مستقبل العالم في ظل خطر الإبادة النووية والملاذ الوحيد

- فأي سور القرآن تناولت موضوع الطاقة النووية؟
- ومن أي الجوانب تحدث القرآن الكريم عن تلك الطاقة؟
___
ما من أحد من العقلاء الذين يشغلهم مستقبل الحياة على هذه الأرض إلا ويقضُّ مضجعه القلق من النهاية المأساوية التي باتت وشيكة، ومَن منا لم يسمع بما بات يُطلق عليه «ساعة يوم القيامة “Doomsday Clock”؟! فلمن لم يسمع بهذه العبارة من قبل، وقبلَ أن يتبادر إلى ذهنه أنه شذوذ عن الاعتقاد الراسخ لدينا كمسلمين من أن الساعة، وفق المفهوم السائد، لا علم للمخلوق بموعد وقوعها، وفقا لنص التنزيل الحكيم:
فأنَّى لمن صاغ المصطلح المذكور أن يعرف لها ميقاتًا إذن؟! في مقال بعنوان «أقرب من أي وقت مضى: أمسى الوقت الآن 89 ثانية قبل منتصف الليل»، يجيبنا «جون ميكلين» المحرر في نشرة علماء الذرة لمجلس العلوم والأمن عن هذه الأسئلة وغيرها، إذ يذكر أن نشرة ساعة القيامة حُرِّرَت واتخذت تصوُّرًا رمزيًّا لطي صفحة الحضارة، إن لم نقل الحياة، على الأرض على إثر انفجارات نووية مدمرة. وأضاف أنه بالتشاور مع مجلس الرعاة، يَضبط مجلسُ العلوم والأمن التابع للنشرة، الذي يضم تسعة من الحائزين على جائزة نوبل، ساعةَ القيامة كل عام(2).
ما يثير القلق أن الكاتب ذكر أنَّ في عام 2024 اقتربت البشرية أكثر من أي وقت مضى من الكارثة، ولكن قادة العالم ومجتمعاتهم فشلوا في القيام بما يلزم لتغيير هذا المسار، وقال إنهم نتيجة لذلك يقومون الآن بتقديم عقارب ساعة القيامة من الثانية والتسعين إلى التاسعة والثمانين قبل منتصف الليل، وهذا هو أقرب وقت تدقُّ فيه الساعة إيذانًا بوقوع الكارثة الوشيكة.(3)
وأشار الكاتب في المقال نفسه إلى الخطر النووي وحرب أوكرانيا التي دخلت عامها الثالث وإلى الصراع في الشرق الأوسط وأضاف أن الدول التي تمتلك أسلحة نووية عاكفة على تضخيم وتطوير ترسانتها، فزمام السيطرة على الأسلحة النووية يكاد ينفلت، والاتصالات عالية المستوى بين القوى النووية غير كافية البتة إزاء الخطر القائم، كما أشار إلى تزايد التوترات بين القوى الكبرى في المنافسة في مجال الفضاء، إذ تعمل الصين وروسيا بنشاط على بناء قدرات مضادة للأقمار الصناعية، وقد اتهمت الولاياتُ المتحدة روسيا باختبار قمر صناعي يحمل ًرؤوسًا نوويةً تجريبية، ما يشير إلى نوايا خفية لتتريس الفضاء كذلك بأسلحة الدمار الشامل.(4)
لسان حال الواقع يشهد بصدق النبوءة
القرآن الكريم كل يوم يتجلى علينا بمظهر صدق وعظمة جديدين، فمن كان يتخيَّل أن الله سبحانه وتعالى أدلى في محكم تنزيله بتفاصيل دقيقة عن الكارثة النووية؟! نعم، وذلك في سور شتى، منها: الهُمَزَة والدخان والمرسلات، وأورد تفاصيل الإنفجارات النووية وآثارها.
ويرجع الفضل في هذا العصر إلى الخليفة الرابع للجماعة الإسلامية الأحمدية، حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله) في وضع أيدينا على الوصف القرآني للإبادة النووية، وذلك خلال فصل أفرده لهذا الشأن في كتابه الموسوعي «الوحي والعقلانية والمعرفة والحق»، حمل عنوان «الإبادة النووية.»(5)
سورة «الهُمَزَة» والحديث عن التفاعل المتسلسل
أشار سيدنا مرزا طاهر أحمد (رحمه الله) إلى الإبادة النووية مستعملا مصطلح Nuclear Holocaust وهو التعبير المستعمل للإشارة إلى المحرقة في الإنكليزية، ولفت أنظارنا إلى أن هذه النبوءة جاءت في زمن ما كان للإنسان أن يتصور وقوع انفجار نووي مهما جمح به الخيال ويغوص في الوصف العلمي القرآني ذاكرًا أجسامًا دقيقةً تبدو وكأنها عديمة القيمة ولكنها توصف بأنها مخازن لطاقة عظيمة وكأن نيران الجحيم الموقدة قد أغلقت عليها بداخلها، وأشار إلى أن ما يثير العجب والدهشة البالغة أن هذا هو بالضبط ما تذكره حرفيًا سورة الهمزة في قول الله تعالى:
ويذكر(رحمه الله) في تفسير الآيات أن «الحُطَمة» هي نار موقدة من لدن الله تعالى سوف تنفذ إلى القلوب وأنها ستكون أعمدة من النيران المحبوسة داخل أعمدة تتمدد، وأضاف أن الهمزة اللمزة الآثمين سيقذفون وسط جزيئات دقيقة كتلك التي نراها عادة تسبح في الهواء عندما ينفذ شعاع من الضوء إلى داخل حجرة مظلمة، ويستشهد (رحمه الله) بالمعاجم العربية المعتمدة، والتي تذكر أن للفظ «الحُطَمَة» أصلين، الأول هو «حَطَمَه»، وتعني «دق وسحق» و«جعله قطعًا وأجزاء صغيرة جدًا» والثاني هو «حِطمَة»، وتعني «الجزء الصغير الذي لا قيمة له» والحِطمَة هي الجزء الذي ينتج عن دق شيء وكسره وسحقه وتحويله إلى أصغر مكوناته، وهذا يطابق المعنى الذي أورده صاحب المفردات، من أن «الحَطْم يعني كسر الشيء، مثل الهشم ونحوه، ثمّ استعمل لكلّ كسر متناهٍ»(7). فيمكن أن ينطبق كلا المعنيين المذكورين آنفًا على أصغر أجزاء من أية مادة يمكن أن تنقسم إلى أن تصل إلى أصغر أجزائها القابلة للانقسام، وخلُص (رحمه الله) إلى أن لفظ «الحُطَمَة» يشير إلى الانشطار النووي ولفت النظر إلى التشابه الصوتي بين «حطمة» في العربية و “atom” في الإنكليزية.(8)
ولشدَّ ما يثير العجب أن القرآن الكريم يُخبرنا أن الإنسان سيُلقى يومًا ما في أتون الحطمة، أي جحيم الانشطار النووي، ويشرح ماهية الحطمة، فيقول إنها نار الله الموقدة، وإنها مؤصدة داخلها ومحبوسة في أعمدة ممتدة، وإن الإنسان حين يلقى في هذه النيران فستنفذ إلى قلبه مباشرة وكأنه لا يوجد ما يمنعها من قفص صدري أو أي شيء يقف في طريقها. وهذا يشير إلى أن هذه النار مختلفة تمامًا، فهي تنفذ إلى اللب حتى قبل أن تحرق الجلد(9)، وضيف حضرته أن الإنسان الموصوف في السورة بالهمزة اللمزة هنا اسم عام، وقذفُه في الحطمة يعني خضوع جنس البشر لآفاتها ومصائبها التي يهلك فيها.(10)
وليُدلل حضرته على إشكالية فهم وترجمة المفردة، يشير إلى عمل المستشرق سيل Sale الذي ترجم القرآن الكريم إلى الإنكليزية والذي واجه مشكلة لدى ترجمة كلمة «الحطمة» حرفيًا وببساطة قال سيل إن الآية تعني أن عددًا كبيرًا من الناس سُيلقون في Al-hotamah أي لم يكن أمام الناطقين بالإنكليزية إلا أن يُطلقوا لخيالهم العنان في تصور أنها بهو واسع كبير من النيران المتقدة، وبهذه الاستراتيجية أنقذ «سيل» نفسه من الارتباك الذي ألمَّ به حال إقدامه على ترجمة الكلمة، بيدَ أنه فشل في أن يُوْلِي هذه النبوءة المدهشة حقها.(11)
ثم ينتقل حضرته إلى التعبير القرآني: «في عمد ممددة» ويربط بينه وبين ما يصف الخبراء في شؤون الانشطار النووي الحالةَ الحرجة للكتلة التي توشك على الانشطار بأنها تتمدد وهي تَخْفِق وتنبض تحت الضغط الهائل الذي يتنامى بداخلها وينتج الضغط بسبب الاستطالة والتمدد الذي يحدث للأنوية قبيل انشطارها وأثناء هذه العملية ينشطر عنصر ثقيل إلى عنصرين، كل منهما أقل في الوزن الذري من العنصر الأول المنقسم، والمجموع الكلي للأوزان الذرية للعناصر المتكونة تقل عن الوزن الذري للعنصر الأول الذي عادة ما يطلق عليه اسم العنصر الثقيل، والفاقد الضئيل من الوزن الذري في هذه العملية يتحول إلى طاقة، فيما نعرفه الآن بالتفاعل المتسلسل، وهذا لا يشكل بالطبع النمط الوحيد للقنبلة النووية، ولكن يساعد في وصف عملية العمد الممددة بشكل أبسط.(12)
ثم يناقش حضرته كيفية نفاذ هذه النيران إلى القلوب مباشرة، ويقول إنه عند لحظة الانفجار تنطلق على الفور كميات كبيرة من النيوترونات وأشعة «جاما» وأشعة «إكس»، والتي ترفع بدورها درجة الحرارة إلى مستوًى فائق يشبه درجة حرارة الشهب عند اختراقها الغلاف الجوي، وتتكون بذلك كرة كبيرة من النيران ترتفع بسرعة إلى أعلى بفعل الحرارة الشديدة المنبعثة نتيجة الانفجار النووي، وهذا هو سرادق النار الذي يرتفع فيما يشبه نبات عش الغراب mushroom، كما تنطلق أشعة إكس مع النيوترونات في اتجاه جانبي وإلى جميع الاتجاهات فتسبب ارتفاعًا شديدًا في درجات الحرارة، مما ينتج عنه احتراق كل شيء في طريقها، وتفوق سرعة حركة هذه الموجة الحرارية سرعة الصوت عدة مرات فتخلق أيضًا موجات اهتزازية رهيبة، غير أن الأسرع من كل هذا والأكثر نفاذًا، وهنا بيتُ القصيد، هو أشعة جاما التي تسبق سرعة انتقال الموجة الحرارية، فلها سرعة الضوء، وبتأثير ترددها الكبير جدًا تنفذ على الفور إلى القلب، وتصيبه بسكتة فورية، أي أن الموت لا تسببه الحرارة الشديدة الحارقة الناتجة عن تأثير أشعة إكس، إنما تسببه الطاقة الجبارة لأشعة جاما، وهذا هو بالضبط ما يقرره القرآن المجيد. (13).
ويُعلِّق (رحمه الله) بأن لفظة «يومئذ» يمكن أن تشير إلى زمن يرفض فيه المكذبون الإيمان بآيات الله تعالى فيغشاهم عذاب أليم من دخان يلقي بظلال الموت والهلاك على كل موجود تحته وسوف تتحرك هذه الظلال المهلكة وتنتقل من مكان إلى مكان فتحمل في طياتها ظلالًا من عذاب وآلام وذلك هو الزمن الذي يشهد فيه الإنسان ذلك العذاب الأليم، فحينذاك يعود ويرجع أخيرًا إلى الله تعالى ويسأله أن يرفع عنه هذا العذاب الذي لا يحتمل، غير أن غضب الله سبحانه حين ينزل بساحة قوم يكون زمنُ العفو والمغفرة قد ولى وانقضى.(17) ويتعجب (رحمه الله) من أن الله تعالى قد أخبر نبيه بكل هذه التفاصيل بين ثنايا النبوءات، ودقائق الأمور التي وصفها والوضوحَ الذي وصفت به الكثير من الأمور المستقبلية تترك لدى المرء انطباعًا وكأنه كان يشاهد هذه الأحداث تتمثل أمام ناظريه على مسرح الأقدار.
سورتا «الدخان» و»المرسلات»، وسحابة الانفجار النووي
الحديث عن الإبادة النووية في نطاق السياق القرآني ليس مقصورا على سورة الهمزة، بل ثمة سور أخرى تورد وصفًا متصلًا بهذا الموضوع، كما أشار سلفا سيدنا الخليفة الرابع (رحمه الله)، ففي معرض تناول الموضوع من زاوية «سورة الدخان» يذكر (رحمه الله) أن سحابة قاتلة من الدخان المحتوي على الإشعاع المهلك سوف تكتنف الناس، في إشارة إلى قول الله تعالى:
ويربط ذلك بآيات من سورة المرسلات، حيث قول الله تعالى:
فيذكر (رحمه الله) أن كلمة «انطلقوا» تشير إلى أن الإنسان سوف ًيأتي عليه وقت يُضطر فيه إلى مواجهة هذه السحابة الدخانية الرهيبة التي لا تمنح ظلًا ولا تُقدم حماية فإن ظل ذلك الدخان نفسَه هو ما يحمل العذاب الأليم الذي تشعه تلك النيران، فلا ينجو شيء من هذا الظل ولا يكون أحدٌ تحته في مأمن من الاحتراق، ويعلق حضرته بأن هذا هو الوصف الدقيق لتأثير سحابة الإشعاع النووي وأن السحابة الدخانية سوف تموج فيها النيران حتى أن ألسنة اللهب والشرر المتصاعد يبدو في لون الجِمال ذات اللون الأصفر الفاقع بينما يبلغ حجم ذلك الشرر حجم القصور والقلاع، ويشير إشارة لطيفة إلى أن أوجه الشبه بين ألسنة اللهب والجِمال لعلها ليست فقط في اللون وإنما في شكل انحناءات أسنمة الجمال أيضًا. (16)
ويُعلِّق (رحمه الله) بأن لفظة «يومئذ» يمكن أن تشير إلى زمن يرفض فيه المكذبون الإيمان بآيات الله تعالى فيغشاهم عذاب أليم من دخان يلقي بظلال الموت والهلاك على كل موجود تحته وسوف تتحرك هذه الظلال المهلكة وتنتقل من مكان إلى مكان فتحمل في طياتها ظلالًا من عذاب وآلام وذلك هو الزمن الذي يشهد فيه الإنسان ذلك العذاب الأليم، فحينذاك يعود ويرجع أخيرًا إلى الله تعالى ويسأله أن يرفع عنه هذا العذاب الذي لا يحتمل، غير أن غضب الله سبحانه حين ينزل بساحة قوم يكون زمنُ العفو والمغفرة قد ولى وانقضى.(17) ويتعجب (رحمه الله) من أن الله تعالى قد أخبر نبيه بكل هذه التفاصيل بين ثنايا النبوءات، ودقائق الأمور التي وصفها والوضوحَ الذي وصفت به الكثير من الأمور المستقبلية تترك لدى المرء انطباعًا وكأنه كان يشاهد هذه الأحداث تتمثل أمام ناظريه على مسرح الأقدار.
سورة «طه»، والاعوجاج الأخلاقي في الضغط على زر التفجير
وكالنحلة التي لا تغادر زهرة إلا إلى زهرة، ينتقل بنا حضرة الخليفة الرابع (رحمه الله) إلى سورة أخرى تعرض جانبا من جوانب الدمار النووي، وذلك في سياق كيل اللوم للإنسان على الاعوجاج الكائن في نفسه، موضحًا أنه كلما كان هو نفسه المسؤول عن التسبب في حدوث المعاناة وانتشار الشرور من حوله، كلما قصُرت عيناه عن رؤية يديه وهي تخلق هذه الشرور والمعاناة، ويزيد أن المسؤول الحقيقي دائمًا هو القوى العظمى التي تتخذ القرارات الرعناء باستخدام العنف الذي يعصف بأمن العالم كله وبالرغم من عظمتها فهي لا تعدو أن تكون دمى تُحرِّكها أيدي الإرادة الجماعية الأنانية للجماهير. ويشير (رحمه الله) في هذا السياق إلى قول الله تعالى في سورة طه:
ولا يفوتُ الخليفةَ الرابعَ أن يستنبط أن كتاب الله القرآن يلفت الانتباه إلى الأسباب غير الأخلاقية لاعوجاج وفساد السلوك الإنساني، فيشبه الأمر بزناد المسدس ويقول إنه حين يذكر كتاب الله لنا أخطارَ الزناد وما ينتج عنه فإنه لا يركز الانتباه على الزناد فقط بل على الإصبع الذي يضغط عليه وهذا هو الهدف من ذكر تلك التحذيرات في القرآن المجيد، وفي هذا الشأن يذكر القرآن المجيد تكرارًا أن كل البشاعة التي تصيب الإنسان يكون هو نفسُه المسؤول عنها ولا يقع اللوم إلا عليه، وعلى هذا فإن إجراءات الوقاية التي يبينُها القرآن المجيد تتعلق بإصلاح أخلاق الإنسان وتقويم سلوكه، ويؤكد القرآن على أنه إذا غيَّر الناس من مسلكهم وأصلحوا من أنفسهم بما يتفق مع الهدي الإلهي فإن هذا سوف يخلق المناخ الصحي المناسب واللازم لإقامة العدل واستمرار الحياة، وأضاف أنه بدون التحليل العميق والحقيقي لسلوكيات الإنسان على كل مستوى من مستويات أنشطته فليس هناك من حل معقول يمكن أن يتصوره أحدٌ لتلك المشكلات التي يواجهها إنسان اليوم، فكلُّه يتوقف على إحياء القيمِ الإنسانية الأساسية كالصدق والأمانة والكرامة والعدل والمساواة ومواساة الخلق، حتى لو لم يكونوا من الأقارب والمعارف، والالتزام العام بفعل الخير، فإن أزلنا هذه العوامل من العلاقات الإنسانية فلا ننتظر أو نتوقع شيئًا سوى أن تحل بنا الكارثة، وهذه هي النتيجة المنطقية الوحيدة.
وهنا يُنبئنا الخليفة الرابع (رحمه الله) أن كبرياءَ وعجرفة القوى العالمية العظمى في هذا الزمن سوف تنكسر وتتحطم، ولكن لن ينمحي الجنس البشري من الوجود بل سينبعث من جنبات قبور تلك القوى السياسية المتعجرفة النظامُ العالمي الجديد، فالقوى العظمى التي هي كالجبال الراسية ستُدق وتسحق وتسوى بالأرض، فلا يُرى فيها أعالي ولا أسافل، لا عوجًا ولا أمتًا، والجبال في هذه الآيات ليست سوى استعارة مكنية للقوى العظمى والأمم والشعوب فمتى سُحقت عجرفتها وزال تكبرها واستقام أمرها فحينئذ فقط سوف تسمع نداء داعي الله الذي لا عوج له، وهذا الدمار الذي يذكره القرآن المجيد لا ينتج إلا عن إبادة تتم بانفجار المئات من التفجيرات النووية، مما يعني أن الإنسان لن يتعلم الدرس بسهولة وأنه لا بد من أن يُطأطئ رأس كبره تحت ضغط وثقل فظاعة الكوارث التي تلم به، ولكن مع رسالة الوعيد المرعبة هذه تأتي أيضًا رسالة جليلة تحمل الأمل بأن الفناء لن يعم الجنس البشري بأكمله بل إنه سينجو من هده الكوارث في نهاية المطاف ويدلف إلى عهد جديد من عهود النور وسيتعلم الإنسان كيف يصلح من أساليبه وسلوكياته، إن لم يكن من قبل، فعلى الأقل من بعد أن يذوق ثمار سيئاته وعصيانه لله تعالى(19).
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن جميع نبوءات النُّذُر والوعيد لا يحول دون وقوعها إلا استجابة الإنسان لها، ومثَلُها قوم يونس الذين نجَوا من عقاب الله المقضي به عليهم حين رَجعوا إلى الله تعالى بتوبة نصوح، فهذا يضيء لنا اليوم نور الأمل وغيرُ ذلك ليس سوى ليل أسود مظلم مرعب من اليأس الكامل، ولكن العلاج لأمراض العالم المتأصلة لم يعُد في أيدي المسحاء الكذَبة وأدعياء الدين وإنما هو في يد الله تعالى وحده إذا ارتفعت أيدينا إليه بالدعاء الصادق المخلص فقط.
الهوامش
1. (الأَعراف: 188)
2. ساعة الكارثة الوشيكة
3. المرجع السابق
4. المرجع السابق
5. مرزا طاهر أحمد، الوحي والعقلانية والمعرفة والحق، ص 631-642، الطبعة 1، الشركة الإسلامية المحدودة، لندن، 2004.
6. (الهمزة 2-10)
7. الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، تحت «ح ط م»
8. مرزا طاهر أحمد، الوحي والعقلانية والمعرفة والحق، ص 631-642
9. المرجع السابق
10. المرجع السابق
11. المرجع السابق
12. المرجع السابق
13. المرجع السابق
14. (الدخان: 11-12)
15. (المرسلات 31-35)
16. مرزا طاهر أحمد، الوحي والعقلانية …، ص 631-642
17. راجع: المرجع السابق
18. (طه 105-107)
19. راجع: مرزا طاهر أحمد، الوحي والعقلانية والمعرفة والحق ص 631-642