خطبة الكسوف

خطبة الكسوف
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي
بتاريخ 29/03/2025
في المسجد المبارك بإسلام آباد في بريطانيا
بمناسبة حدوث الكسوف الجزئي للشمس
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ ، آمين.
لقد صليتُ اليوم صلاة الكسوف بسبب كسوف الشمس. لقد شوهد الكسوف في العديد من الدول الأوروبية، وفي بعض المناطق في أمريكا، وفي كندا، وفي دول أفريقيا بما فيها موريتانيا والمغرب وغيرها، وأعتقد أنه شوهد في كل هذه المناطق. كما شوهد أيضًا في دول روسيا.
كانت هذه سنة النبي عند حدوث كسوف الشمس أو خسوف القمر، أن تُصلَّى ركعتان نافلة. وقد حثّ النبي بشكل خاص في هذا اليوم على الاستغفار والصدقة وأعمال الخير. توجد بعض الروايات في الأحاديث حول هذا الأمر، فعند حدوث كسوف الشمس، خرج النبي مسرعًا وأمر بجمع الناس من أجل صلاة النفل جماعة. ولم يُشر إلى الأذان في هذه الصلاة، فلا يؤذَّن لها، بل قال بأن أعلنوا في الناس ليجتمعوا، فاجتمع الناس، وصلَّى بهم النبي صلاة طويلة من ركعتين.
في هذا السياق، هناك روايات عن السيدة عائشة رضي الله عنها، وكذلك رواية عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وسأذكرها بإيجاز، أما رواية السيدة عائشة رضي الله عنها فسأنقلها كاملةً. تقول السيدة عائشة:
وهكذا اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ، أي صلوا النوافل.
أما رواية ابن عباس رضي الله عنهما فأذكر جزءًا من هذه الرواية الطويلة وهو الجزء الذي لم يذكر في الرواية السابقة، يقول:
إذًا، هذه هي الروايات الموضحة للسنة المذكورة، وهناك العديد من الروايات الأخرى أيضًا. ومن السنة أيضًا إلقاء الخطبة بعد الصلاة، كما ذكرت سابقًا. لذلك، كلما تُقام هذه الصلاة، تُلقى بعدها خطبة.
وأود أن أوضح هنا بهذا الخصوص أنه لما توفي إبراهيم ابن النبي حدث كسوف الشمس، فقد ورد في بعض الروايات أن البعض ظن أن الكسوف قد حدث لهذا السبب، لأجل هذا بيَّن النبي أنه لا علاقة لهذا الأمر بموت أو حياة أحد.
كنت أتصفح الإنترنت، ووجدت معلومات خاطئة تقول إن الكسوف حدث بسبب وفاة ابن النبي ، وهذه المعلومات غير صحيحة. لا أعرف من أين أتت، يعتقد الناس عادةً أن مثل هذه المعلومات صحيحة، بينما هي خاطئة. إن جميع الروايات الواردة عن النبي من مصادر مختلفة تؤكد أنه قال إن كسوف الشمس وخسوف القمر لا علاقة لهما بموت أحد أو حياته، ومثل هذه الروايات كلها تنفي ذلك تمامًا.
ولكسوف الشمس والقمر أهمية خاصة في الجماعة الإسلامية الأحمدية، لأن النبي ذكر أن كسوف الشمس وخسوف القمر في أيام معينة من رمضان من علامات ظهور المسيح والمهدي. ووفقًا لذلك، بعد إعلان المسيح الموعود عن دعواه، حدث خسوف القمر وكسوف الشمس في الشرق عام 1894م، وفي الغرب عام 1895م.
لقد ذكر حضرة المسيح الموعود هذا الأمر كثيرًا في كتبه ومجالسه. وهنا أقدم اقتباسًا من كتابه “نور الحق”، الجزء الثاني، حيث يقول حضرته : “ثم اعلم أن الله نفث في روعي أن هذا الخسوف والكسوف في رمضان آيتان مخوِّفتان، (أي ما حدث من خسوف القمر وكسوف الشمس في رمضان إنما حدث من أجل الإخافة والإنذار) لقوم اتبعوا الشيطان، وآثروا الظلم والطغيان…. فخوّفهم الله بهما وكلَّ مَن تبع هواه وخانَ، وترَك الصدق ومانَ، وعصى الله الرحمن؛ فيتأذّنُ الله لئن استغفَروا ليغفِرَنّ لهم ويُرِي المنَّ والإحسانَ، ولئن أبَوا فإن العذاب قد حان. وفيهما إنذار للذين اختصموا من غير الحق وما اتقوا الرب الديّان، وتهديدٌ للذي أبى واستكبر وما ترك الحِران، فاتقوا الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين.
وما لكم لا تخافونه وقد ظهرت آية التخويف من رب العالمين. وقد ثبت في الصحيحين عن نبيِّ الثَّقَلينِ وإمامِ الكَونَينِ ، أنه قال لتفهيم أهل الإيمان إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آياته يخوّف الله بهما عباده، فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة، فانظُرْ كيف أوصى سيدُ السادات وخاتم النبيّين. وفي الحديث إشارة إلى أن تلك الآيتين من الرحمن مخصوصتان لتخويف عُصاة الزمان، ولا يظهران إلا عند كثرة المعاصي وغلوّ الخَلق في العصيان، وكثرة الخبيثات والخبيثين، ولأجل ذلك أمر عند رؤيتهما لفعل الخيرات والمبادرة إلى الصالحات من الصلوات والصدقات بإمحاض النيات والدعاء والبكاء كالقانتين والقانتات، والرجوعِ إلى الله والذكر والتضرعات، والقيام والركوع والسجدات، والتوبة والإنابة والاستغفار، وطلبِ المغفرة من الغفار، والخشوع والابتهال والانكسار، ومثلِ ذلك على حسب الطاقة من الإحسان وفَكِّ الرقبة والعتاقة ومواساة اليتامى والغرباء، والتذلل كل التذلل في حضرة الكبرياء… فكان السرّ في هذه الأعمال والخشوع والابتهال أن الشمس والقمر لا تنكسفان إلا عند آفة نازلة وداهية منزلة، وعند قرب أيام البأس وانعقاد أسباب الشر التي هي مخفية عن أعين الناس، ويعلمها رب العالمين. فتقتضي رحمة الله تعالى وحكمته التي تري اللطف والجمال، أن يعلّم الناسَ عند كسوفٍ طرقًا هي تدفع موجباتِه وتزيل سيّئاته، (فهذا ما علم الله تعالى ولأجل ذلك شرعت طريقة للصلاة) فعلّمهم هذه الطرقَ على لسان خير المرسلين. ولا شك أن الحسنات يُذهبن السيّئات، وتطفي نيرانًا دموعُ المستغفرين. وإذا عمل عبدٌ عملا صالحا بإمحاض النية وكمال الطاعة، وأرضى به ربه بتحمُّل الأَذِيّة، فيعارض هذا العملُ الذي كَسَبَه الشرَّ الذي انعقد سببُه، فيجعله الله من المحفوظين.
وهذا من سنة الله أن الدعاء يردّ البلاء، ولا يلتقي دعاء وبلاء إلا وإن الدعاء يغلب بإذن الله إذا ما خرج من شفتَي الأوّابين، فطوبى للدّاعين.”
ادعوا الله بنيّة صادقة وبإخلاص وتضرّع، فإنّ البلاء يزول بهذا الدعاء.
واليوم يجب أن نُولي الدعاء والصدقات اهتمامًا خاصًّا. فقد تصدقتُ شخصيًّا، كما تبرّعت الجماعة أيضًا بالصدقات، وعلى أعضاء الجماعة في مختلف الأماكن -من وفّق لذلك- أن يتصدّقوا.
وينبغي لنا ألا نتعامل مع هذا الحدث وكأنّه مُجرّد مشهدٍ نرصده بالنظّارات السوداء أو غيرها، بل يجب أن نكثر اليوم من الاستغفار، ونتضرّع إلى الله تعالى طلبًا لرحمته، ونخضع أمامه بخشوع.
وآية الكسوف والخسوف هذه والتي ظهرت مرّة أخرى في رمضان، وفي التواريخ نفسها التي نبّأ عنها رسول الله ، ينبغي أن تدفعنا إلى تعزيز إيماننا، والاجتهاد في الذكر الإلهي والصدقات والاستغفار. كما يجب أن نبذل قصارى جهدنا لإتمام مهمّة حضرَة المسيح الموعود ، ونُعرِّف العالم بها.
اللهمّ وفّقنا لذلك. آمين
لا يوجد خطبة ثانية ولا دعاء بل ينتهي كل شيء بعد الخطبة الأولى.
جَزَاكُمُ اللَّهُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته.