- ما قصة سوء الفهم المترتب على مقولة وقوع تمبكتو في السودان الغربي؟
 - ما قصة تسمية المدينة بهذا الاسم؟
 - ما عوامل تحولها إلى حاضنة وحاضرة إسلامية في غرب أفريقيا؟
 
___
إزالة سوء فهم جغرافي
“تمبكتو” مدينة ذات تاريخ لافت تقع في مالي ، وهي من أهم العواصم الإسلامية في غرب أفريقيا، أو ما يدعوه الجغرافيون القدامى بالسودان الغربي، وقبل أن نشرع في سرد معلومات المقال، علينا أولا توضيح ما نعنيه بذكر مصطلح «السودان» جغرافيا..
بلاد السودان منطقة جغرافية تشير بشكل عام للمنطقة الخضراء التي تقع مباشرة جنوب منطقة الساحل، أي ساحل البحر المتوسط. وتشمل مناطق تقع اليوم في أجزاء من دول السنغال ومالي وتشاد وجمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا. وفي مخطوطه المعنون بـ «تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان» الذي يُقدم لمحة مثيرة للاهتمام عن جزء مهمَل من إفريقيا، قسم مؤلفه محمد بن عمر التونسي ولايات السودان جنوب الصحراء: سنار وكردفال (كردفان) ودار الفور (دارفور) وودَّاي والباقرمة وبرنوا وأدقز ونفه ودار ملا وتنبكتو. (1)
أصل التسمية
سُميت قديمًا «تنبكت»، ودعاها الناس بـ»بجوهرة الصحراء المتربعة على الرمال»، وهي تقع على الطريق الواصلة بين مدن شمال أفريقيا وغربها، وهي ملتقى القوافل البرية للقادمين من النيجر وليبيا، وكذلك «تجار الملح» القادمين من أزواد، حيث مناجم الملح في الإقليم الصحراوي الواقع شمالي دولة مالي (2)، ولتمبكتو خصوبة المرأة الولود، فقد أنجبت العديد من الفقهاء والعلماء، وازدهرت فيها الحركة الثقافية، وتعاقب عليها الغزاة وآخرهم الفرنسيون، الذين ما تزال آثار استعمارهم لغرب القارة ماثلة في ذاكرة أبنائها، وقد قاومتهم قبائل المنطقة بقيادة «محمد علي الأنصاري».
ويجمع المؤرخون على أن معنى كلمة تمبكتو هو «حافظة الأمانات» وهو مأخوذ من اسم امرأة من الطوارق اسمها (تمبكتو) أي حافظة الأمانات، كانت تقطن في الموقع الذي تأسست عليه المدينة فيما بعد، وكانت هذه المرأة تحفظ للسكان الرحل الأمانات والودائع والأمتعة فاشتهر بها المكان وغلبت التسمية على المدينة بعد ذلك. وإذا كان الطوارق قد سموا “تمبكتو” بهذا الاسم لارتباطها عندهم بالعجوز بكتو حافظة الأمانات، فإن القواميس الإنكليزية تفسر هذه التسمية بأنها المكان القصي الذي لم تطأه قدم البشر ولم يدركه بصر.(3) والطوارق المُتحدَّث عنهم هنا هم مجموعة من القبائل التي تسكن منطقة الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا، وتتوزّع أماكن تواجد تلك القبائل في عدّة دول عربيّة وإفريقيّة بين وسط وجنوب تلك الصحراء. يعتبر الطوارق هم السكّان الأصليّون لمنطقة غرب الصحراء الكبرى، بالإضافة إلى العديد من القبائل البربريّة الأخرى الّتي دخلت في الإسلام مع الفتوحات الإسلاميّة لتلك المناطق بقيادة عقبة بن نافع، ومنهم: طارق بن زياد القائد الإسلامي الشهير في التاريخ .
حاضنة الإسلام في غرب أفريقيا
واحة “تمبكتو” هي حاضنة الإسلام في الصحراء الكبرى ومنارة للعلم فيها ومجمع العلماء وهي من أشهر المدن في غرب أفريقيا خاصة منذ القرن الثالث عشر، وسكانها جميعهم مسلمون وأشهر القبائل التي تقطن المنطقة هم «قبيلة الأنصار»، التي ظهر فيها المجاهد «محمد علي الأنصاري» والذي اغتيل في عام 1897، و «قبيلة السنغاي»، والتي هي في الأصل مملكة نشأت في غرب الساحل الأفريقي، امتد حكمها من 1464 إلى 1591م، ويُشكل أبناؤها أغلبية السكان وكذلك القبائل المتفرعة من «الأشراف الأدارسة»، أحفاد إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، والذي يُعد أول قادم على المغرب، من ذرية الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (رضي الله عنهما). وقد أشترى هؤلاء، أي الأدارسة، منطقة شمال النهر من أحد ملوك مالي السابقين وبعض القبائل ذات الأصول العربية مثل الطوارق والبرابيش وغيرهم. (4)
الموقع ومميزات المدينة
خلبت وأبهرت “تمبكتو” ألباب الرحالة الأوروبيين، كما أكدت ذلك الروايات التاريخية، حتى أن منهم من ضل الطريق إليها، ومنهم من حالفه الحظ في الوصول إليها واستكشافها، وقرر البعض المكوث بين أهلها. وتقع المدينة على نهر النيجر، وكانت فيما مضى من الزمان تتميز بحشائش السافانا التي اختفت جراء التصحر اليوم، فلم تعد الأعشاب تنبت فيها نظرًا إلى ندرة الأمطار.
يمكن لزوار المدينة الاستمتاع برحلات ركوب الجمال، حيث تعد الجمال وسيلة المواصلات التقليدية والأكثر شيوعا في تمكبتو وما حولها. ومما يميز “تمبكتو” أيضا بيوتها ومساجدها الطّينيّة التي شُيّدت من الرّمال الآتية من محيطها الصحراوي الذي تتواجد فيه، وقد صُنّفت مساجد الطّين في “تمبكتو” كإحدى صور التراث الإنساني التي يجب الحفاظ عليها.
التركيبة الديموغرافية
تقطن مدينة “تمبكتو” قبائل زنجية من أصول متعددة وبطون عربية قدمت إليها عبر العديد من موجات الهجرة الآتية من الجزائر وموريتانيا والمغرب تحديدًا، وأيضًا من القبائل العربية المهجرة من الأندلس، ومن سكان المدينة الطوارق، وهم أيضًا ينحدرون من قبائل عدة. وبأخذ فكرة التلاقح الحضاري في الاعتبار، فقد انصهرت في “تمبكتو” أعراق كثيرة، فأصبح سكانها مزيجًا متجانسا من العرب والأمازيغ والطوارق وقبائل السنغاي والفلان والبمبره، ويتعايش الجميع على أرضها تمامًا كما تتعايش فيها رمال الصحراء وإبلها وحرها اللافح مع مياه نهر النيجر وعذوبتها وزوارقها والخضرة المحيطة بها. وينشط سكان المدينة بنظام غريب، «فللعرب نشاط التجارة»، و»للطوارق» الترحال والرعي وتربية المواشي، و«للسنغاي» النهر والصيد والأسماك والزوارق ونقل المسافرين عبر النهر.
عَرَفَت “تمبكتو”، خلال القرن السادس عشر نشاطًا كبيرًا لحركة التعليم، وقد ضمت مدارسها العديد من الطلاب والمعلمين، كما شهدت المدينة لأول مرة في تاريخ السودان الغربي اتساعا في حركة التعليم الجامعي وتوارد عليها في تلك الأثناء عدد من العلماء من بلدان المغرب المجاورة، والذين ساهموا في تنشيط التعليم وتعميقه، وفي تلك الفترة بدأ العلماء من غرب أفريقيا في الإنتاج فكتبوا شروحًا لعدد من المؤلفات
التطور الحضاري فى “تمبكتو”
كان القرن السادس عشر الميلادي هو الذي بلغت فيه الحضارة الإسلامية أوجها في السودان الغربي، وذلك عبر تطورات متلاحقة معتمدة على عنصرين أساسيين هما «التجارة والتعليم»، وكانت المظاهر الحضارية في السودان الغربي تزداد ازدهارًا في كل حقبة على مستوى المدن التي تتلاءم مواقعها مع توارد قوافل الشمال عليها في الدرجة الأولى، وهو ما جعل من المدينة محطة القوافل الأولى في جميع بلاد السودان، فسكنها كثير من التجار وقصدها جمع غفير من العلماء والطلاب، مما حولها إلى عاصمة للعلم والثقافة والتجارة في السودان الغربي الأفريقي كله. ووصفت مدينة “تمبكتو” في تلك الحقبة بأم مدائن السودانيين سواء في العلم والحضارة أو في العمران والتجارة. (5)
وخلال القرن السادس عشر، أصبح سكان “تمبكتو”، يزيدون على خمسة وثلاثين ألف ساكن، والتي كانت العاصمة السياسية للإمبراطورية السنغانية، والتي كانت “تمبكتو” آنذاك إحدى مدنها الكبرى.
وفي تلك الأثناء أصبحت “تمبكتو” العاصمة الثانية للإمبراطورية في ميداني الاقتصاد والثقافة معًا، حيث انتظمت شوارعها، وأحيطت بسور واق ومؤمَّن، أما المنازل فقد ازدانت تزيّنت نسبة كبيرة من مبانيها بواجهات في شكل زرائب أو حدائق صغيرة تربطها إلى حيطان البيوت سياجات، وقد احتوت في تلك الأثناء على ثلاثة مساجد كبيرة ما لم يتهيأ لغيرها من كبريات مدن السودان الغربي آنذاك وأخذت أسواقها طابعها الإسلامي، وشهدت تواردًا نشطًا للقوافل الكبيرة عليها ما زاد حركة التبادل.
كان القرن السادس عشر قد شهد نشاطًا كبيرًا لعلاقات “تمبكتو” التجارية مع بلدان المغرب ومصر، فقد أصبح خلاله أيضًا مركزًا هامًا من مراكز الإنتاج الثقافي ضمن ميدان الحضارة الإسلامية الفسيح. وهكذا لم يقتصر دور مدينة “تمبكتو” على مجرد التبادل مع جزء من العالم الإسلامي، وإنما تجاوز ذلك إلى استيعاب ما أنتجه العالم الإسلامي ككل، والمشاركة في تنميته ونشره بين أمم السودان الغربي وشعوبه.
في ذاكرة تاريخ العلم والتعليم
عَرَفَت “تمبكتو”، خلال القرن السادس عشر نشاطًا كبيرًا لحركة التعليم، وقد ضمت مدارسها العديد من الطلاب والمعلمين، كما شهدت المدينة لأول مرة في تاريخ السودان الغربي اتساعا في حركة التعليم الجامعي وتوارد عليها في تلك الأثناء عدد من العلماء من بلدان المغرب المجاورة، والذين ساهموا في تنشيط التعليم وتعميقه، وفي تلك الفترة بدأ العلماء من غرب أفريقيا في الإنتاج فكتبوا شروحًا لعدد من المؤلفات الهامة التي ألفها أقرانهم من بلاد الإسلام الأخرى، وانقسم التعليم في “تمبكتو” خلال القرن السادس عشر إلى مراحل ثلاث: ابتدائية وثانوية وعليا.
أما عن أسلوب التدريس، فيقسم العلماء والمدرسون أوقاتهم خلال النهار فمثلاً في الصباح دروسًا لطلاب في المستوى الثانوي، ثم يجلسون بعد الظهر لطلاب المرحلة العليا أو العكس، ومن هنا يبدو الانتظام في المراحل التي يمر بها الطالب من حيث التدرج في مستويات التعليم بين المراحل ووجود منهج لكل مرحلة.
أما عن أمكنة التدريس الأساسية فهي المساجد والجوامع، وكان من أشهرها وأكثرها اكتظاظًا بجموع الطلبة والمدرسين جامع سنكرى الواقع في القسم الشمالي من مدينة “تمبكتو”، وقد بنته سيدة فاضلة ورد في الروايات أنها كانت من الموسرات، ثم جامع دنفريير، وكان قد بناه في الأصل لكانكان موسى سلطان مالي وهو من أهم زعماء إمبراطورية مالي، ثم ادخلت عليه تحسينات ووسعت مساحته مرتين خلال القرن السادس عشر وذلك ليتسع لجموع قاصديه من الطلبة والمصلين، ويبدو أن تكاثر الازدحام عليه هو الذي كان يدعو باستمرار إلى العمل على توسعته، ويأتي بعد هذين المسجدين مسجد سيدي يحيى وقد بني تخليدًا لأحد علماء المغرب الذين باشروا التعليم في “تمبكتو” خلال النصف الأول من القرن السادس عشر. (6)
المساجد في “تمبكتو”
تضم مدينة تُمبكْتُو مجموعة من المساجد العريقة التي ظلت على مدى قرون مراكز تعليمية إسلامية كبرى ومراكز تربوية مهمة، وأشهرها جامع “تمبكتو” الكبير الذي يعد من أقدم وأكبر مساجد المدينة التاريخية في غربي أفريقيا، وقد بني الجامع الكبير بصورة متواضعة تتناسب مع حجم سكان المدينة في تلك الفترة، وقد جدد بناءه السلطان المالي الحاج منسا موسى سنة (1332م)، وكان قد بنى صومعته بعد عودته من الحج سنة (1324م) وهو الوقت الذي ضم فيه مدينة “تمبكتو” إلى مملكته، وقد ظل هذا المسجد موضع عناية كثير من السلاطين والحكام الذين تعاقبوا على حكم مدينة “تمبكتو”، فقد مر بعدة إصلاحات من حسن إلى أحسن، كما عرف ترميمات وتَوْسِعات تقتضيها الظروف وزيادة السكان والثروات المتوافرة وتطور العمران، ويشتمل المسجد من الداخل على خمسة وعشرين صفًا من العمد، تمتد من شمالية إلى جنوبية، وعلى ثمانية صفوف ممتدة من الشرق إلى الغرب، وقد شُيدت أهم أجزاء المسجد بالحجر كالعقود، وشُيد الجانب الغربي والمحراب وبعض أجزاء الكساء الخارجي والسقف من الخشب المتين، وللمسجد صحنان، أحدهما واسع والآخر صغير متصل بالمئذنة، ويعتبر هذا المسجد الجامع من المعالم الأثرية البارزة لمدينة “تمبكتو” الإسلامية التاريخية.
وتضم أيضًا مسجد سَنكُري وهو حي من أحياء المدينة، كما تضم مسجد سيدي يحيى التادلسي، وكانت هذه المساجد الثلاثة بصفة خاصة معاهد تعليمية كبرى ومراكز ثقافية وتربوية مهمة، فكانت المرحلة العليا من التعليم فيها تشبه ما كان في الأزهر قديمًا وما هو كائن اليوم، إذ إن حلقات الدراسة ما زالت تُعقد في الجامع الأزهر وينتظم فيها طلاب معهد الدراسات الإسلامية الذين يُمنحون شهادة الإجازة العالية “الليسانس” تمامًا كزملائهم الذين يتخرجون في كليات جامعة الأزهر الحديثة المختلفة (7).
الهوامش:
- محمد بن عمر التونسي، “تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان”
 - عبد الرحمن السعدي، تاريخ السودان، ص 320
 - Oxford Advanced American Dictionary
 - Boston University Library, West African Islam, page 42-45
 - راجع: إدوارد بوفيل، الممالك الإسلامية في غرب إفريقيا وأثرها في تجارة الذهب عبر الصحراء الكبرى، ترجمة رياض زاهر، مكتبة الأنجلو المصرية، ص 10-71، القاهرة 1968.
 - أشرف فؤاد عثمان أدهم،”تمبكتو” في التراث الإسلامي الإفريقي، مجلة فكر الثقافية، بتاريخ 16 يونيو 2018
 - عبد الرحمن السعدي، كتاب تاريخ السودان، ص320