقط، فالذي لم يبلغه الإنجيلُ فهو يجهل ذلك الإلهَ. أما الإله الذي يقدِّمه القرآن الكريم فلا يمكن أن يجهله أحد من ذوي العقول. لذا فالإله الحق هو ذلك الذي قدّمه القرآن الكريم فقط (فسكان العالم كلهم حيثما سكنوا من الملحدين وأتباع أي دين يوقنون لحد ما بالنظر إلى صنعة العالم بأن الله موجود، فالأغلبية توقن بوجوده انطلاقا من أديانهم القبلية. على كل حال قال حضرته إن الإله الذي قدمه القرآن الكريم يُظهر نفسه بنفسه وليس كإله النصارى) وتشهد له فطرة الإنسان والنواميس الطبيعية.

الدين الحق هو الدين الذي يُثبت سماع الله وتكلمه كليهما في هذا الزمن أيضًا. وخلاصة القول إن الله يخبر عن نفسه بنفسه بمكالماته ومخاطباته. إن معرفة الله أمر عسير جدًا، وليس بمقدور حكماء العالم وفلاسفته أن يعرفوه، لأنه لا يثبُت من النظر إلى السماء والأرض إلا أن تركيبَهما البالغ في الإحكام يقتضي صانعًا، ولكن لا يثبت منه أنه موجود في الحقيقة، والفرق بين القول «ينبغي أن يوجد» و»هو موجود» واضح. وإنما القرآن الكريم وحده يخبرنا بأن هذا الإله موجود في الحقيقة، ولا يؤكد القرآن الكريم على معرفة وجوده فحسب بل يعرّفه بنفسه، ولا يوجد كتاب غيره تحت السماء يخبر عن وجوده المستتر.

إن إثباتات وجود الله موجودة في القرآن الكريم، يقول حضرته في بيان أفضلية القرآن الكريم على الإنجيل وسائر الكتب الدينية: إن القرآن الكريم معجزة كاملة وحيّة. وإن معجزة الكلام لا تبلى في أيّ من الأزمان ولا تطالها يد الفناء. إذا أردنا أن نرى علامة معجزات موسى اليوم فأين نجدها؟ هل يملك اليهود تلك العصا اليوم، وهل فيها القدرة على التحول إلى ثعبان؟ وهلمّ جرا. باختصار، فإنّ المعجزات التي صدرت من الأنبياء جميعا انقطعت مع وفاتهم ولكن معجزات نبينا الأكرم متجددة وحيّة في كل حين وكل زمان. إن كونها حية وعدم وصول يد الموت إليها ليشهد بكل جلاء أن النبي وحده نبي حيّ، والحياة التي أُعطيها هي الحياة الحقيقية ولم يُعطَها نبي غيره. إن تعليمه حي لأن ثماره وبركاته لا تزال موجودة كما كانت قبل 1300 عام. ولا نجد الآن تعليما آخر يمكن لمن يعمل به أن يدّعي أنه أُعطي نصيبا من ثماره وبركاته وصار آية من آيات الله، ولكننا نجد الآن أيضا بفضل الله تعالى نماذج ثمرات تعليم القرآن الكريم وبركاته، ونجد اليوم أيضا جميع التأثيرات والفيوض التي تُنال باتباع صادق للنبي . فقد أقام الله تعالى هذه الجماعة لتكون شاهدة حية على صدق الإسلام ولتُثبت أن البركات والتأثيرات التي ظهرت قبل 1300 عام نتيجة لاتباع كامل لرسول الله لَتظهر الآن أيضا. فقد ظهرت إلى الآن مئات الآيات (وقد أورد المسيح الموعود هذه الآيات في بعض كتبه وكل يوم يطلع على الجماعة يُثبت أن النبوءات التي نشرها حضرتُه تتحقق) وقد دعونا زعماء كل قوم ودين أن يُرُوا بحذائنا آيات صدقهم، ولكن ليست هناك آية واحدة ليُظهروا بها نموذجا عمليا لصدق دينهم.

إننا نؤمن بأن كلام الله معجزة كاملة ونوقن ونتحدى أنه لا يوجد كتاب يضاهي القرآن الكريم. وأقول على بصيرة أن كل أمر من القرآن الكريم آية ومعجزة في حد ذاته.

خذوا التعليم مثلا! فإننا نجده معجزة عظيمة، وهو معجزة في الحقيقة، وقد جاء في نظام حكيم وبحسب مقتضيات الفطرة بحيث لا يضاهيه تعليم آخر. إن تعليم القرآن الكريم متمم التعاليم السابقة كلها ومكمِّلها. أستطيع أن أُثبت بإظهار جانب واحد من هذا التعليم أن تعليم القرآن الكريم يحتل درجة عليا وهو إعجاز. فتعليم التوراة مثلا -سواء نظرنا إلى الظروف الراهنة أو قولوا إن شئتم بحسب حاجات العصر- فهو يصبّ جُلّ تركيزه على القصاص أي العين بالعين والسن بالسن. وعلى النقيض من ذلك يركّز الإنجيل جُلّ اهتمامه على العفو والصفح، بل ورد فيه تأكيد إلى درجة أنه إذا لطمكم أحد على خدّ فأديروا له الآخر، وإذا أراد أحد أن يسخركم مِيلا فاذهبوا معه ميلَين، وإذا طلب منكم أحد قميصا فأعطوه معطفا أيضا. كذلك سترون في كل باب في التوراة والإنجيل أن في التوراة إفراطا وفي الإنجيل تفريطا. ولكن القرآن الكريم يعلّم الحكمة والاعتدال ومراعاة مقتضى المحل في كل أمر.

أما القرآن الكريم فقد أثبت بالأدلة العقلية كل هذه العقائد وأيضا ضرورةَ الإلهام والنبوة، وبيّن كل بحث بأسلوب فلسفي، وجعله سهل الفهم على طلاب الحق. وتوجد كل هذه الأدلة في القرآن الكريم على وجه الكمال بحيث لا يسع أحدا أن يأتي على وجود الله بدليل لا يوجد في القرآن الكريم مسبقا.

صلاحية القرآن للتطبيق في كل زمان ومكان منذ نزل

إذا رأيتم تعليم القرآن الكريم في أي مجال وجدتموه يأمر بمراعاة المحل ومقتضى الحال. إننا نعترف أن تعاليم كل هذه الكتب واحد مبدئيا، ومع ذلك لا مجال للإنكار أن كُلًّا من التوراة والإنجيل يركِّز على جانب واحد فقط، ولكن القرآن الكريم وحده أعطى تعليما بحسب مقتضى الفطرة. من الخطأ القول بأن في تعليم التوراة إفراطا، لذا فهو ليس من عند الله تعالى. الحق أن تعليم التوراة أيضا من عند الله تعالى، وكان مفيدا بحسب حاجات ذلك العصر. (الواقع أن هذا التعليم المعتدل الوسطي الذي نزل في القرآن لم يكن صالحا في ذلك الوقت، بل كان ذلك الزمن يقتضي تعليم الشدة كما هو في التوراة، وكان ذلك التعليم التوراتي أيضا من عند الله تعالى)

لما كان التوراة والإنجيل قانونا خاصا بمكان معين، فلم تهتم تعاليمُهما بجوانب أخرى. أما القرآن الكريم فكان للعالم كله ولبني البشر أجمعين، فكان تعليمه موافقا للمقتضيات السليمة للفطرة البشرية. وهذه هي الحكمة، لأن الحكمة تعني وضعُ الشيء في محله. وهذه الحكمة قد علّمها القرآن الكريم وحده.

أما التوراة فتركز على قسوة غير مبررة كما قلتُ آنفا، وتزيد قوةَ الانتقام، وعلى النقيض فإن تعليم الإنجيل يشدد على العفو الذي لا طائل منه، فترك القرآن كليهما جانبا، وآتى التعليم الحقيقي فقال:

وجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ .

لقد أثبت المسيح الموعود فضل القرآن الكريم على الأديان الأخرى كلها بهذه الشجاعة والآيات.  كان الإنجليز عندها يحكمون البلاد، وكانت الكنيسة قوية، مع ذلك تحدى عليه السلام القسس تحديًا عاما فيما يتعلق بفضل القرآن الكريم غيرَ خائفٍ لومة لائم، لأنه كان مبعوثا من عند الله تعالى، وأرسله الله خادما بارا لرسول الله ، لكي ينشر تعاليم دينه. وهذا ما نراه في أدبياته عليه السلام ووصاياه، وهذا هو ما تنشره الجماعة الأحمدية أيضا اليوم، ومع ذلك يتهمون الأحمديين بأنهم يحرفون القرآن الكريم ويسيئون إليه.

لقد قال المسيح الموعود وهو يبين ضرورة القرآن الكريم وأهميته: وإن أكبر دليل على ضرورة القرآن الكريم هي أن كل الكتب السابقة، بدءًا من التوراة كتاب موسى حتى الإنجيل، كانت تخاطب أمة معينة وهي بني إسرائيل، وأقرّتْ في كلمات صريحة واضحة بأن تعاليمها ليست لفائدة الناس عامةً، بل تخص أمة بني إسرائيل فحسب.

ولكن القرآن الكريم توخَّى إصلاحَ العالم كله، ولم يوجه خطابه إلى أمَّةٍ بعينها، بل أعلن بكلمات صريحة أنه نزل للناس كافة بهدف إصلاح الجميع. فهناك بون شاسع بين تعاليم التوراة وتعاليم القرآن من حيث المخاطَبين. فمثلا تقول التوراة: لا تسفك دما، والقرآن الكريم أيضا يقول: لا تسفك دما، ويظهر في باديَ الرأي أن القرآن الكريم أعاد نفس الحكم الذي قد سبق أن جاء في التوراة، ولكن الواقع أن الحكم القرآني ليس إعادة الحكم التوراتي نفسه، بل الحق أن حكم التوراة كان خاصا ببني إسرائيل فقط، وقد نهى عن سفك الدماء في بني إسرائيل فحسب، ولكن حكم القرآن الكريم يخص العالم أجمع، حيث نهى البشرية جمعاء عن سفك الدماء بغير حق. وبالمثل إن جميع أحكام القرآن الكريم إنما هدفها الأساسي إصلاح الخلائق كلهم، بينما هدف التوراة محدود في إصلاح بني إسرائيل فحسب.

ثم قال المسيح الموعود : من الخطأ تماما قولُ القسس ما هو الجديد الذي جاء به القرآن فيما يتعلق بالتوحيد أو غيره من الأحكام مما لم يكن موجودا في التوراة؟ سينخدع الجاهل بسبب هذا القول بالنظر إلى التوراة ويقول إن تعليم التوحيد موجود في التوراة أيضا، كما أنها تذكر أحكام العبادة وحقوق العباد أيضا، فما هو الجديد الذي بيَّنه القرآن الكريم؟ ولكن هذه الخدعة لن تنطلي إلا على الذي لم يتدبر كلام الله قط. فليكن واضحا أن هناك جزءا كبيرا من الإلهيات لا يوجد له أيّ أثر في التوراة. فمثلا لم تُذكر في التوراة مراتب التوحيد الدقيقةُ.

يكشف لنا القرآن الكريم أن التوحيد لا يعني فقط أن يجتنب المرء عبادة الأوثان والناس والحيوانات والعناصر والأجرام الفلكية والشياطين، بل الحق أن التوحيد الحقيقي ينقسم إلى ثلاث درجات. الدرجة الأولى من التوحيد هي لعامة الناس، أي للذين يريدون النجاة من غضب الله تعالى. والدرجة الثانية من التوحيد هي للخواص، أي الذين يريدون قرب الله أكثرَ من العوام. والدرجة الثالثة هي لخواص الخواص الذين يريدون أن يبلغوا كمال القرب وذروتَه. والمراد من الدرجة الأولى للتوحيد ألا يعبد الإنسان غير الله تعالى، وأن يجتنب عبادة كل ما هو محدود ومخلوق، سواء أكان في الأرض أو في السماء.

والمرتبة الثانية من التوحيد هي أن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى هو المؤثر الحقيقي في كافة شؤونه وشؤون غيره، وألا يهتمّ بالأسباب بحيث تصبح شريكة لله تعالى، فيقول مثلاً لولا زيدٌ لما أصابتني خسارة كذا وكذا، ولولا بكرٌ لأصابني الدمار. إن الاتّكال على العباد شركٌ، ومناف للتوحيد. فلو قال المرء هذه الكلمات بحيث اعتبر زيدا أو بكرا شيئا يُعتَدُّ به في الواقع لكان ذلك شركًا أيضا. والقسم الثالث للتوحيد هو أن يمحو المرء أطماع نفسه في سبيل حب الله تعالى، ويفني نفسه في عظمته .

أين يوجد هذا التوحيد في التوراة؟ كذلك لا يوجد في التوراة أي ذكر للجنة والجحيم، ربما توجد إشارات خفية إليهما هنا وهناك. كما لا يوجد في التوراة ذكرٌ كامل لصفات الله الكاملة. لو كانت في التوراة آية كقول الله تعالى في القرآن الكريم:

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.

فلربما كفّ المسيحيون من بلاء عبادة المخلوق. كذلك لم تتناول التوراة مدارج الحقوق ببيان كامل،  بينما ذكر القرآن الكريم هذا التعليم أيضا إلى درجة الكمال. فمثلا قال تعالى:

إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى… (5)،

أي أن الله تعالى يأمركم أن تعدلوا، بل فوق ذلك أن تحسنوا، وفوق ذلك أن تخدِموا الناس كما يخدم المرء أقاربه بدافع حماس القرابة. بمعنى أنه يجب أن تكون مواساتكم لبني البشر بدافع الحماس الطبيعي كما تواسي الأم ولدها، وليس بنية الـمَنِّ عليهم. كما لم تُدلل التوراة على وجود الله ووحدانيته وصفاته الكاملة بالأدلة العقلية.

أما القرآن الكريم فقد أثبت بالأدلة العقلية كل هذه العقائد وأيضا ضرورةَ الإلهام والنبوة، وبيّن كل بحث بأسلوب فلسفي، وجعله سهل الفهم على طلاب الحق. وتوجد كل هذه الأدلة في القرآن الكريم على وجه الكمال بحيث لا يسع أحدا أن يأتي على وجود الله بدليل لا يوجد في القرآن الكريم مسبقا.

وبالإضافة إلى ذلك، فهناك دليل قوي آخر على ضرورة القرآن الكريم وهو أن جميع الكتب السابقة، بدءًا من توراة موسى إلى الإنجيل- تخاطب أمة معينة، أي بني إسرائيل فقط، وتقول بكلمات صريحة واضحة إن تعاليمها ليست لفائدة الناس عامةً، بل هي مختصة على بني إسرائيل فقط. ولكن القرآن الكريم يهدف إلى إصلاح العالم كله، ولا يخاطب قوما معينا، بل يعلن بوضوح تام أنه قد نزل للناس كافةً ويهدف إلى إصلاح الجميع.

لا تزال هناك أقوال أخرى فيما يتعلق بفضائل القرآن ومكانته وفضله، وسوف أبينها فيما بعد إن شاء الله.

الهوامش:

  1. (الحجر: 10)
  2. مرزا غلام أحمد القادياني، سفينة نوح
  3. نفس المرجع السابق
  4. مرزا غلام أحمد القادياني، مناظرة لدهيانة
  5. (النحل:91)
Share via
تابعونا على الفايس بوك