قواعد أخلاقية ذهبية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي

قواعد أخلاقية ذهبية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي

د. منى محمد

  • ما أبرز المضامين التي تناولها ذلك كتاب “وسائل التواصل الاجتماعي”؟

 ___

ليست شرا محضا

منذ بضع سنين لم يكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يعدو كونه رفاهية زائدة، بيد أنه الآن بات مما لا مندوحة عنه بالنسبة للكثيرين، فهذا المقال يعرض علينا سبلا لوقاية أولادنا من آثاره السلبية، بعد أن أمست هذه الوسائل التواصلية الافتراضية شرا لا مفر منه. وكشأن كل وسائل التواصل، سواء أكانت واقعية أم افتراضية فليس بمقدورنا القطع بتحليلها أو تحريمها بصورة تامة، فمن المستحسن إذن وضع ضوابط لاستعمال تلك الوسائل، بما يضمن تحقيق فوائدها المرجوة، ويحول دون وقوع أضرارها المحتملة. ولما كان الواقع الثقافي في كافة المجتمعات يواجه الجديد بشيء من المقاومة في بادئ الأمر، فإنَّ وسائل التواصل الاجتماعي  في كثير من المجتمعات المحافظة عموما والإسلامية خصوصا تواجه كثيرا من المقاومة ، وقد وصلت لدى بعضهم إلى درجة التحريم، أو اتهام مستخدميها بالفسوق على أقل تقدير.

ومنذ عقدين من الزمان لم نكن نتوقع أن تسيطر وسائل التواصل الشبكية على حياتنا كل هذا التأثير، إذ لم تكن ساعتئذ تتجاوز مجرد التعارف بين الغرباء، ولكن هذا التعارف كان تعارفا من نوع خاص، وتأويلا لنبوءة قديمة تقول: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ. (1). لقد تجلَّى هذا التزويج في تواصل الأشخاص من أقصى العالم إلى أقصاه تواصلا آنيا، الأمر الذي ما كان ليخطر ببال أحد من الخلق قبل قرن واحد من اليوم. على أية حال قد تحققت النبوءة وثبت صدقها وصدق من أنبأنا بها، فالآن حان دور مناقشة تداعيات هذا التزويج، ومدى نفعه أو ضرِّه. ومن حسن حظنا، نحن المسلمين الأحمديين، أن منَّ الله تعالى علينا بالقيادة الروحية التي ترشدنا إلى جادة الصواب في أمورنا قاطبة، فببركة اعتصامنا بحبل الخلافة نوجَّه إلى الالتزام بالحسنات(2). وفي هذا العصر الذي يعاني فيه الناس من شتى أنحاء العالم، لا سيما جيل الناشئة من المراهقين والشباب، من الاضمحلال الأخلاقي نتيجة الزخم السريع لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، نجد أنفسنا محظوظين إذ أقامت لنا يد القدرة الإلهية من يهتم لأمرنا حتى في هذا الشأن، ويندر أن نرى قائدا روحيا أو مصلحا اجتماعيا أو حتى زعيما سياسيا يهتم لأجل تأثر أتباعه ورعيته بتلك الوسائل، إن لم يكن هؤلاء أصلا من جملة المتأثرين بسلبياتها! لهذا فمن دواعي المصلحة أن نلم ببعض القواعد الأخلاقية التي تنير لنا الدرب أثناء استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، وقد عرَض لها الخليفة الخامس للمسيح الموعود ، خلال عدد غير قليل من كلماته وخطبه وخطاباته، لتأثيرات تلك الوسائل، وبين سُبُل الحيلولة دون سلبياتها. ونظرا إلى خطورة الموضوع، وبالنظر إلى مصلحة الرعية، قد جُمِعت أقوال حضرته (أيده الله تعالى بنصره العزيز) في كتاب بعنوان «وسائل التواصل الاجتماعي».

قواعد ذهبية

ثمة قواعد ذهبية تمكننا من إحراز الحسنات إذا طبقناها كما هو حقها، وهذه القواعد قابلة، بل واجبة التطبيق في كافة مناحي الحياة، لكننا نعرضها في سياق الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي. أولى هذه القواعد الذهبية يعرضها المصنِّف في مفتتح كتاب «وسائل التواصل الاجتماعي» في باب بعنوان «الهدف من خلق الإنسان»، ويشير سيدنا الخليفة الخامس إلى أن القاعدة الذهبية الأولى هي مدى خدمة شيء ما أو تصرُّف ما للغاية من خلق الإنسان. مثلا، ، فقال حضرته في إحدى خطبه ناصحا أفراد الجماعة:

والقاعدة الذهبية الثانية التي ينبغي أن نسير عليها هي أن كل ممارسة محمودة في العالم الواقعي هي ذاتها محمودة في العالم الافتراضي، والعكس بالعكس، فكل ممارسة مرذولة في العالم الواقعي لن تكون إلا مرذولة بالمثل في العالم الافتراضي، فكما أن صدق القول وغض البصر وطيب اللسان مما نحمده في تعاملاتنا الواقعية، فلا يسوغ العقل أن الكذب وإطلاق البصر وبذاءة اللسان تكون أفعالا مقبولة في العالم الافتراضي، ذلك لأن أثر الفعل في العالم الافتراضي هو ذاته في العالم الواقعي، إن لم نقل أنه أبلغ أثرا وأشد وقعا!

وعلى ذِكر مكارم الأخلاق ومساوئها، شجب الخليفة الخامس للمسيح الموعود ظاهرة انتشار التضليل في المجتمع، وحث الشباب المسلم على التعامل بحذر مع وسائل التواصل الاجتماعي مبينا ما تعريبه أنَّ «الكذب سم يتسرب إلى قلب الإنسان ويمزق روابط الثقة والوحدة في المجتمع»(3).

اقتراف الشر بذريعة الخير

قال : «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ»(4)، من هذا المنطلق ندرك أن الشيطان يتسلل إلى النفس من أبواب الخير دوما، ولله در الإمام البوصيري صاحب البردة إذ قال:

وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إنْ تهْمِلْهُ شَب عَلَى

حب الرضَاعِ وَإنْ تفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ(5)

.

فَاصْرفْ هَوَاهَا وَحاذر أنْ توَلِّيَهُ

إنَّ الْهَوٰى مَا توَلَّى يُصْمِ أوْ يَصِمِ

.

وَراعِهَا وَهْيَ فِي الأعْمَالِ سَائِمَةٌ

وَإنْ هِيَ اسْتحلَت الْمَرعٰى فَلا تسِمِ

.

كَمْ حسَّنَت لَذةً لِلْمَرءِ قَاتلَةً

مِنْ حيْث لَمْ يَدر أن السُّمَّ فِي الدسَمِ!

فلا يتوجه أحد إلى السيئة قصدا، فمما يخالف فطرة الإنسان أن يرتكب فعلا وهو يعلم أنه ضار. أما المؤمن الحقيقي فإن الله تعالى قد فصل له الحسنات والسيئات تفصيلا، فعليه أن يميز بين الحسنات والسيئات في ضوء هدي الله، ويسعى لفعل الحسنات وترك السيئات. الشيطان يعلم أنه لا يقدر على أن يضر الإنسان ما دام في ملاذ الله تعالى وحصنه، لذا فهو يخرجه أولا من هذا الملاذ وهذا الحصن الذي يكون الإنسان فيه في مأمن، ثم يحرضه على اتباعه. والواضح أن الشيطان يخرج الإنسان من ملاذ الله بإغرائه بالسيئة على أنها هي الحسنة، وبتعبير آخر لا يمكن للشيطان إخراج المؤمن من ملاذ الله إلا باسم الحسنات(6).

 

وسائل تأكل وقتنا

من السيئات المعاصرة ما تتسبب فيه وسائل الإعلام الحديثة، وعلى رأسها التلفاز والإنترنت وغيرهما، لا نقصد من قولنا «سيئات» ما قد يتناهى إلى الأذهان من السيئات الأخلاقية كإطلاق البصر في المحتوى الإباحي، وإن كان هذا يحدث بالفعل، إلا أننا نشير إلى نوع آخر من السيئات، هو أصل السوء وجذر المصيبة، إنه إهدار الوقت فيما لا طائل من ورائه، «نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ». لو فحصتم أحوال معظم البيوت لوجدتم أن الصغار والكبار فيها لا يصلّون صلاة الفجر في وقتها لأنهم إما يشاهدون التلفاز أو ينشغلون بالإنترنت إلى ساعات متأخرة من الليل فلا يستطيعون الاستيقاظ لصلاة الفجر. بل إن هؤلاء لا يفكرون أن عليهم أن يستيقظوا لصلاة الفجر. فهذان الشيئان، التلفاز والإنترنت، وغيرهما من الملاهي العابثة التي لا تضيع صلواتكم مرة أو مرتين فقط، بل الواقع أن الذي يدمن عليها يصبح من عادته اليومية أن يشاهد هذه البرامج على التلفاز أو الإنترنت إلى ساعات متأخرة من الليل فيصعب عليه الاستيقاظ لصلاة الفجر، بل لا يستيقظ لها مطلقا، بل منهم من لا يعير الصلاة أدنى أهمية»(7).

إن مواظبة المسلم على إقامة الصلوات في وقتها لمن أفضل طرق إدارة الوقت. لقد اعتاد أكثر الناس في هذه الآونة تضييع الوقت وإهداره دون عمل مجدٍ أو تخطيط، فهنا ننبههم إلى ضرورة إقامة الصلوات على مواعيدها، لا سيما وأن الشارع الحكيم قد جعلها مرتبطة بعنصر الوقت ارتباطا وثيقا إذ يقول:

…إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (8).

كيف يمكن للمرء أنْ يطبِّق تلك القواعد الذهبية؟ يمكنه ذلك بالعودة إلى فطرة الإنسان الطبيعية الأولى التي فطره الله عليها ، لكي تنشأ لديه القدرة والإرادة على التمييز بين الخير والشر ، وذلك من خلال اختياره وانتقائه للطعام الصحي المفيد للجسم ، والاكتفاء بالقليل النوعي ،وهذا ما أشار إليه سيدنا المسيح الموعود أحمد عليه السلام : ( تأثير الأغذية في سلوك الإنسان ) (9)، فالعقل السليم في الجسم السليم، وبعد ذلك يرتقي سلوكه شيئا فشيئا إلى الأفضل فيأخذ بالخير ويعمل به ، ويترك سلوك الشر والرذائل.

الهوامش:

1. (التكوير: 8)

2. انظر: مرزا مسرور أحمد،وسائل التواصل الاجتماعي، ص35

3.مرزا مسرور أحمد، خطاب ألقي في ختام الاجتماع الوطني لمجلس خدام الأحمدية في المملكة المتحدة بتاريخ 22/09/2024

4. رواه مسلم

5. محمد بن سعيد البوصيري، الكواكب الدريَّة في مدح خير البرية (قصيدة البُردة)

6 . مرزا مسرور أحمد، وسائل التواصل الاجتماعي، ص15

7. مرزا مسرور أحمد، وسائل التواصل الاجتماعي، ص16

8. (النساء: 104)

9. فلسفة تعاليم الإسلام

Share via
تابعونا على الفايس بوك