الفتوحات الإسلامية، "فتح" أم "غزو" ؟!

الفتوحات الإسلامية، “فتح” أم “غزو” ؟!

د. منى محمد

  • ما هي الإمبريالية؟
  • بم نرد على القائلين بأن حركة الفتوحات الإسلامية والتوسعات الإمبريالية سيان؟
  • لماذا لم يعد مصطلح “الاستعمار” مقبولا في نظر البعض؟

____

منذ تنامي حركة الاستشراق، والمستشرقون المغرضون مولعون بكيل الاتهامات للإسلام على شتى الأصعدة، سواء على الصعيد الاجتماعي حين يعالج قضايا المرأة واستقلاليتها أو تهميشها، أو قضايا التاريخ الحضاري، كحركة الفتوحات الإسلامية، وما إذا كان الوصف الصائب لها هو الفتح أم الغزو! المهم أن مثل هؤلاء المغرضين لا يهدأ لهم بال ولا تقر لهم عين قبل أن يلصقوا بالإسلام أكبر قدر من الوصمات، فهم وإن كانوا قد تمكنوا فعلا من كبح جماح توسعه إمبرياليا على الأرض في هذا العصر، إلا أنهم ما زالوا يطمعون في المزيد، فعساهم يتمكنون من كبح توسعه عبر القلوب!

الإمبريالية منطق السياسة القديم

قبل الخوض في تفاصيل هذا المقال يحسن بنا تعريف «الإمبريالية»، ذلك المصطلح الذي عندما يتردد في سياق ما، يصحبه عادة إيحاء بالاستهجان والبغض، وتوصف بها هيمناتٌ وقوى متغطرسة على مدار التاريخ، فماذا عساها تلك الإمبريالية ببساطة أن تكون؟!

في الآونة الأخيرة طالما أثيرت جدالات عقيمة تهدف في المقام الأول إلى تشويه سمعة الإسلام كمكون حضاري في العالم القديم، وذلك بالقول بأن ما يدعوه المسلمون بـ «الفتوحات الإسلامية» إنما هو محض غزو واستعباد للشعوب التي دخلوها، وأن هذا الفتح لا يعدو أن يكون غزوا، وإن هي إلا تلاعبات لفظية بغية تجميل تاريخ قبيح أصلا.. تلك كانت وجهة نظر غربية استشراقية، قال بها بعض المستشرقين المتطرفين في انتقادهم للتاريخ الإسلامي. وإننا من خلال التحقيق في وجهة النظر الاستشراقية السلبية تلك لن نسعى إلى نمذجة التاريخ الإسلامي مطلقا، بل سيتوقف تناولنا له على الجانب الوصفي بغية إماطة اللثام عن بعض المغالطات اللفظية التي ما تزال رائجة إلى يومنا هذا.

الإمبريالية مصطلح يشير إلى فترة وحركة التوسع الاستعماري الذي مارسته القوى العظمى منذ حقبة التاريخ القديم ونشوء الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقد انتهت هذه الفترة «شكليا على الأقل» مع بدايات القرن العشرين وتحررت غالبية البلدان المستعمرة، قلنا شكليا. ما يميز الإمبريالية إذن هو السعي المحموم للتوسع بالاستحواذ على أراضي الغير. وهذا التوسع كان فيما مضى يغذيه دافع جوهري، إما تأمين الحدود، أو استنزاف الثروات، على أية حال هذه هي دواعي التوسع التي أقرها المؤرخون ويعنيها المحدثون. ِأما في حال الفتوحات الإسلامية فيبدو الوضع مختلفا كل الاختلاف، وحتى خروج بعض سلاطين الدولة العثمانية عن هذا الخط في تقديمهم الجزية على نشر الدين في شرق أوروبا لا يجرح النموذج الإسلامي. (1)

دأبت الدول في ذلك الوقت على بناء إمبراطورياتها بالاعتماد على التطور التكنولوجي، واحتلال بلدان أخرى لتوسيع الرقعة الجغرافية لأراضيها، واستغلال موارد الدول الخاضعة لسيطرتها. احتُلت جميع دول أفريقيا تقريبًا وأجزاء من آسيا من قبل القوى الغربية واليابان، وكان المحرك نحو ذلك الهدف مزدوجا، فأولا طمعت الدول المتوسعة في الاستحواذ على ثروات الغير، وثانيا، حين استحوذت على الثروات وغذَّت صناعاتها بها، ثم صارت تبحث عن أسواق جديدة لتصريف إنتاجها، فمارست القوى المحتلة أبشع ممارساتها حين جعلت من الدول الفقيرة منجما لجلب المواد الخام بثمن بخس، ثم سوقا لبيع المصنوعات بباهظ الثمن. غير أنها غلفت ممارساها البشعة تلك بدعوى مهمة وهي تثقيف تلك الشعوب الهمجية على حد زعمها.

بالقول بأن ما يدعوه المسلمون بـ «الفتوحات الإسلامية» إنما هو محض غزو واستعباد للشعوب التي دخلوها، وأن هذا الفتح لا يعدو أن يكون غزوا، وإن هي إلا تلاعبات لفظية بغية تجميل تاريخ قبيح أصلا.. تلك كانت وجهة نظر غربية استشراقية، قال بها بعض المستشرقين المتطرفين في انتقادهم للتاريخ الإسلامي.

الإسلام بين الفتح والغزو!

التاريخ عادة يكتبه المنتصر، فحين تيسر لجيوش المسلمين دخول الأراضي الشاسعة التي كانت بالأمس ضمن حدود أعظم امبراطوريتين (الفرس والروم)، فإن حروبهم التي أفضت إلى النصر المبين سُميت فتوحات، هكذا سماها من انتصروا فيها، لكن المستشرقين والمتأثرين بهم الآن يدعونها احتلالا وغزوا، زاعمين بهذا أنهم يسمون الأشياء بمسمياتها، فأية وجهة نظر علينا أن نرجح؟! ولماذا؟!

لم يقدم المسلمون على فتح أراضي الغير من منطلق الاستضعاف، بدليل أنهم واجهوا منفردين أول ما واجهوا أغنى الإمبراطوريات وأعتاها، الأمر أشبه ما يكون بمواجهة بين دويلة صغيرة ضعيفة وقوتين عُظميَين في ذات اللحظة. يبدو الأمر غير منطقي بمقاييس عصرنا بل في كل عصر، ولكن هذا ما حدث فعلا، في حين أنه كان في متناول يد المسلمين في ذلك الوقت أراض كثيرة أكثر ثروات وأضعف جندا، فقد كانت مملكة أكسيوم (الحبشة) على بعد غلوة سهم، فلماذا لم يتوسعوا على حسابها إذن؟!

حين دخل المسلمون أراضي الفرس شرقا والروم غربا، كان هذا ردا على عدوان مسبق مارسه الفرس والروم على المسلمين بشكل ما، وحتى بعد انتصار المسلمين فإنهم لم يشبعوا الرغبة في الانتقام من المنهزمين، بدليل أن الإسلام حافظ على هوية البلاد المفتوحة، نعم، أضاف إليها الثقافة الإسلامية، ولم يُلغ ثقافتها الأصلية، فترى البلدان المفتوحة تميزت في ظل الإسلام بنمطها الخاص في العمارة والثياب والأطعمة واللغة، فلم يقمع المسلمون حضارة الشعوب الأخرى، بل كان بالنسبة لها انفتاحا على الحضارات الأخرى.. على الجانب الآخر، لننظر مثلا إلى التوسع الغربي في القرن الخامس عشر فيما يدعى باكتشاف الأمريكتين، لننظر، ماذا أبقى المحتلون الإسبان من لغة السكان الأصليين وحضارتهم ؟! لم يبقوا شيئا، وحتى اللغة الأصلية اندثرت وأصبح ثمة أمريكا اللاتينية، هذا غيض من فيض من نماذج متعددة في التاريخ . لهذا نميل إلى وصف الانتصارات الإسلامية عبر التاريخ بالفتوحات،  وهناك مَنْ يراها أو يصفها بالغزو ، (وهناك أناس آخرون يرونها أو يصفونها بالغزو) أو الإمبريالية، فلا بأس، ولكن ليستحضر هذه النماذج من التاريخ أولا.

لا شيء بالمجَّان

حين نتعامل بمنطق مادي بحت، غاضين الطرف عن العلاقة مع الله ومعاملته عز وجل، فلنعلم أنه لا شيء يقدم هكذا إلينا مجانا، وحين يقدم أحدهم إليك سلعة ما بلا مقابل، فاعلم أنك أنت السلعة، فلا يمكن لأي شخص عاقل أن يكون أحمق لدرجة أن يقول بأن الدول الكبرى تستثمر رأس المال في بلدان أخرى بدافع الرأفة. هذا القول الذي يردده بعض المغيبين إما أن يكون منشؤه الجهل أو أن يكون كذبا  فلو كان ذلك الظن صحيحا، أفلا يجدر بذلك المستثمر أن يرأف ببني جلدته أولا؟! فما باله يقطع الأميال لبذل معروفه المزعوم بينما إلى جواره من هو أكثر احتياجا؟! إننا بحاجة إلى إعادة نظر في كثير من المسائل التي أثارها الاستعمار أو أُثيرت حوله، فصناع القرار في الدول الغربية هم أولاً وقبل كل شيء تجار ورجال أعمال، ولا يمكن لشخص عاقل أن يتوهم أن أي رجل أعمال يستثمر ماله حيث لا توجد أرباح، بل لا يستثمر أي شخص جهده دونما نتيجة يؤملها. والبحث في دوافع القوى الإمبريالية إلى غزو الشعوب الفقيرة ليس بجديد، ففي معرض حديثه عن الأزمة السورية قال حضرة مرزا مسرور أحمد (أيدة الله تعالى بنصره العزيز): «أي رغبة يمكن أن تكون عند أحد جالس على بُعد آلاف الأميال في بلد معين؟ إنما هي إما أن يضع يده على ثروة ذلك البلد أو يفرض هيبته على الخصم كقوة عظمى؟ أو يفرض سيطرته على البلاد الصغيرة الفقيرة التي تضطرم فيها نيران الفتن، مظهرا تفوقه.»(2)

الاستعمار المُقَنَّع وجنة الدجال

لا شك أن الاستعمار بمظهره العسكري التقليدي القديم قد ولى إلى حيث لا رجعة، لا سيما بعد أن نالت كافة دول العالم الثالث استقلالها بشكل ما، بغض النظر عن أنها نالت في أغلبها استقلالا مشوها ما زال يجلب عليها كل يوم من المصائب أكثر مما يعطيها من المنافع، فعلى أية حال، ولَّت الهيمنة العسكرية إلى غير رجعة، ولكن أيمكننا القول بأن الاستعمار انتهى قطعا 100%؟! خلف ستار الدوافع الإنسانية، تُفرض الإمبريالية بحذق على البلدان الضعيفة بحيث يصبح من الصعب التمييز بين بلد حر وبلد مستعبد. فتبرر القوى الغربية ارتباطها ببلدان أضعف بأنها تسعى إلى مساعدتها. فلا تستطيع تلك البلدان التعرف على الدوافع الخفية وراء النوايا النبيلة في الظاهر، فترى خطأً نار الدجال على أنها جنة تُقدّم لها. عندها، تصبح البلدان تابعة للقوى الغربية دون أن تدرك ما حدث، وتجد أن ليس لديها مجال لممارسة سيادتها.

قال حضرة ميرزا طاهر أحمد، خليفة المسيح الرابع (رحمه الله): «ظاهرياً، لا يلاحظ العالم أي رغبة من جانب الدول المتقدمة في ممارسة أي تأثير على الدول النامية، لكنها في الواقع تملي بقوة السياسات الخارجية الأساسية والمهمة على الدول الصغيرة. وتدرك عندئذ الدول الصغيرة أن سياساتها الخارجية ليست مستقلة. فما يحدث عملياً هو أن الدول الأقوى تصوغ السياسة الخارجية للدول الصغيرة بحيث تضع لها بعض الخطوط. وإذا أقامت هذه الدول الصغيرة اتصالات مع الدول الأخرى أو أجرت تغييرات على سياستها فلا اعتراض طالما بقيت داخل تلك «الحدود»، ولكن بمجرد أن تغامر بعبور تلك الخطوط، تجد الدول المتقدمة ذريعة للتدخل فيها وبالتالي، لا يُسمح لهم باتباع أي سياسة مستقلة». ويتم ممارسة هذا الخداع في المقام الأول عبر وسائل الإعلام. وتُستخدم الحملات الدعائية لتجميل صورة القوى الغربية في أعين شعوب العالم. وهكذا فإن الجهود الإمبريالية التي يبذلها الدجال، ويأجوج ومأجوج، تُصوَّر أمامنا مراراً وتكراراً على أنها جهود إنسانية كبيرة. غير أن الدافع الأساسي وراء ذلك هو الإمبريالية. (4)

تسمية «الاستعمار» تسمية دجلية

في السطور الخالية من المقال ظلت لفظة «استعمار تتردد على مضض، فالحق أنها لفظة جميلة وذات معنى أجمل، وإن كنا نستعملها هذه الأيام ضمن سياقات مغلوطة، لا لشيء إلا لأن هذا الاستعمال فرض علينا على ما يبدو، كما فرضت علينا أمور أخرى.. فالأدبيات العالمية بشتى الألسنة تستعمل لفظة «استعمار» لتشير بها إلى ذلك الوجه القبيح من وجوه الهيمنة، هيمنة دول قوية على أخرى ضعيفة، ومن ثم احتكار مقدراتها وثرواتها، وأكثر تعاريف الاستعمار شيوعا هو السيطرة التي تمارسها دولة من الدول أو جماعة من الناس على شعب من الشعوب والتحكم بمصيره واستغلال خيراته لصالح البلد المستعمر. مع أننا إذا فكرنا في أمر هذه التسمية من منظور لغوي مجرد، لما وجدنا أية غضاضة، بل على العكس، فالاستعمار بالمعنى اللغوي أمر محمود، فهو استصلاح واستزراع، وينطبق على كل خراب امتدت له الأيدي بالإعمار وصُبَّت فيه الجهود في سبيل استصلاحه وبنائه، أفكان ذلك واقع الدول الواقعة تحت نير الهيمنة الغربية حقا؟! أكانت قبل أن تغزوها جحافل الغرب خرابا يبابا ليأتي الغربيون بعد هذا ليعمروا خرابها؟!. إذا كان الجواب بـ «نعم» فعلى الأغلب نحن بحاجة إلى إعادة دراسة التاريخ. يقول تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ. (5).. فالاستعمار لفظ جميل إيجابي معبر، فنرى من قبيل المغالطة إطلاقه على الدول التوسعية التي استنزفت وما زالت تستنزف شعوبا وشعوبا، فلنسمه احتلالا، أو غزوا، أو استنزافا، أو بأي لفظ آخر يحمل دلالة سلبية ما.

إن معظم المؤرخين والباحثين يرون أنَّه يوجد علاقة وطيدة بين الاستشراق والاستعمار، وأنَّ الاستعمار وليد الاستشراق، وربما كان هذا الأمر قريبا للحقيقة والواقع، ومن أجل التأكد من ذلك يمكن الرجوع إلى التاريخ وتتبع نشأة الاستشراق الذي كان في منتصف القرن الثامن عشر، وهو عصر التنوير، ومقارنته بنشوء أو ظهور الاستعمار في الشرق، وقد رأى ادوارد سعيد  أنَّ الاستشراق أداة سياسية قوية للهيمنة (6) فكيف حصل هذا ؟ ربما لأنَّ المستشرقين كان جلَّ هدفهم هو البحث في الموارد الفكرية والثقافية والعلمية، وكان من بين هذه الموارد (الفتوحات الإسلامية) العظيمة، وفي الوقت ذاته كان ساسات الجيش الغربي وقياداته يبحثون عن الموارد الاقتصادية والسياسية، فنشأت لديهم فكرة أنه بإمكانهم نشر (أفكار التنوير) الأفكار المعاصرة التقدمية واستبدالها بالقيم الرجعية في الشرق الضعيف، حذواً واقتداءً بالفتوحات الإسلامية المباركة التي عبَّرت عن معنى (الفتح) بالمعنى الحقيقي، إذ وصفها التاريخ بأنها كانت ليست مفروضة وليست قسرية، وقد قامت بحق على التشاركية والتعاون، وانطلاقاً من ذلك دخل الغرب في مغامرة (التجارب الاستعمارية) التي باءت بالفشل الذريع، فجاءت تقليداً أعمى، وعكست صورة مشوهة مادّية خالية من الروحانية، صورة مغمورة بالسلب والنهب والتجويع؛ لأنهم استخدموا شتى أنواع الأساليب في فرض السيطرة والعدوان، ويبدو أنَّ المؤرخين والباحثين في السنوات الأخيرة قد استفاقوا وتنبهوا لتصويب ما علق من شوائب بالمصطلح (الاستعمار) وأخذوا يبدلونه بمصطلحات عدة منها : الغزو ، والاحتلال ..

   فلنعلم أنه لا شيء يقدم هكذا إلينا مجانا، وحين يقدم أحدهم إليك سلعة ما بلا مقابل، فاعلم أنك أنت السلعة، فلا يمكن لأي شخص عاقل أن يكون أحمق لدرجة أن يقول بأن الدول الكبرى تستثمر رأس المال في بلدان أخرى بدافع الرأفة. هذا القول الذي يردده بعض المغيبين إما أن يكون منشؤه الجهل أو أن يكون كذبا  فلو كان ذلك الظن صحيحا، أفلا يجدر بذلك المستثمر أن يرأف ببني جلدته أولا؟!

النبوءة

ربما أصيب المرء بدوار إذا ما أدرك أن الصراع الناشب في جنبات الكوكب منذ بداية قرون الاستعمار الغربي لهو أمر أنبأ به حضرة خاتم النبيين منذ أكثر من 14 قرنا، وذلك في معرض أحاديثه المثيرة عن فتن آخر الزمان، ومن بينها فتنتا الدجال،ويأجوج ومأجوج، واللتان هما في الواقع وجها عملة واحدة للفتنة ذاتها.

النظر في سجلات التاريخ المحفوظة يبعثنا على اليقين بأن الدول المنكوبة بالاستعمار منذ القرن الخامس العشر الميلادي إنما وقعت في قبضة مستعمريها الغربيين بتأثير أحد أمرين أو كليهما معا، المؤثر الأول تمثل في الخداع السياسي والاقتصادي، والتلويح بالمظاهر الحضارية الزائفة، وبذل المحاولات المستميتة في سبيل إقناع الشعوب الفقيرة بأن «المستعمر» يحمل لهم جنة حضارية مفرداتها الموضة واللهو والرقص وما إلى ذلك. لا شك أن مثل هذه الأمور تجتذب كثيرا من الناس، لا سيما أولئك الذين أنهكهم شظف العيش. قال :» أَنْذَرْتُكُمْ الدَّجَّالَ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ أُمَّتَهُ وَإِنَّهُ فِيكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ وَإِنَّهُ جَعْدٌ آدَمُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ وَمَعَهُ جَبَلٌ مِنْ خُبْزٍ وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ وَإِنَّهُ يُمْطِرُ الْمَطَرَ وَلَا يُنْبِتُ الشَّجَرَ وَإِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى نَفْسٍ فَيَقْتُلُهَا وَلَا يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا يَبْلُغُ فِيهَا كُلَّ مَنْهَلٍ وَلَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ مَسْجِدَ الْحَرَامِ وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَمَسْجِدَ الطُّورِ وَمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَمَا يُشَبَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»(6). وإننا كمسلمين، علينا أن نتبصر بما يكفي لكشف هذا الخداع والتمييز بين هذا الجحيم والجنة.

الهوامش:

  1. حسين مؤنس، أطلس تاريخ العالم الإسلامي، ص431

2. خطبة الجمعة لخليفة المسيح الخامس، بتاريخ 2013-09-13، وعنوانها «السلام الحقيقي متاع الأرضِ المفقود»

3. كارثة الخليج والنظام العالمي الجديد

4. IMAM RIZWAN KHAN, Dajjal, Gog, Magog, Muslim Sunrise Magazine, MARCH 2016

5. (هود: 62)

6. راجع: إدوارد سعيد، الاستشراق.. المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: محمد عناني، مؤسسة هنداوي للنشر، ٢٠٢٤م.

7. (مسند أحمد، كتاب باقي مسند الأنصار)

Share via
تابعونا على الفايس بوك