
- فما الخطورة التي تمثلها وسائل التقدم التكنولوجي تلك على أطفالنا؟!
- وكيف نحمي بصمة أولادنا الرقمية؟
___
كيف تضلل محركات البحث أطفالنا؟!
ثمة تحدٍّ كبير تواجهه الأجيال الجديدة في هذا العصر، عصر الثورة المعلوماتية ومدِّ وسائل التواصل الافتراضية، وهذا التحدي يتمثل في شعور تلك الأجيال بامتلاك المعرفة المطلقة بسرعة فائقة، وبطرائق بسيطة وسهلة ، فبمجرد طرح السؤال (فقط) على محرك البحث (غوغل) فإنه يمكن الحصول على إجابات فورية على أكثر الأسئلة استعصاءًا. ما غاب عن إدراك أبنائنا هو أن ما يوجد على (غوغل) قد لا يكون أصيلًا وواقعيًا بالضرورة، وبالنسبة لذوي الخبرة الضحلة، قد يصل أمر البحث عن النتائج عبر محركات البحث الشبكية إلى درجة الضرر الفادح. فعندما نتجاذب أطراف الحديث مع أطفالنا بشأن وجهات نظر معينة لديهم، فإنهم سرعان ما يحيلوننا من فورهم إلى محرك البحث (غوغل) للتحقق من صحة روايتهم كما يدَّعونها. نحن نعلم أن الطريقة التي يعمل بها (غوغل) هي من خلال الخوارزميات، وبالتالي بمجرد اتباع نهج معين في بحثنا، فإن (غوغل) يعزز هذا السرد بدلاً من تقديم رؤية متوازنة. وهذا بدوره يجعل المستخدمين أقل انفتاحًا على السرد أو الجدل المتوازن حول الموضوع المعني.
انتبهوا لبصمتكم الرقمية
إحدى القضايا المهمة الأخرى التي يجب على الآباء معالجتها مع أطفالهم هي البصمة الرقمية؛ إذ بمجرد وضع أي شيء على الإنترنت، فإنه يبقى هناك إلى الأبد، ويمكن استخدامه ضد الفرد في وقت لاحق من حياته عندما لا يكون لديه وجهة نظر مماثلة ولكن سيكون دائمًا ملتصقًا بها(1). الأمر يتخذ صورة أفظع من الخطورة حين يرتبط بأولادنا، لا سيما صغار السن منهم، فهؤلاء يتم تصميم ملفات خاصة بكل منهم، استنادا إلى سلوكياتهم على الشبكة العنكبوتية وخلال مدة بقائهم عليها، وهي مدة غير محدودة بالطبع، حيث لا يكاد يخلو جيب أو حقيبة كل طفل في هذه الأيام من هاتف محمول يبقيه على اتصال بالشبكة العنكبوتية ليل نهار.
الترويج للعنف
التحدي الآخر هو قوة الإعلان. فمن خلال الإعلانات، ينجذب الكثيرون إلى الألعاب والأطعمة والمشروبات التي تكون غالبا غير صحية لعقولهم وأجسادهم. فمعظم هذه الألعاب تتسم بالعدوانية، بما قد يُفضي إلى القتل والدمار، مما يقلل حساسية الأطفال تجاه هذا العنف، وبالتالي يؤدي هذا إلى نقص الرحمة والتعاطف والتفاهم. كما تشير الأبحاث الحالية إلى أن الإفراط في التعرض لوسائل التواصل يمكن أن يسبب الإدمان وله مظاهر جسدية على إعادة توصيل أدمغة الأطفال الصغار. وهذا يؤدي إلى فترة انتباه أقصر. نحن نشهد هذا داخل أسرنا حين يُسمح للأطفال بقضاء أوقات طويلة أمام الشاشة. لقد بات هذا الأمر الآن مصدر قلق للسلطات الوطنية في كثير من البلدان، مثال على ذلك الصين، حيث وضعت الحكومة قيودًا على مقدار الوقت الذي يمكن أن يقضيه الأطفال أمام الشاشة. وهنالك بريطانيا أيضا، ووفقا لمقالة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية، فإنَّ المدارس في إنكلترا قد أصدرت توجيهات جديدة تهدف إلى وقف استخدام الهواتف المحمولة خلال اليوم الدراسي. وكانت الغاية من وراء هذا الإجراء «التقليل من عوامل التشتت وتحسين السلوك في الفصول الدراسية». «نحن نشهد الآن تأثير الاستخدام المفرط للهاتف على الأزواج الشباب، لأن فترة الاهتمام القصيرة وقلة الصبر تسببا في مشكلات كبيرة في التواصل. فالأزواج صاروا يتواصلون مع بعضهم بعضا عبر وسائل التواصل الافتراضية ، وبكل أسف فقد بات هذا المشهد مألوفا ، نعم ، بدلاً من أنْ يتحدث الزوجان مباشرة مع بعضهما فإنهما يتواصلان من خلال الرسائل النصية! على الرغم من تواجدهما معاً في نفس المنزل وفي ذات الوقت. والسؤال المطروح بإلحاح هنا: ما هي التربية التي يمكن لمثل هذين الزوجين توفيرها لأبنائهما، وهما أنفسهما قد انحرفا عن المسار؟ فما الحل المقترح في هذه الحال؟
من خلال الإعلانات، ينجذب الكثيرون إلى الألعاب والأطعمة والمشروبات التي تكون غالبا غير صحية لعقولهم وأجسادهم. فمعظم هذه الألعاب تتسم بالعدوانية، بما قد يُفضي إلى القتل والدمار، مما يقلل حساسية الأطفال تجاه هذا العنف، وبالتالي يؤدي هذا إلى نقص الرحمة والتعاطف والتفاهم. كما تشير الأبحاث الحالية إلى أن الإفراط في التعرض لوسائل التواصل يمكن أن يسبب الإدمان وله مظاهر جسدية على إعادة توصيل أدمغة الأطفال الصغار. وهذا يؤدي إلى فترة انتباه أقصر. نحن نشهد هذا داخل أسرنا حين يُسمح للأطفال بقضاء أوقات طويلة أمام الشاشة. لقد بات هذا الأمر الآن مصدر قلق للسلطات الوطنية في كثير من البلدان، مثال على ذلك الصين، حيث وضعت الحكومة قيودًا على مقدار الوقت الذي يمكن أن يقضيه الأطفال أمام الشاشة.
بذرة عقوق الوالدين
هناك مشكلة أخرى ناجمة عن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي والمادية بشكل عام، وهي ضعف العلاقة بين الوالدين والأبناء، خاصة عند وصول الوالدين إلى سن الشيخوخة. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
توضح هذه الآيات أنه بعد توحيد الله، يجب على البشر، من خلال الحب والمودة والمواساة، إعطاء الأولوية فوق كل الأشياء الأخرى لوالديهم اللذين وصلا إلى سن الشيخوخة. الحقيقة المحزنة اليوم هي أن المجتمع يعتبر الوالدين عبئًا. لقد بدأ هذا بالفعل في الحدوث. وفي تقرير نشرته صحيفة «الإندبندنت» عام 2019، يؤكد أن رجلاً أمريكيّاً اصطحب والده الضعيف الذي كان يعاني من الخرف، في رحلة جوية من لوس أنجلوس إلى المملكة المتحدة، حيث تُرك الأب في محطة للحافلات في «هيريفورد» بدون أي وسيلة لأي شخص للعثور على عائلته، وكل ذلك لتجنب الاضطرار إلى دفع تكاليف رعايته. لقد أصبحت هذه الظاهرة شائعة في أمريكا، حتى أنها أعطيت مصطلح «إغراق الجدة»(3). وعلى الرغم من غرابة هذا المصطلح، فإن التقديرات تشير إلى أن حوالي 100 ألف أمريكي من كبار السن يتم التخلي عنهم كل عام، من قبل أقارب غير قادرين أو غير راغبين في المساعدة في الاعتناء بهم أو دفع تكاليف رعايتهم. إننا نواجه أزمة اقتصادية، ولكن يعلمنا الإسلام أنه لا ينبغي لنا أبدًا أن نتخلى عن مسؤوليتنا تجاه والدينا. إذا لم تكن قادرًا على إعالة والديك ماليًا، فيمكنك منحهم وقتك. اطبخ لهم، وقدم لهم ما تستطيع، واعتن بهم كما فعلوا معك في صغرك. روي أن موسى سأل الله ذات يوم: «يا رب أرني رفيقي في الجنة» فأوحى الله إليه أن الجزار سيكون رفيقه في الجنة. أصيب سيدنا موسى بالصدمة والفضول؛ فأراد أن يعرف ما الذي يميز هذا الجزار، فوجهه الله إلى دكان في السوق. فذهب وهناك وجد جزارا شابًّا يعمل ويخدم زبائنه. وبقي موسى عند الجزار حتى نهاية اليوم. أغلق الجزار محله ووضع بعض اللحم في كيس صغير ثم بدأ في السير إلى منزله. سأل موسى الجزار إذا كان يسمح له بمرافقته فوافق الجزار. وصل الجزار إلى البيت. فرأى موسى أن في بيته امرأة عجوزاً عاجزة مستلقية على السرير. ذهب الجزار إلى المطبخ وبدأ في إعداد الطعام. وبينما كان الطعام يطهى، غسل وجه هذه المرأة العجوز، وغير ملابسها، ومشط شعرها. ثم جاء بالطعام الذي طبخ فأطعمه هذه المرأة بيده حتى شبعت. ثم أعاد الجزار المرأة إلى سريرها. وبينما كان يفعل ذلك، همست بشيء في أذنه، فبدأ الرجل يبتسم. فقال موسى للرجل: من هذه المرأة وماذا قالت لك حتى ابتسمت؟ فأجاب الجزار: هذه المرأة هي أمي. كلما قمت لها بشيء تقول لي: يا بني، لن يضيع الله سعيك معي، وتدعو لي أن أكون رفيق موسى بن عمران في الجنة. وفي تفصيل أكثر لهذه المسألة ذكر أمير المؤمنين حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده لله تعالى بنصره العزيز) أن «التعليم الأخلاقي المتمثل في مواساة الأقارب هو نفسه بالنسبة للرجال والنساء، دون أي تمييز. من خلال مواساة الأسرة، ستزدهر العلاقة بين الزوجين أيضًا، حيث سيراعي كلاهما مشاعر الآخر. إن مثل هذه الأسرة تتقرب إلى الله، ويكون البيت جنة في الأرض»(4).
أين المفر؟!
التكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين، وقد يظن الناس عمومًا أنَّ بعض الأشياء جيدة وبعضها حسنة لكن القرآن الكريم يُبطل هذا التصور فيخبر أنَّ كل شيء حسن وسيء أيضًا، وليس هنالك ما هو حسن خال من الشر، ولا ما هو سيء خال من الخير.(5)
إن الحل الأنجع والتذليل الأروع للتحديات السالفة أن يقوم الأهل أولا بإصلاح أنفسهم، وأن يصبحوا قدوة يقتدي بها أطفالهم. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا عدنا إلى أسس ديننا ومارسنا المبادئ الإسلامية حقًّا داخل منازلنا وطوال حياتنا. فلنبدأ بممارسة القيم الأخلاقية الجيدة وأداء صلواتنا الخمس اليومية بانتظام جماعة. وأن نمنح وقتًا ممتعًا لأطفالنا من أجل تطورهم الأكاديمي والروحي. وقضاء وقت أقل على وسائل التواصل الاجتماعي وتخصيص وقت أكبر للقراءة واللعب والتفاعل مع أطفالنا وتطوير علاقة قوية معهم.
الهوامش:
- رفيق أحمد حياة، «الوقاية من الاتجاهات السلبية في الوقت الراهن»، خطاب على هامش الجلسة السنوية بالمملكة المتحدة، يوم الأحد 28 يوليو 2024م.
- (الإسراء: 24-25)
- رفيق أحمد حياة، «الوقاية من الاتجاهات السلبية في الوقت الراهن»…
- مرزا مسرور أحمد، خطبة الجمعة الموافق 23 يناير عام 2004
- النفسير الكبير ( ج10 / 688 )