فك الشفرة الجينية فوائد الهندسة الوراثية ومخاطرها

فك الشفرة الجينية فوائد الهندسة الوراثية ومخاطرها

محمد العاني

  • ما هو علم الهندسة الوراثية؟
  • ما فوائده المرتجاة؟
  • ما مخاطره المحتملة؟
  • ما قول الدين في مكتشفاته وممارساته؟

___

القراء الأعزاء، هذا المقال يهدف إلى فتح أبواب التفكير والنقاش حول عالم الهندسة الوراثية الغني الرائع، فاستعدوا لهذه الرحلة القصيرة ولنتعلم معاً كيف نسخر جانباً من جوانب العلم لخدمة الإنسانية!

هل تساءلتم يوماً كيف يمكن للعلماء «تعديل» الكائنات الحية؟ فالهندسة الوراثية تتمتع بالقدرة الفريدة على تغيير عالمنا، من علاج الأمراض إلى زراعة محاصيل أفضل، بشكل كبير، وربما خطير.. فثمة تحديات وأسئلة أخلاقية مهمة تجب مناقشتها في هذا المضمار وأهم هذه الأسئلة: هل نحن مستعدون لاستخدام هذه القوة العظيمة بمسؤولية؟

 

ما هي الهندسة الوراثية؟

تخيلوا أن الحمض النووي (DNA) هو كتاب يحتوي بين دفتيه وصفات للحياة، وتخيلوا أن مهندسي الوراثة يستطيعون نسخ ولصق وحذف وحتى كتابة أجزاء من هذه الوصفة لإعطاء الكائنات الحية صفات جديدة، فعلى سبيل المثال: يمكنهم إنتاج محاصيل مقاومة للآفات، كالذرة التي لا تخشى الجفاف ولا الحشرات، ويمكنهم جعل الحيوانات أكثر صحةً، كالأبقار التي تنتج حليباً أكثر فائدة للصحة، كما يستطيعون علاج الأمراض الوراثية كفقر الدم المنجلي. هذه أعزائي هي الهندسة الوراثية.

 

فوائد الهندسة الوراثية

لكن كيف يفعل مهندسو الوراثة هذه الأعاجيب؟ يستخدم مهندسو الوراثة تقنيات مثل CRISPR-Cas9 والتي تشبه مقصاً دقيقاً يقطع ويلصق أجزاءاً من الحمض النووي، ولا بد من الإشادة بما تقدمه الهندسة الوراثية قبل الخوض في مخاطرها، فلها فوائد كبيرة في مجالات مختلفة سنطَّلع عليها بشيء من التفصيل.

في مجال الطب، يستطيع العلماء باستخدام تقنيات مثل CRISPR إصلاح الجينات المَعيبة التي تسبب أمراضاً مثل العمى الوراثي، كما يفتحون المجال للطب الشخصي، أي أن يكون لديكم دواء مصمم خصيصاً لجيناتكم الخاصة، أما في مجال الزراعة، فيمكن إنتاج محاصيل مقاومة للجفاف في المناطق التي تعاني من ندرة في المياه، ما يُنقذ المزارعين من الخسائر وربما لاحقاً يقضي على الجوع في العالم، كما تساعد تطبيقات الهندسة الوراثية في الحد من استخدام المبيدات، فبعض النباتات المعدلة وراثياً تطرد الحشرات بشكل طبيعي، أما في مجال حماية البيئة، فثمة بكتيريا تقتات على البلاستيك وبإمكانها أن تساعدنا في التخلص من النفايات البلاستيكية، ويمكن جعل البعوض غير قادر على نقل الملاريا ونستطيع بذلك القضاء على الأمراض التي ينقلها البعوض.

التحديات والمخاطر

والآن نقرع جرس الإنذار لمخاطر ومخاوف هذا الفتح العلمي. نبدأ بالاعتبارات الأخلاقية، ولنأخذ مثلاً إمكانية أن يُسمح للوالدين باختيار صفات أطفالهم، كلون العينين ومستوى الذكاء، وهنا أين نضع الحد بين العلاج والتحسين؟ مثال آخر يتصل بتعديل الأجنة، ولنتذكر أن تغيير الجينات في الأجنة يمكن أن يؤثر في الأجيال القادمة، ولكن من سيتحمل هذه المسؤولية وتبِعات هذا التعديل؟ ويكمن الخطر الثاني في التأثير في البيئة، إذ قد تؤدي استخدامات الهندسة الوراثية إلى اضطراب في النظم البيئية، ومثالها احتمال هروب الأسماك المعدلة وراثياً إلى مكان آخر وتفوقها على الأنواع الطبيعية! ألا يمكن أن يؤدي ذلك إلى انقراض بعض الكائنات؟ أما الخطر الثالث فيتعلق بالاعتبارات الصحية، فقد تكون الأطعمة المعدلة وراثياً ضارة على الأمد البعيد، ولنفكر أخيراً في العدالة الاجتماعية ولنسأل أنفسنا: من المستفيد من هذه التطبيقات؟ فغالباً ما تكون التقنيات المتقدمة باهظة الثمن، لذا هل سيستفيد منها الأغنياء فقط بينما يظل الفقراء خارج دائرة التقدم والتطور؟

الإشادة بما تقدمه الهندسة الوراثية قبل الخوض في مخاطرها، فلها فوائد كبيرة في مجالات مختلفة سنطَّلع عليها بشيء من التفصيل.

في مجال الطب، يستطيع العلماء باستخدام تقنيات مثل CRISPR إصلاح الجينات المَعيبة التي تسبب أمراضاً مثل العمى الوراثي، كما يفتحون المجال للطب الشخصي، أي أن يكون لديكم دواء مصمم خصيصاً لجيناتكم الخاصة

رأي الدين في الهندسة الوراثية

بعد الاطلاع على فوائد الهندسة الوراثية وما يُقلق بشأنها، لنُعاينْ الموضوعَ من وجهة نظر دينية. ذكر الله تعالى في القرآن الكريم:  …لَاَتَّخِذَنَّ مِنۡ عِبَادِك نَصِیۡبًا مَّفۡرُوۡضًا (1) و وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (2) أي أن الشيطان سيغير خلق الله بطرق مختلفة وفي ذلك صلة بموضوعنا هذا.

يشير الخليفة الرابع للجماعة الإسلامية الأحمدية، حضرة مرزا طاهر أحمد رحمه الله، في كتابه الوحي والعقلانية والمعرفة والحق(3)، إلى أن إمكانية تغيير طبيعة خلق الله تعالى هي فكرة لم تكن لتخطر ببال الناس في الأزمنة السالفة، وأن الآية الكريمة تتحدث عن إمكانية أن يحقق الإنسان تغييرات جوهرية في خلق الله تعالى كانت دائماً أبعد من تخيل الانسان ويذكر أن الهندسة الورائية لم تُعد فرعاً جديداً في الدراسات العلمية إلا منذ أمد قريب وأنه فرع من العلوم يتقدم بسرعة إلى المرحلة التي كان لا بد أن يُقدم القرآن الكريم عنها تحذيراً واضحاً منذ أربعة عشر قرناً، وأضاف أن الإنسان بدأ يتدخل في أمور الخلق وحقق بعض النجاح في تغيير بعض أشكال الحياة على مستوى البكتريا والحشرات وغيرها، وحذَّر من أن اتخاذ المزيد من الخطوات في هذا الاتجاه قد يؤدي إلى وقوع الكارثة.

كما أضاف حضرته ناصحاً أنه لاستحالة تقدير التأثيرات النهائية للسلالات الجديدة المخلَّقة على البيئة في المستقبل، ينبغي اعتماد المراقبة الدقيقة الكاملة لسلوك السلالات المعدلة لعدة أجيال متعاقبة ويجب وضع التجارب تحت المراقبة الدقيقة ووضع القواعد والموازين التي تنظمها حتى لا تؤدي بعض التجارب غير المسؤولة في مجال الهندسة الوراثية إلى انطلاق بعض أنواع من الحياة غير المتوقعة مما لا يمكن للإنسان أن يسيطر عليها، ويضيف محذراً أن التدبير الإلهي في هذه الحال قد لا يقل عن الإبادة الكاملة حتى يلقن الإنسانَ درساً في التواضع، ويختتم هذا الفصلَ المعنون «الهندسة الوراثية» بأنه من الخطأ الزعم بأن هذه الآيات الكريمة تُدين جميع استخدامات الهندسة الوراثية وتمنعها، فكل فرع من فروع العلم يُستخدم لخدمة ونفع خلق الله تعالى فهو يقيناً لا يُذم ولا يمنع، وقدم مثلاً فقال إذا استخدمت الهندسة الوراثية لإصلاح العيوب في التركيبات الجينية الناتجة عن حوادث معينة، فلا يُعد هذا أبداً عبثاً أو تدخلاً في تغيير خلق الله وإنما يُعد علاجاً، ومثلاً آخر فقال إذا حدث تشويه في التركيبات الجينية نتيجة لبعض الأمراض أو بسبب التأثير الضار لبعض الأدوية ثم حاولنا إصلاح هذا التشويه من خلال الهندسة الوراثية فلن يكون هذا من عمل وتأثير الشيطان الذي تُدينه الآيات الكريمة.

دورنا اليوم

لنتذكر بعد قراءة هذه السطور أننا جزءٌ من المستقبل، لذا إليكم بعض الخطوات التي يمكننا أن نتخذها في هذا الشأن:

  1. 1. أن نتعلم أكثر ونقرأ عن الهندسة الوراثية وتأثيراتها على المجتمع ونتابع مصادر موثوقة مثل ناشِنال جيوغرافيك أو مجلة العلوم.
  2. 2. أن نفكر تفكيراً نقدياً ونسأل: من يستفيد؟ ومن قد يتأثر سلباً؟
  3. 3. أن نشارك بآرائنا ونناقش مع أصدقائنا أو زملائنا في المدرسة أو الجامعة كيفية استخدام هذه التكنولوجيا بمسؤولية.

تذكروا أعزائي أن الهندسة الوراثية سيفٌ ذو حدين، إذ يمكنها أن تشفي الجروح والعلل ولكنها قد تؤذي إذا استخدمت بشكل غير مسؤول، وأنه يمكننا من خلال فهم فوائدها ومخاطرها أن نشارك في تشكيل مستقبل أفضل، وتذكروا أن المستقبل ليس شيئاً يحدث لنا فحسب بل هو شيء نصنعه معاً.

الهوامش:

  1. (النساء: 119)
  2. (النساء: 120)
  3. الوحي والعقلانية والمعرفة والحق، الفصل الثالث:  الهندسة الوراثية ص 643-646
تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via