مارتن لوثر كينغ، القس الأسود ذو الأيادي البيضاء

مارتن لوثر كينغ، القس الأسود ذو الأيادي البيضاء

حواء أحمد

  • من هو مارتن لوزثر كينغ؟
  • كيف جابه مارتن لوثر كينغ التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية؟

____

العنصرية هي سلب حقوق مجموعة من الناس لمجرد كونهم منتمين لدين أو عرق آخر، مما يضع الفئة المستضعفة تحت وطأة الاضطهاد بأفظع أشكاله، ومن أمثلته التاريخية اضطهاد المسلمين واليهود في الأندلس على يد محاكم التفتيش برعاية فرناندو وإيزابيلا، والمجازر التي راح ضحيتها شعوب وقبائل السكان الأصليين لقارتي أمريكا الشمالية والجنوبية على يد أساطيل إسبانيا، ثم اضطهاد النازيين الألمان لليهود في أوروبا، ولكن حين تُذكر العنصرية يتداعى إلى الذهن مظهرها الأشهر، وهو استرقاق أبناء قارة أفريقيا وبيعهم في أسواق النخاسة الأوربية والأمريكية..

لقد ترتب على عملية تجارة الرقيق الواسعة النطاق تلك وضع الملايين من أبناء أفريقيا في أوضاع اجتماعية مزرية، فكانوا ممنوعين من ركوب السيارات والقطارات ودخول المسارح ودور السينما والمطاعم التي يرتادها البيض، وحتى في حالات المرض أو الموت، كانت تُنتهك آدميتهم بشكل مريع، فكان لا بأس من التفريط في حياة عشرات السود فداء لحياة الرجل الأبيض، وكان ثمة مقابر للبيض وأخرى للسود على مبعدة منها. كل هذه الأمور وأكثر كانت دافعا للمناضلين أمثال نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا ومارتن لوثر كينغ في أمريكا للمطالبة بحقوقهم الشرعية والمدنية.

من هو مارتن لوثر كينغ؟!

مارتن لوثر هو ناشطٌ اجتماعي سطع نجمه خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين، بمناداته بحقوق الإنسان ودفع الظّلم عن المضطهدين، وطالب بالمساواة بين المواطنين الأمريكيين على تنوع أصولهم، وباعتباره أمريكيا من أصول أفريقية، فقد تعرض كسائر بني جلدته للكثير من الظلم، وهضم للحقوق التعليمية والاقتصادية والسياسية في ذلك الوقت.

النشأة والتحصيل العلمي

ولد مارتن لوثر كينغ في الولايات المتحدة الأمريكية في ولاية جورجيا أتلانتا في يوم 15 من يناير سنة 1929م وكان المولود الثاني لمارتن لوثر الأب والشقيق الأصغر لأخته «كريستين» والشقيق الأكبر لأخيه «ألفريد دانيال».

بدأ مارتن لوثر مشواره التعليمي في مدرسة عامة وكان طالبًا موهوبًا، ومن ثم التحق، على خطى أبيه، بكلية «مورهاوس» وهو يومئذ ابن الخامسة عشرة، وفي تلك الكلية درس الطب والقانون، وتخرج منها سنة 1948، ومن ثم التحق لوثر بعد ذلك بمدرسة «كروزر اللاهوتية» وحصل على شهادة البكالوريوس في اللاهوت، والتي درس فيها برغبة من رئيس كلية «مورهاوس» الدكتور «بنجامين ميس» وهو الآخر عالم لاهوت ومدافع عن حقوق الإنسان مُنادٍ بالمساواة العرقية،وأكمل لوثر دراسته العليا ونال درجة الدكتوراه في علم اللاهوت النظامي في جامعة بوسطن سنة 1953م. ثم أصبح مارتن لوثر لاحقا راعيًا لكنيسة «دكسترأفينيو» المعمدانية، واستقر به المطاف في ولاية ألاباما مونتغمري.

مطرقة مارتن ومسمار روزا

نعم، لمارتن لوثر إنجازات عديدة ومؤثرة بشكل كبير على واقع الحياة في الشارع الأمريكي إلى يومنا هذا وأعظمها إنجازاته الفعلية قيادته حملة مقاطعة حافلات مونتغمري، ولكن، كان له مصدر إلهام خاص، لقد كان مصدر إلهامه هو «روزا باركس» وهي امرأة أمريكية من أصول أفريقية، استقلت الحافلة كعادتها في طريق عودتها من عملها إلى منزلها، لتجلس على المقعد الوحيد الشاغر حينها، قبل أن يصعد أحد الركاب من ذوي البشرة البيضاء، ويأمرها بإخلاء مقعدها له، وذلك بموجب القانون الأمريكي العنصري الذي كان يلزم السود بالتخلي عن مقاعدهم للبيض في الأماكن العامة. وينص قانون ولاية ألاباما على أنه في حال شَغل كافة المقاعد في أية حافلة بالركاب، يتوجب على ذوي البشرة السمراء إخلاء مقاعدهم للركاب البيض.. على أية حال لقد رأت روزا تصرف الراكب الأبيض تصرفا عنصريا واضحا، لذا لم تستجب لنداءات الركاب وسائق الحافلة، لتدفع الثمن بإلقائها في السجن بتهمة عصيان قانون الولاية. الحاصل أن مارتن لوثر كينغ استثمر حادثة روزا أحسن استثمار، فقاد حملة مقاطعة الحافلات المذكورة. وتصاعدت وتيرة الأحداث مما أدى إلى أن منيت شركة حافلات مونتغمري بخسائر فادحة على أثر مقاطعة الركاب السود، وقد استمرت هذه المقاطعة الموجعة لمدة سنة وشهرين، وخلالها تم اعتقال لوثر وتهديده والإساءة إليه بشتى الوسائل المتاحة، إلى أن تحقق له ولفريقه الفوزُ فوزا محققا بتاريخ 20 ديسمبر 1956 والخروج من السجن بقرار من المحكمة العليا يلغي الفصل العنصري في حافلات النقل العام.

وتعريجا على حادث روزا باركس، فمن قبيل سخرية المفارقات أو فلنقل مما يؤسف له أن هذا الحادث كان قد وقع عام 1955، أي بعد مضي سبع سنين على الأقل من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، الذي تنص مادته السابعة على أن الناس جميعًا سواءٌ أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حقِّ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز!

في الولايات المتحدة الأمريكية كان منهج الكفاح ضد العنصرية منهجا سلميا حيث كانت سياسة مارتن لوثر كينغ مبنية على اللاعنف. وأطلق لوثر شرارته الأولى للمطالبة بحقوق الملونين الأمريكيين في سبتمبر لعام 1955 حين رفضت السيدة الأمريكية ذات الأصول الإفريقية، “روزا باركس” إخلاء مقعدها في الحافلة ليجلس شخص أبيض، وهذا الرفض كان منافيا للقانون الذي كان راعيا للعنصرية وقتذاك، والذي جعل الأفضلية للبيض دائما مما جعل سائق الحافلة يستدعي الشرطة التي بدورها ألقت بروزا باركس في السجن. هذه الحادثة أثارت حفيظة الطائفة العريضة من الملونين، وعلى رأسهم مارتن لوثر كينغ الذي دعا للعصيان المدني احتجاجا على تلك العنصرية حتى في وسائل المواصلات العامة، والتي يشكل المواطنون السود جمهورها وممولها الأكبر، فدعا إلى مقاطعة شركة الحافلات، ولاقت دعوته استجابة عظيمة، مما سبب خسائر فادحة للشركة استمرت أكثر من عام مما اضطر المحكمة الدستورية العليا في أمريكا عام 1956 إلى إصدار قرار بعدم دستورية قانون تخلي ذوي البشرة السوداء عن مقاعدهم فكان هذا أول مسمار يُدق في نعش التمييز العنصري. وكرد فعل عنصري على هذا النصر دُبرت محاولة اغتيال مارتن لوثر كينغ وذلك بتفجير منزله ولكنه تمكن من النجاة.

لقد كان مصدر إلهامه هو «روزا باركس» وهي امرأة أمريكية من أصول أفريقية، استقلت الحافلة كعادتها في طريق عودتها من عملها إلى منزلها، لتجلس على المقعد الوحيد الشاغر حينها، قبل أن يصعد أحد الركاب من ذوي البشرة البيضاء، ويأمرها بإخلاء مقعدها له، وذلك بموجب القانون الأمريكي العنصري الذي كان يلزم السود بالتخلي عن مقاعدهم للبيض في الأماكن العامة

حلم يتحقق أخيرا

كما كان حال الرقيق في الجمهوريات القديمة كالمدن الإغريقية، حيث كانوا محرومين من المطالبة بحقوقهم، ناهيك عن التصويت في الانتخابات لاختيار ممثليهم، الحال نفسها كانت مفروضة على المواطنين الأمريكيين من أصل أفريقي، وذلك على الرغم من إنهاء تجارة الرقيق بشكل رسمي منذ عقود طويلة هناك، ولكن يبدو أن ذلك الإلغاء كان شكليا حتى عقد الخمسينيات من القرن العشرين، بينما التطبيق الواقعي يقول شيئا آخر!

على أية حال، بعد الواقع الجديد الذي فرضه موقف «روزا باركس» البطولي، رأى المناضل مارتن لوثر كينغ أن يرفع سقف مطالب السود المشروعة إلى منحهم حقهم الطبيعي في التصويت الانتخابي، فهاجم لوثر في خطاباته الحماسية موقف كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وقد حالف مارتن لوثر كينغ النجاح الدستوري في هذه الخطوة أيضا، حيث تم تسجيل أكثر من مليون مواطن أسود في سجلات الناخبين. وقد دعا لعدة مظاهرات ضد الاضطهاد العنصري للسود في مدينة برمنجهام بولاية ألاباما الأمريكية، فأعقب ذلك سن قانون يمنع التظاهر في برمنجهام، فقاد لوثر احتجاجات ضد هذا القانون رافعا شعار «حلت الديموقراطية في برمنجهام»، فألقي القبض عليه وأودع سجنا انفراديا. وبعد خروجه من السجن قام بالضغط علي المسؤولين الحكوميين للتفاوض على إلغاء التمييز العنصري والإفراج عن المتظاهرين، غير أن هذه المفاوضات لم تسفر عن تقدم ملحوظ. ثم اندلعت في عام 1963 أحداث أكبر ثورة ضد العنصرية تشهدها أمريكا حيث اجتمع أكثر من ربع مليون شخص بينهم ما يقرب من 50 ألفا من البيض مطالبين بحقوقهم المدنية وشهدت هذه الثورة إلقاء أشهر خطابات مارتن لوثر كينغ وأكثرها حماسية، خطابه الذي عرف فيما بعد بعنوانه “لدي حلم.”

I HAVE A DREAM”

وظل كفاح مارتن لوثر للمطالبة بحقوق ذوي البشرة السوداء لاكثر من أحد عشر عاما ما بين 1957 إلى عام 1968 في اي منطقة بها ظلم واحتجاجات فكانت هذه الاعوام مليئة بالمؤلفات والمقالات والثورات ضد الحكومات وكانت نهاية لوثر علي يد احد المتعصبين حيث تم اغتيالة عام 1968 لتصدر بذلك شهادة وفاة أشهر المناضلين ضد العنصرية في التاريخ الأمريكي، والذي كتب بيده شهادة ميلاد وتحقق حلمه في المواطنة كاملة الحقوق والواجبات..

كان مارتن لوثر كينغ الحفيد السبب في صدور قانون الحقوق المدنية وقانون حق تصويت السود والملونين في الانتخابات الأمريكية، وفي عام 1964م حصل مارتن لوثر كنغ على جائزة نوبل للسلام لجهوده المبذولة لدفع الظلم والمناشدة لحقوق الإنسان والحرص على تحقيق السلام، وما زال الشارع الأمريكي يشكر جهوده إلى يومنا هذا بحيث يُحتَفل سنويا بيوم «مارتن لوثر الحفيد» وهو يوم عطلة رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية.

عندي حلم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما ما في أمة لا يُحكم فيها على الفرد من لون بشرته، إنما مما تحويه شخصيته.

 (مارتن لوثر كينغ)

Share via
تابعونا على الفايس بوك