الدعاء الإبراهيمي بالأمن، وواقع مكفري المسيح الموعود عليه السلام

الدعاء الإبراهيمي بالأمن، وواقع مكفري المسيح الموعود عليه السلام

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • هل ورد أن الله تعالى مع المضحي لا يتخلى عنه؟
  • هل من نماذج تثبت عدم تخلي الله تعالى عن المضحي في سبيله؟
  • كيف يتعامل الأغيار مع تضحيات المسلمين الأحمديين، وخاصة في باكستان؟
  • ما موقفنا نحن المسلمين الأحمديين إزاء اضطهاد الخصوم؟

___

خطبة عيد الأضحية التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي بتاريخ 10/7/2022م

في مسجد مبارك بإسلام آباد، بريطانيا

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ آمين.

الله يثبت عدم تخليه عن المضحي

بفضل الله تعالى نحتفل اليوم بعيد الأضحى، أي عيد الأضاحي والقرابين، وذلك في ذكرى تلك التضحية التي قدمها أب وابن وأم قبل آلاف السنين. تلك التضحية التي لم تكن مؤقتة وعابرة، بل امتدت إلى سنوات طويلة متواصلة، حيث ترك إبراهيم زوجته وابنه الحبيب في واد غير ذي زرع ولا ماء، فقط لأن الله تعالى أمره بذلك. وانظروا إلى المستوى العالي لإيمان زوجته، فإنها لما علمت أنه تاركهما في ذلك المكان بأمر الله تعالى، لم تلبث أن قالت بمنتهى اليقين والعزيمة: «اذهبْ لسبيلك، فما دمت تفعل ذلك بأمر الله تعالى، إذن لن يضيعنا الله». وهكذا رأى العالم كيف أن الله تعالى لم يضيعهما، بل دبر لهما الماء في المكان نفسه تدبيرا دائما، حتى إن ذلك الماء لا يزال يتدفق حتى اليوم. كما هيأ لهما الطعام أيضا، بل عمَّر في تلك البرية مدينة، ثم هيأ لهما بحسب وعده كل ما يحتاجون إليه، وجلب لهم الثمار والنعم بكل أنواعها.

نماذج عديدة لتحقق وعد الله

في كل عام يقصد ملايين الناس ذلك المكان لأداء شعائر الحج، ويؤدون فريضة العبادة هناك، كما يجلبون منافع مادية أيضا. ثم طوال العام يذهبون للعمرة أيضا. وشتان بين ما كان في البداية وكيف صار فيما بعد، إذ كان قفرًا لا ماء فيه ولا زرع، أما الآن فيوجد فيه فرص للعمل للملايين، وطعام لملايين البشر. هذا نموذج لتحقيق الله وعدَه، حيث وعد أولا ثم أرى لمعان تحقق وعده كآية. لقد بعث هناك بحسب وعده ذلك النبي الذي يصلي ويسلم عليه ملايين الناس كل يوم حتى اليوم، وسيظلون يصلون عليه ويسلمون إلى يوم القيامة. لقد قال الله تعالى لنبيه محمد رسول الله :

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (1)،

لا إلى منطقة محدودة وإلى زمن محدود كباقي الأنبياء، ثم هيأ الله تعالى من الأسباب ما بلّغ به رسالة خاتم النبيين الرسولِ الأخير إلى بلاد العالم كلها. لقد وصلت رسالة الإسلام إلى مناطق واسعة في فترة وجيزة، أما اليوم فقد وصلت إلى كل أكناف الأرض حيث خلق الله فيها أتباعه .

لم تنزل على أي نبي أحكام بقيت محفوظة بصورتها الأصلية، ولم ينزل على أي نبي كتابٌ ظل محفوظا كما نزل، اللهم إلا القرآن الكريم الذي وعد الله تعالى سيدنا محمدا رسول الله بحفظه على أصالته ونقائه، واليوم بعد انقضاء أكثر من أربعة عشر قرنا فإن القرآن الكريم هو الصحيفة الوحيدة الموجودة على حالها الأصلية، وذلك على الرغم من جهود معارضي الإسلام. ومع أن معظم المسلمين قد تدهورت حالهم العَملية خلال هذه المدة، إلا أن الله تعالى ظل يخلق من يقومون بحفظ القرآن الكريم وحمايته، ويعملون بأحكامه، وسيظل يخلقهم دوما.

فإذا ظللنا نخر على أعتاب الله بالصبر والدعاء والصدق والوفاء فسوف يهرول الله إلينا، ويقضي على عدونا الذي يمارس علينا المظالم لزعمه أنه قوي. ففي هذا العيد علينا أن نفحص معايير قرابيننا ووفائنا وصدقنا وتقوانا. فبقدر ما سنسعى لفحْص أنفسنا وتحسين أوضاعنا على مستوى الجماعة بسرعة، سنرى مشاهد نصر الله وعونه وتأييده لنا بالسرعة نفسها

أتحققت في مكفري المسيح الموعود الأُمنية الإبراهيمية؟!

كان الله تعالى قد وعد النبي أيضا بصدد حفظ الشرع وتعاليمه والكتاب المنزل عليه بأنه سوف يخلق في آخر الزمان رجلا سيأتي بالدين من الثريا إلى الأرض، وسيرسي في العالم حُكْم القرآن الكريم وحكم سيدنا محمد رسول الله وحكم الله تعالى، وسيفحم المشركين بالله تعالى بالأدلة والبراهين،كما يُسكت الملحدين أيضا بالحجج القاطعة، في ضوء التعاليم التي جاء بها محمد رسول الله . وبالفعل قد بعث الله تعالى الخادم البارّ والمحب الصادق لرسول الله من أجل تكميل نشر الدين وإظهار فضل الإسلام على الأديان كلها. إن الخادم البارّ للنبي هو ذلك الذي أعلن أنه المسيح الموعود والمهدي المعهود الذي أنبأ النبي بمجيئه. إنه بطل الله الذي لم يكتف بإطلاع الناس على جمال الإسلام بتقديم تعاليمه السمحاء الجميلة فحسب، بل تحدى كل خصوم الإسلام قائلا: «ليس في الدنيا دين أو طائفة تقدر على تقديم تعاليم جميلة كتعاليم الإسلام، وإذا كان أحد يزعم ذلك فليأت به أمامي. ثم انظروا، كيف أبطله بالبراهين والأدلة بتأييد خاص من الله تعالى، وسيلقى الهزيمة».

ومع ذلك نصح المسلمين بأن هذا ليس زمن القتال بل هو زمن نشر تعاليم الإسلام بالحب والوئام، وزمن إظهار الإسلام على الدين كله بالأمن والسلام والبينات، وأعلن أن هذا هو زمن ضعف الإسلام الذي كان من المقدر بحسب وعد الله تعالى ونبوءة النبي أن يأتي فيه إلى الدنيا ذلك البطل الذي كان سيُحيي مجدّدا تعليم الإسلام، وقال إن لم أكن أتيت لأتى شخص آخر، فإن هذا هو زمن مجيء مبعوث من الله، فأبشروا أيها المسلمون، إن الله تعالى قد أرسل هذا العبد في تمام وقته لنشأة الإسلام الثانية، فانشروا تعليم الإسلام في العالم مرتبطين بجريِّ الله هذا بدلا من معارضته واتركوا تقاليدكم المزعومة وبدعاتكم واعملوا بالتعليم الحقيقي للإسلام لأنه هو طريق النجاة للمسلمين وهو ضمان لبقاء كل شخص في العالم. هذا ما قاله للمسلمين ولكن للأسف اليوم معظم المسلمين بدلا من أن يرتبطوا بالمبعوث السماوي ويتقدموا لنشر تعاليم الإسلام في العالم كله شاكرين الله تعالى، هبوا لمعارضة ذلك المبعوث، وبدلا من أن يتذكروا تضحيات آبائهم ويسعوا لكفِّ الأيدي التي ترتفع ضد الإسلام وينالوا رضى الله تعالى، استعدوا لسفك دماء بعضهم البعض، بل اشتدوا في معارضة الشخص الذي جاء نيابة عن النبي لإقامة الأمن والسلام في العالم، إلى درجة أنهم يُفتون منذ أكثر من 125 عاما بتكفيره وقتل المؤمنين به ونهب أموالهم وعقاراتهم، ويسعون لتضييق سبل العيش عليهم، إنهم يسعون لذلك ولكن الله تعالى يُنزل أفضاله بحيث إذا منعوهم في مكان فتح الله لهم أبوابا في مكان آخر. إنهم يُضيقون على أولاد الأحمديين في المدارس والطرقات ويسعون لبثِّ الخوف فيهم حتى إنهم يدنِّسون قبور الأموات ويعتدون عليها، أي إسلام هذا الذي يريدون نشره في العالم؟! إن الإسلام دين الأمن والسلام ودين الحب والوئام، واليوم نحتفل بالعيد بسبب ذلك الذي استعد للتضحية بحريته وشرفه في سبيل الله تعالى، وهو قد دعا أن يكون هذا المكان بلدا آمنا فقال:

رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا (2)

لكي يعيش سكانه الذين سيأتون هنا في أمن وسلام، ويهتمون بنشر الأمن والسلام في العالم، أفلا يقتضي هذا الدعاء من المسلمين أنهم إذا كانوا ينسبون أنفسهم إلى هذا البلد وإذا كانوا يعبدون رب الكعبة وإذا كانوا يتمنون أن يحققوا هدف تضحيات إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهدف الكعبة فعليهم أن يجعلوا قلوبهم آمنة عامرة بالأمن والسلام والحب والوئام، ويحققوا نموذج «رحماء بينهم» بدلا من ضرب رقاب بعضهم البعض، ويبلِّغوا العالم رسالة الأمن والسلام. وبدلا من إصدار فتاوى التكفير بحق إمام الزمان المسيح الموعود والمهدي الموعود الذي جاء وفق نبوءات الرسول وبدلا من ظلم المؤمنين والعدوان عليهم، عليهم أن يجعلوا هذا العيد عيدا حقيقيا زاخرًا بالإيمان برسالة الأمن والسلام وبمبايعة المسيح الموعود ، وإذا لم يولّدوا هذا التفكير فلن تكون أعيادهم وفق تعليم الإسلام ولو احتفلوا بها مائة ألف مرة، وسيكون حجهم حجّ المعارضين لتعليم الإسلام مهما حجّوا، عليهم أن يفكروا ويتدبروا؛ أنه كما نجد في بعض الروايات أن حج بعض الذين مضوا لم يُقبل عند الله بسبب ظلمهم واعتدائهم، فهل تُقبل عبادات المسلمين ومناسكهم للحج عند الله وجهودهم مع هذا الظلم والاعتداء الذي يقومون به اليوم؟ عليهم أن يتأملوا قليلا، فلعل هذا يجعلهم تحت بطش الله تعالى خلال منعهم من الحج والعبادات الأخرى للناطقين بالشهادتين والمؤمنين بالله الواحد وبمحمد رسول الله .

رغم أنفهم، نحن سباقون في التضحية

أما الآن فقد أعلن المسؤولون في الحكومة في باكستان بصورة رسمية أنه ليس مسموحا للأحمديين في أيام العيد الثلاثة أن ينحروا حيوانا سواء بهدف التضحية أو لأي هدف آخر لأنهم لو فعلوا ذلك لكان فعلهم هذا إساءة إلى شعائر الإسلام (والعياذ بالله)، بل إن نحر القرابين حق لهؤلاء المسلمين المزعومين فقط الذين ختم المشايخ بكونهم مسلمين! ولا أهمية عند هؤلاء الناس لخاتم الله ورسوله محمد المصطفى الذي يجعل المرء مسلما. على أية حال، عندما تبلغ الظروف من هذا النوع منتهاها عندئذ تدور رحى الله تعالى وتسحق كل ظالم ومعتد يتعدى الحدود سواء أكان عالما كبيرا أو زعيما مزعوما أو مسؤولا كبيرا وتدمره تدميرا. إننا نحن الأحمديين سباقون في تقديم التضحيات. وقد تعلّمنا دروس التضحيات من هذه الأعياد ومن تاريخنا. وقد قطعنا عهدا بالتضحية بأرواحنا وأموالنا وأوقاتنا وشرفنا، ولكن مما لا شك فيه أن هناك بعض الضعفاء أيضا، فأقول لهؤلاء الأحمديين الضعفاء أن يكثروا من الدعاء ويصبروا فإن أدعيتكم ستحمل أثمارا يانعة يوما بإذن الله. لقد أثمرت تضحيات إبراهيم وهاجر عليهما السلام أيضا لأنهما لم يتخلّيا عن الصبر والدعاء. كذلك أثمرت في وقتها تضحيات الرسول العظيم وأصحابه الذي بُعث من نسل إسماعيل ، وأوفى الله تعالى وعوده. فهل سيخذلنا اليوم ذلك الإله الذي هو صادق الوعد؟ كلا بل سينصر اليوم أيضا المؤمنين والموقنين به والمظلومين. لا شك أن العدو يعتدي علينا ويظلمنا في نشوة قوته، ولكن لا أهمية تُذكر لقوته أمام الله تعالى. فيجب علينا أن نخضع أمام الله تعالى أكثر من ذي قبل، ونرفع مستوى عبادتنا له وأن نؤدي حقوق خلقه، وأن نكون مستعدين دائما لتقديم تضحياتنا أمام الله وحده فقط، ونرفع مستوى تقوانا. ويجب أن نسعى جاهدين للتحلي بالروح الحقيقية التي تكمن وراء الاحتفال بالعيد ووراء القرابين التي تُقدَّم بمناسبة هذا العيد، عندها فقط نستطيع أن نقاوم الأعداء ونستنزل فضل الله تعالى ونرى الوعود التي أعطاها الله تعالى المسيح الموعودَ متحققة.

تحمُّل المصائب في سبيل الله هو عين النجاة

يقول المسيح الموعود في معرض بيان تحقق الهدف من التضحيات، وفي شرح فلسفة التضحية: «لقد وضع الله تعالى في الشريعة الإسلامية نماذج كثير من الأحكام الضرورية، فقد أُمر الإنسان أن يضحي بنفسه في سبيل الله بكل قواه وبكل وجوده. (هذا هو المعيار للتضحية، ويجب أن نفحص أنفسنا من هذا المنطلق) فقد جُعلت القرابين الظاهرية نموذجا لتلك الحالة، ولكن الغرض الحقيقي هو هذه التضحية كما يقول الله تعالى:

لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ .

أي اتقوا الله وكأنكم تكادون تموتون في سبيله. وكما تذبحون القرابين بأيديكم كذلك اذبحوا نفوسكم أيضا في سبيل الله. وكلما كانت التقوى أدنى من هذه الدرجة كانت ناقصة».(3)

فهذا موقف التفكر والتدبر لنا ومحاسبة أنفسنا. فهناك بعض المستعجلين الذين يكتبون إلي أحيانا أن أدعيتنا وتضحياتنا لا تُقبل. فأقول: الأهم في الموضوع أن الله تعالى قد وعد المسيح الموعود أنه لن يخذل جماعته أبدا، وستُقبل أدعيتنا وتضحياتنا أيضا بإذن الله. ولكن يجب أن نحاسب أنفسنا هل رفعنا مستوى تقوانا إلى درجة بيّنها المسيح الموعود ؟ فيجب ألا نيأس ولا نقنط أبدا ولا نضطرب بل يجب أن نخضع أمام الله تعالى أكثر من ذلك ونسأله رحمته ليقبل تضحياتنا وعباداتنا بفضله ورحمته.

يقول المسيح الموعود في بيان نيل قرب الله تعالى بواسطة الصدق والوفاء:

«السبيل لنيل قرب الله هو أن يبدي المرء الصدق له. القرب الذي حازه إبراهيم كان بسبب ذلك فقط، فقال الله تعالى: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى . إن الوفاء والصدق والإخلاص لله تعالى يقتضيان موتا. فما لم يستعد الإنسان للقضاء على ملذات الدنيا وشوكتها كلها وما لم يستعد لقبول كل ذلة وصعوبة وضيق لوجه الله لا تنشأ هذه الصفة. وليس المراد من عبادة الأوثان أن يعبد الإنسان شجرا أو حجرا بل كل ما يحول دون قرب الله ويؤْثَر على الله وثنٌ. (فعلينا أن ننظر هل نفحص أنفسنا واضعين هذا الأمر في البال، وهل نسعى لإصلاحها). توجد في الإنسان أوثان كثيرة لدرجة لا ينتبه إلى أنه يعبد الأوثان. فما لم يصبح لله خالصة ولا يستعد لتحمل كل مصيبة في سبيله من المتعذر أن ينشأ فيه الصدق والإخلاص. هل نال إبراهيم هذا اللقب مجانا؟ كلا بل جاءه صوت وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى عندما استعد للتضحية بابنه. إن الله تعالى يريد العمل ولا يرضى إلا بالعمل، وهو لا يتحقق إلا بتحمل الألم. ولكن الإنسان حين يتجهز لتحمل الألم لوجه الله لا يلقيه الله في الألم. فحين أراد إبراهيم أن يضحي بابنه عملا بأمر الله تعالى وصار على استعداد تام لذلك، أنقذ الله ابنه. لقد ألقي به في النار ولكنها لم تؤثر فيه شيئا. إذا استعد المرء لتحمل المصائب في سبيل الله أنقذه الله منها».

فإذا ظللنا نخر على أعتاب الله بالصبر والدعاء والصدق والوفاء فسوف يهرول الله إلينا، ويقضي على عدونا الذي يمارس علينا المظالم لزعمه أنه قوي. ففي هذا العيد علينا أن نفحص معايير قرابيننا ووفائنا وصدقنا وتقوانا. فبقدر ما سنسعى لفحْص أنفسنا وتحسين أوضاعنا على مستوى الجماعة بسرعة، سنرى مشاهد نصر الله وعونه وتأييده لنا بالسرعة نفسها. فمن أجل ذلك أيضا اُدعوا الله اليوم بوجه خاص، أن يرفع الله معايير وفائنا وصدقنا وتقوانا، وأن نصبح كما يريد منا أن نكون. وإلى جانب الدعاء ينبغي أن نعمل بحسب هذا التعليم، حتى يرتقي كل رجل منا وامرأة وطفل عمليا إلى معايير القربان التي أحرزها سيدنا إبراهيم والسيدة هاجر عليها السلام وسيدنا إسماعيل وليس علميا فقط، عندها فقط سنحظى بنصيب من فيوض هذه البيعة مؤدين حقها، التي ينبغي أن ينالها المتمسكون بأهداب المسيح الموعود في الحقيقة.

شيء من فلسفة تسمية هذا العيد بـ «الأضحى»

علينا أن نضع في الحسبان قولَ سيدنا المسيح الموعود عن عيد الأضحى، حيث قال: إن عيد الأضحى هذا أفضل من العيد الأول، ويسميه العامة أيضا بـ «العيد الكبير»، ولكن أخبِروني بعد التأمل، كم هم الذين ينتبهون بسبب العيد إلى تزكية نفوسهم وتنقية قلوبهم، ويحصلون على حظٍّ من الروحانية، ويسعون للاقتباس من ذلك النور الذي وُضِع في هذا الضُحَى!

والمعنى أن هذا العيد الذي يقال له العيد الكبير أيضا، تكمن فيه حقيقةٌ عظيمة ومن المؤسف أن الناس لم ينتبهوا إليها.

إذن علينا أن ننتبه دوما إلى أن النور الذي بعثه الله في هذا العصر للنشأة الثانية للإسلام، علينا أن نفحص أنفسنا على الدوام للفوز بنصيب منه، ونفحص مزكِّين نفوسنا وقلوبنا، إلى أي مدى نسعى جاهدين لتطبيق التعليم الحقيقي للإسلام على نفوسنا ونشْره في العالم؟ فإذا كنا نسعى لذلك فسوف تُتَقبَّل قرابينُنا وننال الفيض من هذا النور أيضا، وفقنا الله لذلك.

لذلك، على الوالدين أن يضعوا في بالهم عند نذر أطفالهم أنهم سيقومون بتربيتهم على هذا النحو وبالدعاء لهم حتى يكون ردّ أولادهم أيضا كردّ إسماعيل. وينبغي ألا ينذر الوالدان أولادهم تقليدًا أو مندفعين بحماس مؤقت بل عليهم أن يتأكدوا في قرارة أنفسهم مما إذا كانوا حقًّا يستطيعون تربية أولادهم على هذا النحو بحيث يكون ردهم مثل رد إسماعيل ، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كانت قدوة الوالدين متحلية بمعايير عليا من الخير والتقوى، وإلا فسيكبر الأطفال ويقولون: كنتم قد نذرتم حياتنا غير أننا لسنا مستعدين لذلك، إذ لا نستطيع أن نخدم الجماعة مقابل راتب بسيط، ولا يمكننا العمل تحت قيود كذا وكذا

على هامش موضوع التضحية.. كيف نربي أولادنا الواقفين؟!

بمناسبة عيد الأضحى أود أن أتكلم بإيجاز عن أمر آخر أيضا، فعن ذلك يسألني الناس كثيرا في اللقاءات الفردية وفي اللقاءات الافتراضية أيضا، والسؤال كيف نربي أولاد «وقف نو»؟ فقد تكلمت حول هذا الموضوع في خطبي وخطاباتي الكثيرة بشتى المناسبات، وأود أن أتحدث اليوم أيضا بإيجاز. من كبير فضل الله ومنته أن الآباء والأمهات لبَّوا نداء سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله، وقدموا عددا كبيرا من الأولاد والبنات في هذا المشروع، ولا يزالون يقدمون وسيظلون يقدمونهم في المستقبل أيضا إن شاء الله.

وسيبقى هذا النموذج قائمًا بإذن الله ما دامت الأمثلة على الإخلاص والوفاء قائمة ومستمرة، وإن مشروع نذر الأطفال أيضا سيبقى قائمًا بإذن الله ما دام المخلصون من أفراد الجماعة يضعون نصب أعينهم قوله تعالى:

وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (4)،

وسييقى هذا الطريق مستمرًّا ما دام نظام الجماعة قائمًا، وسيبقى قائمًا إلى يوم القيامة وفق وعود الله تعالى.

لكن على الآباء الذين يقدّمون أو قدّموا أولادهم وقفًا لخدمة الدين أن يتذكروا أن هذا الوقف يتطلب تضحية، فما هو معيار تلك التضحية؟ هو ذلك الذي قدّمه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام؛ لما قال إبراهيم لابنه: إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ، ثم سأل ابنه قائلا: فماذَا تَرَى يا إسماعيل؟ فكان ردّ ذلك الابن الذي ربّاه والداه السباقان في الصلاح والتقوى أنْ قال في الحال: يا أبتِ حقّقْ رؤياك وستجدني إن شاء الله من الصابرين والمضحّين.

لذلك، على الوالدين أن يضعوا في بالهم عند نذر أطفالهم أنهم سيقومون بتربيتهم على هذا النحو وبالدعاء لهم حتى يكون ردّ أولادهم أيضا كردّ إسماعيل. وينبغي ألا ينذر الوالدان أولادهم تقليدًا أو مندفعين بحماس مؤقت بل عليهم أن يتأكدوا في قرارة أنفسهم مما إذا كانوا حقًّا يستطيعون تربية أولادهم على هذا النحو بحيث يكون ردهم مثل رد إسماعيل ، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كانت قدوة الوالدين متحلية بمعايير عليا من الخير والتقوى، وإلا فسيكبر الأطفال ويقولون: كنتم قد نذرتم حياتنا غير أننا لسنا مستعدين لذلك، إذ لا نستطيع أن نخدم الجماعة مقابل راتب بسيط، ولا يمكننا العمل تحت قيود كذا وكذا، لذلك لا يسعنا الاستمرار في الوقف. ومع نية الوالدين الحسنة عند نذر أولادهم، إذا كان هناك ضعف في حالهم العملية والروحانية فلا يستطيعون أن يلعبوا دورهم في تربية أولادهم وبالتالي لا يمكن أن يستعد هؤلاء الأولاد لتلك التضحية المطلوبة. فعلى آباء أولاد «وقف نو» والآباء الذين ينوون نذر أولادهم، أن يحاسبوا أنفسهم دومًا فيما إذا كانوا فعلًا يحققون هذا المعيار المطلوب؟ كذلك على الأولاد الذين شبّوا الآن وانضموا للعمل في مجال الوقف أن يتركز همّهم في كفية تحسين مستواهم في الوفاء والتضحية، لا أن يكون همهم إدارة نفقات معيشتهم. فإذا توكلوا على الله وازدادوا تقًى، فإن الله تعالى بنفسه يقضي جميع حاجاتهم.

فعلى الواقفين الجدد الذين قد تقدّموا لخدمة الجماعة أن يخلقوا في أنفسهم صفات إسماعيلية، وبذلك سيفتح الله تعالى لهم سبل الخير والفلاح دومًا. وفَّق الله تعالى الوالدين لأداء واجبهم في تربية أولادهم، ووفّق الواقفين الجدد للتضحية من أجل الدين مدركين مسؤوليات الوقف ومتوكلين على الله تعالى، وألا يغرق هؤلاء في الدنيا بعد إكمال الدراسات العليا الكثيرة، بل ينبغي أن يقدّموا خدماتهم بكل وفاء مؤثرين الدين ومحققين عهد وقفهم. وفقهم الله تعالى لذلك.

والآن سنقوم بالدعاء، فاذكروا في دعائكم الأسرى في سبيل الله -الذين زُجوا في السجون لإظهارهم الحق، ولإيمانهم بالمسيح الموعود – أن يهيئ الله تعالى أسبابًا لفك أسرهم، ويحفظ أهلهم وأولادهم ويوفقهم للصبر والمصابرة. وادعوا لأولاد الشهداء أيضا أن يحفظهم الله تعالى وألا يضيعوا أبدًا، وادعوا للواقفين كلهم أن يوفقهم الله تعالى لخدمة الدين بكل إخلاص، ويجزيهم أحسن الجزاء على ما يقومون به من الخدمات. ينبغي أن ندعو لكل أحمدي أن يزداد تقًى، كما ينبغي أن ندعو بعضنا للبعض أن يوفقنا الله تعالى لتحقيق معايير عليا في الوفاء مع الله تعالى. وادعوا للذين يقومون بشتى أنواع التضحيات، سواء أكانت التضحية بأموالهم أو تضحية بوقتهم، جزاهم الله جميعًا أحسن الجزاء.

والآن ندعو، وقبل هذا أقول للجميع عيدكم مبارك، جعل الله تعالى العيدَ مباركًا للجميع من كل النواحي، ووفقنا لنكون ممن يجذبون أفضال الله، وتقبل الله تعالى تضحياتنا الزهيدة ومساعينا البسيطة، ووفقنا للسلوك في سبل رضاه، آمين.

الهوامش

(سبأ: 29)

(البقرة:127)

مرزا غلام أحمد القادياني، ينبوع المعرفة

(النجم 38)

Share via
تابعونا على الفايس بوك