المرأة المسلمة وحق الاختيار وتقرير المصير

المرأة المسلمة وحق الاختيار وتقرير المصير

حواء أحمد

  • هل يمكننا استخراج هذا المعنى كون المرأة سيدة قرارها من خلال الاطلاع على سير الصحابة الكرام لسيدنا خاتم النبيين ؟

____

لقد اهتم الإسلام كثيرًا بوحدة الأسرة لأنها الركيزة الأولى للمجتمع، ووضع الأسس لاختيار الزوج والزوجة كل منهما الآخر، وشرَّع لكل منهما حقوقًا وأسند إليه كذلك واجبات، وبيّن أن أساس الحياة الزوجية الواجب هو المحبة والرحمة والمواساة، فإذا قصّر أحد الزوجين في أمر ما دون قصد، فعلى الطرف الآخر التغاضي عن ذلك والنظر إلى الصفات الإيجابية فيه بدلاً من التركيز على السلبيات فقط. قال رسول الله :

«لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ. (1)

لا شك أن هذا ينطبق أيضًا على الزوجة تجاه زوجها، ولكن العديد من الأحاديث قد ركزت على ضرورة أن يحسن الزوج معاملة زوجته لأن الإسلام قد جاء في زمن كانت فيه حقوق النساء مهضومة، فخلق ثورة أرست لهن حقوقهن المشروعة. وكانت هذه الثورة في الواقع أساسًا لأن تكسب سائر النساء حقوقهن المستلبة في العالم بأسره على مر العصور التالية للبعثة المحمدية.

وقد شدد الإسلام على ضرورة اختيار شريك الحياة على أساس صلاحه وحسن خلقه، فقال رسول الله :

«إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ».(2)

وقال أيضًا:

«تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَات الدّين تربت يداك.(3)

لا شك أن اختيار الزوجين على أساس التقوى سيعود بالفائدة على المجتمع ككل، حيث ستنتج مثل هذه الزيجات جيلًا صالحًا ينشأ في عائلة محبة تعيش وفقًا للمبادئ والقيم الأخلاقية الإسلامية. وسيخلق هذا النوع من الزواج، حيث يحافظ الزوجان على مخافة الله نصب أعينهما في كل كلمة يقولانها وفي كل فعل يقومان به، مشاعر الحب والمودة في قلبيهما مما يؤدي إلى السكينة والراحة النفسية التي هي أحد أهم أهداف الزواج في الإسلام، كما ذكر الله عز وجل:

«وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.» (4)

قصة الصحابي جُلييب تلقي الضوء على حق المرأة المسلمة في تقرير مصيرها

يزخر التاريخ الإسلامي بقصص الصالحين والصالحات الذين اختاروا شركاء حياتهم بناءً على الصلاح والتقوى، سواء كانوا أفقر منهم أو أقل جمالًا أو ثقافة أو مكانة. ومن ذلك قصة جليبيب (رضي الله عنه).

لم يكن جليبيب، صحابي رسول الله ، دميمًا قصير القامة فحسب، بل كان أيضًا يتيمًا وفقيرًا، وغير ذي حسب ونسب.. لقد كانت روحه الحزينة تتوق طوال حياته إلى الحب الذي ما اختبره يومًا… لكنه صار عبدًا مخلصًا لله وصحابيًا كريمًا للنبي الكريم . لقد فاز جليبيب بحب رسول الله ، وهو أعظم شرف يمكن أن يحلم به إنسان فما بالك إن كان كجليبيب! لقد راعى رسول الله احتياجات صحابيه المخلص جليبيب لدرجة أنه عرض عليه ذات يوم أمر ترتيب زواجه، فأجاب: «يا رسول الله تجدني كاسدًا»، فقال له : «لكنك عند الله لست بكاسد». (5)

فذهب رَسُولُ اللَّهِ إلى رجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وقال له: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ. فَقَالَ: نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنٍ. فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَسْتُ لِنَفْسِي أُرِيدُهَا. قَالَ: فَلِمَنْ؟ قَالَ: لِجُلَيْبِيبٍ قَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا. فَأَتَاهَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ. قَالَتْ: نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنٍ زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يُرِيدُهَا لِنَفْسِهِ. قَالَتْ: فَلِمَنْ؟ قَالَ: لِجُلَيْبِيبٍ. قَالَتْ: حَلْقَى أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ؟ لَا لَعَمْرُ اللَّهِ لَا أُزَوِّجُ جُلَيْبِيبًا. فَلَمَّا قَامَ أَبُوهَا لِيَأْتِيَ النَّبِيَّ قَالَتْ الْفَتَاةُ لِأُمِّهَا مِنْ خِدْرِهَا: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمَا؟ قَالَتْ: النَّبِيُّ . قَالَتْ: فَتَرُدُّونَ عَلَى النَّبِيِّ أَمْرَهُ ادْفَعُونِي إِلَى النَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّعُنِي. فَأَتَى أَبُوهَا النَّبِيَّ فَقَالَ: شَأْنَكَ بِهَا. فَزَوَّجَهَا.(6) وقد دعا رسول الله لجليبيب وزوجته قائلًا: «اللهم صُبّ الخير عليهما صبا، ولا تجعل عيشهما كدا». (7)

لا شك أن اختيار الزوجين على أساس التقوى سيعود بالفائدة على المجتمع ككل، حيث ستنتج مثل هذه الزيجات جيلًا صالحًا ينشأ في عائلة محبة تعيش وفقًا للمبادئ والقيم الأخلاقية الإسلامية. وسيخلق هذا النوع من الزواج، حيث يحافظ الزوجان على مخافة الله نصب أعينهما في كل كلمة يقولانها وفي كل فعل يقومان به، مشاعر الحب والمودة في قلبيهما مما يؤدي إلى السكينة والراحة النفسية التي هي أحد أهم أهداف الزواج في الإسلام

لقد زوّج النبي ابنة الأنصاري الجميلة جليبيبًا الذي كان طوال حياته مبنوذًا اجتماعيًا فمنحه السعادة التي يستحقها.

تُسلط هذه القصة الضوء على الحاجة إلى فهم الجوهر الحقيقي للزواج في الإسلام، وتؤكد على حق المرأة في اختيار زوجها مما يؤسس لعلاقة صحية قائمة على الحب الحقيقي والاحترام والتفاهم المتبادل بين الزوجين. فمن خلال الالتزام بهذه المبادئ، يمكننا خلق أسرٍ سعيدة تعكس قيم الإسلام.

وهكذا، زوّج النبي الكريم ابنة الأنصاري الجميلة من جليبيب الذي كان فيما مضى منبوذًا اجتماعيًا… لقد أعطاه في الحقيقة السعادة التي يستحقها.

لقد كان موقف هذه الفتاة المسلمة يعبر عن إيمان حقيقي، ويظهر الثقة بالنفس التي تتمتع بها المرأة المسلمة التي لا يمكن أن تتأثر بأهواء ونزوات المجتمع. وما زاد من روعة الأمر هو أن والديها لم يتدخلا في قرارها، فهذا حق أقره الإسلام لها.

لقد عاش الزوجان سعيدين معًا حتى استشهد جليبيب. وعندما انتهت المعركة، سأل النبي صحابته هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟‏»‏‏.‏ قَالُوا نَعَمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا‏.‏ ثُمَّ قَالَ: ‏«هلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟‏»‏.‏ قَالُوا نَعَمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا‏.‏ ثُمَّ قَالَ: ‏«‏هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ»‏.‏ قَالُوا لاَ‏.‏ قَالَ: «‏لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَاطْلُبُوهُ»‏‏.‏ فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَتَى النَّبِيُّ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: ‏«‏قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ»‏. فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ سَاعِدَا النَّبِيِّ ، فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ..(8)

وتشهد صفحات التاريخ على أنه لم يكن هناك أرملة في الأنصار أكثر إنفاقا من أرملة جليبيب؛ وهذا كان تحقيقًا لدعاء النبي لهما بأن يمن الله عليهما ببركاته ورحمته.

عادات ينبغي الإقلاع عنها

المعلوم أن المهر حق من حقوق الزوجة عند الزواج، يقول الله تعالى:

وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا . (9)

قال أمير المؤمنين، حضرة مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز: «المسيح الموعود عليه السلام يطلب منا أن نعقد معه عهد البيعة على ألا نتبع العادات والتقاليد غير الإسلامية التي أضافها الناس إلى عقيدتهم تأثُّرًا بالتقاليد الاجتماعية للبيئات التي يعيشون فيها. لقد تمَّ تبنّي تلك العادات بتأثيرٍ من أديانٍ ومعتقدات أخرى. فمثلاً، ثمّة عادات تافهة طائشة تتجلّى أثناء احتفالات الزواج، مثل التباهي بإظهار الأقمشة والأشياء التي تعطيها عائلة العريس للعروس، أو إظهار جهاز العروس. إنَّ الإسلام يوصي فقط بإعلان المهر عند عقد القران. أمّا سائر التقاليد الأخرى فهي عبث تافه. (10)

ويحرم الإسلام المغالاة في المهور والطلبات المادية، قال النبي : «خير النكاح أيسره.» (11) وقال أيضًا: «خير الصداق أيسره.» (12)

وقد بلغ الإسلام من تيسير نفقات الزواج أن جعل حتى خاتم الحديد بمثابة المهر، فقد روي أنَّ النبي قال لرجل أراد الزواج: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ.» (13)

الهوامش:

  1. صحيح  مسلم
  2. سنن الترمذي
  3. مشكاة المصابيح
  4. (الروم:22)
  5. تاريخ بغداد
  6. مسند أحمد
  7. صحيح ابن حبان
  8. صحيح مسلم
  9. (النساء: 5)
  10. مرزا مسرور أحمد، شروط البيعة وواجبات المسلم الأحمدي
  11. صحيح ابن حبان
  12. مستدرك الحاكم
  13. سنن ابن ماجة
تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via